عجائب و غرائب

النتن العظيم أو أزمة الرائحة الكريهة

بقلم : نور الهدى الاخضرية – الجزائر

تفاقمت الرائحة الكريهة وأصبحت لا تطاق
تفاقمت الرائحة الكريهة وأصبحت لا تطاق

في مقال مضى تعرفنا على كارثة حريق لندن الكبير الذي كاد ان يقضي على المدينة كلها واليوم سنتعرف على كارثة أخرى عرفتها مدينة لندن لكنها غريبة وطريفة نوعا ما والمقصود بهذه المقالة ليس السخرية من احداث عرفتها مدن وبلدان بل المقصود أخذ العبرة منها وايجاد حلول مثل ما وجدته هذه الدول .. اذن هيا بنا الى مدينة لندن منتصف العام 1858.

blank
كانت لندن ذات كثافة سكانية عالية وذات مستوى نظافة متدن

خلال الاربعينات من القرن السابع عشر كانت مدينة لندن مدينة صغيرة لكنها ذات كثافة سكانية كبيرة وكانت قنوات الصرف الصحي فيها صغيرة وقديمة جدا مبنية من القرميد ومهترئة فكانت النفايات والفضلات البشرية التي تصرفها هذه القنوات تصب في معظمها في نهر التايمز وتتراكم على ضفافه وقد كان الناس في ذلك الوقت يمتهنون مهنة غريبة ومقرفة في نفس الوقت لكنها مثلت مصدر رزق لعدد كبير من الناس فقد كانوا يلجؤون الى ضفاف نهر التايمز ويجمعون الفضلات البشرية المتراكمة على ضفتيه ويقومون ببيعها كسماد للفلاحين لتسميد اراضيهم ، فكان هذا العمل يقلل من تراكم هذه النفايات على ضفاف النهر لكن الحكومة البريطانية قررت عام 1847 القيام باستيراد سماد من امريكا الجنوبية يسمى غوانو وقد جاء هذا الاستيراد نظرا لسعره الرخيص وايضا تأثيره الجيد على التربة ، وعليه توقف الناس عن جمع النفايات البشرية من النهر مما أدى الى تراكمها بشكل كبير طيلة سنوات، خاصة وأن سكان مدينة لندن في تزايد مستمر حتى وصل عددهم الى 3 ملايين نسمة.

blank 
كانت الفضلات مصدر رزق لبعض الناس الذين يجمعونها ويبيعونها كسماد .. وفئة اخرى كانت تسمى صائدي الفضلات .. هؤلاء يبحثون في الفضلات والمجاري عن اشياء ثمينة قد تكون سقطت من الناس سهوا في المراحيض .. كالخواتم والساعات وقطع النقود الخ ..

ومع ظهور المصانع اصبحت المجاري غير قادرة على تصريف كل المياه الثقيلة والفضلات خاصة مع تدهور هذه القنوات والتي اصبحت تسرب غاز الميثان وغازات اخرى ادت في كثير من المرات الى اندلاع النيران في المدينة.
اضافة الى ان اختلاط ماء الشرب بمياه المجاري عدة مرات ادى الى انتشار الكوليرا ثلاث مرات قبل أزمة الرائحة وحصدت ارواح الكثيرين .

في عام 1858 حلت الكارثة فبحلول شهري جويلية و أوت ومعهما الحرارة الخانقة تفاقمت الرائحة الكريهة وأصبحت لا تطاق في كل المدينة واصبح نهر التايمز مثل المجاري وتراكمت على ضفافه حوالي 6 أقدام من النفايات الصناعية والبشرية ، كما ان الحرارة المرتفعة في ذلك الصيف ادت الى انخفاض مستوى النهر مما ادى الى تحول النفايات الى سوائل قذرة برائحة لا تحتمل. كما تشكلت طبقات من الغازات مثل السحب فوق سطح نهر التايمز وكانت مرئية للجميع اما الشوارع فلم يتحمل الناس المشي فيها لشدة الرائحة العفنة وحتى ماء الشرب أصبح ذو رائحة بشعة لم يتحملها الناس.

blank 
أصبحت حديث الصحف والناس

اصبحت مدينة لندن تشكو من رائحة كريهة في كل مكان وسميت هذه الازمة بازمة الرائحة الكريهة وأصبحت حديث الصحف والناس والكل متذمر من الوضع العفن الذي أصبح يميز لندن بل ان كثير من الناس هجروا منازلهم وانتقلوا للعيش في أماكن بعيدة عن لندن ودخل الكثير من العمال الذين يعملون قرب التايمز في اضراب بسبب الرائحة الكريهة.

حاولت الحكومة ازالة الرائحة وقامت بسكب كميات كبيرة من الطباشير الجيري وكلوريد الكلس وحامض الكربوليك في نهر التايمز متحملة كلفة كبيرة شهريا بسبب هذه الرائحة. في احدى المرات حاولت الملكة فكتوريا مع الامير آلبرت أخذ نزهة بحرية في نهر التايمز لكن سرعان ما عادا بسرعة بسبب الرائحة الكريهة.

 blank
اصبح الوضع لا تطاق ولم يتحمل الناس المشي في الشوارع لشدة الرائحة العفنة

مع تزايد سخط الناس وطبقة الكتاب والمثقفين حاول البرلمان ان يعقد جلسة لمناقشة ازمة الرائحة الكريهة وتم نقع ستائر البرلمان في كلوريد الجير للتغلب على الرائحة خاصة أن مبنى البرلمان كان قرب نهر التايمز لكن نواب البرلمان اضطروا للمغادرة سريعا بسبب الرائحة.

أصبحت ازمة الرائحة الكريهة حديث الناس اليومي سواء الفقراء او النبلاء أما طبقة المثقفين فشنت هجوما على الحكومة لفشلها في حل الازمة وازداد الامر سوءا مع الوقت.

انفراج الازمة

blank 
كانت الازمة سببا في انشاء شبكة مجاري لندن الضخمة والتي مازالت تعمل بكفاءة حتى اليوم

بعد الكثير من المناقشات والبحث عن حلول ظهر المهندس المدني جوزيف بازالجيتي الذي قام بتخطيط جديد للمجاري ليتم نقل المخلفات السائلة شرقا عبر بناء سلسلة من شبكات الصرف الصحي الضخمة والتي تصب خارج العاصمة لندن. بدأ العمل في هاذا المشروع الذي تمت الموافقة عليه عام 1859 حتى عام 1875 حيث شمل شبكة ضخمة من الانفاق والمجاري مازالت تعمل بكفاءة عالية الى غاية يومنا هاذا وجعل هذا المشروع مدينة لندن خالية من الروائح تدريجيا الى أن اختفت الرائحة نهائيا ، لقد أنقذ نظام مجاري المهندس بازالجيتي حياة الكثيرين من الامراض المنتقلة عبر المياه أو النفايات كما جعل مدينة لندن مدينة نظيفة ، وأصبح هذا المهندس بمثابة المنقذ لمدينة لندن حيث يعتبر بازالجيتي اعظم رجل في المدينة الى غاية اليوم .

كلمات مفتاحية :

– The Great Stink

تاريخ النشر : 2021-08-28

guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى