أسطورة ماما بينات (الأم العظيمة)
ما هو سر هذا الضريح ولمن تعود شواهد القبور تلك؟ |
رمت بهن الامواج الى الساحل بعد غرق سفبنتهن |
قبل أكثر من قرن من الزمان وتحديدا في شهر جانفي من عام 1802 انطلقت سفينة فرنسية حربية من ميناء تولوز اسمها لوبانيل (le panel) كانت وجهتها امريكا الجنوبية وبالضبط مستعمرة سان دومينيك التي كانت تابعة لفرنسا في ذلك الوقت وقد كانت مهمتها هي قمع التمرد الحاصل هناك ، كانت السفينة تحمل اكثر من 200 راكب من بينهم عدة راهبات هولنديات ، عندما اصبحت السفينة وسط البحر هبت عاصفة قوية تلاعبت بالسفينة وقذفتها بين الامواج فغرق من غرق وأما الناجون فقد قذفتهم الامواج الى السواحل الجزائرية مع حطام السفينة الغارقة ، قبل غرق السفينة اعتقد القبطان انهم قريبون من الساحل الاسباني لكنه كان مخطئا، وسرعان ما شاهد الصيادون حطام السفينة ومدافعها تقذفها الامواج الى الشاطئ فسارعوا لتفقد الامر والبحث عن ناجين وقد تم انقاذ عدة أشخاص من بينهم تسع نساء.
بعد انقاذ الركاب لجأت النساء الى دار الاسلام وهي زاوية لتعلم القرآن الكريم خاصة بالمتصوفين وأقمن هناك .
كانت تلك النساء راهبات مسيحيات عشن واندمجن في المجتمع الجزائري نظرا لحسن المعاملة التي تلقينها من سكان القرية والتي أصبحت اليوم مدينة. فرغم اختلاف الدين والعادات واللغة الا أن الراهبات تعلمن اللغة وكل ما يتعلق بعادات المنطقة وتزوجن من رجال جزائريين ودخلن الاسلام أما الراهبة الاكبر سنا واسمها جيان والتي سميت ماما بينات فيما بعد أي أم البنات والتي كانت في الخمسين من عمرها فلم تتزوج بل عملت على علاج الناس ومساعدتهم بحكم أنها كانت ممرضة من قبل فكانت تجمع الاعشاب من الجبل وتعالج كل من يطرق بابها فقصدها السكان من كل مكان كما تميزت بالحكمة فاستشارها السكان في مشاكلهم وحتى حكماء القرية كانوا يطلبون رأيها لما عرفوه من حكمتها ورجاحة عقلها وبقيت ماما بينات تعالج السكان وترشدهم فأحبها السكان وتعلقوا بها خاصة وأنها استعملت طرق علاجية لم يعرفها السكان من قبل فظن الكثيرون أنها ولية صالحة وبقيت كذلك الى أن ماتت ودفنت في ضريح بناه لها السكان مقابل البحر عرفانا لها .
ماتت ودفنت في ضريح بناه لها السكان |
في عهد الاستعمار الفرنسي للجزائر قام المستعمر برتولوتي بالاستيلاء على معظم أراضي منطقة بني حواء واستغل وجود الضريح الذي يقدسه السكان فأعاد بنائه بعد انهياره في زلزال عام 1954 وقام بغرس شجرة تين ذو نوعية جيدة احضرها من ايطاليا الى الجزائر قرب الضريح ومازالت الى اليوم موجودة كما قام بغرس التين في الاراضي المجاورة وادعى امام السكان البسطاء أن هذا التين مبارك لأنه من وراء البحار مثل ماما بينات ومن موطنها أيضا . كما قام برتولوتي باستغلال شهرة الضريح والتين الموجود قربه بكثرة في الاشهار لمنتوجاته فقام ببناء مصنع لمربى التين ووضع كرمز اشهاري لمنتوجه صورة للضريح و شجرة التين قربه . ومازال المصنع موجودا الى اليوم بمنطقة بني حواء.
داخل الضريح توجد عدة قبور بدون اسماء او تواريخ |
تقول الاسطورة في المنطقة أن الفتاة قبل تتزوج لابد لها من زيارة الضريح لنيل بركة الأم العظيمة ، وحتى بعد الزواج على العروس أن تزور الضريح مرة أخرى وأن تقوم بأخذ حفنة من تراب الضريح وتقوم بتأمله جيدا فاذا كان يحتوي على أي حشرة تتحرك كنملة مثلا أو أي شيئ أخر فمعناه أنها ستنجب أولادا ، أما اذا كانت حفنة التراب خالية فهذا يعني أنها لن تنجب أطفالا. وعليها أخذ حفنة تراب أخرى وأكلها لتحل بركة الأم عليها وتنجب .
أما الاطفال الذين تتعسر مشيتهم يؤخذون الى عين ماء تسمى عين ماما بينات ويغسلون أجسامهم هناك فيتمكنون من المشي.
كما كان الناس قديما يقيمون الولائم التي تسمى ا(الوعدة) في اللغة المحلية للمنطقة تقام هذه الطقوس تكريما للأم العظيمة فتذبح الذبائح وتوزع على سكان المنطقة والفقراء أيضا.
هناك من يشكك في الاسطورة ويقول أنها مجرد أساطير قديمة وحكايا للجدات لكن ما تفسير حطام السفينة ومدافعها الموجودة الى اليوم على شواطئ بني حواء وماذا عن الضريح الموجود على تلة مقابل البحر وماذا عن الشواهد الستة لرفيقات الأم ماما بينات الموجودة قرب الضريح اذا كانت هذه اسطورة فلمن هذا الضريح اذن؟
الكثير من المختصين في التاريخ يقولون أن حادثة غرق السفينة صحيحة وان الراهبات الهولنديات بقين في الجزائر وتزوجن أيضا صحيحة و ان ماما بينات هي شخصية حقيقية نضرا لوجود رسالة أرسلتها الى الجنرالات في ذلك الوقت تقول فيها أن السكان سيساعدونها للعودة الى الوطن ، لكن فيما بعد قررت البقاء مع بقية الراهبات نظرا لكرم أهل المنطقة ومساعدتهم لها فردت لهم الجميل بعلاجهم ومساعدتهم . كما أن أمر دخولها الاسلام لم يؤكد فهناك من يقول أنها ماتت على دينها.
قامت السفارة الهولندية في الجزائر بترميم الضريح |
في عام 2008 قامت السفارة الهولندية في الجزائر بترميم الضريح وتزيينه برخام وأشكال جميلة وكذلك الشواهد الستة للراهبات اللواتي رافقن ماما بينات في الرحلة .
في نظري أنا اعتقد أن البشر ومهما اختلفوا في الدين أو العادات أو اللغة فان نقاء القلب كفيل بأن يزيل كل العوائق واسطورة ماما بينات هي أفضل دليل على ذلك فامراة ورفيقاتها تقطعت بهم السبل في البحر استطاعوا العيش والتأقلم في بيئة مختلفة كليا عن ما عهدوه في وطنهم كل هاذا بسبب حب الناس لها ومساعدتها وعدم التمييز بينها وبينهم وتقبلها كواحدة منهم .
وأنت عزيزي القارئ مارأيك في هذه الاسطورة؟
كلمات مفتاحية :
– Le Mausolée de Mama Binette
تاريخ النشر : 2021-08-13