تجربة غيرت حياتي
الآن أنا أستمتع بوقتي ، و الأهم من هذا أنني أعيش إنجازاً أنا في طور تحقيقه |
السلام عليكم .. قبل أن أقول ما أردت قوله فكرت أنه ربما هذه مساحة لتفريغ جميع المشاعر من أحزان أو رغبات من أجل ضمير مرتاح و قلب صافي ، لذا سأحكي لكم عن نفسي ما يكفي لتعرفونني جيداً ثم أقول رسالتي للقراء .
أولاً اسمي الكامل هو “نسيمة البردي” شابة بعمر 19، و طالبة جامعية بالكلية العليا للعلوم الهندسية .
إن طلبتم أن أصف نفسي في عبارة فسأقول فتاة تسعى لتحقيق أحلامها و تجاهد لتكون على أحسن تقويم .
ولدت و ترعرعت بمدينة ورززات ، مدينة متوسطة الكبر ، بسيطة للغاية و تمتاز بمناخها الصحراوي الحار و هدوئها المريح ، أنا الابنة المتوسطة لعائلتي ، لدي أخت كبرى تدعى “آمال” و أخ يصغرني بأربع سنوات اسمه “مهدي”… ذات جمال متوسط و ربما عادي ، شعر مجعد و بشرة شاحبة قريبة من السمرة حسب المناخ .
خلال سنوات دراستي بالابتدائية أتذكر انني كنت تلك الفتاة المتمردة ذات الشعر القصير المنكوش و القميص الرياضي القصير و التي تتسابق مع فتيان الحي و تتصارع معهم ، تشاركهم لعب الكرة و الفميضة ، فلم أكن أفضّل الاحتكاك بالفتيات كثيراً ، خصوصاً و أن أغلب جيراننا أولاد بمثل سني .
بعد بلوغي و أنا في الحادية عشر من عمري بدأت أمي تمنعني من عدة أشياء كنت قد اعتدت عليها سابقا ً، و بدأت تفرض علي الصلوات التي لم أكن ملتزمة بها سابقاً ، و لكثرة تشبّهي بالأولاد كانت عاداتي همجية و كان يلزمني اعادة برمجة فعلية .
كان مستواي الدراسي متوسطاً و ربما متدنياً لأنني لم أكن أبذل أي جهد في المذاكرة ، بل لم أكن مهتمة بالدراسة من الأساس ، لكن و خلال فصل للصيف للسنة الثالثة من الاعدادي سافرت و أختي الى مراكش حيث تقطن عمتي و أبنائها لأحظى بعطلة ممتلئة .
كان لدى عمتي ابنتان ، الكبرى متزوجة و الأخرى تدرس بكلية الصحافة ، ثم ابن يكبرني بحوالي الأربع سنوات و قد كان وسيماً كأي شاب بعمره ، اسمه “اسماعيل”
*لا تتصوروا قصة حب ساذجة من طرفي اكرمكم الله* ما حدث أن اسماعيل هذا كان سبباً في تغيري تغيراً جذرياً ، أتذكر ذلك اليوم جيداً ، يوم بارد من أيام شهر رمضان ، كنا قد استيقظنا لنتسحر عند الساعة الرابعة و الربع ، و بعد ذلك عاد الكل الى النوم إلا أنا .. كنت أشاهد التلفاز ، و بعد مرور حوالي النصف ساعة ربما ، رأيت اسماعيل و قد ارتدى ملابسه متجهاً نحو الأسفل ، أوقفته متسائلة عن مقصده فأخبرني أنه ذاهب إلى الكلية – كان يدرس بذات الكلية التي أدرس بها الآن – فليس لديهم عطلة ، و قد كان الأمر غريباً ، أعني أي دراسة هي مع الفجر ؟
محاولةً أن أتصنع تصديقه سألته عن الساعة التي سيبدأ بها دوامه فأخبرني أنها السابعة لكن يجب أن يخرج الآن لأن الحافلة(الباص) قد تتأخر فيضطر للانتظار ، و هناك حافلة أخرى يجب عليه أن يستقلها لذا لا مجال للتأخر و لا يستطيع تحمل تكاليف سيارة الأجرة ، لأن الكلية بعيدة و قد يساوي ثمنها ثمن ثلاث حافلات في الاسبوع .
تعجبت لأمره، و تفاجأت حين سألني هل أود مرافقته ، ربما اقترح الأمر مازحاً لكنني استغللت الفرصة و واقفت بحجة أنني أشعر بالملل عند بقائي بالمنزل ، لم يستطع رفض الأمر فتجهزت و رافقته ، كان الطقس بارداً رغم أنه فصل الصيف ، كانت أنفاسنا تنبثق كبخاخ ، و اضطررنا للانتظار وقوفاً لمدة ساعة و نصف ، كنت أمزح معه قائلة أنني يجب أن أصنع برنامجاً وثائقياً أصوره فيه تحت عنوان : “معاناة طالب”
بعد استقلالنا للحافلة طلب مني أن أتذكر الطريق جيداً في حالة أردت ان أعود للمنزل قبل المساء ، بعد استقلالنا للحافلة الثانية كانت الساعة قد قاربت السابعة و هذا ما صدمني فقد مر الوقت بسرعة عكس ما يمر بالمنزل .
وصلنا للكلية و دخلت رفقته مترددة ، كنت أسأله كل حين بخشية ، ماذا إن كشفني الأستاذ ؟ ماذا إن طلب مني أن أجيب عن سؤال ؟
لكنه كان يطمنني قائلاً أن القسم ضخم ، و هناك حوالي المائة طالب ، و الأستاذ لا يمتلك ذاكرة من حديد كي يتذكر كل واحد ، ثم إن الحصة ليست تطبيقية لذا لا يسجلون الحضور .
دخلنا إلى القاعة و كم كانت ضخمة فعلاً ، لم أكن أتوقع ذلك بتاتاً ، جلست بقربه و كان خوفي لم يتلاشى بعد ، ثم قدم بعدها زملاؤه و أصدقاؤه و باقي الطلاب .. عرفني على أصدقائه و أسمائهم ثم حضر الأستاذ .
أتذكر أن الحصة دامت ساعتين ، و كنت مشدودة بالهدوء التام الذي يعم القاعة ، ناهيك عن المعادلات و الكلمات المعقدة التي لم أفقه فيها شيئاً .
انتهت الساعتين و خرجنا الى الكافيتيريا و تناولنا طبقاً سريعاً ، تحدثت مع شلته و كان يمزحون معي و يعاملونني بلطف ، و قد أدركت أن كلاً منهم ينتمي لمدينة مختلفة و قد جمعتهم الدراسة ، فمنهم من اضطر للانتقال و عائلته إلى هناك ، و منهم من استأجر شقة ، و منهم من يعيش مع أفراد عائلته ، و رغم هذا كان كل منهم متفائلاً و سعيداً بدراسته ، لديه طموح و أحلام يأمل تحقيقها .
أمضيت باقي اليوم معه ، و قد عرفت المزيد عن شخصية كل واحد من أصدقائه ، بل إنهم أخبروني بتفاصيل قبولهم بالكلية و كيف أمضوا السنة الثالثة من الثانوية .. السنة الذهبية كما سموها ، كم عانوا من قلة النوم عند الاستعداد لاختبارات القبول و كم عانوا من الضغط و الخوف و الجوع ، كم كان ذلك عصيباً ، كما نصحوني و شددوا على أهمية الاهتمام بدراستي و كيف أن تخصصي و نطقتي هما من يحددان نصف مساري .
تلك الكلمات و تلك التحفيزات و تلك الإشارات لازلت أتذكرها جيداً ، و قد حفرت طريقها في ذاكرتي كأنها أمس .
بعد عودتي تلك الليلة لم أفترق عن اسماعيل ، كنت أسأله و يجيبني طوال الطريق حتى عودتنا للبيت ، أقنعني أنني أستطيع الوصول و تحقيق كل ما أريده ، لكن فقط عندما أقرر أنا ذلك ، أخبرني أنني أستطيع الاستمتاع و النجاح في نفس الوقت إن نظمت أموري ، أخبرني أن الامتياز يأتي من الاجتهاد ، و ألا دخل للذكاء الفطري بالأمر .
كانت نظرتي له تكبر شيئاً فشيئاً ، و رغبتي للتميز تتضخم أكثر ، و لأكون صريحة غيرني ذلك اليوم كلياً !
بعد انتهاء العطلة و عودتنا إلى البيت دخلت الثانوية و قد شعرت و كأن الحياة منحتني فرصةً ثانية بعدما نظرت إلى المستقبل عبر عدسة ، لم أعد نسيمة السابقة قط ، و كأنني شخص جديد بأفكار جديدة و شخصية مختلفة !! حاولت تطوير ذاتي ، بدأت أقرأ القصص و الكتب لتحسين لغاتي ، استغللت أوقات فراغي لكي أطلق العنان لنفسي و أطور مواهب جديدة ، حاولت أن أتعلم الرسم ، و تعلمت العزف على الغيتار نوعاً ما .. شاركت في مسرحية و نلنا جائزة ، كما أحرزت المرتبة الثانية في الثانوية .
و هكذا مرت ثلاثة سنوات من الكفاح ، و تماماً كما أخبرني عمر و حاتم و اسماعيل ، مرت أيام بدون نومٍ كافٍ ، ذهبت أحياناً ببطن فارغ و معدة تقرقر جوعاً ، هالات سوداء ارتسمت تحت عيناي ، و تشجيعات العائلة و دعواتها و هدفي كانت تثبثني ، قبلت بأغلب الكليات التي تقدمت لها ، و الأهم من ذلك ، قبلت بالكلية العليا للهندسة ..
التقيت باسماعيل هناك ، و الآن هو يدرس بالسنة الرابعة و لا زالت أمامه سنة قبل أن يتخرج ، استطاع اجتياز هذه السنوات دون إعادة عام واحد ، كما استطعت أن أكمل دراستي و أحقق هدفي .
تعرفت على أصدقاء كثر ، و الآن أنا أستمتع بوقتي ، و أدرس و أنظم وقتي ، و الأهم من هذا أنني أعيش إنجازاً أنا في طور تحقيقه ، و ربما أعتبر نفسي حققت نصفه .
عندما اقرأ سير الناجحين و أسمع تحفيزات أشخاص ، أشعر برغبة كبيرة للصراخ مؤكدة على ما يقولون ، صارخةً بكل ما لدي أن هذا صحيح ! و ليس كما يظن البعض مستحيل ..
قد يكون العالم يعاني لكن هي حياة واحدة نحياها ، عيب أننا في الخراب و الضياع نقضيها ، و كما يقولون ” لا تحلم بذلك بل اسعى لتحققه ” و شكراً لكم .