وحدة، هلاوس، وأشياء أخرى ..
مرت ستة أيام….. جف حلقي تماما |
كل شيء جيد وعلى أحسن حال …لا أدري ما الذي يدعوك لاعتقاد العكس .. ماذا ؟ تحسبني تعيسا ؟ ولم أصاب بالتعاسة ؟
أرجوا حقا أن تكف عن التصرف كوالدتي، لا أفهم ما الخطأ فيما أفعله…أنا فقط لا أحب الخروج، صحيح أن آخر مرة لامست فيها بشرتي أشعة الشمس كانت منذ ثلاثة أشهر، لكن .. من قال أن هذه مشكلة ؟
أنا سعيد هكذا، حقا سعيد، أعاني القليل من الخوف جراء البقاء وحدي بالمنزل، كما أسهر إلى الفجر في انتظار شعاع الشمس المتسرب عبر النافذة قبل الاطمئنان والخلود للنوم…. لكن هذا كل شيء، كم هي العزلة جميلة… لقد صار المنزل بأكمله ملكا لي بعدما سافر الجميع، لا يعني هذا أنني أمانع الرفقة البشرية – بلى أفعل – كل ما في الأمر أنني أفضل البقاء وحيدا ،أو مع أقرب الأقربين إلي….
وبما أن أقرب الأقربين قد غادروا لقضاء بعض الوقت في العاصمة، فقد صار من الحتمي أن أبقى بالمنزل وحدي –بعد أن رفضت السفر معهم-…. كان أول ما فعلته هو فصل خط الهاتف، لأنني ببساطة أكره هذا الاختراع الذي يحيل حياة كائن غير اجتماعي مثلي إلى جحيم، لن أفهم أبدا لما يقوم بعض الناس بتبذير أموال طائلة في شراء اختراع لا يقوم بشيء سوى إزعاجك …
على كل حال فقد نعمت ببعض الهدوء لفترة ، طبعا كان هذا قبل أن أكتشف خلو الثلاجة من أي شيء قابل للأكل، للشرب أو المضغ ، بحثت عن الملاحظات التي تركتها والدتي، لكنني لم أعثر على شيء، في الغالب انتقلت إلى ذلك العالم الموازي الذي تهاجر إليه الجوارب بعد أن تلتهمها الغسالة ، ما هذا ؟ وكأنني أسمع حركة بالمنزل ، لربما أتخيل، حتما أنا أتخيل- إن ألعاب العقل الباطن لا تنتهي أبدا – أو لربما هو الهر ،أجل إنه هو حتما ، ذلك الكائن البائس الذي لا يفعل شيء سوى العبث بأثاث المنزل حينما تكون وحيدا ، أين تلك الورقة ؟ ربما هي تحت كرة الصوف العملاقة ذات الآذان هذه، غريب أن تمتلك كرة صوف أذان، والأغرب أن تتحرك… مزيد من الضوضاء، وها هو ذا الهر – الذي حسبته كرة صوف- يتكور أمامي، إذن فقد حان أوان العودة إلى الحلول الغربية الساذجة – والغير المقنعة بتاتا- : إنها الرياح حتما .
الورقة اختفت على ما يبدو، أو ربما أخذوها معهم عن طريق الخطأ، أنت تعرف هذه الأشياء، إنها تحدث على الدوام، على العموم لقد كونت فكرتي عما افترضوا أنني سأفعله:
سأبحث عن الورقة
سأجد الملاحظة
المال موجود فوق المنضدة
سأشتري ما يلزمني
كله جميل، لكن هناك مشكلة واحدة فقط في هذا التخطيط، أنا لن أخرج أبدا
***
لا أدري لما يعتقد الناس بأن عدم الرغبة في الخروج من المنزل إدعاء يستحق التندر، من الأحمق الذي سيدعي الخوف من شيء كي يسخر منه؟ أذكر جيدا آخر مرة خرجت فيها من المنزل، كيف هممت بالخروج ثلاثة مرات،كيف ارتديت ملابسي في كل مرة، واقتربت أحاول إدارة المقبض، كيف تسارعت نبضات قلبي وشرع الأدرينالين يتدفق في دمي، كيف ارتجفت كورقة، ثم عدلت عن الخروج في خزي كل مرة، كيف وقفت ربع ساعة أنتظر خلو الشارع من المارة، كيف خرجت بخطى أبعد ما تكون عن الواثقة، كيف عدت وأنا موشك على البكاء، كيف تراخت قدماي وسقطت أجفف دموعي الخائفة، كل هذا من أجل شراء الحليب من متجر يقع تماما أمام المنزل….
لذا لو مازلت تعتقد أنني سأخرج لأي سبب كان فأنت حتما مخطئ، لأنني أفضل الموت…
***
على ما يبدو فقد قررت مصلحة المياه أن اليوم مثالي جدا لإيقاف إيصال الماء إلى المنزل، أيتعلق الأمر يا ترى بتلك الفواتير المتراكمة في الزاوية؟
بلا غذاء أو مياه، أرجو فقط أن يعود البقية سريعا، ربما لم تكن فكرة فصل خط الهاتف جيدة في النهاية، لكن هذا شيء يمكن إصلاحه، كلما علي هو إعادة تركيب الخيط،ثم حمل السماعة للتأكد من عودة الخط إلى عمله، بعدها وببساطة سأنتظر الرنين المميز، هو لم يرن بعد لكنه سيرن، أنا واثق ….
