النتن العظيم أو أزمة الرائحة الكريهة
تفاقمت الرائحة الكريهة وأصبحت لا تطاق |
كانت لندن ذات كثافة سكانية عالية وذات مستوى نظافة متدن |
خلال الاربعينات من القرن السابع عشر كانت مدينة لندن مدينة صغيرة لكنها ذات كثافة سكانية كبيرة وكانت قنوات الصرف الصحي فيها صغيرة وقديمة جدا مبنية من القرميد ومهترئة فكانت النفايات والفضلات البشرية التي تصرفها هذه القنوات تصب في معظمها في نهر التايمز وتتراكم على ضفافه وقد كان الناس في ذلك الوقت يمتهنون مهنة غريبة ومقرفة في نفس الوقت لكنها مثلت مصدر رزق لعدد كبير من الناس فقد كانوا يلجؤون الى ضفاف نهر التايمز ويجمعون الفضلات البشرية المتراكمة على ضفتيه ويقومون ببيعها كسماد للفلاحين لتسميد اراضيهم ، فكان هذا العمل يقلل من تراكم هذه النفايات على ضفاف النهر لكن الحكومة البريطانية قررت عام 1847 القيام باستيراد سماد من امريكا الجنوبية يسمى غوانو وقد جاء هذا الاستيراد نظرا لسعره الرخيص وايضا تأثيره الجيد على التربة ، وعليه توقف الناس عن جمع النفايات البشرية من النهر مما أدى الى تراكمها بشكل كبير طيلة سنوات، خاصة وأن سكان مدينة لندن في تزايد مستمر حتى وصل عددهم الى 3 ملايين نسمة.
كانت الفضلات مصدر رزق لبعض الناس الذين يجمعونها ويبيعونها كسماد .. وفئة اخرى كانت تسمى صائدي الفضلات .. هؤلاء يبحثون في الفضلات والمجاري عن اشياء ثمينة قد تكون سقطت من الناس سهوا في المراحيض .. كالخواتم والساعات وقطع النقود الخ .. |
ومع ظهور المصانع اصبحت المجاري غير قادرة على تصريف كل المياه الثقيلة والفضلات خاصة مع تدهور هذه القنوات والتي اصبحت تسرب غاز الميثان وغازات اخرى ادت في كثير من المرات الى اندلاع النيران في المدينة.
اضافة الى ان اختلاط ماء الشرب بمياه المجاري عدة مرات ادى الى انتشار الكوليرا ثلاث مرات قبل أزمة الرائحة وحصدت ارواح الكثيرين .
في عام 1858 حلت الكارثة فبحلول شهري جويلية و أوت ومعهما الحرارة الخانقة تفاقمت الرائحة الكريهة وأصبحت لا تطاق في كل المدينة واصبح نهر التايمز مثل المجاري وتراكمت على ضفافه حوالي 6 أقدام من النفايات الصناعية والبشرية ، كما ان الحرارة المرتفعة في ذلك الصيف ادت الى انخفاض مستوى النهر مما ادى الى تحول النفايات الى سوائل قذرة برائحة لا تحتمل. كما تشكلت طبقات من الغازات مثل السحب فوق سطح نهر التايمز وكانت مرئية للجميع اما الشوارع فلم يتحمل الناس المشي فيها لشدة الرائحة العفنة وحتى ماء الشرب أصبح ذو رائحة بشعة لم يتحملها الناس.
أصبحت حديث الصحف والناس |
اصبحت مدينة لندن تشكو من رائحة كريهة في كل مكان وسميت هذه الازمة بازمة الرائحة الكريهة وأصبحت حديث الصحف والناس والكل متذمر من الوضع العفن الذي أصبح يميز لندن بل ان كثير من الناس هجروا منازلهم وانتقلوا للعيش في أماكن بعيدة عن لندن ودخل الكثير من العمال الذين يعملون قرب التايمز في اضراب بسبب الرائحة الكريهة.
حاولت الحكومة ازالة الرائحة وقامت بسكب كميات كبيرة من الطباشير الجيري وكلوريد الكلس وحامض الكربوليك في نهر التايمز متحملة كلفة كبيرة شهريا بسبب هذه الرائحة. في احدى المرات حاولت الملكة فكتوريا مع الامير آلبرت أخذ نزهة بحرية في نهر التايمز لكن سرعان ما عادا بسرعة بسبب الرائحة الكريهة.
اصبح الوضع لا تطاق ولم يتحمل الناس المشي في الشوارع لشدة الرائحة العفنة |
مع تزايد سخط الناس وطبقة الكتاب والمثقفين حاول البرلمان ان يعقد جلسة لمناقشة ازمة الرائحة الكريهة وتم نقع ستائر البرلمان في كلوريد الجير للتغلب على الرائحة خاصة أن مبنى البرلمان كان قرب نهر التايمز لكن نواب البرلمان اضطروا للمغادرة سريعا بسبب الرائحة.
أصبحت ازمة الرائحة الكريهة حديث الناس اليومي سواء الفقراء او النبلاء أما طبقة المثقفين فشنت هجوما على الحكومة لفشلها في حل الازمة وازداد الامر سوءا مع الوقت.
انفراج الازمة
كانت الازمة سببا في انشاء شبكة مجاري لندن الضخمة والتي مازالت تعمل بكفاءة حتى اليوم |
بعد الكثير من المناقشات والبحث عن حلول ظهر المهندس المدني جوزيف بازالجيتي الذي قام بتخطيط جديد للمجاري ليتم نقل المخلفات السائلة شرقا عبر بناء سلسلة من شبكات الصرف الصحي الضخمة والتي تصب خارج العاصمة لندن. بدأ العمل في هاذا المشروع الذي تمت الموافقة عليه عام 1859 حتى عام 1875 حيث شمل شبكة ضخمة من الانفاق والمجاري مازالت تعمل بكفاءة عالية الى غاية يومنا هاذا وجعل هذا المشروع مدينة لندن خالية من الروائح تدريجيا الى أن اختفت الرائحة نهائيا ، لقد أنقذ نظام مجاري المهندس بازالجيتي حياة الكثيرين من الامراض المنتقلة عبر المياه أو النفايات كما جعل مدينة لندن مدينة نظيفة ، وأصبح هذا المهندس بمثابة المنقذ لمدينة لندن حيث يعتبر بازالجيتي اعظم رجل في المدينة الى غاية اليوم .
كلمات مفتاحية :
– The Great Stink
تاريخ النشر : 2021-08-28