توناروز وسر الأمير الغامض
كان يا مكان في قديم الزمان ، في قصر بأعالي جبال الأطلس الجزائرية ، كان يقيم هناك سلطان يعيش مع ابنته الأميرة ( توناروز ) التي تتميز بالرقة والعذوبة والجمال الأخاذ ، عيبها الوحيد أنها شديدة الفضول..
كانت الأميرة (توناروز ) تتحرق شوقا لأن يتحقق حلمها المتمثل في الزواج في مطلع الربيع المصادف ليوم عيد ميلادها.. كما تمنت أيضا أن تكون الهدية المقدمة إليها آنذاك ، هي الصندوق الفضي المتوارث عن جداتها جيلا بعد جيل..
مرت الأيام ولم يعد يفصل عن قدوم الربيع إلا خمسة أيام فقط ، ومع ذلك فشل السلطان في العثور على زوج لابنته العزيزة رغم محاولاته المستمرة في البحث دون جدوى..
وصل اليوم الموعود فذهب السلطان إلى غرفة ابنته وهو يجر أذال الخيبة ، وبأسف شديد أخبرها والحزن يعلو محياه بأنه فشل في العثور على زوج لها ، وبالتالي فإن زواجها في هذا اليوم تحديدا هو أمر مستحيل…
ما إن سمعت ( توناروز) بهذا الخبر الصادم حتى شعرت باحباط شديد ، فعزلت نفسها في غرفتها واستسلمت للكآبة والحزن.. وبعدها بفترة دخلت عليها وصيفتها المقربة ( تودا ) ولاحظت ملامح الحزن على وجهها فسألتها عما جرى لها ، أطلعتها توناروز بما أخبرها به والدها.. لكن وصيفتها هونت عليها الأمر واقترحت عليها حلا سحريا لمشكلتها ، مذكرة إياها بأنها تملك قوى سحرية ستعينها على تحقيق حلمها الأثير .. فأعطتها قطعة حجر سحري وقالت لها :
– خذي هذا الحجر وادعكيه فوق منطقة قلبك ، و تمني خلالها أن تتحقق أمنيتك في اليوم الذي ترغبين به.
وفعلت توناروز ما طلبته منها وصيفتها ، و تمنت أن تتزوج أميرا في يوم عيد ميلادها المصادف لمطلع الربيع.
وعند حلول اليوم الموعود أمر السلطان خدمه بإحضار الصندوق الفضي الكبير إلى قاعة العرش ، ووضعه أمام ابنته لكي يقدمه لها كهدية عيد الميلاد ، ولا أحد كان يعرف محتوى ذلك الصندوق ، لذلك اتسعت عينا الأميرة دهشة عندما فتحته وأطلقت صرخة مكبوحة من وقع المفاجأة ، إذ وجدت هنالك رجلا وسيما ، عيناه زرقاوان وشعره حريري فاحم السواد ، كان يرتدي ملابس فاخرة وأنيقة ويعتمر قبعة مميزة.. فسألته بفضول :
– من أنت ؟ من أين جئت ؟
فرد عليها محرجا وهو يبتسم :
– لا أستطيع أن أخبرك من أكون ، ولكنني جئت لألتمس يدك للزواج..إن وافق والدك طبعا.
رأى السلطان وابنته أن تميز الأمير المجهول بالوسامة والأناقة غير كاف بالنسبة لهما ، فقد رغبا في ما هو أكثر من ذلك ، أرادا أن يتحلى إلى جانب بهاء الطلعة ، بمزايا أخلاقية راقية.. كالطيبة والنبل والشجاعة ، ولكي يختبر السلطان شجاعة صهره المستقبلي اشترط عليه شرطا خطيرا مقابل الموافقة على الزواج من ابنته ، وهو أن يقتل الغول ذو السبعة رؤوس الذي ظل يهيمن على الغابة المحاذية للوادي القريب من القصر لفترة طويلة من الزمن..
وافق الأمير المجهول على شرط السلطان ، وفي اليوم الموالي تسلح بسيفه ، وامتطى حصانه الأبيض ، وذهب إلى الغابة لكي يقتل الغول ذو السبعة رؤوس ، وبمجرد وصوله إلى هناك ، أحس بأن الأرض تهتز من تحت قدميه ، ثم رأى الأشجار تتحرك ، وفجأة ظهر من بينها مخلوق غريب ومرعب يملك سبعة رؤوس ، جلده ملطخ ببقع حمراء والشر يتطاير من عيونه الدموية..إنه الغول الذي بث الرعب في قلوب الناس لزمن طويل ونغص عليهم حياتهم !!
أطلق الغول زفرات نارية لاهبة على الأمير ، فاشتعلت النيران من حوله وحاصرته من كل الجهات ، شعر بالخطر المحدق فدق قلبه بعنف ، وتعرق جبينه ، وقال مذعورا ومشاعره تتأرجح بين اليأس والرجاء :
-يا إلهي.. ماذا عساي أن أفعل ؟ كيف أنجو من هذه النيران ؟
وفي اللحظة التي كاد فيها أن يحترق داخل اللهب ، حدث ما لم يكن في الحسبان ، إذ انبثقت من الأرض فجأة ، موجة ضخمة من المياه وقامت بإطفاء النيران المشتعلة حوله ، وأثناء حصول ذلك استغل الأمير وقع المفاجأة على الغول فاستجمع شجاعته وقطع رؤوسه السبعة بضربة واحدة من سيفه القاطع ، ووضعها كلها في كيس كبير كان قد جلبه معه ، ثم عاد إلى القصر ممتطيا حصانه ، وبمجرد وصوله إلى هناك وضع الكيس أمام السلطان وابنته الحسناء ، فسأله السلطان متشككا في نجاح مهمته الخطيرة :
– هل قتلت الغول ذو الرؤوس السبعة ؟
– أجابه الأمير مؤكدا : طبعا يا مولاي..وإليك الدليل.
وأتبع جوابه بفتح الكيس ، فذهل السلطان لمنظر الرؤوس المرعب وأجفل مرتدا إلى الخلف ، وبعدما سيطر على انفعالاته واستعاد هدوئه قال له مبشرا وهو يبتسم برضى :
– حسنا يا بني.. سأمنحك موافقتي على الزواج من ابنتي.. هنيئا لك !!
وهكذا تحققت أمنية الأميرة توناروز و تزوجت في يوم عيد ميلادها الموافق لمطلع الربيع ، وأقيمت الأفراح سبعة أيام بلياليها ، وعاشت مع زوجها في وفاق وسعادة لبعض الوقت إلى أن حصل ما نغص عليهما سعادتهما…
كان ذلك في اليوم الذي خرجت فيه توناروز مع زوجها للتنزه قرب الوادي المحاذي للقصر ، حيث كانا يستمتعان بتناول الطعام وسط منظر المياه العذبة ذات الزرقة اللازوردية الساحرة ، إذ انتاب الأميرة خلالها فضول شديد لمعرفة الحياة الخفية لزوجها الغامض وأسراره التي رفض الكشف عنها بإصرار ، فسألته عن هويته ؟ من يكون ؟ وما إسمه ؟ ومن أين أتى ؟ وأين كان يقيم قبل أن يتزوجها ؟ وما إلى ذلك.. فرد عليها الأمير المجهول محذرا :
– إن أخبرتك من أكون فإن أمرا سيئا سيحصل… لذا أترجاك عزيزتي بألا تلحي علي بالأسئلة ، ولا تسمحي لفضولك بأن يفرق بيننا ويحطم سعادتنا.
وبدلا من أن يسكت جواب الأمير فضولها زاد من اشتعاله ، فألحت عليه أكثر فأكثر وحاصرته بالأسئلة المتلاحقة إلى أن اضطر أخيرا لأن يرضخ لها ويشبع فضولها المتوقد ، ولكن ما إن شرع في إطلاعها على سره وحقيقة أمره ، حتى حصل أمر مشابه لما وقع في الغابة ، إذ انبثقت فجأة موجة ضخمة من المياه وابتلعت الأمير في جوفها ، فلحقتها الأميرة في محاولة يائسة لإنقاذ زوجها غير أنها لم تتمكن من ذلك لأن المياه كانت قد اختفت في العدم..
هرعت الأميرة توناروز يائسة إلى قصر والدها ، وحكت له باكية كل ما جرى قرب الوادي ، ولم يجد السلطان حلا لهذه المصيبة التي وقعت على رأسهما..
وهكذا.. مرت الأيام من دون أن يظهر أثرا لزوجها ، فانهارت وغرقت في الحزن والشعور بالذنب ، ولامت نفسها كثيرا على أنانيتها وفضولها الذي تسبب باختفاء زوجها الحبيب..
وفي إحدى الليالي المنعشة ، حيث كانت السماء مرصعة بالنجوم وكان ضوء القمر ينعكس على سطح مياه الوادي الهادئة ، كانت الوصيفة ( تودا) تتنزه قرب الوادي ، وفجأة لفت انتباهها منظر غريب ، إذ رأت شذرات أنوار مشعة تتراقص فوق سطح المياه ، فانفتح الوادي منقسما إلى نصفين ، كاشفا عن مشهد ساحر ومذهل يبهر الأبصار !!
رأت شيخا أبيض الشعر جالسا على العرش ، على رأسه تاجا مرصعا بأغلى الجواهر ، وبمقربة منه كان يجلس شاب وسيم أزرق العينين ، شعره فاحم السواد ، يعتمر قبعة مميزة ، فعرفته الوصيفة ( تودا) فورا ، إنه زوج الأمير توناروز !!
هرعت ( تودا ) إلى سيدتها لتبشرها بما رأته قرب الوادي :
– مولاتي الأميرة.. مولاتي الأميرة.. لقد رأيت الشاب الذي تزوجته !!
فقالت لها الأميرة بنفاذ صبر :
– خذيني إليه فورا !!
وهكذا.. أسرعت الأميرة مع وصيفتها إلى الوادي فشاهدت نفس المنظر الذي رأته ( تودا) :
الشيخ الجالس على العرش وزوجها جالس قربه ، فأقبلت نحوهما وظهرت أمامهما وهي مبتهجة ومتحمسة ، وما إن لمحها الأمير حتى عرفها على الفور ، بينما ناداها الشيخ ملوحا لها بكفه:
– هييي.. أنت… أيتها الغريبة الحسناء.. ماذا تفعلين هنا ؟
فأجابته بلهفة ورجاء:
– جئت لأبحث عن زوجي الواقف أمامك.
فأخبر الأمير والده عن هوية تواروز مشيرا إليها بأصبعه قائلا بحماس :
– أنظر يا أبي.. ها هي المرأة التي تزوجتها..
فابتسم لها الشيخ وقال لها :
– حسنا يا ابنتي… بصفتي ملكا على المياه أمنحك وعدا بإعادة زوجك إليك ، ولكن عليك أن تتذكري دائما السبب الذي تسبب باختفائه.. ألا وهو الفضول الخطير فلا تكرري غلطتك رجاء !
وما إن وافقت الأميرة توناروز على شرط الملك ، حتى عادت مياه الوادي إلى وضعها السابق تاركة فوق سطح الوادي أمير البحار قرب زوجته الأميرة توناروز ، وهكذا التقيا من جديد ، وعادا إلى القصر ليعيشا معا بسعادة وهناء..