علي أصغر : السفاح الايراني الذي روع طهران وبغداد
صورة السفاح وهو يحمل صينية الحلويات التي يبيعها في الشوارع |
لكن من هذا الشخص؟ و من أين أتى؟ و ما دفعه لقتل أكثر من 33 شخضا في دولتين مختلفتين؟
أسمه (علي اصغر بروجردي) ، ولد سنة 1893 في مدينة (بروجرد) الواقة في غرب اﻹيران من عائلة لديها سوابق في الإجرام، كان جده (زلفعلي) قاطع طرق يسرق و يهاجم القافلات و يقتل من كانوا فيها، كذلك أبوه (علي ميرزا) ورث المهنة عن أبيه و كان معروفا حينها و إتهم بقتل أكثر من 40 شخصا بيديه العاريتين. وبسبب مطاردته من قبل السلطات قرر الفرار الى العراق ، لكنه قتل في الطريق على يد رجال الخيالة الحكومية ، اما زوجته واطفاله فقد تمكنوا من عبور الحدود و إستقروا في مدينة (بغداد).
الجدير بالذكر أن (اضغر) لم يعرف والده مطلقا ، ولم يكن لديه علم بالسجل الاجرامي الحافل لعائلته ، ذلك أن والدته اخبرته بان والده كان جنديا و قتل في معركة ، ربما ارادت ان تبعده عن ماضي العائلة الموبوء بالدم والقتل ، لكنها لم تعلم أن إبنها سيصبح “شر خلف لشر سلف” وسيكون أول قاتل متسلسل ايراني ، وكأنه ورث جينات الجريمة من العائلة.
شخصية هذا القاتل مثيرة للاهتمام ، لأن ميوله الاجرامية تطورت مع مرور الوقت. ولفهم شخصيته و دوافعه للقتل يمكن تقسيم حياته لثلاثة مراحل وذلك حسب نوع الجرائم الذي إرتكبها:
المرحلة الاولى (الانحراف )
بغداد 1918 – اي بالضبط في الوقت الذي كان القاتل يجوب شوارعها ويقترف جرائم القتل |
رغم عدم وجد مصادر تتحدث عن طفولته ، عدا تلك التي ذكرها بنفسه أثناء تحقيقات معه، إلا أن المعروف بأن له شيقيقان و شقيقة واحدة ، وأن العائلة عندما استقر بها المقام في العراق وقام الشقيق الأكبر بأفتتاح مقهى في بغداد ، و بدأ “أصغر” بالعمل في سن مبكر في مقهى شقيقه ، وبعدها بفترة بدأ بالعمل كبائع متجول يبيع المكسرات و الحلوى في الشوارع ، و كانت تلك أولى مراحل بناء شخصيته الاجرامية ، والتي تحدث عنها قائلا :
(عندما كنت أعمل بالمقهي ، وكذلك بحكم عملي كبائع متجول في الشوارع ، تعرفت على عدد كبير من اﻷطفال و المراهقين و اختلطت بهم ، واصبحت لدي ميول مثلية (مثلية جنسية). وكنت أصرف كل المال الذي أحصل عليه من عملي على الاطفال و المراهقين، كنت أعطيهم المال والحلوى و أخدعهم و آخذهم ﻷماكن معزولة و أعتدي عليهم ثم أتركهم بحالهم ، حتى إشتكى أحد الضحايا للشرطة فقبضوا علي عندما كنت في سن 14 من عمري ، و لكن لصغر سني لم يعتبروني تهديدا للمجتمع ، فأطلقوا سراحي بموافقة اهل الضحية، لكن هذا لم يوقفني ، وبدأت مجددا ، هذه المرة اعتديت على 5 أطفال ، فألقوا القبض علي و أمضيت 9 سنوات في السجن ، وبعد اطلاق سراحي قلت لأخي بأني أريد ان أتزوج و أبتعد عن المثلية و أعيش حياة طبيعية ، لكنه لم يعر كلامي اي اهتمام و لم يساعدني ، لذا عدت إلى سابق عهدي وسلوكي مع الاطفال ، وذات ليلة ، كنت مع خمسة من أصدقائي ، وخدعنا قاصرا و إعتدينا عليه ، فحكموا علي بسنتين قضيتها في السجن، وبعد اطلاق سراحي وضعوني تحت المراقبة ، وكانوا يحظرون علي الخروج في الليل ، ويأتون لبيتنا كل ليلة ليتأكدوا باني لم أغادر المنزل).
نستنتج من هذا أن عدم وجود التربية الصالحة والمراقبة من قبل اﻷهل أدت ﻹنحرافه الجنسي و تحوله لمعتدي يتحرش بالقاصرين ، و نتيجه لذلك امضى 11 سنة في السجن ، و لم يساعده أهله لبدء حياة جديدة رغم أن هذا ليس مبررا لما فعله.
المرحلة الثانية (التحول إلى قاتل)
السفاح بثياب العمل .. هو يبيع نوع من الحلويات تسمى (داطلي – بلح الشام – باميه) |
في هذه المرحلة أدرك القاتل بأنه إذا استمر بهذة الطريقة فسوف يمضي حياته كلها في السجون، لذا قرر من الآن فصاعدا أن لا يبقي أحدا من ضحاياه حيا ، كما جاء في أقواله :
(كنت في سن السابعة والعشرين ، وقد أمضيت فعليا 11 سنة منها في السجن ، و لم أكن أريد العودة إليه ، لذا صممت أن أقتل ضحاياي لكي لا ينكشف أمري، وبهذة الطريقة كنت أخدع القاصرين و آخذهم لاماكن معزولة خارج (بغداد) وأتعدى عليهم ، ثم أقتلهم ، وأفصل الرأس عن الجسد ، وكنت أدفن قسم منهم ، وقسم آخر أرميهم في مياه دجلة. وكنت حريصا بأن لا أترك ورائي أي دليل يشير إلي، وبهذه الطريقة قتلت حوالي 25 قاصرا و لم يكشف أمري حتى قتلت آخر الضحية ، وكان طفلا من منزل في نفس الحي الذي کنت أسکن فيه، وبعد التعدي عليه قتلته ، لكن شاهدني طفل من الجيران ، فخفت بأن يبلغ الشرطة عني، فتركت الجثة على حالها في نفس المكان و هربت ، و مشيت شهرا و نصف على اﻷقدام حتى عبرت الحدود الى الإيران و وصلت إلى مسقط رأسي مدينة (بروجرد) ، هناك حصلت على دعم ومساعدة أقاربي ، و بقيت في بيت خالتي ، لكن مللت من العيش هناك ، فقررت سرقة بعض مجوهرات خالتي و هربت، وأثناء محاولتي بيع المجوهرات ألقت الشرطة القبض علي ، ثم أطلقوا سراحي بموافقة إبن خالتي، وجدت نفسي بلا عمل ولا مأوى من جديد ، فقررت ذهاب إلى طهران).
المرحلة الثالثة (التلذذ بالقتل)
طهران في بداية الثلاثينات .. اي الوقت الذي عاد القاتل ليستقر فيها |
وصل القاتل لطهران و بقي في نزل للقوافل، وبدأ بالعمل كبائع متجول ، و سرعان ما راودته أفكار القتل من جديد ، و بقائه في النزل ساعده ليجد ضحاياه من بين القاصرين الذين كانوا يلجأون الى طهران بحثا عن عمل و كسب مال ليدعموا ذويهم الذين يسكنون مناطق ريفيه. وكان إختياره دقيقا بحيث لا يلاحظ أحد إختفائهم. وفي فترة تقل عن ثلاثة أشهر قتل ثمانية منهم و دفن الجثث في منطقة (شترخان) جنوب طهران.
وفي شرح تفاصيل أول جريمة له في طهران قال:
(بقيت في النزل حيث تعرفت على القاصرين و كنت أشتري لهم ملابس و طعام ، و أول من قتلته كان مراهقا في 13 من عمره، رأيته عدة مرات في مسجد (شاه) وأعطيته المال عدة مرات حتى أغريته و رافقني لمنطقة (شترخان)، هناك ضربته بكل قوة على وجهه فأغمي عليه و إعتديت عليه، ثم فكرت في نفسي بأنه إذا إستفاق و تركته يذهب فسيشتكي علي حتما ، لذلك قررت أن أقتله ، فضربته مرة أخرى بكل قوة على بطنه لأتأكد بأنه أغمي عليه ، لكن أثناء قطع رأسه إستفاق و بدأ بالبكاء و توسل إلي بأن لا أقتله ، لكن أنهيت ما بدأته و دفنته في نفس المكان.
أما عن ضحية التاليه فأنه كان بعد أربعة أيام من الأولى، كنت في نفس المسجد و رأيت مراهقا ذو بشرة فاتحة فسألته اذا كان ينوي مرافقتي في جولة و سأعطيه المال و أشتري له ملابس جديدة لأن ملابسه كانت ممزقة و قديمة ، فوافق ، و سبقته لباب المسجد و كان يمشي من خلفي بعد خروجي ، وعندما إلتفتت رأيته يهرب بعيدا، وفي اليوم التالي رأيته في السوق فأمسكته و أعطيته مالا إضافيا ليرضى بمرافقتي وإشتريت له ملابس جديدة، وخدعته و إستدرجته لمنطقة (شترخان) حيث إعتديت عليه ، وبعدها طلب المزيد من المال و بدأنا بالشجار ، و رفع صوته لذا ضربته على بطنه بقوة حتى أغمي عليه و جردته من ملابسه، ومسكته من شعره و فصلت رأسه عن جسده ، و في هذة الاثناء تحرك مرة واحدة لكن لم يستطع نطق أي كلمة، ودفنت الجثة قرب الجثة الاولى ثم عدت أدراجي لداخل المدينة ، و في الطريق بعت ملابسه لعابر سبيل).
بحسب التقارير الصحفية في الجرائد الايرانية آنذاك ، فقد كان “أصغر” هادئا جدا أثناء التحقيق معه ، و كان يصف تفاصيل القتل بدقة وسهولة وكأنه لا يتحدث عن قتل بشري ..
وعن قتل إحد ضحاياه يقول : ( جريته من شعره حتى المكان المحدد وعضيت أذنه فنزل الدم منه فشربته و لم يستطع الصراخ كان يصدر أنينا ، ثم فصلت الرأس عن الجسد ورفعته و نظرت في عينيه و قلت : هل تعرفني يا أحمد؟ آه كم أذيتني؟ .. ثم غرزت السكين في عينه و خرج الماء منها، وبعد خروج كل الدم من الجثة أردت أن آكل من لحمه.)
هنا نرى بوضوح تحوله من معتدي ومغتصب يقتل ليخفي آثار جرائمه إلى قاتل سادي يستمتع بالقتل والتمثيل بالجثث و شرب الدم .. حتى أنه عبر عن رغبته في أكل لحم ضحاياه.
الوقوع في قبضة العدالة
اخبار السفاح ومجريات التحقيقات والمحاكمة في صحف ذلك الزمان |
في كانون الثاني 1933 عثر مراهق في جنوبي طهران على جثة صبي ، فهرع ليخبر مركز الشرطة المجاور في نجف آباد. هذا أدى ﻷكتشاف جثة الطفل وجثتين أخريين ، جميعهم كانوا دون العشرين من العمر وقُتلوا في الأسبوعين الماضيين.
في 23 فبراير ، وفي غضون أقل من شهرين ، تم العثور على جمجمة شاب آخر في ( لاله بارك )، ولكن لم يتم العثور على جثته. وبعدها بخمسة أيام ، تم اكتشاف جثة رجل يبلغ من العمر 31 عاماً في مقاطعة (أمينباد) في نفس المنطقة.
هذا خلق مناخ من الخوف و الرعب حول طهران ، و عملت الشرطة والقضاء بجد للعثور على دليل يقود إلى القاتل.
في يوم الخميس 10 مارس 1933 تفاجأ شرطي برجل في منتصف العمر يتمشى قرب منطقة (شترخان) ، فاستفسر عن هويته ووظيفته، فأدعى الرجل أنه يبيع الحلوى ، ولم يشك الشرطي فيه في البداية ، لكن بالفحص الدقيق لاحظ أن بحوزته سكين و ملابس ملطخة بالدم . وأدعى الرجل أنه اشترى الملابس من السوق بالقرب من ضريح شاه عبد العظيم ، وأن البقية كانت أدواته. ومع ذلك لم يقتنع الشرطي برده.
صورة الميدان الذي اعدم فيه .. لم يبدي ندما ابدا على جرائمه |
واعتقل البائع واقتيد إلى مركز شرطة طهران ، وزار المحققين مكان إقامته في النزل، واستجوبوا الجيران الذين قالوا بأنه في الليلة السابقة كان هناك صبي نام في غرفة “اصغر” وعندما سألوه عنه قال لهم بأنه شقيقه. وكان وصفهم للملابس التي ارتداها الصبي مطابقا لتلك التي وجدت ملطخة بالدم بحوزة “اصغر”.
وبعد عدة أيام من التحقيق المشدد في مركز الشرطة أقر المجرم بجرائمه كلها في العراق و ايران ، لكنه لم يبدي أي ندم ، وكان يقول: “أنا فقط فتلت بعض الاشخاص مجهولي الهوية ، أنهم خطر على المجتمع ، فعندما يصلون لسن البلوغ سيبدأون بالسرقة، وأنا خدمت المجتمع بالتخلص منهم”!.
وفي اليوم المقرر ، أي السادس من تموز عام 1934 ، اخذوا “أصغر” لينفذوا فيه حكم الإعدام، وهو حتى هذه اللحظة لم يبدي ندما ولا اظهر شعورا بالذنب لما اقترفه ، وقيل أن آخر طلب له كان رؤية أمه و خاله ، والطريف أنه قال على رؤوس الأشهاد بأنه نذر أن يذبح خروفين قربة إلى الله لو نجا من الأعدام! .. كان عموما غير مباليا بما يجري وكأنهم أخذوه في نزهة لا لكي يعدموه ، لكن عندما اقترب من المنصة ، ورأى الحبل ، وشاهد الجمع الكبير من الناس .. انتابه الخوف ، لكن بعد فوات الآوان ، فاندم لم ينفعه في هذه اللحظة ، وعندما كانوا يلفون الحبل حول عنقه صرخ معترضا : ” أنا قتلت بعض الاطفال المشردين مجهولي النسب .. هل يعقل أنكم تقتلوني لهذا السبب ؟!” ..
صورة الزنزانة الانفرادية التي سجن فيها .. وكذلك صورته وهو يتدلى من حبل المشنقة |
يبدو أن الرجل لم يكن في كامل قواه العقلية ، لأنه حتى آخر لحظة في حياته لم يرى أي بأس أو خطأ فيما فعله ، كأنما ذبح خرافا لا بشرا! .. لكن الله يمهل ولا يهمل ، وكما قطع اعناق الاطفال الابرياء ، فقد قطع الحبل عنقه وأرسله إلى جهنم وبئس المصير .. وهكذا شاهد الناس نهايه المجرم الذي أرعب عاصمتين و حصل على لقب أول قاتل متسلسل إيراني.
المصادر :
– «اصغر قاتل»، مرد ترسناک 80 سال پیش تهران چه کسی بود؟
– اصغر قاتل – ویکیپدیا
– Asghar the Murderer – Wikipedia
تاريخ النشر : 2019-02-02