مذابح و مجازر

أشهر أحداث القرن العشرين – 2 – : حريق ملهى ستار داست

القرن العشرين مكان لا يكاد يخلو من الاضطرابات و الحوادث المؤسفة . ففي هذه الدوامة الزمنية غَرقت التيتانيك والمورو كاستل ، و الآن سنختصر المُقدمة لنتكلم عن حدث بعيد عن المياه قريب من النار .. عن حريق ملهى ستار داست بدبلن.

سانت فالنتاين سنة ١٩٨١ م .. الثانية بعد منتصف الليل ، الرقصة الأخيرة ، أغنية الموت ، كأس الصراخ الأخيرة ، هكذا كانت نهاية ٨٤١ شخصية في ملهى (ستار داست) بإيرلندا ، و الذين بلغوا العشرين عاماً من حياتهم ، لم يبلغوا العام التالي ومن بلغ عامه الجديد ، دخله مشوهاً .

البداية

كان مشرف ملهى ( ستار داست ) يعطي الأوامر الأخيرة لعمال الملهى لبداية الإغلاق . و في زحام الحلبة الراقصة لمحَ عاملين يسرعان بأجهزة الإطفاء نحو ما ظنه في البداية لوياً صغيراً نتج عن سوء إهمال .. لكن الظَنَّ البسيط تحول إلى جحيم وصرخات موت قادمة من كل مكان . و خلال لحظة ، بدأت الصالة الموجود في ضاحية ( آرتان ) في الانهيار من ناحية السقف ، وبدأت تمطر بنقاط حارقة على المتواجدين . انطفأت الأنوار فتزحلق بعض الشباب و داسهم الآخرون سعياً للهرب من جحيم الصالة التي بدأت تنطبق كفكي كماشة على من فيها .

حريق ملهى ستار داست
ملهى ستار داست يحترق بمن فيه
إقرأ أيضا: مذبحة بيت سحم

إحصاء موتى الحريق

توفي يومها ٤٦ شخصاً و جرح ١٣٠ بجروح بالغة من صباح ١٤ شباط العام ١٩٨١ ، في أسوء كارثة عرفتها مدينة ( دبلن ) . وكان أغلب الظن أنَّ حريق ملهى ستار داست هو بفعل فاعل بسبب الإهمال ، و لكن ، هل يعقل لإهمال بسيط أن يكون قاتلاً إلى هذا الحد ؟ ربما السبب الأهم هو الملهى ذات نفسه والذي يُعتَبر شريكاً في الجريمة .

ماهو ستار داست؟

ستار داست ما هو إلا قصر من البلاستيك .. فالمقاعد كانت من البلاستيك الأحمر المحشو بإسفنج ( بَوَلي إيتيلين) و الذي يعطي دخاناً أسود قاتلاً و يرفع درجة حرارة الصالة إلى أكثر من 800° و خلال ٣٠ ثانية فقط . أما السقف المغطى بالقرميد فقد انفجر بعد تقلص السقف إلى كُتلة مُنصَهرة . و لزيادة الطين بلة ، فقد كانت الستائر المزينة للجدران من الخشب المعاكس المغطى بالبلاستيك أيضاً . فإذا ستار داست ما هو إلا علبة من الإسنفج تنتظر عود ثقاب لتصبح جهنم ب ٣٠ ثانية فقط . و مع ذلك ، فقد خضع الملهى لتفتيش قسم خدمات الأمان ، و أُعلِن بأنه مطابق للمواصفات المطلوبة . و بعد حريق ملهى ستار داست الكارثة قُدمت التعازي الفارغة لأهالي الضحايا .. أو لمن بقوا أحياء يحملون ندوب كابوس لن يغادر أحلامهم .

جنازة لضحايا حريق ملهى ستار داست
من بقوا أحياء يحملون ندوب كابوس لن يغادر أحلامهم

تفاصيل حريق ملهى ستار داست

حسب تصريح الكاهن ( ماك ل ماهون ) : “أيقظوني من سريري ، فأسرعت إلى المكان لأجد رجال الإطفاء في وضع حرج ، فقد سُدّت جميع الأبواب نتيجة تجمع الناس . و عند دخولي الصالة لم يكن هناك سقف . فقط بقايا أعمدة وجثث متفحمة هنا و هناك وبعض الذين دخلوا في حالة صدمة”

( آن بولين ) فتاة كانت قريبة من الحدث ، حسب أقوالها: لقد رأيت ثلاث فتيات و النار تشتعل بهن ، لم يحاولوا الهروب ، فقط الكثير من الصراخ و الحركات العشوائية . أعتقد بأن عقلهم قد شُلَّ من شدة الألم ، غالباً قضوا في الحريق .

إقرأ أيضا: مجزرة كانديلاريا : عندما يكون بؤسك ذنبا!!

صباح الخامس عشر من شباط كان نهائياً بارداً هادئاً تشوبه رائحة الموت من كُل مكان . لا حركة فيه إلا أهالي الضحايا يبحثون عن فذات أكبادهم من مشرحة لمشرحة .. و من براد لحفظ الموتى إلى آخر ، و كان من الصعب التعرف على الجثث لشدة ما نالها من النيران و التشوه . فعمد إلى الصور الشعاعية للإسنان لتمييز البعض عن البعض الآخر ، و بالنسبة لمن حالفهم الحظ و كان على قيد الحياة ، فقد كان ذلك مدعاة لراحة أهلهم ، أو كان مرعباً لدرجة سخرية الأقدار .

ملهى ستار داست بعد إخماد النيران
ملهى ستار داست بعد الحريق

فالسيدة ( ماري ك ) توفيت بسكتة قلبية من شدة الفرح عندما علمت أن والدها و ابنتيها أحياء . أما السيد ( جون كيجام ) سيحمل معه ذكرى حتى القبر ، فالرجل فقد ابنتيه و أما الثالثة وجدها تصارع الموت بكل التشوهات التي يُمكن أن تنال من جسد مخلوق ، و بلغت الجروح النفسية ٢٣٧ حالة يجب أن تعالج نفسياً و فيزيائياً و لمدة أشهر طويلة . و قد زار رئيس الوزراء الإيرلندي موقع الفاجعة و أُعلن في ذلك اليوم يومَ حداد وطني .

البطولات

في عِزِّ الشِدة يُخلَق الأبطال ، و في يوم شدة حريق ملهى ستار داست ظهرَ أبطال مجهولون قاموا بأكثر من واجبهم . مثل أحد رجال الإطفاء الذي لم ينتظر حتى تُفتح الأبواب و اقتحم الصالة رغم النيران و أنقذ أربعة فتيات وضعهم ضمن عربة للطعام و خرج بهنَّ . و الكاهن ( ماك ل ماهون ) هو الآخر ساهم في عملية إخلاء الملهى و إسعاف الجرحى مع وحدات الإطفاء . و كان بعض الذين خرجوا أحياء عادوا مجدداً لإنقاذ من يمكن إنقاذه .

تقرير الحريق

التقرير الذي احتوى ما يزيد عن مئتي صفحة يقول بأن العناصر الأساسية التي أدت إلى هذه الكارثة هو تضافر عدة عناصر .. مثلا أن السقف هو الوحيد الذي كانت به عوارض حديدية وأجزاء من الإسمنت . و السبب الرئيسي هو استعمال البلاستيك ، و قلة مخارج النجاة ، و إضافة مواد شديدة الاشتعال لرخص ثمنها .

blank
فاجعة حلت بأهالي الضحايا
إقرأ أيضا: أشهر أحداث القرن العشرين -1-: مأساة باخرة مورو كاستل

أقوالٌ يتيمة

١ – لدي ولدان ، فقدت أحدهم هناك ، و هذا يكفي لن أنجب ثانية.

٢ – خسرت أولادي في تلك الفاجعة ، ننجبهم ثم نربيهم ليكبروا و يموتوا احتراقاً.

٣ – لا يهم عدد القواعد الجديدة للسلامة ، هناك الموت يحوم في كل زاوية .

٤ – ابنتي مشوهة تماما من الخارج و الداخل . ذهبت لتحتفل وعادت إلي بجسد يتألم خسر كل روحه في تلك الليلة ، هذا مؤلم .

ختاما..

البلاستيك هو عدو الإنسان الأول . ثورة البلاستيك نتج عنها الكثير من الحوادث .. فالبلاستيك غير قابل للعيش و الاستمرار وهو عدو البيئة ، كما الإنسان هو الذي اخترعه وما زال يستخدمه حتى اليوم .

*زيارات الضحايا لإحياء ذكرى الحدث ما زالت مستمرة ممن كان أشد حظاً من الراحلين .. وعائلات الضحايا تستذكرهم في كل عام من الخامس عشر من شباط.

blank
أبوا أن ينسوا..
المزيد من المواضيع المرعبة والمثيرة؟ أنقر هنا

المصدر
Wikipediastardust fire tragedyBreakingnewsكتاب أشهر أحداث القرن العشرين للكاتب : ميشيل سيانو

علاء الدين أمين الحاج حسين

صحفي سابق و كاتب و مصور فوتوغرافي أعمل في مجال الصحافة منذ العام ٢٠١٥ كمراسل لقناة شامنا منصة دمشق الآن موقع شام بريس إذاعة سلاميس
guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى