مسلسل جرائم القتل الغامضة في أتلانتا
مازال الغموض يشوب القضية إلى يومنا هذا |
بينما كان عقد السبعينات يوشك أن يُسدل ستاره من القرن العشرين جزع الأهالي من ظاهرة إختفاء الأطفال والمراهقين ذوي البشرة السوداء واحداً تلو الآخر ثم العثور على جُثثهم في غير مكانٍ وفي غير زمان .
كان يتخفى في المدينة سفاح متجول لم يدع لأهالي أتلانتا إستراحة لإلتقاط أنفاسهم إذ كان يفجعهم هنا وهناك بين حينٍ وآخر ، وما إن يتماثلوا للعافية من فاجعة إلا وألحق بهم فاجعة أُخرى أشد وطأة , وما إن يركنوا للنسيان بعد إحدى جرائمه حتى يباغتهم بجريمة أشنع من ذي قبل
جثة احد اطفال اتلانتا بعد عثور الشرطة عليها |
أطفال فُقد أثرهم وإنتشرت في المدينة أجسادهم المُسجاة بلا روح فدبَّ الهلع في نفوس سكان تلك المناطق , ومازاد الأمر غموضاً هو أن الضحايا جميعهم من أصول أفريقية مما أثار الأقاويل بأن العنصرية كانت من وراء تلك الجرائم , وذهب آخرون إلى القول بأن سفاح الأطفال في أتلانتا قد يكون هو نفسه اسود البشرة ويسلك مسلك التمويه لتشتيت أعين الرصد عن كشف هويته أو التعرف على أوصافه.
إستفتح القاتل نشاطه الإجرامي في منتصف عام 1979 بخطف الصبي إدوارد سميث يبلغ من العمر 14 ربيعاً وبحثت عنه الأسرة وأهل الحي فلم يعثروا له على أثر حتى مر على إختفاءه أربعة أيام فوجدوه جثة هامدة بين أشجار الغابة , وبعد أشهر قلائل كان أحد الحراس يبحث عن مكانٍ منزوٍ للتبول فقادته خُطاه إلى مدرسة الإبتدائية المهجورة (إب جونسون) وإذا به يُفجع من هول مارأى , إنها جثة طفل بين الركام والحطام
الصبي ادوارد سمث .. اول الضحايا |
توالت ظاهرة العثور على جُثث الأطفال والمراهقين وتعددت مثاويها , جثة يعثر عليها في منطقة كثيفة الأشجار, وجثة تُكتشف في المرآب الخلفي لأحد البارات , وجثة أُخرى رميت أمام باب منزل الضحية, وجثة غيرها في اليوم ذاته راقدة في منطقة مسيَّجة, وجثة ملقاة في شارع فيربينا , وهيكل عظمي بالقرب من جسر , وجثة متحللة في حديقة , وفيما يبدو كان السفاح يُمعن في المراوغة والتخفي كخفافيش الظلام فكان يُلقي بجثث ضحاياه بمواضع مختلفة وفي مواقع شتى لتضليل التحقيقات وليتكاثر المُشتبه بهم ولإبعاد الشبهات عن مسكنه أو مكانه
ومع بزوغ فجر عقد الثمانينات مضى السفاح على دأبه في خطف الأطفال والمراهقين وقتلهم مثيراً موجة من الذعر في شوارع أتلانتا , وخالقاً شبحاً رهيباً مجهول الهوية يتربص بأطفال المدينة ومُحدثاً فوضى عارمة في أوساط الشرطة والأمن وبات مالئ الدنيا وشاغل الناس في ولاية جورجيا بأسرها , إذ لم يُعكَّر صفوها شيء في تلك الحقبة إلا ما عكَّر السفاح به صفو أهل كل ضحيةٍ من ضحاياه خلال عامين من مسلسل جرائم القتل في أتلانتا
الطفلة لاتونيا تم خطفها من نافذة منزلها .. الشهود قالوا ان الخاطفين لديهم سيارة شوفرليت زرقاء |
ظهر أول خيطٍ لتتبع أثر سفاح أتلانتا الخطير عندما أدلى أحد الشهود بأن الضحية لاتونيا ويلسون ذات السبعة أعوام كانت مطلة من النافذة فاستدرجها رجل مجهول متسلقاً إلى النافذة وتلقف الطفلة بذراعيه وحملها إلى المجهول
كانت لاتونيا في نافذة بيتها وإنتشلها الخاطف كوردة قطفها من بستان العائلة إذ أن سفاحنا ذاك كان مقداماً إلى أقصى حد وتجاوز حدود الجرأة المتعارف عليها بين القتلة المتسلسلين , ثم أخذ الطفلة بسيارة زرقاء يقودها شخص آخر كان بإنتظاره إلا أن الشاهد لم يعرف نوع السيارة , وشاهد آخر رأى الضحية يوسف بيل ذو التسعة أعوام يصعد سيارة زرقاء , وشاهدة ذكرت أن الضحية جيفري ماثيس البالغ من العمر 11 ربيعاً صعد سيارة زرقاء مع رجلين أحدهما داكن البشرة , وأفاد شهود أن الضحية آرون وايش صعد سيارة زرقاء مع رجل داكن البشرة , وهذه المرة تم تحديد نوع السيارة (شفروليه) وتطابقت أوصاف الشهود حول سيارة خاطف الأطفال
صور بعض ضحايا جرائم اتلانتا الغامضة |
, وتم تحديد قائمة بالضحايا وأعمارهم وتاريخ إختطافهم في ملفات التحقيق وكانت على النحو التالي :
1 – إدوارد سميث 14 عاماً – إختفى في 21 يوليو 1979
2 – ألفريد إيفانز 13 عاماً – إختفى في 25 يوليو 1979
3 – ميلتون هارفي 14 عاماً – إختفى في 4 سبتمبر 1979
4 – يوسف بيل 9 أعوام – إختفى في 21 أكتوبر 1979
5 – انجيل لينير 12 عاماً – إختفى في 4 مارس 1980
6 – جيفري ماثيس 10 أعوام – إختفى في 11 مارس 1980
7 – إيريك ميدلبروكس 14 عاماً – إختفى في 18 مايو 1980
8 – كريس ريتشاردسون 12 عاماً – إختفت في 9 يونيو 1980
9 – لاتونيا ويلسون 7 أعوام – إختفت في 22 يونيو 1980
10 – آرون وايش 10 أعوام – إختفى في 23 يونيو 1980
11 – أنتوني كارتر 9 أعوام – إختفى في 6 يوليو 1980
12 – إيرل تيريل 11 عاماً – إختفى في 30 يوليو 1980
13 – كليفورد جونز 13 عاماً – إختفى في20 أغسطس 1980
14 – دارون بارومتر 10 أعوام – إختفى في 14 سبتمبر1980
15 – تشارلز ستيفنس 12 عاماً – إختفى في 9 أكتوبر 1980
16 – آرون جاكسون 9 أعوام – إختفى في 1 نوفمبر 1980
17 – باتريك روجرز 16 عاماً – إختفى في 10 نوفمبر 1980
18 – لوبي جيتر 14 عاماً – إختفى في 3 يناير 1981
19 – تيري بو 15 عاماً – إختفى في 22 يناير 1981
20 – باتريك بالتازار 11 عاماً – إختفى في 6 فبراير 1981
21 – كورتيس ووكر 15 عاماً – إختفت في 19 فبراير 1981
22 – جوزيف بيل 15 عاماً – إختفى في 2 مارس 1981
23 – تيموثي هيل 13 عاماً – إختفى في 13 مارس 1981
24 – إدي دنكان 21 عاماً – إختفى في 20 مارس 1981
25 – لاري روجرز 20 عاماً – إختفى في 22 مارس 1981
26 – مايكل ماكنتوش 23 عاماً – إختفى في 25 مارس 1981
27 – جيمي راي باين 21عاماً – إختفى في 23 أبريل 1981
28 – جون بورتر 28 عاماً – إختفى في 28 أبريل 1981
29 – وليام باريت 17 عاماً – إختفى في 11 مايو 1981
29 ضحية حتى الآن معظمهم قضوا نحبهم خنقاً ومن المثير للإنتباه أنه في 20 مارس من العام الأول من عقد الثمانينات تخلل مسلسل قتل الأطفال والمراهقين جرائم قتل أُخرى طالت الشباب والشابات ممن هم في العقد الثالث من العمر كما هو ظاهر في القائمة أعلاه , وربما لجأ السفاح إلى إقتناص فئة أُخرى لخلق نوعٍ من الحيرة في أوساط الشرطة الأمر الذي سيدفعهم إلى الإشتباه بأن هناك سفاح آخر وبذلك يكون السفاح نفسه قد نجح في تشتيت المحققين
الشرطة نشرت افرادها في كل مكان بغية القبض على القاتل |
ما من موقع على بُساط الأرض إلا ورمى القاتل فيه جثة , وتوقع الفيدراليون أن السفاح المراوغ قد يُلقي بضحيته التالية على سطحٍ من الماء (بُحيرة أو نهر) فنشرت الولاية أعينها الراصدة من الشرطة والمباحث الفيدرالية حول كل مسطح مائي وخلف الجسور ومعابر نهر تشاتاهوتشي عسى أن يتسلل السفاح إلى إحداها ليواري هناك ضحيةً أُُخرى
ذات يوم , كان الليل حالكُ الظلام فوق الجسور التي ترقبها الأعين الساهرة لإصطياد الوحش , وكانت أضواء الشوارع فوق الجسور خافتة , فذلك من شأنه أن يُدني حركة السير ويجعل رصد كل مشبوهٍ أمراً في غاية اليُسر واللين , ولازالوا هناك يترقبونه لعله يأتي , وثار شوقهم عسى أن يحل ضيفاً عليهم , وماخيَّب الرجل ظنهم , وجاء بسيارته إلى أحد الجسور ثم أوقف سيارته وترجَّل منها ورمى من فوق الجسر بشيئٍ لم يلحظه أحد , إلا أن أحد الضباط سمع دفقة قوية تحت الجسر ناجمة عن إرتطام جسم بالماء , فتنبه الضابط إلى السيارة وهي تستدير عبر الجسر وتعود إلى الطريق الذي سلكته جيئة
واين وليمز .. المشتبه به الرئيسي |
أوقفوه على بعد نصف ميل من الجسر وكان السائق هو واين ويليامز 23 عاماً ,وكان يعمل في الإذاعة والصحافة وله محطة إذاعية خاصة ومتعهد إعلانات وإرتقى بنفسه ليصبح من المنتجين الموسيقيين, وكانت سيارته من نوع شيفروليه 1970 مملوكة لوالديه وإستجوبه الضابط فإدعى وليامز أنه كان في طريقه للقاء مغنية شابة تدعى شيريل جونسون ليتبناها في أعمال موسيقية, فطلبوا منه أن يُملي عليهم رقم هاتفها وأعطاهم رقماً هاتفياً زائفاً فتقرر تكبيله وسيقَ إلى مخفر الشرطة في 22 مايو 1981
عُقب يومين عثرت الشرطة وفرق البحث على جثة فتاة طافية على سطح النهر وتداعبها المياه تحت الجسر على بُعد بضعة أميالٍ من حيث توقف وليامز ليُلقي بجسمٍ غامض في النهر, وتم التعرف على هوية الفتاة , إنها ناثانيل كيتر (27 عاماً) , وكانت هي الضحية الأخيرة رقم 30
سيارة المتهم |
أصر المتهم على براءته وإدعى أنه لم يتوقف عند الجسر وإنما كان وقوفه لتغيير وجهته إلى حيث إستدار بسيارته ليعود إلى الطريق الذي جاء منه , إلا أن المحققين لاحظوا الشبه بين ويليامز والرسم التقريبي لأوصاف المشتبه به وتطابق الندبة على الخد الأيسر, وفي صندوق سيارته ضُبط حبل سميك تطابق مع علامات الخنق في عنق الضحية الأخيرة وبعض الضحايا الآخرين, وقال زملاءه في العمل للشرطة أنهم رأوا خدوشاً على وجه ويليامز وذراعيه أكثر من مرة تزامناً مع وقوع تلك الجرائم , وشملت أدلة الإتهام شهادة شهود عيان شاهدوا ويليامز مع العديد من الضحايا عندما كانوا على قيد الحياة ، ولم يُفلح المتهم في إثبات أماكن وجوده وقت وقوع حالات الخطف والقتل وكانت مزاعمه واهية ومتناقضة وفشل في ثلاثة إختبارات لكشف الكذب في مكتب التحقيقات الفيدرالي, وتوالت أدلة الإدانة
اصر المتهم على برائته وقال ان منظمة كوكلوكس كلان العنصرية هي من تقف وراء الجرائم |
إثر تحليلات المُختبر الجنائي الذي أجرى فحصاً لألياف صندوق السيارة والسجاد في منزل ويليامز وملابسه وشعر رأسه ومفارشه وقفازاته وشعيرات كلبه وتماثلت مع بعض الآثار على أجساد بعض الضحايا فأحيل المتهم إلى القضاء, ودفع المُدان ويليامز ببراءته وادعى أن مسئولي أتلانتا حجبوا أدلة على تورط منظمة كو كلوكس كلان العنصرية في جرائم القتل لتجنب مواجهة عسكرية بين السلطات الفيدرالية والمنظمة العنصرية
تمت محاكمته بالجرائم |
بدأت محاكمة واين ويليامز في 6 يناير 1982 ووجدته هيئة المحلفين مذنباً في جريمتي قتل الضحيتين ناثانيل كيتر وجيمي راي باين وحكم عليه في فبراير 1982 بالسجن مدى الحياة دون أن يحاكم في القضايا الأخرى التي أغلقت مقيَّدة ضده وأعلنت الشرطة مسئوليته عنها , وتجدر الإشارة هنا إلى أن جرائم القتل التسلسلي توقفت إثر توقيف ويليامز وتلاشت حد العدم
كانت أعوام القتل التسلسلي هي أسوأ حقبة عاشتها أتلانتا وأحلكها في تاريخ ولاية جورجيا كله , وبعد 22 عاماً قضاها ويليامز في السجن قدم إلتماساً لإعادة المحاكمة في فبراير عام 2004 ورفضت المحكمة الفيدرالية طلبه في 17 أكتوبر 2006 , وفي عام 2010 شدد محاموه على وجوب إعادة محاكمته بدعوى أن وكالة إنفاذ القانون حجبت أدلة على تورط منظمة كو كلوكس كلان العنصرية, وتم إجراء إختبار الحمض النووي على شعر فروة رأس وجدت على جثة الضحية باتريك بالتازار وتقاربت النتيجة مع شعر ويليامز إلا أن النتيجة لم تكن حاسمة بشكل مطلق فأُحيلت القضية إلى مختبر الوراثة للطب البيطري لفحص شعر آخر وجد في جثة الطفل نفسه فتطابقت النتيجة مع شعيرات كلب ويليامز وأُغلق ملف ويليامز إلى الأبد ليقضي ماتبقى من حياته خلف أسوار وقضبان السجن
مازال يزعم بأنه بريء حتى يومنا هذا |
اللافت للنظر أن سيارة ويليامز كانت نوع شفروليه ولكنها بيضاء اللون وليست زرقاء , ولم تكشف لنا التحقيقات ما إذا كانت هذه السيارة هي شيفروليه أُخرى أم أنها هي ذاتها التي وصفها الشهود وأن ويليامز أقدم على صبغها بالدهان الأبيض ؟!
المصادر :
– Wayne Williams – 28 victims serial killer: The Atlanta child murders (Crime ary)
تاريخ النشر : 2017-05-13