أدب الرعب والعام

XIV 2

بقلم : Roxana – Wonderland

XIV 2
عند اكتشافي أن ايفا على قيد الحياة و أنها بخير تغيرت المعادلة .. و عرفت أنني أخوض حربي لأجلها و ليس لإشباع انتقامي الأناني و حسب

الوقت : 10:30 Am
المكان : باريس- فندف غيشليو
– دانتي عليك أن تتوقف عن المشي هكذا في أرجاء المكان .. أنت تشعرني بالدوار .
لم أستطع كبت انفعالي أكثر من هذا ! اللعنة على صوفيا ! سأجعلها تتمنى الموت ألف مرة قبل أن تفكر بالنظر إلي !
-دانتي
لن تنجوا بفعلتها !
– دااااانتي !
التفت إلى لوسيان بغضب
– ماذا تريد ؟!
– اهدئ قليلاً أرجوك.. أنت تثير أعصابي !
– هلا أغلقت فمك للحظة
– لك هذا

اقتربت من لوسيان و وضعت يدي على رأسه
– أنا لم أقصد أن أصرخ في وجهك هكذا ، أنت تعلم أني أتفوه بالحماقات حين أغضب..
أبعد يدي عن رأسه و قال لي :
– لا داعي.. أنا أعرف أنك لن تهدأ ما دامت تلك النيران تستعر في داخلك .
بصراحة لم أتوقع منه قول هذا !
أي نيران تقصد ؟
جلست بجانبه و نظر الي بابتسامة شريرة
– و ما غيرها ؟! نيران عشقك يا رجل .
قطبت حاجبي بتساؤل
– هلا تكلمت الإيطالية من فضلك ؟ فأنا لا أجيد لغتك . استدرت و أوليته ظهري و أنا التقط حقائبي من على الأرض ، لقد فقد الرجل عقله ، أحسست بيده على كتفي
– عليك أن تتوقف عن التظاهر بعكس هذا ، أنت واقع بالحب شئت أم أبيت ، فتصرفاتك و انفعالاتك تدل على هذا .
عند سماع كلماته أحسست بأن قلبي ينبض في أطراف أذني ، لقد صعد دمي كله إلى هناك ، كم أكره أن يفضحني هذا .

لا مجال للمراوغة ، ابتلعت ريقي و قلت : أنت تقصد…ايفا ؟
– في الواقع ظننتك ستقول لي صوفيا لأنك كنت تردد أسمها طوال الوقت ، لكن بما أنك اعترفت… و ضحك ساخراً .
عالجته بضربة سريعة على وجهه بالوسادة و هو لا يزال يضحك كالمجنون ، و سرعان ما فقدت سيطرتي و بدأت بالضحك أيضاً ، يا لها من زلة لسان .
– لم تخبرني ، أين خبأت الشريحة ؟ سألني بعد أن توقفنا عن معركة الوسائد ، انتصب شعري في مختلف الاتجاهات بسببه ، ابتسمت و قلت له :
– لم تسأل ؟ لقد ابتلعتها .
– ابتلعتها ؟!!
– حسناً… لم أجد مكاناً آخر لأخبئها فيه ، لقد دخل علي الحارسان بسرعة و لم أرد أن تؤخذ مني .
كان لا يزال ينظر إلي كما لو أنني مهرج أمامه حين أخرجت هاتفي من جيبي لا أعتقد أنه يصدقني .
– لم تخبرني ، كيف ستخطط لقتل سيزار فابيو و أنت لا تحمل أي سلاح ؟ هل سنتزود بالسلاح هنا أم ماذا ؟
– سؤال وجيه ، لأنه لا يوجد أي أحد هنا تابع للإستخبارات الإيطالية لتزويدنا بالسلاح ، و لا أعرف أي أحد هنا يتعامل بالسلاح .

– جيد جداً ، قال لوسيان بإستهزاء
– أنت تعلم أن العملية سرية جداً لذا إن من يعلم بها معدود على الأصابع الخمس ، لكني دبرت للحصول عليه عن طريق الحقيبة الدبلوماسية .
– الحقيبة الدبلوماسية ؟ لم أفكر في هذا..
– و هل تفكر أصلاً ؟ – قلت له مازحاً – إن الحقيبة الدبلوماسية تستخدمها الدول لتبادل الاشياء و المعلومات السرية بينها و بين سفاراتها في دول أخرى من دون أن تطلع تلك الدول على محتوياتها ، هناك موظف تابع للمخابرات الايطالية – و هو المسؤول عن فتح الحقيبة – موجود في السفارة الايطالية في باريس سيقوم بتزويدنا بالسلاح ، و من باب العلم فقط.. نحن مراقبين منذ دخولنا الى المطار ، هناك من يشك بنا من الفرنسيين – و أعني الاستخبارات الفرنسية – إن عمليتنا هنا ستكون مختلفة لأننا سنعتبر خارجين عن القانون في نظر الكل بينما نحن نعمل لدى الحكومة و لن تتدخل السفارة أو المخابرات الإيطالية لمساعدتنا إذا ألقي القبض علينا ، لأننا نقوم بتطبيق العدالة بطرق غير مشروعة ، فكن حذراً و لا تنس ألقابنا المزورة .

– ياللسخرية
– أجل… إضافة إلى تواجد الكثير من الغجر في باريس يتاجرون بالأسلحة في حقائب مصممة للغيتار ، أمر مثير للسخرية أيضاً لأننا سنضطر إلى هذا بما أن حقائب الغيتار كبيرة نسبياً
خرجت مع لوسيان للذهاب إلى إحدى المقاهي في المنطقة ، طبعاً لم يكن هدفنا احتساء الشاي أو تناول مشروب ، كان هذا موعداً مع العميل ماركوس أوزيرا – من قسم المخابرات الإيطالية – و الذي سيزودنا بالسلاح.
لو كانت الظروف عادية لكنت الآن مستمتعاً و أنا أقود بسيارتي البوغاتي في شوارع باريس الساحرة – لقد شحنتها مسبقاً من إيطاليا إلى فرنسا – إلا أن مشاعري كانت تترنح على شفير الهاوية ، و لا بد من أن أفرغ غضبي بوسيلة أو بأخرى ، استخرجت هاتفي الثريا و اتصلت بصوفيا .

– ألو؟… سيد سلفاتور ؟ أجابت في اللحظات الأخيرة قبل أن ينقطع الخط
– أجل ، هل قاطعتك في شيء ما ؟ في هذه اللحظة نظر إلي لوسيان و على طرف شفتيه ابتسامة ، لكني تجاهلته و ركزت على الطريق
– لا كنت أتبرج فقط .
– ألم تتعبي من وضع الماكياج على وجهين في كل صباح ؟ الآن حان دوري للإبتسام ..
صمتت لبرهة ثم أخفضت صوتها و تكلمت بنبرة من العصبية – عميل XIV ! من الأفضل لك ألا تكلمني بهذا اللهجة !
– أنا من يفترض به أن يقول هذا ، على الأقل كان بإمكانك جعل أحداهما يبدو جميلاً ، لكنك أخفقتي في هذا أيضاً .
– عن ماذا تتحدث ؟!
– أين هي أيفا ؟! صرخت بها بغضب و أكملت
– إياكِ أن تنكري أنها على قيد الحياة ! أقسم لو حاولتي التملص فلن تعيشي لعد قضبان زنزانتك حتى
– و ما الذي تستطيع فعله لي ؟
– حسناً صوفيا إن الإنتقام هو المساحة الوحيدة التي لا يمكن التنبؤ فيها بمدى خيال الإنسان و ما عليك إلا المحاولة إذا أردتي خوض التجربة .
– أؤكد لك أنها بخير
– ها.. ظننتم أنكم ستنجون بكذبتكم بهذه السهولة؟؟ إسمعي ، أمامك 24 ساعة لإخباري بمكان تواجدها و إلا ستفقدون أحد عملاءكم .
أخرجت أقوى مسدس عندي “نسر الصحراء – Desert Eagle 50 AE ” و قمت بإلغاء وضع الامان
– ماذا تفعل ؟؟ همس لوسيان بجانبي
– أرجوك دانتي إسمعني – قاطعتها بغضب – لا تستخدمي دموع التماسيح معي !
– دانتي .. نحن لم نكن سبباً في اختطافها ، كل ما في الأمر أننا لم نخبرك ..
– 24 ساعة فقط .. قاطعتها و أقفلت الخط .

دعست على دواسة الوقود بقوة و انطلقت بسرعة
كان لوسيان يترنح في مقعده و يتفوه بتحذيرات : خفف عند الاستدارة ! … و … إحذر القطا….
مررنا قبل أن يعبر القطار بثواني ، صرخ علينا بعض السائقين اللذين اجتزناهم بسرعة بينما أخذ بعض منهم ممن شاهد مناورتي بالإبتسام و الصفير
– أنت مهووس ! نحن لسنا في سباقات ناسكار !
كنت أشعر بالفرح و الغضب في آن واحد .. فرح لأن ايفا بخير ، و غاضب بسبب كذبهم علي و أريد أن أعبر عنهما في آن واحد لذا كنت أمر بحالة هيستيرية غريبة ، إلا أن قيادتي السريعة أشبعت هذا التوتر نوعاً ما … مسكين لوسيان ، عليه أن يشهد هذا أيضاً .
– آسف لأني جعلتك تمر بهذا قلت له ضاحكاً ، لاشك بأنه يظن أني فقدت عقلي ، فقبل قليل كنت أصرخ بغضب في الهاتف .
– أنت و مزاجك البرتقالي ، لا تقلق فقد اعتدت على هذا ، أنت تتصرف هكذا منذ أن تجسسنا على فابيو ، آمل أن تهدأ عند وصولنا للمقهى .

ذهبنا إلى المقهى حيث كان العميل ماركوس أوزيرا بالانتظار.. في الواقع لم أشعر بحال أفضل هنا ، كنت أظن أن رودريغو ملل حتى التقيت بأوزيرا و اكتشفت أنه يمتلك شخصية حائط – و أعني هذا حرفياً –
– سيد مايكل نايت هذه هي طلبيتك .. قام أوزيرا بمناولتي حقيبة غيتار كبيرة .
جلسنا و شربنا الشاي معه إلا أنه لم ينبس ببنت شفة ، كان يراقبني بحذر و يجلس بوضعية متصلبة ، مراقباً كل من يدخل أو يخرج في نفس الوقت ، من حقه التصرف هكذا ، فهو سيكون جزءاً من أكبر عملية اغتيال ستشهدها إيطاليا على الأراضي الفرنسية .
القيت التحية عليه و هممنا بالإنصراف ، طبعاً لم تكن الحقيبة الدبلوماسية على شكل غيتار إلا أن أوزيرا قام بنقل محتوياتها إلى حقيبة الغيتار .

** ** **
يقال قبل أن تخوض الحرب يتحتم عليك معرفة ما الذي تقاتل من أجله ، عندما بدأت حربي هذه لم أكن لأهتم بما ستؤول إليه الأحداث في نهاية المطاف ، كان كل همي الانتقام ، لكن عند اكتشافي أن ايفا على قيد الحياة و أنها بخير تغيرت المعادلة ، خصوصاً بعد أن ساعدني لوسيان على اكتشاف عاطفة جديدة تنمو في داخلي ، عرفت أنني أخوض حربي لأجلها و ليس لإشباع انتقامي الأناني و حسب .
لكن نمو هذه العاطفة كان أسرع مما توقعت ، و كأن قلبي ينبض على الزناد ! كنت مستعداً في أي لحظة لقتل كل من يحاول إبعادها عني أو إيذائها ، حبي لها جعلني معلقاً ما بين الحياة و الموت ، ربما يستطيع الحب القضاء على الكثير من الآلام – فقد تكسب شخصاً يعادل ماخسرته في حياتك كلها – إلا أنه أعظمها .

كنت أقوم بتفحص بنادق القنص ” دراغونوف و ستونر ” في غرفتي بالفندق حين جاء لوسيان حاملاً معه ظرفاً بريدياً
– إنه من صوفيا .. قال لوسيان و بدأ بفتحه
لا بد من أن في داخله جواباً لسؤالي ، نبض قلبي بشدة إلا أنني مددت ساقي على المنضدة في محاولة للاسترخاء .
– ما هذا بحق السماء ! هتف لوسيان و أفرغ محتويات الظرف على المنضدة بجانبي ، نظرت إلى الأوراق كانت هناك مجموعة أوراق بوكر و رسالة و قصاصة ورق صغيرة ، تناول لوسيان الرسالة و قرأ لي :
– أنا آسفة ، لكن هذا كل ما استطعت الحصول عليه ، لم أفهم شيئاً واحداً منه إلا أنني أعلم أنه يرتبط بمكان إيفا لأن رودريغو ناولني هذه الأوراق عندما كنا نلعب البوكر حينما سألته عن مكانها ، أما الورقة التي دون لي فيها الملاحظة فقد أرسلتها إليك لتتطلع عليها ، آمل أن تساعدك في الوصول إلى شيء ما .
– ما هذا الهراء ! التقط لوسيان القصاصة و رفعها في وجهي ، لقد كتب فيها عبارتان باللغة الأنكليزية ” Hit me with the saw …. see sir ” طبعاً لم يحتمل كلامه أي معنى منطقي : إضربني بالمنشار … قابل سيد .

أما بالنسبة لأوراق البوكر فكانت كالتالي :
ورقتان تحمل الرقم واحد ، ورقة شاب ملتصقة مع ورقة الملكة و مع ورقة تحمل الرقم واحد ، ورقة 3 ، ورقة 8 ، ورقة 2 ، ورقة 5 ، و ورقتان ملتصقتان ببعضهما .. ورقة الملك و ورقة الرقم 3 .
ابتسمت في داخلي .. إن رودريغو ذكي بالفعل.
– ما هذه السخافات ! إنها تحاول الاستهزاء بنا ! ما الذي قد يعنيه رودريغو بهذه ؟
– قد لا يكون كلامه مباشراً مما يعني أنه لم يكن يقصد الشخص الذي وجه إليه الرسالة .
– أنا لا أفهم شيئاً من هذا ! من الذي يضرب بالمنشار ؟ و ما علاقة السيد المجهول ؟
– إنها شيفرة على ما أظن .
تركت لوسيان مستغرقا في حيرته ، فبالنهاية عمل عقلين أفضل من عمل عقل واحد ، تابعت عملي و لم أتناول الأوراق ، أريد معرفة ما قد يستطيع لوسيان التوصل إليه.
إذا كانت شيفرة فما نوعها ؟ إنها تختلف عن بقية أنواع الشيفرات ، لقد جربت العديد منها لكن لم تنطبق أي واحدة عليها – نظر إلي بانزعاج – هل ستظل تلهو بأسلحتك ؟ لمَ لا تقول شيئا ؟!

ابتسمت و أنزلت ساقي من المنضدة ثم تناولت أوراق البوكر و قمت بإعادة ترتيبها على نحو تصاعدي : ورقتا الرقم واحد بالبداية ثم الرقم اثنان ، ثلاثة ، خمسة ، ثمانية ، ورقة الملك الملتصقة بالرقم ثلاثة ، ورقة الشاب و الملكة و الرقم واحد الملتصقة ببعضها أيضاً .
– أهذا هو الحل ؟ لقد رتبتها تصاعدياً وحسب ، ما الذي نستطيع معرفته من هذا ؟
– إن الأمر في غاية البساطة لدرجة السخافة ، إن أوراق البوكر إنما الغرض منها هي معرفة ترتيب أرقامها ، و هي أشهر متوالية حسابية في التاريخ ، هذه متوالية فيبوناتشي و هي متوالية أساسها أن كل رقم يساوي مجموع الرقمين السابقين ، فلو نظرت إلى الأرقام ستجد ما أقوله صحيحاً . لكن في لعبة البوكر لا توجد أرقام تتعدى الرقم 10 ، لذلك قام بلصق أوراق معينة لتعطي الرقم المطلوب ، فمثلاً استخدم الملك و الرقم ثلاثة للإشارة إلى الرقم 13 ، و استخدم الشاب و الملكة و الرقم واحد للإشارة إلى الرقم 21 .. فكما تعلم أن قيمة ورقة الشاب أو الملك أو الملكة كل واحدة تساوي عشر نقاط .. فقام بجمعها لإعطائه العدد المطلوب .

– لا أستطيع تصور علاقة هذا مع مكان ايفا
– لقد اقترح عالم الرياضيات الشهير ليوناردو فيبوناتشي هذه المتوالية الرقمية في القرن الثالث عشر ، و من الواضح أن كافة الأرقام في أوراق البوكر تنتمي إلى متوالية فيبوناتشي المشهورة ، و هذا أمر لا يمكن أن يحدث عن طريق المصادفة ..بل كان مقصوداً .
– حسناً … إذاً لم يحدث ذلك بالصدفة ، هلا قلت لي لم فعل رودريغو ذلك ؟ و ما الذي يريد قوله ؟
– لا شيء يذكر سوى أنها دعابة رمزية شديدة البساطة كأن تأخذ قصيدة ما و تخلط كلماتها لا على التعيين لترى إذا كان هنالك أحد يستطيع أن يعرف القاسم المشترك الذي يجمع بين تلك الكلمات .
ظننت أنه قادر على اكتشافها بنفسه ، هنالك شيئاً ما بالموضوع ، لم يطرح لوسيان أسئلة أخرى وتابع النظر إلى محتويات الظرف .
– سأقوم بجولة في المكان علي القيام ببعض الأمور .. قلت له و لبست سترتي الأرماني ، ثم خرجت و على ظهري حقيبة الغيتار .

** ** **
استخدمت الدراجة النارية ” دوكاتي ” التي طلبتها من صوفيا و ذهبت إلى هدفي التالي ، كان عبارة عن عمارة سكنية تحتوي على العديد من الشقق ، استخدمت بطاقتي الأئتمانية – بأسم مايكل نايت – المزورة لدفع و استئجار أعلى شقة متواجدة عندهم ، دخلتها و كما توقعت فلقد كانت تبعد مسافة ميل و نصف عن موقع المزاد ، وتطل عليه مباشرة ، قمت بفتح حقيبة الغيتار التي تزن 5 كيلوغرامات و استخراجت البندقية الروسية ” دراغونوف ” و قمت بإعادة تجميعها و هيأتها ثم وضعتها أسفل السرير ، بعدها خرجت و أقفلت الشقة .

قررت الولوج إلى المزاد لمعرفة الشيء الذي ينوي فابيو المزايدة عليه بعد أسبوع ، كان عبارة عن سيف الكاتانا الياباني الشهير ، كانت هناك بعض اللوحات المعروضة للبيع في نفس اليوم الذي سيباع فيه السيف و لاحظت وضعها في غرفة ذات إنارة حمراء خافتة – لأن الضوء العادي يتلف ألوان اللوحات لذا تستخدم الأضواء الحمراء لحمايتها – و في طريق عودتي لاحظت أن هناك من يتعقبني ، سيارة دفع رباعي ذات نوافذ مظللة ، طبعا أنا لم أغفل عنهم و لو للحظة .. فقد كانوا على أثري منذ دخولي إلى باريس ، لا بد من أن الاستخبارات الأيطالية قد أرسلتهم للتأكد من سير
العملية بنجاح ، و قد ساعدهم هذا جهاز التعقب الذي وضعوه في سترتي ، لا أعلم كيف وصل إلى جيبي لكن ربما وضعوه لي و أنا في المشفى ، مددت يدي في جيبي و لامست القطعة المعدنية ، سأحملها معي لبعض الوقت كي أشبع فضولهم لأني إذا تخلصت منها سيظنون أني أنوي سوءاً ، بالإضافة إلى أنني أريد أن أوهمهم بأنني لا أملك أدنى فكرة عن وجودها لكي أسبقهم بخطوة .

وصلت إلى الفندق حيث كان لوسيان يلهو بغيتاري .
– هات .. قلت له و أخذت الغيتار
– هل سنصبح مطربين أم ماذا ؟
– هذا ما كان ينقصني .. ضحكت و بدأت بالعبث بالأوتار .
– هل حللت اللغز ؟ سألني لوسيان
ابتسمت في وجهه و تابعت عزفي ثم أجبته بعد برهة : لقد عرفت قصد رودريغو .
انتفضت من على الأريكة و ذهبت إلى المنضدة حيث كانت الأوراق .

– إنها أبسط طريقة في كتابة الشيفرات .. توقف لوسيان أمامي و حدق بي بإرتباك ..
– إن أرقام فيبوناتشي لا تعني أي شيء إذا لم تكن بالترتيب الصحيح و إلا فهي هراء رياضي لا معنى له .
– في الواقع لقد فكرت بالإتصال بقسم فك التشفير لمعرفة الرموز .. أجاب لوسيان
– و هذا ما أراده رودريغو من صوفيا ، لحسن الحظ أنها أخبرتني أولاً ، لكن دعني أشرح لك الشيفرة بالبداية : إن الترتيب العشوائي لمتوالية فيبوناتشي هو المفتاح لفك الشيفرة – قلت و أنا أتناول الورقة – و هي إشارة خفية لفك تشفير بقية الرسالة .. لقد كتب الأرقام بطريقة عشوائية إن تلك السطور لا تعني شيئاً فهي مجرد حروف كتبت بشكل عشوائي

– أنت تعني أنها كاللعبة التي توجد في الصحف ؟
أنا أتفهم تماماً سبب تشكيك لوسيان و حيرته ، فقلة من الناس يعرفون إعادة ترتيب حروف الكلمات بشكل عشوائي لصياغة كلمات جديدة ، هي عملية كانت تتمتع بتاريخ غني من الرمزية المقدسة بينما تعتبر الآن تسلية حديثة مبتذلة .

– لقد كان الملوك الفرنسيون خلال عصر النهضة على قناعة تامة بأن إعادة ترتيب الأحرف تحمل قوة عجيبة لدرجة أنهم عينوا موظفين ملكيين خاصين لمساعدتهم في صنع قرارات أفضل من خلال تحليل كلمات موجودة في وثائق مهمة و في الحقيقة أطلق الرومان على هذا ” ارس ماغنا ” أي الفن العظيم .
تناولت قلما وكتبت على الورقة ” His sweetheart is with me ” ( حبيبته معي )
نظرت إلى لوسيان و عيناي تلمعان بحماس : ايفا موجودة عند رودريغو .
ابتسم لوسيان بمكر و التف حولي : و ما أدراك أن أيفا هي المقصودة ؟
أجبته من دون أن أنتبه لما أقوله : من الواضح أنه يقصد بـ ( حبيبته ) أيفا ما دام قد تحدث عني .. و سرعان ما قاطعت نفسي و صمتت .

تحولت ابتسامة لوسيان إلى ضحكة مزعجة لكني تجاهلته .
– ذلك النذل ! لقد خطط لكل هذا ! هو الذي دبر للمكيدة لأني رفضت الإنصياع له ، أنا أعرف أن له يداً خفية في هذا منذ البداية ، لكني لم أكن أملك دليلاً قوياً ضده ، هذا فضلاً عن أني أردت الخوض أكثر بملابسات القضية من خلال تعاوني معهم .. لن أدعه يهنأ بما بقي من عمره !
– و .. تمهل يا صاح ماذا عن سيزار فابيو ؟

– إن فابيو هو ورقتي الناجحة ، لذا أراد مني التخلص منه خوفاً من أن يقوم فابيو من فضحه في حال قررت الحكومة القبض عليه بتهمة التواطؤ مع المافيا ، و لهذا لم يلجأ رودريغو إلى الطرق القانونية للقبض عليه ، أما بالنسبة للدليل فنصف يكمن في الورقة و النصف الآخر عند سيزار فابيو نفسه ، و من الواضح أن صوفيا تجهل موضوع خيانة رودريغو و لهذا السبب حين سألته عن ايفا لم يوجه إليها الكلام خوفاً من أن تخبرني ، لقد توقع أن تقوم بإرسال الرسالة إلى قسم فك الرموز ، لكنه أوهمها بأن الرسالة لها فالحرفان اللذان في النهاية P.S يشيران إليه .

– لكن P.S تشير إلى حاشية الرسالة Post Skript !
– إلا أنه يقصد princess sophia .. إنه يحب تلقيب حبيباته بهذه الألقاب ، لكننا الآن أمام موضوعين ، الأول هو أن مدير قسم فك الرموز متعاون معه ، و الثاني أن صوفيا تجهل بخيانته و تريد مساعدتنا ، و هناك جهة أخرى مسؤولة عن إرسالها إلينا ، هذه الجهة على معرفة بخيانة رودريغو .
– و كيف عرفت هذا ؟!
– لأنها حاولت إقامة علاقة معه مستغلة نقطة ضعفه لكي تساعدنا و تلعب دور العميلة المزدوجة ، لكنها مبتدئة و لا تستطيع اتخاذ كل هذه القرارات بنفسها ، لذا هنالك جهة أخرى مسؤولة عن إرسالها ، لقد شك رودريغو بها حين سألته عن مكان ايفا ، فأرسل هذه الرسالة لها لكي يرى مدى جديتها بالموضوع ، فإذا وصلت لقسم فك الرموز فسيعرف أنها عميلة مزدوجة و تكون رسالة أيضا إلى شريكه في العملية .
– ماذا سنفعل ؟
– سأتخلص من كليهما ، لكن على طريقتي الخاصة .

** ** **
– الو ؟
– مرحباً سيد فابيو .. كيف حالك ؟
– من أنت بحق الجحيم و كيف عرفت رقم هاتفي ؟!
– إنها قصة طويلة ، اه أنا أسمع طنين ، لا داعي لتسجيل المكالمة سيد فابيو ، أنا هنا لمساعدتك
– من أنت ؟ و عن أي مساعدة تتحدث ؟!
– إسمع ، ليس لدي وقت لهذا ، أنت في خطر و إذا أردت النجاة بحياتك فعليك الحضور إلى متنزه مونديلا اليوم وقت المغرب بمفردك ، و أعني هذا لأن هنالك أعضاء ينتمون لك على استعداد لخيانتك في أي لحظة ، إذا لم ترغب في المجيء فهذا قرارك ، لأنك مستهدف بالنهاية … بالمناسبة ، شريحتك الثمينة معي إذا كنت تفكر في استرجاعها ، ﻷنها لن تبقى في أيادي أمينة بعد الآن .
أقفلت الخط و امتطيت دراجتي بسرعة ، ضحكت مع نفسي و قلت : أيادي أم معدة أمينة ؟ مسكين سيزار

قدت دراجتي النارية بسرعة كبيرة ، آمل أن يحضر فابيو إلى الموعد المقرر لأني لا أمتلك الكثير من الوقت ، حرصت على نزع جهاز التعقب هذه المرة لأن هذا اللقاء سيكون سرياً ،
لكن علي تشتيت انتباه الشرطة القضائية أيضاً ، أنا لا أرتاح لهم إطلاقاً ، إلا أن مراقبتهم لي كانت قليلة ، أعتقد أنهم لا ينوون اعتقالي لأن شكوكهم بي ضعيفة و هذا جيد ، لا بد من أن هناك تسريب للمعلومات حصل من جانب المخابرات الإيطالية و الذي أدى بالشرطة القضائية إلى تعقبي أيضاً – بالإضافة إلى اتباع رودريغو و فابيو ربما – رائع يبدو أنني الهدف الأول هنا !

ذهبت إلى محطة القطار و قمت بشراء تذكرة إلى نيس ، و ها أنا أبذر أموالي من جديد .. قمت بالتخلص من التذكرة بعد ذلك ، هذا جدير بإلهائهم و إعطائي الوقت لأنهم سيظنون أنني ذاهب الى نيس عندما يقومون بالتحقق من أسماء الوافدين و الخارجين .. و هذا ما يفعلونه باستمرار

ذهبت إلى مكان اللقاء ، كنت أتوقع مجيء فابيو في أية لحظة مدججاً بالحراس و الشرطة ، لكنه تصرف بحكمة و جاء بمفرده ، ارتسمت ملامح الخوف على وجهه و هو يلتفت يميناً و شمالاً بحثاً عن الشخص المجهول ، لبست خوذتي و انطلقت بدراجتي بسرعة ، توقفت بجانبه و قلت له :
– أعطني أسلحتك و اصعد معي .
نظر إلي بخوف و فعل ما أمرته ، أعطيته خوذة و انطلقت بأقصى سرعة إلى أن وصلنا إلى هيكل عمارة قيد البناء و قدته إلى الطابق الثاني .

فور دخولي قام بالأنقضاض علي وحاول إمساك رأسي بوضعية الغلوتين – أي وضع رأسي أسفل كتفه و سحبي بأتجاهه – لكنني عالجته بضربة قوية من كوعي بأتجاه ذقنه ، تقهقهر عدة خطوات لكن سرعان ما وجهت ضربة بأصابع يدي إلى منتصف رقبته – تفاحة آدم – لم أعطه مجالاً لكي يقوم بأي ردة فعل و قمت بضرب أسفل بطنه بركبتي بعد أن سحبته بسرعة بأتجاهي ، بعدها وجهت له لكمة في أنفه طرحته أرضاً و كاد أن يغشى عليه .

– دانتي ! أنت حي ! كان يتلوى على الأرض من الألم
ابتسمت ببرود .. ما بالك ؟ هل رأيت شبحاً ما ؟
– هذا مستحيل ! لقد أقاموا جنازتك ! إذاً حقاً ما يقال عنك .. أنت تملك تسعة أرواح فعلاً .
– إسمع سيزار ، رودريغو يريد اغتيالك ، إذا أردت النجاة فعليك إطاعتي .
تناولت كرسيا و جلست عليه بوضعية مقلوبة و ذراعي متكئتان على ظهر الكرسي
– أين شرحيتي ؟! لقد وعدتني بأن أحصل عليها !
– لا تقلق بشأنها الآن ، أخبرني .. لماذا يريد رودريغو قتلك ؟
بصق سيزار بعض الدم من فمه ثم قال : و ما أدراني ؟!
– حسناً ، إذاً سأفعلها على الطريقة الصعبة ..
ذهبت و أمسكت بعنقه ثم دفعته بقوة على الحائط إلى أن تدلت قدماه في الهواء
– أفلتني ! ظل سيزار يتلوى و يأن تحت قبضتي إلى أن أصبح وجهه مائلاً إلى الزرقة .. بعدها أفلته .

سقط بقوة على الأرض ، كان في حالة بين الوعي و الإغماء . جلست القرفصاء بجانبه ثم أخرجت مسدسي “نسر الصحراء ” من حامله الجلدي تحت كتفي و لوحت به أمامه .
– ها ؟ هل غيرت رأيك ؟
– لقد حدثني آدم عنك .. كان تابعاً غبياً
– إذاً كان آدم على اتصال معك .. هذا متوقع
– للأسف أفسد تدخلكم ما بدأنا به ، كنت أظن أن باستطاعتي تكوين اطأجندة خاصة بي بعيداً عن الإستخبارات و المافيا ، لكن لم يقبل كلا الطرفين بالتخلي عنهم ، و اعتبروني خائناً .. لقد أُدرجت تحت قائمة ضحايا المافيا ، فالمعلومات التي سرقتها مني تحمل أسماء خلايا و عمليات سرية ستنفذها المافيا ، لا بل أصبحت مستهدفاً من قبل بعض أعضاء الإستخبارات الخونة لأن الشريحة تحتوي على وثائق و معاملات و صفقات مصورة بين أعضاء في المافيا و بين هؤلاء الخونة ، لهذا ليس من مصلحة أي أحد بقائي على قيد الحياة .

تناولت منديلاً من جيبي و مسحت الدم من فمه ..
– هذا ما تظنه أنت ، كنت ورقتي الرابحة .
وقفت و دسست المنديل في كيس
– لدي الكثير من الأسئلة لك ، لكن أخبرني أولاً .. لماذا قتل آدم الضابط برايس ؟ هل لإلصاق التهمة بي وحسب ، أم أن هناك شيء آخر ؟
حدق سيزار في وجهي لبرهة ثم أجاب :
– لم يختلف الضابط برايس عني كثيراً ، فقد كان ينوي توريط الجهتين أيضاً أمام القضاء .

** ** **

حانت ساعة الصفر بالنسبة إلي .. فأنا أقف في الطابق الواحد و الثلاثون في مبنى يبعد عن مزاد Drouot بمئة ياردة – أي ما يعادل 250 م – و في يدي بندقية القنص ستونر Stoner 25 ، عدلت عدسات المنظار لكي أتمكن من الرؤية بدقة أكثر ، تحققت من سرعة الرياح و حسبت زاوية الميل ، لم يتبق لي سوى أن يخرج الهدف من المزاد لكي يلقى حتفه ، تابعت بصبر و صمت هدفي و هو يمر بجانب الغرف الحمراء ، أمسكت البندقية بوضعية ثانية و قمت بتعديل البؤرة مرة أخرى ..

كان صوت الريح هو الصوت الوحيد المسموع بالإضافة إلى جلبة زحمة السير في الأسفل .. و دقات قلبي المتسارعة ، أنا أعلم أن هذا خطر جداً ، لكن لم أملك خياراً آخر ، هذا هو الفيصل .. إما أن أصيبه من أول إطلاق أو قد أفقد حياتي ، استجمعت قواي و ركزت بصري و ذهني على الهدف ثم حبست نفسي .
خرج المدعو سيزار فابيو من المزاد و ما إن أصبح تحت مرماي حتى ضغطت على الزناد …

تطاير الحراس بهلع حول المكان و حجبوا رؤيتي .. اللعنة! هل أصبته أم ماذا ؟ انقلب المكان رأسا على عقب و انتشرت العناصر الأمنية في المنطقة بلمح البصر ، بعدها لمحت مجموعة من الحرس يحملون سيزار و يصعدون به إلى إحدى عجلاتهم .. لقد قتلته .

قمت بجمع أغراضي في حقيبة الغيتار و توجهت إلى دورة المياه لغسل يدي ، كان هناك في دورة المياه نافذة تطل على الشارع ، نظرت من خلالها و رأيت سيارات تابعة للإستخبارات الإيطالية تجوب المنطقة ، إنهم يتحققون من سير العملية بلا شك ، ابتعدت عن النافذة و تناولت المنشفة .
لابد من أنهم عرفوا مكاني عن طريق جهاز التعقب فقد أحضرته معي …
لحظة !! قمت بإخراج جهاز التعقب من جيبي و غرسه في صابونة تناولتها من المغسلة ، حاولت أن أرميها من النافذة لكن لم يكن تصميم النافذة قابلاً للفتح ، تذكرت قوانين السلامة الفرنسية التي تفرض استخدام زجاج قابل للكسر في الطوابق العليا لذلك قمت بلف المنشفة على قبضتي ثم كسرت الزجاج ، رميت الصابونة بكل قوتي و صوبتها نحو شاحنة حمل مرت بالقرب من العمارة .

نظرت من النافذة مرة أخرى و رأيت عناصر الإستخبارات ينقسمون إلى نصفين : نصف توجه نحو العمارة السكنية التي وضعت فيها البندقية دراغونوف ، و نصف يتخبط في الشارع مبتعداً عني .. كيف لم أفكر أن رودريغو سيفكر في التخلص مني بعد كل هذا ، سيما و أن عذر موتي موجود لديه مسبقاً ؟! ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﺣﻈﻲ أﻧﻲ ﻓﻜﺮﺕ باﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺑﻨﺪﻗﻴﺔ ﺩﺭﺍﻏﻮﻧﻮﻑ ﻛﺘﻤﻮﻳﻪ ، ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﻓﻜﺮﺕ أﻥ أﺳﺘﺪﺭﺝ ﺍﻟﺸﺮﻃﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ ﺑﻬﺎ ﺣﻴﺚ ﺳﻴﻌﺘﻘﺪﻭﻥ أﻥ ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺑﻌﺪ إﺟﺮﺍﺀ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻘﺎﺕ ، إﻻ أﻥ أﺗﺒﺎﻉ ﺭﻭﺩﺭﻳﻐﻮ ﺍﺑﺘﻠﻌﻮﺍ ﺍﻟﻄﻌﻢ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ .

خرجت ركضاً و توجهت إلى سيارتي البوغاتي حيث كان لوسيان بانتظاري
– لقد اخفتني يا رجل ! أحسنت .
– إنطلق بسرعة .. قلت له و أنا ألتقط أنفاسي
رن هاتفي ، فتحت الخط مباشرة :
– دانتي .. أخرج من هناك حالاً ، سيقتلك أتباع فابيو
كان هذا صراخ صوفيا من الهاتف .
– يا له من اتصال مبكر ! قلت لها بنبرة من الاستهزاء
– حاولت الإتصال بك لكن الشبكة كانت ضعيفة ، توجه إلى المطار بسرعة تنتظرك هناك طائرة خاصة ، حظاً موفقاً .

التفت إلى سيزار ، إنه يرتعد من الخوف ، لقد كان محظوظاً لأنه أطاعني و قام بوضع شبيه له من عصابته ليحل محله ، و إلا لكان الآن جثة هامدة ..

خرجنا من موقع الحادث بأمان و من دون أن يلاحظنا أحد ، على الأقل كان هذا ظني.
– دانتي ، هناك سيارة تلاحقنا ! و أعتقد أنها لأتباع رودريغو .. قال لي لوسيان في حيرة .
– هات المقود .. توليت القيادة بعد أن تبادلنا الأماكن ، لن يستطيعوا اللحاق بالبوغاتي مهما اجتهدوا في ذلك ، لم تستطع عجلتهم اللحاق بي ، فلا شيء يضاهي سرعة سيارتي ، وصلت إلى المطار حيث كانت صوفيا بانتظارنا و استقلينا الطائرة الخاصة ..

هنالك أربعة محاور في هذه الأحداث : سيزار فابيو و فرديناند رودريغو و المافيا و مدير الأستخبارات .. كان مدير الإستخبارات (خوان مارتن) يملك معلومات عن محاولة قيام رودريغو باغتيال فابيو – و هي عملية غير قانونية فلا يمكن الإقتصاص من خائن قبل محاكمته – إلا أنه لم يفصح لأحد سوى لقلة قليلة خوفاً من أن يعلم رودريغو باكتشاف أمره و يلغي العملية – و ذلك أن خوان مارتن أراد القبض عليه متلبساً بالجريمة بأرسال صوفيا كوسيطة لتنقل له مجريات الأمور عن طريق التقرب من رودريغو مسبقاً و إيهامه بأنها تعمل لصالحه فقط – و قد استفاد كلاهما مني .. كل واحد منهم بنحو مختلف .

فكما أراد رودريغو أن أقوم بأعماله القذرة ، أراد خوان مارتن أن أكمل مخطط رودريغو لأمرين : الأول هو للقبض على رودريغو متلبساً بالجريمة ، و لا يكون ذلك إذا لم يكن على اتصال بي – عن طريق صوفيا – لمعرفة تطورات العملية و قد أمر صوفيا بعدم إبلاغي بأن ايفا على قيد الحياة ليكون هذا دافعاً للانخراط في المهمة بغرض الإنتقام ، تماماً كما كانت حجة رودريغو معي .

لقد خطط خوان مارتن لكي يلعب نفس اللعبة حتى موعد الاغتيال ، و من ثم التدخل لإنقاذ سيزار ليخبرني بعدها أنه استطاع معرفة خبر نجاة ايفا و أنها مع رودريغو كحجة لعدم إكمال تنفيذ أوامر رودريغو ، إلا أنني استطعت اكتشاف هذا بنفسي .

و الأمر الثاني أنه أراد إبقاء سيزار فابيو على قيد الحياة ، ليس لغرض جعل القانون يأخذ مجراه و يحاكمه فحسب ، و إنما ليكون شاهداً على تعاون رودريغو هو الآخر مع المافيا سراً ، حيث كان مخطط قتل فابيو جزءاً من تصفية الأعضاء المنشقين عن رودريغو – والذين يعلمون بخيانته و كانوا أتباعاً سابقين له – كان الضابط برايس و آدم منهم و لم يختلفوا عن فابيو و رودريغو .. فقد تلقى آدم أوامراً من رودريغو بقتل الضابط برايس لنفس الغرض ..

لقد تعاون رودريغو مع المافيا لقتل سيزار و كل من انفصل عن اتحادهم الخبيث ، و لم يجد شخصاً آخراً غيري لتحقيق مصالحهم الشخصية ، كما لم يجد مدير جهاز الإستخبارات “خوان مارتن” من يحل هذه العقدة و يكشف خيانة روديغو غيري ، يبدو أن رودريغو لم يكن المستفيد الوحيد من غطاء موتي ، فقرر خوان مارتن أن يستخدم هذا للتستر على مهمتي الأخرى ، فلقد أراد إلهاء رودريغو و كسب ثقته عن طريق صوفيا ، حيث ساعدت بالعملية لحين ذهابنا إلى باريس .

لم يكن من المخطط أن يسمح لي بالشروع في الاغتيال ، و ما تعاون صوفيا معي بنقل الأسلحة و ما إلى ذلك إلا لعدم إثارة شكوك رودريغو ، إلا أن شجاري معها بسبب عدم إخباري بمكان ايفا كان سبباً في انقطاعي عنها و عدم إخباري بوقف العملية لأني قمت بحظرها من هاتفي ، من ناحية أخرى لم يكن أياً من رئيس الإستخبارات أو صوفيا على علم بأن رودريغو ينوي التخلص مني ما إن أكمل مهمتي إلا في وقت متأخر – بعد علمي مسبقاً –

أما بالنسبة لايفا فقد كنت أعتقد بموتها قبل أن أسمع المكالمة الهاتفية لسيزار ، حيث عرفت أنه بريء من محاولة قتلها أو اختطافها ، و أن ردوريغو هو المسؤول الأول عما جرى ، لم تخبرني صوفيا بأن ايفا سليمة و بأمان لأنها خشيت من أن أتراجع عن القيام بالمهمة ، لكنها لم تطبق أوامر رودريغو بنفس الوقت ، لم يكن إخباري بالحصول على المعلومات عن سيزار بنفسي لأن فريق الدعم اللوجستي لم يستطع الحصول على جميع المعلومات بسبب سرية العملية ، و إنما كانت محاولة خفية لأطلع على مكر رودريغو و براءة سيزار من خطف ايفا ، و لكي أتأكد بنفسي من إدانته عن طريق التجسس على سيزار ..

** ** **
وصلنا إلى إيطاليا و استقبلنا المدير التنفيذي بنفسه .. خوان مارتن ، طبعاً كانت مفاجأة غير متوقعة .
– أهلا بعودتك يا بطل ! قام بمعانقتي و التربيت على كتفي
– سيدي ! لم أعلم أنني سأحظى بشرف مقابلتك بهذه السرعة .
في هذه اللحظة نزل فابيو برفقة صوفيا و لوسيان ، كان مكبلاً بالأصفاد ، فقال خوان مارتن :
ـ حسناً فعلت ، فنحن نحتاجه ليشهد ضد رودريغو .
و فجأة تذكرت : سيدي .. معي الشريحة التي تثبت تورط سيزار فابيو و فرديناند رودريغو .
نظر لوسيان إلي بإبتسامة ماكرة ، أراد خوان مارتن الكلام لكني أكملت بسرعة :
– أريد من حضرتك إعطائي أمر إلقاء قبض بحق رودريغو .
– حسنا إذاً .. رافقني إلى المركز .

بعد ذهابنا إلى المركز قام خوان مارتن بوضعي على قيادة فريق ألفا و التوجه إلى فرع الإستخبارات في روما لإلقاء القبض على رودريغو ، لم يستطع الإتصال بالمركز و أمرهم بإعتقاله ، ببساطة لأنهم تحت إمرة رودريغو و هناك من بينهم العديد من أتباعه ، كما أن أمراً خطيراً كهذا لا بد و أن يتم بصدور مذكرة رسمية تثبت صحة الخبر .

توجهت و معي نخبة مقاتلين ألفا و عددهم 20 مقاتل في سيارات دفع رباعي من نوع ( جيب) ، و على الرغم من أنني لم أحظى باستراحة من يوم خروجي من المشفى و حتى آخر لحظة ، إلا أنني كنت بانتظار هذه اللحظة على أحر من الجمر ، فهو السبب في أذيتي و أذية ايفا .. حين وصولنا إلى المركز فاجأنا تصرف الحراس الغريب ، حيث أرادوا منعنا من الدخول ، لكنني عرفت أن رودريغو لن يغفل عن شيء كهذا خاصة بعد علمه بفشل مخططه و نجاح هروبي ، حيث أمر جميع الحراس بإعلان حالة الطوارئ و إخلاء عدد معين من الموظفين الإداريين و عدم السماح للبقية بالدخول حيث منحوا هوية (غريب) .

– أعذرني لا يسمح لكم بالدخول ، لم يردنا أمر بدخول فريق ألفا و نحن في وضع طوارئ حالياً ، هذه أوامر السيد
فرديناند رودريغو .. قال الحارس للمقاتل بجانبي خلف المقود لكنني قاطعته
– نحن مخولون بالدخول بأمر من المدير التنفيذي ، معي مذكرة إلقاء قبض !
اتسعت عينا الرجل بعد رؤيتي و سماع الخبر ..
– سيد سلفاتور ! لا أصدق عيني ، أنت حي !
إنه البواب ، لا شك في أنه كان على معرفة بي
– أفسح لنا الطريق حالاً .

قام الحارس بإزالة العارضة و تسهيل دخولنا ، نزل المقاتلين من السيارات و دخلوا المكان بسرعة ، حيث قسمتهم إلى عدة مجاميع ، بينما توجهت برفقة خمسة منهم نحو رودريغو .. طبعا لم يكن أحداً من المنتسبين في داخل الدائرة على علم بهذه العملية أو سبب هذه الإجراءات ، لكنهم سمحوا لنا بالتوغل بعد إعلامهم بأمر إلقاء القبض ، لقد أصيب بعضاً منهم برعب شديد لأننا لم نطلع الكل أن رودريغو هو الهدف .

دخلت مكتبه الخاص لكن كما توقعت .. كان خالياً .
– من بريك XIV إلى الجميع هل عثرتم على على الهدف ؟ قمت بالمناداة على البقية بجهازي اللاسلكي ..
– كلا سيدي .. المبنى نظيف
و بينما أنا واقف بجانب النافذة إذا بي أسمع صوت مروحية على وشك الإقلاع ، لكن ليس بهذه السهولة..
– إذهبوا إلى السطح .. تحركوا
ناديت على المقاتلين معي وتوجهنا إلى السطح ، بينما أمرت البقية بتطويق المكان ، أردنا استخدام المصاعد لكن رودريغو قام بتعطيلهن فأستخدمنا السلالم ، فكرت أنني لن أستطيع اللحاق به هكذا ، فتركت السلالم المؤدية إلى السطح و قفزت من إحدى النوافذ إلى عمود إنارة كان بقربها و انزلقت به إلى الأسفل ، نظرت إلى الأعلى ، لا بد من أن رودريغو على متن هذه المروحية !

قام مسلحون بإطلاق النار باتجاه المبنى حيث أخذت المروحية بالإبتعاد ، هذا الوغد ! لاشك من أنه تحصن بأتباعه بعد إخلائه للدائرة ، لقد شكلوا فرقة للتصدي لنا دخلت بعدنا بلحظات لتأمين هروبه ، و سرعان ما تحول المركز إلى ميدان قتال حيث انقسم المنتسبين إلى جبهتين ، الخونة ضد منتسبي الدولة .

تعالت أصوات العيارات النارية لكن لحسن الحظ كانت الخسائر من جانبهم فقط ، أما أنا فلم أكن لأخوض في هذه المعمعة فهدفي هو منع رودريغو من الهروب ، اتصلت بالقاعدة و طلبت منهم تزويدنا بفريق بيتا و سوات لعرقلة إفلات رودريغو .. اندلعت الأشتباكات لكني استطعت شق طريقي إلى الخارج بواسطة دراجة نارية .

لم أمتلك الصبر لانتظار وصول قوات الدعم و تعميم خبر اعتقاله الى كافة الوحدات ، فانطلقت باتجاه مروحيته ، كانت هناك مروحية أخرى برفقته و على متنها مسلحين يقومون بإطلاق النار على العناصر الأمنية الموجودة في الطريق ، أوقفت دراجتي النارية و سحبت سلاح الـ R.B.G 7 من على ظهري ، انتظرت حتى وصولهم إلى النهر ثم صوبت نحو مروحية المسلحين ، استطعت إصابتها بنجاح و إسقاطها في المياه إلا أن رميتي الثانية لم تكن موفقة ، حيث مرت القذيفة بجانب مروحية رودريغو .

اندلع عطب في المروحية لكن القذيفة انفجرت بعيداً في الجو بعد اجتيازها ببضعة أمتار ، ترنحت المروحية يميناً و شمالاً ، و لم تلبث حتى فقدت توازنها ، في هذه الأثناء لمحت بضعة أشخاص يقفزون من المروحية إلى المياه ، أعقب هذا سقوط مروحيتهم في النهر ثم انفجرت بعدها إلى مئات الأشلاء ، لكن لم يدم تأثير الأنفجار طويلا بفعل المياه .

أسرعت بدراجتي و توقفت على الجسر فوق المكان الذي سقطوا فيه مباشرة ، ثم استخرجت رشاشة الـ MP5 .

قمت بأطلاق النار بأتجاه النهر واصابة مرافقيه ، ثم اسرعت وركبت الدراجة لأعبر الى الجهة الأخرى … فرودريغو يجب ان يحظى بأستقبال خاص .
قمت بإطلاق النار باتجاه النهر و إصابة مرافقيه ، ثم أسرعت و ركبت الدراجة لأعبر إلى الجهة الأخرى ، فرودريغو يجب أن يحظى باستقبال خاص .. وقفت على ضفة النهر و أنا أرى رودريغو يصارع للنجاة بحياته إلى أن وصل إلى البر بشق الأنفس ، بدأ بالسعال و تقيؤ المياه و هو يزحف على ركبتيه باتجاه اليابسة ، حيث كنت له بالإنتظار…

– للأسف لن تصبح الرجل الذي كانت عليه أمك ، قلت له و أنا أنظر إليه باستهزاء .. لم ينتبه إلى وجودي حتى هذه اللحظة فقد كان مشغولاً بنفسه ، لكن صوتي فاجأه فقفز إلى الوراء و وقع على ظهره ، رفع نظره إلي و عيناه تتقدان حقداً وكراهية
– الويل لك دانتي ! إذا كنت تبحث عن الإنتقام لم لا تقتلني ووحسب؟! صرخ بغضب
– لست مع ثقافة الإنتقام إلا أنني أؤمن بأن بعض الكلاب بحاجة إلى دروس التأديب .. كان يتراجع إلى الوراء مع كل خطوة أخطوها .
-إذهب إلى الجحيم ! قال رودريغو ثم وجه لكمه بأتجاهي ، تفاديت لكمته و أمسكت بذراعه ثم ثنيتها و قلبته من فوق ظهري ثم طرحته على الأرض بقوة .

– من بعدك .. أجبته أخيراً
لم يتحرك من مكانه لبرهة فاقتربت منه لآخذه معي ، لكنه فاجأني و أخذ قبضة من الرمل و قذفها في عيني ، أصيبت عيناي بحرقة شديدة و أنا أحاول فركهما بقوة ، لم أستطع رؤية ما حولي فأستغل رودريغو الفرصة و قام بضربي فسقطت على ظهري ، حتى أحسست بطعم الدم في فمي ، فتحت عيناي بعد عناء طويل لأشاهد رودريغو و هو يصوب رشاشتي الـ MP5 بأتجاهي .. لكن رؤيتي له كانت مشوشة .

أطلق ضحكة مجنونة و يداه ترتجفان على السلاح ثم قال :
ـ لاتجري الرياح بما تشتهي سفنك دانتي ! لقد كنت محظوظاً مع كل خطوة قمت بها ، لا اعرف كيف استطعت تنفيذ كل هذا ثم الإفلات من رجالي !
– لا يسمى هذا حظاً .. بل ذكاء !
– لكن أخبرني ! كيف عرفت بأنني الفاعل و أني أنوي قتلك؟

على الرغم من أنه يسيطر على الوضع حالياً إلا أن توتره كان واضحاً ، أنا أعلم أنه يستطيع قتلي في أية لحظة ، لذا فلا ضير من ابتسامة باردة استفزه بها .. لن أخسر شيئاً
– في الواقع ، لقد شككت بك منذ البداية ، لكن سرعان ما تحول الشك إلى يقين أثناء تجسسي على سيزار و التأكد من براءته من اختطاف ايفا .. أضف إلى ذلك علمي بنجاتها ، لقد قمت بالتخطيط لمهاجمتي في الحفلة لعمل سيناريو موتي ثم الإستفادة منه لتنفيذ مهمتك بالتخلص من سيزار الذي كان يحاول تهديدك بفضيحة الخيانة ، لكنه أخطأ بمحاولته أخذ شرذمة من الخونة و بعض أتباعه من المافيا ثم الانفصال عنهم ، لأنه بهذا أصبح عدو المافيا الأول و عدوك أيضاً ، فلم ترى مانعاً من تعاونكم معاً للتخلص منه ، فأرسلت أحد أتباعك و هو ماركوس أوزيرا مع حفنة من المافيا لإقتحام الحفلة..

– و ما أدراك أنني أرسلت أوزيرا بالتحديد ؟ فأنت لم تلتقي به شخصياً إلا حين سلمك الأسلحة و كان الجميع يرتدون الأقنعة في الحفلة
– لقد رأيت صورته مسبقاً في مكتبك حيث كان يتناول مشروباً برفقة البابا فرنسيس و كنت تجلس بقربهم ، لقد تواجد أوزيرا في الحفلة و حاول إيذائي من دون تدخل العصابة في البداية ، إلا أنه لم يستطع تمييزي لأني وضعت القناع قبل أن يراني ، فقام بإعلام العصابة بالخطوة التالية ، كان قد تمكن من تمييز ايفا فذهب إليها لأنه علم بعلاقتي معها و توقع مجيئي إليها في أي لحظة لدعوتها للرقص .

لم يستطع التأكد من هويتي مئة بالمئة حتى بعد رؤيته لي مع ايفا لأن قناعي غطى معظم وجهي فقام بدس جهاز التعقب في سترتي متظاهرا بأنه اصطدم بي ، طبعاً اكتشفت هويته لاحقاً حين تذكرت كونه شخصاً أعسر – فقد كان في الصورة يحمل كأسه في يده اليسرى و في الحفلة لاحظت أن يده اليسرى تحوم بالقرب من جيبه لأستخراج أداة التعقب – إضافة إلى عامل الشبه و الذي لاحظته أكثر حين لقائي به مؤخراً في المقهى و تصرفه المتصلب تجاهي ، لكن سبب أمرك بأقتحام الحفلة و التظاهر بقتلي هو لجعل الحضور شاهداً على موتي ..

فاقتحم الحفلة و حاول أن يجعل الأمر يبدو عشوائياً إلا أنه
قام بتحديد هدفيه مسبقاً ..أنا و ايفا ، ثم ضرب عصفورين بحجر واحد بأيهامي بأن سيزار هو السبب في قتلها لكي أحرص على التخلص منه نهائياً ، و لا تنس أنك قمت بترتيب موتي مسبقاً و الآن ستسغل تصنيف موتي “فقد في ساحة القتال” على أساس أنني مت جراء ملاحقة الأمن لي لأغتيال فابيو .

صراحة لم أكن لأتعب نفسي بالشرح له إلا أنني حاولت كسب الوقت بهذا عسى أن أجد مخرجاً لهذا الوضع ، فأنا أعلم أنني قد أقتل في أي لحظة و هو يعلم أنه حتى و إن قتلني فلا مفر له من الأمن .
– للأسف سأخسر شخصاً ذكياً مثلك يا دانتي و لن تنل الترقيات و الأوسمة لكل ما فعلت ، لأنك ستوثق “كخائن” لكنني سأرتاح بعد هذا كثيراً أؤكد لك ، سأجد طريقة للهروب ، أما أنت فستموت و أنت في حسرة رؤية حبيبتك بعد كل ما قاسيته لأجلها ، أما هي فستصدم بموتك للمرة الثانية ، يا ترى هل أنت اسم على مسمى حقاً يا سلفاتور ؟!

صوب الرشاشة نحوي ، ربما يكون محقاً .. أحسست بمرارة في داخلي ، لم أكن خائفاً من الموت و لو للحظة ، فقد نذرت حياتي للموت منذ بداية مهمتي لأجلها ، إلا أنني لن أحتمل فراقها أكثر من هذا ، و ترك المجرم من دون عقاب ينثر الملح على جروحنا .. لكن لا مفر من القدر .

أمسكت بعقد التوباز الذي كان حول رقبتي كأنه سبيلي الوحيد في الخلاص ، إنه يذكرني بأيفا .. ايفا التي لطالما أمدتني بالقوة .
وضع رودريغو إصبعه على الزناد ..
تدحرجت بسرعة متفادياً وابل الطلقات التي غرست في مكاني ثم رفسته بقوة على ساقيه ، انتهزت عنصر المفاجأة و انقضضت عليه مستغلاً فقدان توازنه – فقد كان مرهقاً بشكل كبير أما أنا فمدرب على تحمل الظروف الصعبة في الميدان – ضربته بكل ما أوتيت من قوة لكن حرصت على ألا يفقد وعيه أو أن يفارق الحياة ، سمعت صوت احتكاك عجلات و عرفت أنهم رفاقي ، فذهبت و أنا أحمل رودريغو على كتفي لم يتوقعوا قيامي بكل هذا ، نظر لوسيان و صوفيا إلي بتعجب و الإبتسامة تعلو وجهيهما
– هذا رائع ! صاح لوسيان و هو يعاين رودريغو المنهك
– آمل ألا يعتبر هذا مخلاً بقوانين الرفق بالحيوان .. قلت لهم مازحاً

– يجب أن نأخذه إلى المقر أولاً ، أما أنت فتحتاج إلى أن تأخذ حماما و قسطاً من الراحة و بضع لصقات جروح .. بادرت صوفيا .
– ليس قبل أن أرى ايفا .
– هذا هو دانتي الذي أعرفه ، رد لوسيان ضاحكاً .
ركبنا السيارات و توجهنا إلى بيت رودريغو حيث يحتجز ايفا .. أقسم بأنني شعرت بتوتر شديد أكثر من الذي شعرت به حين حاول رودريغو قتلي ، و كانت معدتي تتقلب باستمرار كأن فيها حلبة مصارعة .

كيف حالها ؟ هل تعافت من إصابتها نهائياً ؟ هل حاولوا إيذائها مرة أخرى ؟! كانت هذه الأسئلة تنهش باستمرار في مخيلتي منذ علمي بأنها على قيد الحياة ، إلا أنها ازدادت الآن .

وصلنا إلى منزله و لم أنتظر السيارة لتتوقف حتى بل فتحت الباب و قفزت مباشرة فور وصولنا ، تسارعت دقات قلبي قبل قدمي و أنا أدخل كالمجنون إلى بيته الفخم ، و مما زاد توتري و قلقي طول البحث ، فأنا لا أعرف بأي غرفة من هذا القصر يمكن أن تكون ، رحت أحطم أبوابه غرفة غرفة أنا و الرجال ، بقي لدينا الكثير لنفتش فيه ، إلا أننا لم نجدها بعد
– ايفا ! أين أنتِ ؟! كنت أصرخ باستمرار علي أسمع الإجابة لكن من دون جدوى .

وقفت لكي ألتقط أنفاسي المحطمة ، لقد صبرت كل هذه الفترة على أمل رؤيتها من جديد لكني لا أحتمل الصبر الآن؟! ما هي إلا دقائق معدودة و ألتقي بها مجدداً !
استجمعت قواي و بدأت البحث مرة أخرى ، قررت أن افتش في القبو ، و اقشعر جلدي لمجرد التفكير في ؛نه قد يحتجزها هناك ، دخلت قبوه المظلم و أشعلت إنارة الهاتف ، و ما لبثت حتى تعثرت بشيء ما ، وجهت ضوئي للأسفل و إذا بها جثة !!!

تراجعت و جسدي يرتعد حتى ارتطمت بالحائط ، لم تكن هذه مرتي الأولى التي أرى فيها جثة .. لكن هذه !!!
لم أحتمل هول ما رأيته ، و بدأ جسمي بالإرتجاف لأول مرة ، لم تستطع ركبتاي حملي و سقطت على الأرض و أنا أمسك عيناي ، و قد خانتني دموعي .. لكل رجل حدود مهما بلغت طاقته ، و هذه حدودي ! لن أستطيع التحمل أكثر من هذا ! لم أعد أملك أي قوة في جسدي ، خارت قواي و تحطم فؤادي ، هذا أقسى من الموت .. تمنيت لو لم أدخل إلى هنا أو أستطيع تكذيب ما رأته عيناي ! لقد قضيت حياتي بالمصاعب و الظاهر لم تكن السعادة مقدرة لي ..

كان الصوت الوحيد المسموع هو صوت بكائي و صوت هسيس الجرذان في القبو المتروك ، حتى سمعت صوت فتاة
– دانتي ! رفعت رأسي و مسحت عيني ، هل أنا في حلم أم أنني أسمع صوت … ايفا !!
جاءت صوفيا و وقفت بباب القبو :
# أقصد سيد سلفاتور .. لقد كنا نبحث عنك لم لا تأتي معنا لنفتش الطابق الثالـ… قاطعت نفسها حين رؤيتها للجثة ، ثم صرخت واضعة يديها على فمها : يا إلهي ما هذا ! يا له من وحش .
حاولت الوقوف إلا أنني لم أستطيع و بدأت دموعي بالإنهمار من جديد لكن في صمت فأنا لم أقوى على البكاء بعد الآن..
جاء بعدها لوسيان ليكون شاهداً آخر على المجزرة التي فعلها رودريغو ، فهو لم يتخلص منها فحسب بل من أغلب سجنائه هنا في هذا القبو القذر و المظلم
-دانتي ، هل ستنتظر هنا اليوم كله ؟ ألا تريد رؤية ايفا ؟!

نظرت إليه بيأس و وقفت في محاولة أخيرة للمتابعة فأنا لا أستبعد من أن رودريغو قام بالتخلص منها ، قام بمساعدتي على النهوض و أخذني إلى الأعلى ، آلمتني معدتي كثيراً و أردت التقيؤ لكنني حاولت تجاهل هذا و المتابعة ، قد يبدو الأمر دقائق قليلة لكنه علي أطول من انتظار الساعات .
– استرح قليلا .. قال لوسيان ثم أدخلني إلى غرفة ما ، فتح الباب و إذا بأيفا تقف أمامي !
لم أصدق ما رأته عيناي ! إنها بخير و تقف أمامي ، شعرت بالرجفة في داخلي مرةً أخرى و نبض قلبي بعنف ، لكني حاولت تجاهل هذا .. لا أعلم ما الذي رأته فيَّ لكن تغيرت ملامحها بسرعة و احمرت عيناها ..
– دانتي ! قالت بصوت خفيف و مخنوق .
ابتسمت رغماً عن الألم الذي تهيج في جسمي ثم شعرت بالدوار ، بعدها رأيتها تندفع نحوي ثم سقطت مغشياً علي ..

** ** **
– هل تعلم حينما ولد دانتي جاء الطبيب إلى والده و قال له : سيدي ! لقد فعلنا المستحيل لكنه استطاع النجاة ! قال ليوناردو للوسيان مازحاً .
– هذا ليس مضحكاً
– هيا دانتي إذاً لماذا تضحك ؟ رد لوسيان
في هذه اللحظة استأذننا ليو و ذهب لاستقبال بعض أقاربه اللذين جاؤوا لحفل زفافه .
كانت ايفا تقف مع وصيفات شرف العروسة ، ترتدي ثوباً قرمزياً و على رقبتها قلادة حجر التوباز .. بصراحة بدت أجمل الفتيات في الحفلة .

كنت مرتديا ربطة عنق بنفس لون ثوبها لأني كنت وصيف شرف العريس (ليوناردو) ، ألتفت لوسيان إلي بإبتسامة مزعجة : آه .. أنت متيم بها فعلاً .
– أصمت لوسيان .. ابتسمت بتشنج و احمرت أطراف أذني ، كم أكره هذا .
– ماذا ؟ لا تنكر أنك سقطت مغشياً عليك في المرتين السابقتين حين كنت بقربها ، أعتقد أنها لاحظت ذلك أيضاً ، و عاد للضحك
نظرت إليه بأنزعاج و قلت :
– في المرة الأولى كنت مصاباً بطلق ناري ! و المرة الثانية كنت مرهقاً إلى درجة الإعياء – ابتسمت بمكر – لا تنكر أيضاً أنك على علاقة بصوفيا ..حان دوري للضحك الآن
– كيف .. و ما أدراك بهذا ؟!
– كنت تتجنب النظر إلي باستمرار حين ذكري إياها أمامك . في البداية أثرت شكوكاً بسيطة في داخلي لكن لاحقاً عرفت الحقيقة..
نظر إلى قدميه و قال :
ـ أنت محق .. كان هذا قبل زواجي ، نحن مجرد أصدقاء الآن

كان صادقاً في كلامه .. في الحقيقة لم يؤنبني ضميري بسبب معاملتي السابقة لها ، كان هذا خطؤها ، لو أنها أخبرتني بالحقيقة منذ البداية لما تصرفت بخشونة معها ، و مع هذا فقد قدمت اعتذاري لها و يبدو انها تفهمت وضعي .
و فجأة ضايقني تجمهر مفاجئ للفتيات أمامي ..
ـ و كأن إحداهن تحاول أن تقول : هل تؤمن بالحب من النظرة الأولى أم علي أن أمر بجانبك مرة أخرى قلت للوسيان بصوت منخفض فأنفجر ضاحكاً و قال :
– هذا صحيح ! لكن مهلاً ، أعتقد أن العروس تريد رمي الزهور .
لم أعرف ما المقصود بهذا .. انتهزت فرصة وقوف ايفا بمفردها و ذهبت إليها . كانت تنظر بأستغراب إلى تصرف الفتيات المفاجئ ، حسناً .. لن أخشى الإعتراف بهذا بعد الآن … إما الآن أو أبداً .

شققت طريقي بين الفتيات ، في هذه الأثناء أخذت الفتيات بالصراخ فرحاً و القفز ، التفت إلى باتريشيا (العروس) و رأيتها تقف مولية ظهرها للفتيات و تحمل باقة الزهور … آه مخلوقات غريبة .
لمحتني ايفا قبل وصولي إليها ، نظرت إلي و الابتسامة تزين وجهها ، ثواني ثم تلقت صفعة بباقة زهور عملاقة أفقدتها توازنها ، بعدها أخذت الفتيات بالهرولة تجاهها ثم وقفن فاغرات الفم .. لقد حصلت عليها من دون عناء ! .. حظ السذج .. لا أعتقد أنها كانت على علم بهذا أصلاً ! … هذا يعني أنها العروس التالية !
كان هذا كلام بعض الفتيات اللاتي مرن بجانبي ، وقفت أمام ايفا و نظرت إليها و هي تحمل باقة الزهور بدهشة و ما إن رفعت بصرها إلي حتى احمرت وجنتاها ، أشحت بنظري عنها و نظرت إلى أخيها ليوناردو الذي كان يراقبنا عن بعد كالصقر ، لحسن الحظ قام بعض المدعوين باستئذان ليو للأنصراف مبكراً مما منعه عن المجيء إلى هنا ، عرفت أنني أحفر قبري بيدي ، لن يسامحني ليو على هذا الآن ، لكن قد يفعل لاحقاً ، فبالنهاية كل شيء أخشاه يستحق المغامرة ، التفت إلى ايفا من جديد و قبلتها …
أعتقد أن إيفا ستكون العروس التالية فعلاً .. فالقبلة اتفاقية صامتة بعدها نلقي الأسلحة .

الــنهــــــــــاية …

ملاحظات من الكاتبة : 
– شخصية آدم مذكورة في قصتي السابقة .. فكما تعلمون هذه تتمة لها لكن بعنوان جديد ، و أعتقد أني سأجعلها في سلسلة كما في أغلب قصص التحقيقات .

ـ الضابط برايس و طريقة موته موته ذكرتها في قصتي السابقة ” السراب ” لكني لم أنوه لأسمه ذكرت فقط أن آدم قتل جثة مجهولة

-كيفية حل شفرة فيبوناتشي و إعادة ترتيب الحروف : Hit me with the saw ..see sir
his sweetheart is with me
( Iii sss hhh ttt eeee ww m a r)
كم كلمة من هذه الحروف تستطيع أن تصنعها ؟ هناك الكثير من الكلمات و الأسماء التي بإمكانك صنعها من هذه الحروف..
بعد حصر الكلمات نبدأ بتأليف جمل منها ، لكن مع مراعاة وجود نفس عدد الحروف بنفس التكرار لكن بجمل جديدة ،
نقوم بحصر الفواعل التي استخرجناها – عادة تبدأ الجملة الإنكليزية بفاعل –
لقد تكونت لدي العديد من الجمل لكن لم تكن أي واحدة منها ذات معنى مفيد ، مع التزامي باستخدام نفس الأحرف التي استخدمها في جملته أي بدون زيادة أو نقصان .. و عادة إذا كنت بارعاً في تكوين جمل من حروف بسيطة ، فستتمكن بسهولة من ترتيب الحروف مرة أخرى و اكتشاف الجملة المطلوبة و التي على علاقة بالموضوع

– متوالية فيبوناتشي : و التي تقوم على أساس أن كل رقم هو حاصل مجموع الرقمان اللذان يسبقانه .. مثال:
1,1, 2 ,3 ,5 ,8 ,13 ,21
1+1=2 3+2=5 .. الخ

ـ سلفاتور تعني المخلص بالإيطالية .

تاريخ النشر : 2016-10-13

guest
52 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى