تجارب ومواقف غريبة

أنا وصديقي و السيدة العجوز

بقلم : محمد مكي – السعودية
للتواصل : [email protected]

فنظرت إلى وأشارت بيدها بأن اذهب من هنا !!

في إحدى سفراتي إلى بلدي الثاني مصر الحبيبة وأثناء خروجي من مطعم ماكدونلدز برفقة احد أصدقائي في شارع جامعة الدول العربية وكانت الساعة تشير إلى تمام العاشرة مساءا ونحن نتحدث ونتحاور حول سهرتنا لتلك الأمسية وأين سنقضيها فقررنا أخيراً دخول أحد أفلام الرعب الذي سيبدأ عرضه الساعة الحادي عشر ، فتوقفنا قليلاً على احد الأرصفة ليمضي الوقت حتى يقترب موعد الفلم فما زالت أمامه ساعة كاملة وقد تداخل الحوار بيننا وكنت أجادله في مشكلة خاصة به وأحاول ان اثنيه عما كان ينوى ان يفعله وهو يهز رأسه وكأنه لا يكترث لما أقول ولا يلتفت لما انصحه , ولم ننتبه إن صوتنا كان مسموعاً بعض الشيء أي أن الحوار لم يقتصر علينا نحن الاثنين فقط بل كان هناك من يسترق السمع في خفاء دون أن ننتبه له !!. وأثناء حديثي نظرت إليه وقلت له : لماذا لا ترد علي !! وهو ينظر أمامه ويبتسم وكأنه رأى أحداً يعرفه وتركني وذهب باتجاه ذلك الشخص !!.

فنظرت إليه وهو يتخطاني وكأني غير موجود ، فتعجبت من تصرفه الغريب وكيف يتجاهلني بهذه الطريقة وبدأ يمشي في اتجاه نظره حتى استقر أمام تلك المرأة العجوز الجالسة على طرف حوض شجرة وتؤشر له بالجلوس إلى جانبها وكأنها تعرفه من قبل وهو أيضاً يتصرف وكأنه يعرفها ولم يبدى أي استغراب ، تماماً وكأنهما صديقان تقابلا على موعد بينهما !! وجلس إلى جانبها على طرف الحوض !!.

فقالت له : كيف حالك يا حسين ؟

فقال لها : الحمد لله

فقالت : وكيف حال أخوتك طلال وعلي وأختك نورا ؟

فقال لها : كلهم بخير والحمد لله .

فقالت له : لماذا كل هذا الحزن على وجهك ؟ أما زال مديرك أيمن يضايقك في عملك ؟

فقال لها : نعم .

فقالت له : لا عليك سوف نحل لك تلك المشكلة !!

فقاطعتهم متسائلاً : ما الموضوع يا جماعة هل بينكم معرفة سابقة ؟؟

فلم يردا علي وكأني لم اكن موجود !! فنظرت إلى وجه صديقي فإذا به كمن أتاه النوم فجأة وعيناه ذبلت بشكل غريب ولكنه يرد عليها بكل ارتياح والابتسامة لا تكاد تفارق وجهه !!.

فوجهت كلامي للسيدة العجوز وسألتها : من أنت يا ست ومن أين تعرفين حسين ؟؟

فنظرت إلى وأشارت بيدها بأن اذهب من هنا !! فتملكني غضب شديد من طريقتها و شعرت كأني أريد أن اصرخ بأعلى صوت و رغبة غريبة في مغادرة المكان والشارع بل والقاهرة كلها !! وأنا انظر إلى صديقي ، فكيف يتجاهلني ونحن رفقة في غربة ومن تلك العجوز التي تركني ليجلس معها وكيف لامرأة عجوز أن تشير إلى بطريقة محرجة وكأني ذبابة تدور حولهم وتضايقهم في جلستهم !! فقررت الانسحاب ومغادرة المكان على الفور قبل أن أتصرف تصرف قد اندم عليه ..

وبالفعل أدرت ظهري لهم وابتعدت مسافة لم تتجاوز عشرين متراً ولمدة قدرتها بثلاث دقائق لا تزيد عن ذلك ، وأنا أفكر في الموضوع وأتساءل ما الذي حدث ومن تلك المرأة وما بال صديقي يتجاهلني بتلك الطريقة السخيفة ؟؟ عدد من التساؤلات ليس لها إجابة !!

فجأة تذكرت شيئاً لم يكن في الحسبان ولكني أجلت التفكير به و عدت مسرعاً إلى صديقي حسين .. فوجدته جالساً لوحدة على طرف حوض الشجرة وينظر إلى الأرض صامتاً وممسكاً بشيء بكلتا يديه التي وضعهما بين قدميه ومتكئا على فخذيه .. جلسته كانت غريبة بعض الشيء !!

فوقفت أمامه وسألته بصوت هادئ : حسين ماذا بك ؟ وأين ذهبت صديقتك العجوز ؟؟ فنظر الى مطولاً قبل ان يرد قائلاً : هاااا !! .. فوضعت يدي على كتفه وهززته برفق وقلت له ما بك يا رجل أين ذهبت وفيما أنت شارد الذهن ؟؟

فبداء يغمض عينيه ويفتحهما ويرمش وكأنه استيقظ من نومه للتو !! فقلت له : حسين هل انت على ما يرام ؟؟

فقال لي : اين انا !!؟؟

فقلت له : بسم الله عليك نحن في شارع جامعة الدول العربية ..

فقال : لما نحن هنا لماذا لم نذهب الى سهرتنا حتى الآن ؟؟

فقلت له : البركة فيك انت وصديقتك العجوز .. هيا انهض لنذهب الى سهرتنا ..

فقال أي سهرة يا صديقي إن الساعة تجاوزت الحادي عشر وذهب علينا موعد الفلم !! فقلت له أي حادية عشر الساعة ما زالت لم تتجاوز العاشرة والربع ونظرت إلى ساعتي فوجدتها تشير إلى الساعة الحادية عشر وخمس دقائق !! فوقع الأمر علي كوقع الصاعقة !!

فنظرت إليه وقد أصابنا ذهول وهدوء غريب جداً وهو يبادلني نظرات التعجب و الاستغراب أين كنا خلال ساعة كاملة وكيف مرت علينا وكأنها دقائق ولم نشعر بها ماذا حدث خلال تلك الساعة ، فقلت له : أمتأكد أنت إنها الحادية عشر . فقال : ألم تنظر إلى ساعتك ؟؟ .

فنظرت حولي فوجدت رجلاً جالس على مدخل احد المحلات وقلت له يا حج : كم الساعة معك ؟؟ فقال : الساعة حداشر يا حبيبي !! ايه مش في ايدك ساعة تبص فيها ؟؟ فقلت له : معلش يا حج ساعتي عطلت !! فقال الرجل : وهو يضرب كفاً بكف الله ينعل ابو المخدرات والي بتعمله في العيال !! فقلت له غاضباً : مخدرات ايه يا حج !! ما يصحش كدا احنا ولاد ناس ، وكل دا عشان سألتك عن الساعة ؟؟ فقال لي : لا يبني ، انتو الاثنين اديلكو ساعة ( مضت ساعة ) واحد آاعد زي الي ضارب بنقو و التاني رايح جاي زي ابو فصادة !! ايه مالكم يا بني ؟؟ .. فنظرنا اليه نحن الاثنان وقد زاد تعجبنا على ما كان عليه !!

فقلت له : يا حج انت آاعد هنا من امتى ؟؟ فقال مازحاً : من ايام السادات .. فضحت وقلت له يا حج والله احنا في موضوع مش ناقص تريأه ( تهكم ) فقال : انا بأعد قدام المحل كل يوم من الصبح لحد الساعة اتناشر ..

فقلت له يعني كنت شايفنا من اول ؟؟ فقال : ايوه من ساعة ما نادت عليكم الست العجوزة وصاحبك اعد جمبها وانت مشيت بعيد عنهم !! فقلت له : ايوااااا .. من ساعة ما اعد صاحبي جنب الست العجوزة ( حصل ايييييه ) فقال : والله يبني انا يجوني زباين على المحل مش ااعدلكو نظرجي .. فقلت له : طيب يا حج شفت ايه تاني بعدها ؟ فقال : انا دخلت جوا المحل عشر دقائق مع زبون ولما رجعت لئيت صاحبك بيدى حاجة للست العجوزه ، فقلت في بالي : يمكن بيديها حسنة

فقلت له : وبعدييين ؟؟ فقال : هو ايه الي وبعدين وبعدين خلاص بااه الست اامت مشيت وصاحبك ااعد مكانه ..

فنظرت الى صديقي وقلت له : تفقد محفظة نقودك ، فأخذ يتفقد جيبه واخرج محفظة النقود فوجدها قد فرغت تماماً من جمع النقود ولم يبقى فيها سوى بطاقات السحب الالكتروني وهويته السعودية ورخصة القيادة أما النقود فقد تبخرت في الهواء

فصرخ صديقي : يا محمد لقد سرقت !! سرقت كل نقودي !!

وسأروي لكم الموضوع وسيناريو القصة من وجهة نظري :

هناك الكثير ممن احترف السرقة و النشل وأصبح هناك نوع جديد من السرقة و التي تم دمجها مع السحر فهما في الأصل طريقاً واحداً الى نار جهنم ، فأثناء خروجنا من المطعم ونحن نتحدث وننادي بعضنا بأسمائنا ونتناقش في مشكلة تخص عائلة حسين والتي وقعت بينه وبين أخوته ورد ذكر اسماء بعض أخوته الستة ومنهم طلال وعلي وأختهم نوار ، وأيضا كان حديثنا عن رغبته في تقديم استقالته من عمله بسبب مضايقة مديره أيمن له باستمرار وكيف سمح له القيام بإجازته بصعوبة بالغة .. وكانت تلك العجوز تراقب حوارنا خلسة ، فجذبت صديقي من خلال المعلومات التي جمعتها عنه ومما سمعته من حوارنا واستخدمت عليه التنويم المغناطيسي كي تتمكن منه ، فقد كان تركيزها منصباً على صديقي لأنها أو من معها سواء كان انس أو جان ابلغها أن حسين هو من أخرج محفظته أثناء دفع حساب المطعم ولاحظ أنها مليئة بالنقود لذا كان هو نقطة التركيز .. وانا أيضاً تعرضت للتنويم ولكن كان الغرض هو إبعادي فقط عن صديقي والهائي كي لا انتبه لما ستفعل به تلك السيدة وقد لاحظت من خلال حوارنا بشكل او بأخر اني سريع الغضب ويسهل استفزازي فاستخدمت معي افضل طريقة لتبعدني وتفرق بيني وبين صديقي بطريقة ( هششش و ابعد من هنا ).

ولكن التساؤل أين ذهبت ساعة كاملة في تلك القصة ، فالموضوع لم يأخذ من العجوز أكثر من عشرة دقائق أو ربع ساعة واعتقد أنها تركت اثر التنويم المغناطيسي علينا حتى تتمكن من الفرار بهدوء دون أن يلاحظها احد ، حتى الرجل الذي كان يراقب الموضوع لم يلاحظ أن حادثة السرقة كان فيها أي نوع من العنف أو الإكراه بل أكد لنا أن صديقي حسين هو من اخرج محفظة نقوده وأعطى النقود إلى السيدة ..

بقي أن نعرف ماذا أعطت هي لصديقي حسين ، فكل هذه المدة ونحن نتحاور مع الرجل وصديقي مطبق يديه على شيء ما ولم يخطر بباله أن يفتح يديه ليعرف ما بداخلهما وعندما نظرت إليه سألته ماذا أعطتك العجوز ؟؟

فنظر إلي وفتح يديه وإذا بداخلهما حفنة من التراب ملفوفة في ورق شجر لا أكثر ..

سألت صديقي وقلت له ألا تتذكر شيء مما حدث معك ، فقال بلى أتذكر أنها أعطتني هذه اللفافة وقالت لي خذ هذا الحجاب وعلقة في ملابسك من الداخل ولا تخلعه أبداً وأعطني ما تجود به نفسك .. فقلت له : وانت اعطيتها كل نقود سهرتنا يا فالح !! فقال لي : وانت ماذا تذكر؟ : قلت له بصراحة تذكرت انها اول مرة لك تزور فيها القاهرة ولا تعرف فيها احداً غيري !! وهذا ما اعادني لك بسرعة ..

انتهت سهرتنا وعدنا إلى الفندق وأنا لم أتوقف من الضحك على صديقي وأمازحه : قائلاً لا تفرط في الحجاب وضعه تحت المخدة ..

تاريخ النشر : 2016-05-18

guest
37 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى