في عام 1978 م امرأتان حاملتان تم إدخالهما للولادة في مشفى هاردي التذكاري بولاية فلوريدا ، باربرا ماي و ضعت طفلة تعاني من حالة قلبية حادة في التاسع والعشرين من نوفمبر مُنحت أسم كيم ، بينما أنجبت ريجينا توويج فتاة سليمة معافاة بكامل صحتها بعدها بخمسة أيام و اسمتها أرلينا.
 |
تم اسعاف أمراتان الى المستشفى في حالة ولادة |
بعد ولادتها بعدة أيام استعادت ريجينا نشاطها و قامت للتنزه في أروقة المشفى المظلمة العبقة برائحة الكحول و المطهرات رغبةً في الخروج قليلاً من غرفتها في غفلة من الممرضات لاستنشاق بعض الهواء العليل ، لفت نظرها في طريق عودتها لغرفتها باب نصف مغلق لأمرأة حزينة كأنها في عالم أخر لا تشعر بما حولها و تحمل بيدها طفل صغير لفته بعناية في حضنها و هي تهزه و تتمتم ببعض الكلمات ، لم تعرف ريجينا كنهها و لم تشعر الأخرى بتجسسها عليها ، حتى قامت احدى الممرضات بالطلب من ريجينا العودة إلى غرفتها و إخبارها باختصار عن معاناة المرأة بالغرفة عند إلحاحها بالسؤال عنها.
 |
لفت نظرها أمرأة حزينة و هي تحمل طفل بين يديها |
حان وقت إرضاع الطفلة ، استعدت ريجينا لتستلم طفلتها و بدأت ترخي عن ثوبها في انتظار قيام احدى الممرضات بإحضارها من غرفة الحاضنة والتي لا تبعد كثيراً عن غرفتها ، و بيد الصغيرة لفت أسورة من الورق المقوى كُتب عليها اسمها ، كانت الطفلة على غير العادة مُزرقّة و بصحة سيئة ، لم يفت على ريجينا أن هذه الطفلة ليست بصحة جيدة كما كانت عليه طفلتها التي أنجبتها ، و بدا عليها الاضطراب و هي تخبر الممرضة عن قلقها و أن الطفلة مختلفة نوعاً ما عن ابنتها ، سارعت الممرضة بالإشارة إلى السوار التعريفي على رسغ الصغيرة و أن الكنية تخصها و لا بد أنها تعاني من بعض الاضطراب جراء تعب الولادة ، كان شكاً لم يهتم الأب أرنست توويج بمشاركة زوجته به ، و من ثم عُرضت الطفلة على أخصائي أطفال و تم تشخيصها بعيب خلقي في القلب و أخبرهم أنها يحتاج رعاية خاصة لباقي حياتها ، ليتم لاحقاً تسلمها و إخراجها على أنها لريجينا و أرنست توويج و تُربت على أنها أرلينا توويج .
 |
شعرت ريجينا بالصدفة فقد كانت طفلتها مريضة على عكس ما رأتها بالسابق |
خلال التسع سنوات التالية كبرت كلاً من أرلينا و كيم وسط عائلتيهما و بيتهما ، أرلينا بصحة ضعيفة في عائلة من المستوى العامل ذات دخل متوسط بالكاد يفي بمتطلباتها الأساسية بلا بذخ ، يلفها سبعة أخوة و أخوات ، في جو دافئ لوالدة محبة و أب يكدح بجهد لأجل راحة أسرته الكبيرة ، و من الناحية الأخرى كيم كطفلة وحيدة مدللة لعائلة ثرية جداً ذات أملاك و أقطاعات موزعة على مدى البلاد ، تولى والدها بوب ماي رعايتها بعد أن توفيت والدتها بالسرطان بعد عامين تقريباً من ولادتها .
 |
عاشت الفتاتان في عائلتان مختلفتان و لم يشعر أحد بما حدث |
أرلينا كطفلة رقيقة صغيرة عزيزة على نفس والديها رغم ضيق حالهم ، حاولت عائلة توويج أن توفر كل احتياجاتها و مراعاة صحتها الضعيفة على الدوام ، أحبت قضاء وقتها بأشياء غير مجهدة تعشقها ، كالرسم و اللعب بالدمى مثلها مثل بقية الفتيات في عمرها ، تتسلى مع شقيقاتها في الخارج أحيانا حينماً يكون الجو معتدلاً ، و تقبع بالمنزل عند اشتداد الحر ، لا تستطيع أن تركض مع رفيقاتها أو أن تركب الدراجة لمدة طويلة كما يفعل الأخرون ، إلى أن تقرر أن تُجرى لها عملية قلب مفتوح لإنهاء معاناتها و متاعبها الصحية لتنعم بحياة مريحة ، و يشاء القدر أن تخرج بالسلامة من العملية ، بيد أن جسدها الغض لم يتحمل المضاعفات التي تلتها لتفيض روحها الطيبة لبارئها و يُكتب على عائلتها عصر حزين لفقدها .
 |
عاشت ارلينا حياة قاسية بسبب مرضها الذي منعها من اللعب |
قبل وفاتها ، أي قبل عمليتها بقليل و كإجراء روتيني تقوم به المشفى قبل أي عملية من هذا النوع ، طلب الأطباء من والديها القيام ببعض الفحوصات لها ، لينتبه أحد العاملين بالمعمل إلى أن الطفلة لها فصيلة دم مختلفة عن كلاً من والدتها و والدها ، من ما رجح أنها ليست ابنتهما البيولوجية كما يدعيان ، ليثبت الفحص الجيني لاحقا أن هذا الشك كان في محله ،
 |
انكشفت الحقيقة خلال فحص روتيني قبل العملية |
لم تخفف صدمة هذا الخبر من حزن العائلة على فقد أبنتهم أو الأخوة على فراق شقيقتهم ، بل زادت عليهم عبئ البحث عن أبنتهم الأصلية ليرجعوا إلى سجلات مشفى هاردي التذكاري ، و بعد التقصي المضنى تم إعلامهم بأنه قد تم ولادة طفلتين فقط من العرق الأبيض في ذلك الأسبوع بنفس المشفى ، و الأخرى هي كيمبرلي ماي (كيم ).
 |
شعرت عائلة توويج بالصدمة و قررت البحث عن الحقيقة |
أخبرت السطات المختصة الوالد الوحيد السيد ماي بإمكانية أن الأبنة التي رباها قد لا تكون فعلاً من صلبه ، لم يتلقى بوب ماي الخبر بصدر رحب طبعاً وحاول تكذيب الفكرة برمتها في البداية ، لكن ذلك لم يقلل من اهتمامه أو حبه لابنته الوحيدة. و بالنهاية رضخ لأمر المختصين بأخذ عينات تأكيدية من الطفلة لفحصها جينياً و منه ، تم التحقق من عدم انتساب كيم له أو لباربرا ماي و خضع لجهاز فحص الكذب لتخرج النتيجة إيجابية و يقنع محاميه الميديا و الإعلام بعدم معرفة الوالد الثري بأمر تبادل الطفلتين عند الولادة ، مع أن الوالدة المفجوعة كانت و لا تزال تصر أن هذا التبادل لم يكن خطأ طبياً بل خطة مقصودة مدفوعة التفاصيل تمت بمعرفة كلا الوالدين وأفراد أخرين من العائلة و بعض العاملين بالمشفى .
 |
بوب ماي و أبنته كيم ماي أثناء المحاكمة |
كانت و ما تزال عائلة توويج مقتنعة بأن الدكتور أرنست بالمر الطبيب الممارس بمشفى هاردي التذكاري بذلك الوقت كان قد أمر الممرضات العاملات معه حينها بتبديل شريطة تعريف الطفل و التي كانت تربط على رسغه و تحمل اسمه و كنيته ، بين الطفلتين تعاطفاً منه مع بابرا التي عانت سنيناً طويلة للحصول على طفل لتنجب بالأخير طفلة عليلة لا يُتوقع أن تعيش طويلاً و تدخل بحالة من الاكتئاب ، بينما عائلة توويج لها العديد من الأطفال المعافين و بصحة جيدة ، لمدة طويلة لم يعترف المستشفى بأي خطأ من جانبه فيما يخص القضية ، بينما تمت مقاضاته من قبل العائلتين المتضررتين ليتم منحهم تسوية بملايين الدولارات.
 |
قامت العائلتان بمقاضاه المستشفى بتهمة تبديل الاطفال |
كانت ريجينا توويج أبنة يتيمة تعيسة الحظ ترعرعت في ميتم بائس قبل أن تتبناها أسرة لم تكن أفضل حالاً ، لتقرر أن تحارب لتستعيد ابنتها في حضنها و تبدأ علاقة جديدة معها ، رغم معارضة الوالد الثري لذلك و اتهامه لهم بالتطفل على حياته هو وطفلته و رغبته في قطع أي تواصل لهم معها ، و عبّر عن قلقه من الصدمة العاطفية التي تتركها هذه المقابلات على نفس ابنته.
 |
أصرت السيدة ريجينا توويج على استعادة طفلتها بأي ثمن |
لطالما دافعت زوجة بوب ماي الثالثة دارلينا عن موقفه الدفاعي تجاه ابنته واصفة إياه بالأب الحنون المهتم بمصلحتها ، ليقوم الأخير برفض أي زيارة أو تواصل إضافي من جانب كيم مع عائلة توويج متحججاً بتدهور درجاتها المدرسية و فتور علاقتها به و بزوجته بسبب انشغالها و تأثرها بهذه الزيارات و التي لم تزد في الأصل عن خمس زيارات تم تسجيلها بالفيديو وكيم تضحك وتمزح وسط أشقاءها في أجواء من الفرحة و المحبة .
 |
قامت السيدة دارلينا زوجة بوب الثالثة بالعناية بكيم و اعتبرتها مثل أبنتها |
لتدخل العائلتان مجدداً في صراع أخر للحصول على الزيارات من قبل كيم ، و التي نهجت مسلك أبيها حينما وصلت سن الرابعة عشرة لتفوز رسمياً بقضية قطع أي صلة بعائلتها البيولوجية ، و ذلك قرار ندمت عليه لاحقاً ، فقد تعرفت على عائلتها و نمت في داخلها مشاعر تجاههم و لم تستطع تجاهلها مع الوقت كما اعتقدت.
 |
دخلت عائلة توويج في صراع قضايا من أجل استرجاع طفلتهم |
بنفس العام الذي تبرأت فيه كيم من عائلتها البيولوجية كانت باتسي وويب الممرضة العجوز التابعة لمشفى هاردي التذكاري سابقاً تحتضر على فراش الموت و ضميرها يعذبها بما أخفت طيلة خمسة عشر عاماً هي وأثنين أو ثلاثة من العاملين بالمشفى في ذلك الوقت ، اعترفت باتسي الحزينة لابنها بأنها انتبهت لأمر التبديل وأن المتورطين قد قاموا بتبديل أسوارتي التعريف بين الطفلتين ، و أنها فضّلت السكوت وعدم المشاركة خوفاً من فقد وظيفتها و تأمينها الصحي الجيد حينها إذا لم تنصاع لأوامر الدكتور بالمر.
 |
هناك احتمال أن بوب ماي استغل نفوذه و ماله في ما حدث |
ختاماً :
كيم ماي تصدرت عناوين الأخبار القومية عندما اكتشفت عائلتها البيولوجية أنه قد تم تبديلها عند الولادة قبل ثلاثة عقود مضت ، و لكن بين العائلة التي ربتها والعائلة التي اكتشفت أنها تنتمي لها لم تعد تستطيع أن تعتبر أياً منها عائلتها و لطالما شعرت بأنها لا تملك أي عائلة ، فقد فقدت والدتها باربرا حتى قبل أن تعرفها ،
 |
تصدرت مأساة كيم الصحف اكتشفت عائلتها البيولوجية أنه قد تم تبديلها عند الولادة |
و لطالما ظنت زوجة أبيها الثانية سندي تانر على أنها والدتها حتى أكلمت الست سنوات عندما أخبرها والدها بأنها زوجة أبيها ، و التي كانت تعمل موظفة استقبال في المشفى أو المركز المختص بعلاج السرطان والذي توفت فيه والدتها ، ثم تمر بانفصال والدها عن سندي و قفز إلى علاقة ثالثة مع دارلينا ، و التي ظلت على علاقة جيدة معها إلى الأن.
 |
لا زالت عائلة توويج تعتبر أرلينا طفلتهم و قد حزنوا على فقدانها |
و على الرغم من تسلط والدها ذو النفوذ القوي عليها ، استطاعت كيم الهروب من المنزل عدة مرات انتهت إحداها باللجوء إلى مركز رعاية اجتماعية لتطلب بعدها العيش مع عائلتها البيولوجية توويج لقرابة العامين حتى أكملت عامها الثامن عشر ، لتلتقي بعدها بزوجها الأول في سن يافعة و تنجب منه فتى عانى لاحقاً من العيش منفصلاً عنها مع عائلة أبيه بعد طلاقهما ، لم تكن كيم كبيرة كفاية أو بظروف جيدة لتقوم برعاية طفل صغير على كل حال ، و عانت من مشاكل مالية بسبب تورطها بعقد يمنعها من الحصول على أموال التسوية التي ربحتها من قضيتها ضد المشفى قبل أن تصل السبعين من عمرها !
 |
شعرت كيم ماي بالارتباك بعد أن تشتت مشاعرها بين عائلتين |
تزوجت بعدها مجدداً و رُزقت بخمسة أطفال أخرين ، تمزقت حياتها بين أم لم تعرفها و ثلاثة قاموا بتربيتها إحداهم هي أمها التي أنجبتها و صدمات مرت بها و من ثم وفاة والدها الذي رباها بوب ماي رجل الأعمال الفذ و الشخصية الذي فرض شروطه عليها لفترة طويلة من حياتها ، إلى أن أنقطع تواصلها معه قبل وفاته بفترة ، و لا زالت تحاول بكل ما أوتيت من طاقة أن لا تحزن على ما فات أو تغضب على ما حدث و تمضي قُدماً بحياتها ،
 |
صورة لأرلينا و كيم و هما صغيرتان |
لكن لم تغب يوماً عن فكرها صورة قرينتها الأخرى أرلينا التي رسمها لها أخوتها و التي كان من الممكن أن تكون الأن بنفس عمرها و صديقة لها تستطيع أن تبث لها ما تحس به تجاه ظرفهما المشترك ، لكن الحياة كانت قصيرة جداً معها على عكسها.