***
لم يرن الهاتف، كان يجب أن اخذ في الحسبان وجود قوانين مورفي تلك، الهاتف لن يعمل أبدا حينما تخطفك جماعة إرهابيين إلى صحراء مقفرة يهاجمك فيها مستذئب بينما صديقك مصاب برصاصة في كتفه ، لكنه سيرن بإصرار عجيب لو حاولت للتركيز لخمس دقائق في عملك، فقط علي التذكر، كم من الوقت أخبروني أن عليهم التغيب ؟ أربعة أيام ؟ هذا ما قالوه ، لكنهم في الواقع ينذرونني إلى أن أعصابي ستنهار للأسابيع الستة أو السبعة القادمة في محاولات فاشلة مني للاتصال بهم وتوسلهم للعودة …
لحسن الحظ لم ينس والدي دفع فواتير الكهرباء، أتساءل كم من الوقت يستطيع الإنسان التحمل من دون ماء، حسب هذا الموقع هنا سيستغرق الأمر من ثلاث إلى خمسة أيام في ظروف طبيعية قبل بدأ الهلوسة وما يرافقها من جفاف وتوقف بول ….
لا أدري ما مدى صحة هذه المعلومات لكن علي توقع الأسوأ بما أن الظروف هنا أحر من “الطبيعية”
***
مرت ستة أيام….. جف حلقي تماما، وصار الصداع أمرا معتادا…. لكن ما لم أعتده إلى الآن هو الخيانة، لقد خططنا لكل شيء معا، أنا ودراكولا، بالإضافة إلى هتلر طبعا، أي اجتماع يستوجب حضور هتلر، إنه زعيم الحركة الفاشية قبل كل شيء، كان اد وود هناك أيضا، و كذلك الغولوم وصديقه العزيز رفعت إسماعيل…. كلنا خططنا لكل شيء، لكن ستالين أوصل خطتنا إلى العدو : جنكيز خان ، كان يجب أن أعلم أنه عميل دسه جهاز المخابرات لنا، هم لن يسمحوا بتواجد قطبين كما تعلم، القطب الشمالي كاف جدا … الوغد ستالين ! لقد أحببته حقا ، اعتبرته أخا وكذلك فعل أل كابوني وهتشكوك….لماذا خنتنا يا ستالين ؟ لقد وثقنا بك أنا وجين كيلي ، لماذا ؟
الخيانة صعبة، لكن شيئا لن يوقفني عن الغناء في متحف اللوفر، أنت تعرف أغنية شارلي كوبرايك الشهيرة : أنا أغني تحت الفطر نعم أغني تحت السطر، ياله من شعرة سعيدة ، صباح الخير يا اينشتاين ! !
ياله من مبدع ! بيتخوفن نفسه يتملقه ليعرف سر هذه العبقرية، لكن شارلي كوبرايك يعرف هذا ولن يسمح بحدوثه….
ما لا أفهمه إلى الآن هو ما قرأته في رسالة كسرى، لقد قال أن الهلوسة تأتي بعد اليوم الخامس،لكنني في كامل قواي العقلية ! ! لربما زور غاندي الرسالة قبل إيصالها ، الأطباء ! كلهم يعشقون التزوير !
***
لسبب ما لا أعرفه، أجد نفسي مستلقيا على سرير غير مريح في غرفة غير…احم احم لنقل نظيفة، تتقدم امرأة مرتدية ثيابا بيضاء في غير اكتراث ثم تتابع جولتها بين العنابر، تقول أنني في مستشفى؟ يالك من عبقري ! إن عالم بلا أمثالك لهو حقل من الحمقى…
اقتربت من مكان ما جارتنا ثم قالت وعلى وجهها ابتسامة عريضة :
” تتساءل حتما أين أنت، صحيح ؟ أنت في المستشفى”
شخص آخر يمثل العبقرية المجردة، لم أرد فقالت:
“أمك اتصلت ، وقالت أنك لا تجيب على هاتف المنزل، أنت تعلم أننا نحتفظ بمفتاح احتياطي لمنزلكم، والدك أعطاني واحدا للدخول في حالات الطوارئ، لذا فقد دخلت لأطمأن عليك”
أترك لك تخمين ما حدث بعد هذا- وإن لم تكن جيدا في التخمين فأقول أنني- اضطررت لسماع الكثير من الثرثرة عن أهمية وجود الناس والديماغوجية الحيوية في فصل القوى النووية…إلى آخر هذا الهراء الذي يعشق الجيران إمطارنا به.
طبعا عادت العائلة إلى المنزل صباح نفس اليوم، كانوا في حالة من الاضطراب العام، هذا طبيعي، لأن جميع من بالمدينة سمع بشكل أو بآخر عن الشخص الذي “علق” في بيته لستة أيام متتالية والذي هو أنا بلا فخر- طبعا هولت جارتنا الوضع بصراخها الهستيري وإن كنت شاكرا لها مساعدتي-، مما يعني أنني لم أخرج من المنزل فقط ، بل خرجت بأكبر ضجة ممكنة.
عدت إلى المنزل صباحا لأجد عائلتي اللطيفة التي تملكها الفزع، تفتش المنزل، مما يعني أن شيئا أسوأ قد حدث….
سألت أخي فأجاب :
” سرقت مجوهرات والدتي، وهناك كائن قطني غريب بآذان يستلقي فوق الأريكة،المال الذي تركناه لك غير موجود طبعا، إضافة إلى مخلفات سجائر في كل مكان، هناك رسالة بلغة غريبة نشك أنها الفارسية، و ورقة تحمل نوتات موسيقية عليها، …. لكنك لا تعرف ما حدث، لقد كان مغشيا عليك.. “
تاريخ النشر : 2015-10-18