أدب الرعب والعام

الهارب

بقلم : أحمد العراقي – العراق
للتواصل : [email protected]

الهارب
ظللت أركض وأنا اسمع الصراخ خلفي

لا أستطيع تحمل هذا الأمر بعد الآن ، كل هذا الصراخ والعويل ، أنا مقيد أكثر الوقت و لا أستطيع الحراك ، اسمعهم يتكلمون من وراء الباب وينظرون إلي ، ينقلونني بين الحين والآخر من غرفة إلى أخرى ، لا أذكر حتى كيف وصلت إلى هنا ؟ ولكنني أعرف أنهم لن يسمحوا لي بالخروج ، يقدمون لي الطعام 3 مرات باليوم  ، ولكنني لا آكل أبدا ، كيف لي أن أثق بهؤلاء ؟ ولكنني أحياناً استسلم للجوع فآكل القليل ، ثم أغط في نوم عميق لا أشعر بمرور الأيام ، ولكنني واثق أن فترة طويلة مرت بي هنا ، حتى حان يوم الخلاص ، اليوم الذي انتظرته طويلاً .

كان يوم عطلة كما سمعت من بعض هؤلاء مما يعني آن أكثرهم لن يكون موجوداً وغالباً سيتركون حراساً أغبياء وكان الأمر كما توقعت ، كان الوقت متأخراً جدا ، لم تكن هناك ساعة في الغرفة التي كنت فيها ، ولكنني أظن أنها كانت حوالي الساعة الواحدة أو الثانية ليلاً ، صرخت بالحارس أنني احتاج الذهاب إلى الحمام ، كان الحارس كما لك أن تتخيل سميناً جداً و ساذجا جداً ، ويبدو أنه كان نائماً لذا دخل وهو يشتم ويسب يبدو انه جديد فانا لم أره من قبل ،  ولحسن الحظ انه لا يعرف من أنا لذا قام بفك القيود والرباط دون أن يفكر بسبب وضعها ، وما إن شعرت بان يدي قد حررتا حتى لكمته بقوة كانت لدي الأفضلية ويبدو انه لم يتوقع ما حصل فقبل أن ينهض سرقت مسدسه وأطلقت عليه النار 3 مرات .

خلال اللحظات التالية كنت اركض عبر الممرات ، نفس الممرات التي كنت اعبر فيها وأنا مقيد على الكرسي حين كانوا يأخذونني إلى رجل يرتدي ملابس بيضاء ويحاول غسل دماغي بكلام ما ، في الطريق قابلت بعض الحراس ولم أتردد في إطلاق النار عليهم ، ولكن صوت الإطلاق كان عالياً جداً وسرعان ما انطلقت أجهزة الإنذار ، كنت أركض حين وجدتني محاصراً من الجهتين مجموعة من الحراس يحملون أسلحة نارية ، كانوا يصرخون ولكنني لم أسمع ما كانوا يقولونه ، لا تحتاج أن تكون عبقرياً لتعرف أنهم يقولون : ألق سلاحك ، آنت محاصر أو استسلم لا فائدة من المقاومة أو أي شيء بهذا المعنى .

كيف سأتخلص من هذه المشكلة ؟ كان عقلي يعمل بسرعة لإيجاد أي حل ، رفعت يديّ ورميت السلاح ، ثم قبل أن يشعروا بشيء قفزت من النافذة ، كنا في الطابق الثاني ولكنني لحسن الحظ وقعت فوق حاوية القمامة مما خفف من إصابتي ، تحاملت على نفسي كي أنهض ، سيكون هناك متسع من الوقت للألم لاحقا وهربت ، ظللت أركض وأنا اسمع الصراخ خلفي وأجهزة الإنذار ، هربت وأنا مصاب بطلق ناري وكدمات نتيجة السقوط فضلاً عن الجروح التي امتلأ بها وجهي من شظايا الزجاج ، الدم يغطي وجهي والألم يمزقني ، لكنني نجحت لقد فررت من ذلك المعتقل أو السجن أو أيا كان لقد هربت .

لم أتوقف عن الركض آلا بعد أن تأكدت من أنني ركضت عدة أميال في طرق ملتوية وأزقة ضيقة قذرة ، وفي النهاية توقفت خلف إحدى المطاعم ، مكان أكثر قذارة ملئ بالقمامة والحشرات والبكتريا والحيوانات السائبة ، ولكنه آمن سأبقى هنا بضعة أيام لو ظللت على قيد الحياة ، بدأت بإخراج شظايا الزجاج من يدي ووجهي ، كان الجو بارداً ، ولكنني لحسن الحظ وجدت معطفاً مهترئاً المهم انه يفي بالغرض ، ارتديته  ثم غبت في نوم عميق . 

استيقظت في الصباح على ضوء الشمس ، كأن كل ما حصل البارحة يبدو كحلم بعيد ، ولكن الآلام التي كنت أشعر بها تخبرني أنه لم يكن حلما ، فجأة انفتح الباب الخلفي لذلك المطعم تجمد الدم في عروقي وأردت أن اهرب ولكن جسمي أعلن التمرد ورفض أن يتحرك ، كنت أشعر بالألم في كل موضع من جسمي تفاجأ الرجل ثم عاد إلى المطعم وسمعت صوت نقاشات في الداخل على غرار:

“هناك رجل متشرد هنا”

“أطرده”

“يبدو مسكيناً وجائعا”

“وما شأننا بذلك “

“سيدي دعني أقدم له بقايا طعام العملاء”

“أفعل ما تريد. ثم عد إلى عملك”

 

ثم جاء الرجل إلي وقدم لي بعض الطعام ، كنت جائعا لذا أكلت الكثير جداً حتى شبعت ثم شربت الماء حتى ارتويت ، تركني الرجل وذهب دون أن ينتظر كلمة شكر ، ربما بدا له أنني مجنون أو غير قادر على الكلام ، ولم أقدر أن أشكره لأنني كنت مشغولاً بالأكل فعلاً ما أجمل مذاق الطعام ، شكرت ذلك النادل في قلبي ، حقا ما زال هناك خير في هذا العالم.

بعد الطعام جلست أحاول تذكر من أنا ؟ و كيف وصلت إلى ذلك المكان ؟ لكن كل شيء يبدو مشوشاً لا أقدر على تذكر أي شيء ، نهضت وبدأت أسير في الطرقات يبدو أن منظري كان مقززا فعلا فقد كان الجميع يتحاشون الاقتراب مني ، كنت أسير على غير هدى حتى أرهقني التعب ، فجلست على قارعة الطريق ثم جاء إلي شرطي ، خشيت في البداية أن يتعرف علي ، ولكن لحسن الحظ لم يفعل ، قال لي : أن الجلوس في الشارع ممنوع وطلب مني أن أذهب إلى مكان آخر ، لكنني لم أستجب نظرت إليه ثم عدت انظر إلى الفراغ ، فصاح الشرطي بي من جديد ، عندها تقدم أحد الرجال وقال انه سيعتني بي وامسك بي من ساعدي وأخذني معه .

كان منزله صغيراً ، ولكنه كان جميلاً ومنظماً ،عرفت أن الرجل أسمه عصام وهو طبيب ومتزوج من مدام هدى التي اعترضت على وجودي ، ولكن عصام أوضح لها أنني هنا مؤقتاً فقط ، الحقيقة أن الرجل كان كريماً جداً فقد سمح لي بالاغتسال وأعطاني ملابس جديدة وقدم لي الطعام بعدها سألني عن أسمي فأخبرته أنني لا اعرف فابتسم في هدوء وسألني : من أين أتيت؟  فأجبته أنني أيضاً لا اعرف ، اخبرني أن بإمكاني النوم في غرفة ما في المنزل ، شكرته كثيراً و ذهبت إلى الغرفة ، ولكنني سمعته من هناك وهو يتكلم على الهاتف : نعم أنه هنا ، أنه لا يذكر شيئاً ، انه نائم الآن يمكنكم المجيء لأخذه ، لا يبدو لي خطراً هكذا .. نعم .. نعم .. سيدي .. لقد خشيت أن يسبب مشكلة مع الشرطي ولذا أخذته معي .. أعلم .. أعلم .. حسنا أنا أنتظركم .. مع السلامة .

هكذا أذن هذا الوغد خدعني ، يبدو أنه وضع لي منوماً في الطعام ، أشعر بالنعاس فعلاً ، ولكنني لن أستسلم بهذه السهولة ، حاولت فتح الباب فوجدته مغلقاً ، لقد تم حبسي من جديد هكذا رأيت أن احتال قليلاً ، بدأت أصرخ طالباً النجدة ، سمعت عصام وراء الباب يسألني عما هناك ؟ ولكنني استمررت بالصراخ طالباً المساعدة ثم سمعت صوت القفل يفتح و دخل عصام متحفزاً وهو يمسك بسكين المطبخ ، ولكنني كنت انتظر خلف الباب ، هويت عليه بالكرسي عدة مرات حتى خمدت حركته تماماً وسمعت مدام هدى تصرخ .

يجب أن أهرب قبل أن يأتي الجيران أخذت السكين من عصام وطعنتها في رقبتها وهربت من المنزل بينما خرج الجيران متسائلين عن سبب الضجة ، ولكن منظري وأنا احمل السكين الملطخة بالدم أرعبهم ، لا يحتاج الأمر للكثير من التفكير ، وسرعان ما خرج شباب من هؤلاء الذين هم مستعدون للشجار طوال الوقت ، ولكنني لم أكن خصماً سهلا ًعلى الإطلاق ، انطلقت بينهم طاعناً واحداً أو اثنين من اللذين وقفوا أمامي ، ثم ظللت أركض وهم يركضون ورائي ، كنت أسرع منهم واستطعت تضليلهم في سوق مزدحم ، وهكذا أكون هربت للمرة الثانية ، حزنت على ما حصل للطبيب ولكنه كان يريد تسليمي إلى أولئك الوحوش لم يكن هناك خيار آخر أنا أو هو وقد اخترت نفسي .

بعدما تأكدت من أنني فررت من كل أولئك الذين يطاردونني أخذني النعاس مجدداً لقد بدأ تأثير المخدر ، المخدر الذي وضعه عصام لي ، وجدت أنني لا أملك مكانا أذهب إليه.. لا أسم.. لا ذاكرة.. لا مسكن.. حالتي يرثى لها ، ولكنني لن أستسلم ، مشيت مجدداً إلى إحدى الأزقة المظلمة ووجدت مكانا مناسبا للنوم ، كان حلماً غريباً الذي رأيته مكان مظلم إنارة ضعيفة ، كنت أرتدي ملابس ضابط وأطلق النار في الفراغ ، العديد من الأشخاص يقيدونني وأنا أحاول الفرار ، ثم أخذوني إلى مبنى كبير ، المبنى الذي كنت محتجزاً فيه وهربت منه ، ثم.. ثم استيقظت.. حلم غريب بالفعل.

كان الوقت ليلا نظرت حولي ووجدت الأمطار تهطل بغزارة ، سيارة شرطة تمر من بعيد لقد تذكرت ، اعرف من أنا وماذا افعله هنا ؟ كل شيء يبدو واضحاً الآن ، لقد قتل عامر البدري والدي ، لقد كان شرطياً فاسداً ، وقد كان والدي صحفياً أراد أن يفضحه لذا قتله وأنا هنا كي انتقم . سأعود إلى السجن الذي كنت فيه ، لابد أن أحدهم يعرف مكان عامر ، المدير يعرف بالتأكيد.

حاولت تذكر المكان الذي كنت فيه ذلك المبنى ، لقد احتجزوني فيه كي لا أقول الحقيقة ، ولكنني سأعود وسأنتقم .

وصلت إلى ذلك المبنى من جديد ، كان هناك حراس يحرسون مدخل البناية ، تسلقت الجدار الخلفي ، يبدو لحسن الحظ انه لم يشعر بي أحد ، درت حول المبنى البغيض حتى وجدت في النهاية باباً مفتوحاً كان هناك رجال ينقلون شيئاً ما إلى الداخل يبدو أنها أدوية ما ، لا يهمني انتظرت الفرصة حين لا ينتبهون ثم دخلت المبنى لا يزال كما تركته ، نفس الرائحة البغيضة ونفس الإضاءة ونفس الجدران البيضاء ، كان المكان هادئاً جداً ولا يبدو أن هناك أي أحد بالجوار ، ولكن في إحدى الممرات سمعت بعض الضوضاء ، أمسكت بالسكين الذي أحضرته معي متحفزاً وعندما مر ذلك الشخص من أمامي أمسكت به ووضعت السكين على رقبته وقلت له : والآن ستخبرني أين هو عامر .

– قال : يا بني لا يوجد شخص أسمه عامر .

–  قلت له : لا تتلاعب بي ، أخبرني أين هو عامر الذي قتل والدي ؟

كان هذا عندما تلقيت ضربة مؤلمة على رأسي من الخلف فسقطت على الأرض ورأيت أحد الحراس يتبادل كلاما مع المدير بينما آخرون يقيدونني ، عندما استيقظت وجدتني مربوطا من جديد بينما اسمع اثنين يتكلمان في الخارج

“هل هذا هو المجنون الذي هرب قبل يومين من المستشفى؟ “

“نعم .. لقد تساهل الحارس المسكين معه ، و لقد استطاع الفرار وقتل عدة أشخاص”

” لا يوجد شيء أخطر من شرطي مختل”

 “فعلا لقد فقد المسكين عقله ، لم يتحمل كل الضغط النفسي عليه لقد كان يعمل في استجواب المتهمين ثم جاءت حادثة وفاة والده ، لقد مات أبوه ميتة طبيعية ولكنه يرفض ذلك وظل يصرخ بشخص وهمي لا وجود له اسمه عامر البدري.”

“وكيف تعرف أن قصته ليست حقيقية”

 “لقد بحثنا بالفعل و لكننا لم نجد أحداً بهذا الاسم ، هذا الشخص وليد خياله المريض ، ولكن مهاراته كشرطي سمحت له بالفرار ، عندما فقد عقله في مركز الشرطة ظل يطلق الرصاص في الفراغ حتى تم الإمساك به ونقلوه هنا”

” المشكلة أننا لا نقدر على عقابه فهو مجنون خطير ، ولكنه مجنون كما  أن لديه محامياً بارعا فعلاً “

”  نعم ولكننا لن نغفل عنه مجدداً وسنشدد الحراسة عليه ، فليرحم الله دكتور عصام الذي حاول الإمساك به ، ولكن يبدو أنه كان أذكى مما نتوقع “

هكذا إذن.. إنهم يحاولون غسل دماغي مجدداً ، أنا لست مجنوناً ، وسأجد عامر البدري وسأقتله وسأنتقم.. سأنتقم .

تاريخ النشر : 2016-06-14

guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى