ألغاز تاريخية

أماديوس ديناخ : حكاية الرجل الذي نام عام 1921 واستيقظ عام 3906!

بقلم : روح الجميلة – ارض الاحلام

يتطلب الحلم بعالم مستقبلي الكثير من الإبداع والخيال، خاصة خلال بداية القرن العشرين حيث لم يكن الابتكار التكنولوجي موجوداً كما هو اليوم. في عام 1972 تم نشر كتاب بعنوان “وقائع من المستقبل: القصة المذهلة لبول أماديوس ديناخ” باللغة اليونانية. وذلك استناداً إلى يوميات ديناخ الشخصية التي كتبها بتفصيل شديد وتناول فيها كيفية عيشه في عام 3906 م بعدما دخل في غيبوبة استمرت عاما في سنة 1921.

كمية التفاصيل في الكتاب جعلت الكثير من الناس يعتقدون أنه عاش بالفعل بطريقة روحية في عام 3906 م أو عالم مستقبلي بعيد.

مرض النوم

blank
ديناخ .. اصيب عام 1921 بمرض النوم وهو مرض غامض لايزال العلماء حتى يومنا هذا حائرون حول اسبابه وقد تفشى في اوروبا في عشرينيات القرن الماضي

ولد بول أماديوس ديناخ في زيوريخ، سويسرا في عام 1884م . منذ صغره، كان يحلم دائماً بأن يكون مدرساً ولهذا السبب ثابر على الدراسة ليحقق حلمه .. ولاحقا أصبح مدرساً للغة الألمانية والفرنسية.
في تلك الفترة وقع في حب أمرأة وتزوجها لكنها كسرت قلبه وتركته بعد سنة من أجل رجل ثري .. انتهى به المطاف بالاكتئاب الذي يقول البعض إنه أثر على صحته.

في عام 1917م أصيب ديناخ بمرض جاء بشكل غامض يدعى التهاب الدماغ السباتي (Encephalitis lethargica) ، المعروف أكثر بأسم مرض النوم. في الحقيقة كان هناك وباء صغير متفشي في جميع أنحاء أوروبا بهذا المرض في الفترة بين عامي 1916 – 1924م..
أولئك الذين أصيبوا بالمرض دخلوا في غيبوبة لفترات طويلة من الزمن. وبعض الذين لم يحالفهم الحظ لم يستيقظوا أبداً من الغيبوبة.

بدأ المرض عند ديناخ بالنوم بشكل عفوي ، أحيانًا لبضع دقائق ، وأحيانًا لأيام متتالية. عندما يستيقظ لم يكن يتذكر أبداً ما كان يحلم به.

في عام 1921 م ساء مرضه ودخل في نوبة نوم لمدة عام كامل. خلال هذا الوقت، تمت مراقبته باستمرار في مستشفى زيوريخ. وعندما استيقظ في عام 1922 اكتشف أن والدته قد وافتها المنية بمرض السل، وتم تشخيص إصابته هو أيضا بالسل ، الذي أصيب به على الأرجح أثناء مكوثه في المستشفى. وبمجرد تحسنه وخروجه من المستشفى انتقل إلى اليونان حيث قام بتدريس اللغة الفرنسية.

من خلال عمله بالتدريس أصبح صديقاً مقربا لاحد الطلاب في صفه ويدعى جورجيوس باباشاتزيس ، لاحقا أصبح هذا الطالب برفيسورا وشخصية اكاديمية واجتماعية مهمة في اليونان.

في عام 1924م بدأت حالة ديناخ الصحية تسوء فأراد العودة إلى سويسرا ، ربما شعر بدنو اجله ، ولأنه لم يكن له اي اقارب او عائلة لذلك قام بإهداء مذكراته الشخصية الى باباشاتزيس. وكانت رغبة ديناخ الوحيدة هي عدم مشاركة المعلومات التي كانت داخل المذكرات مع أي شخص آخر.
وفي هذه المذكرات كتب ديناخ تفاصيل الحلم الغريب الذي مر به خلال غيبوبته التي استمرت لمدة عام.

حياة بول أماديوس ديناخ في المستقبل

blank
يصف لنا ديناخ كيف انه استيقظ في المستقبل البعيد

بدأ باباشاتزيس بقراءة المذكرات بشغف لدرجة أنه قام بترجمتها من الفرنسية إلى اليونانية.
في صفحات المذكرات التي يبلغ عددها 800 صفحة وصف ديناخ كيف أنه خلال غيبوبته ترك جسده ودخل جسد شخص من عام 3906م !.
أكد ديناخ مرارا خلال مذكراته على أنه ليس كاتباً ولا رجلًا لديه الكثير من الخيال ، وأن هذه الاحداث التي يرويها بتفاصيل دقيقة هي ما عاشه حقا ورآه خلال فترة نومه الطويل.

وبالرغم من رغبة ديناخ فقد قام باباشاتزيس بنشر الكتاب عام 1972 م. وقد استهل بعبارة : ” يكن ديناخ مؤلفاً أو شاعراً أو كاتباً محترفاً. كان رجلاً عاديًا يحتفظ بمذكرات ولم يكن يتوقع أبداً نشرها ولا يرغب أبداً في أن يصبح مشهوراً بسبب الكتاب”.
وقد لاقى الكتاب ترحيبا يشوبه الكثير من الجدل حيث رأى البعض إن المؤلف (ديناخ) حاول تصوير مذكراته على أنها قصة حقيقية فيما هي مجرد احلام.

في الكتاب يصف لنا ديناخ كيف استيقظ في عام 3906 م في جسد رجل آخر يدعى أندرياس نورثام ، والذي كان في المستشفى يتعافى بعد تعرضه لحادث وقع جراء اصطدام ما وصفه ديناخ بسيارات المستقبل الطائرة.

اندهش ديناخ من التكنولوجيا الموجودة في المستشفى بالإضافة إلى الزي الرسمي المستقبلي الذي يرتديه الأطباء. لكنه لم يفهم اللغة التي يتحدث بها المسعفون ، ولم يمكنه أن يتذكر من هو بالفعل.

الأمر الأكثر إثارة في الكتاب هو اكتشاف ديناخ ، الذي عاش في جسد أندرياس ، كل ما حدث بعد عام 1921م ، أي أن الكتاب سيخبرنا عن ما سيجري على كوكب الأرض وصولا إلى عام 3906م. وبناءً على الكتاب فإن أكبر المشكلات التي ستواجه العالم في القرنين العشرين والحادي والعشرين هي:

– الحروب
– عدم احترام الطبيعة
– القمع والعنف
– الاستهلاك المفرط المؤدي لدمار الكوكب

blank
بحسب ديناخ فأن المستقبل المنظور اسود ومليء بالكوارث

يخبرنا الكتاب أيضا ، أنه بعد سنوات طويلة ، بعد عصرنا الحالي ، سيظهر نظام عالمي جديد وينتشر العنف والفقر في جميع أنحاء العالم. وستصل البشرية إلى نقطة اكتظت فيها الأرض ولم يعد فيها متسع لمزيد من البشر ، وتم بناء مستعمرة على المريخ. لكن تلك المستعمرة لم تستمر طويلا حيث أدت ظاهرة كونية كارثية إلى قتل سكان المستعمرة جميعاً.

في عام 2309 م تم القضاء على جميع سكان أوروبا تقريبًا بسبب حرب نووية. وبدأ الناجون في الهجرة إلى جنوب أوروبا حيث بدأوا عملية إعادة اعمار القارة.

في بداية القرن الرابع والعشرين تم إنشاء حكومة عالمية جديدة وحدت كل البلدان والقارات وجعلت كل سكان الأرض جزءًا من أمة واحدة ، وبالتالي حققت المساواة للبشرية.

واحتفى ديناخ في مذكراته بعام 2894 م باعتباره عامًا مهمًا للغاية حيث شهد ولادة جديدة لقوة روحية في مكان ما قرب مقدونيا ، في وادي يدعى وادي الورود. هذا الكيان الروحي الجديد أتى بنوع جديد من البشر كان مختلفًا تمامًا من المنظور المادي وجلب نمط حياة جديد للمجتمع البشري ، جعل الحياة أبسط والبشرية أكثر سعادة.

في عام 3382 م ظهر رجل يدعى أليكس فولكي مناديا بمعنى جديد لقوة الوعي البشري من خلال التأمل. أطلق البشر العنان للقوة الحقيقية لروحهم وتمكنوا من القيام بأشياء لا تصدق مثل التحكم في المواد الكيميائية داخل أجسادهم والتي تؤثر على مشاعرهم. هناك الكثير من الأشياء المدهشة الأخرى الموصوفة في الكتاب.

blank
الفيلسوف الايطالي جيامباتيستا فيكو

المثير للاهتمام هو أن التاريخ حتى عام 3906 م يبدو أنه يتبع الفلسفة التي قدمها الفيلسوف الايطالي جيامباتيستا فيكو (1668-1744) الذي وصف رحلة الإنسانية عبر الزمن على انها دورة لا تنتهي من الصعود والهبوط. تواجه الإنسانية دائمًا تحديات تؤدي إلى الموت والاحباط. وفي كل مرة يتعين على البشرية إعادة التوازن إلى أفعالها السلبية التي تجلب مثل هذه التحديات مع تغييرات كبيرة. وعليه فنحن كبشرية محكوم علينا ألا نصل أبدًا إلى حالة مستقرة من السعادة على الرغم من التقدم التكنولوجي أو الإثراء الروحي.

يرسم ديناخ صورة مؤثرة للمستقبل، بدءا من الاكتظاظ السكاني والدمار البيئي والحرب وأخيرا توصل البشرية الى خلق عالم طوباوي ملئه السلام والسعادة.

كما كتب ديناخ بأن القرون الثلاثة بين عامي 2000 – 2300 م ستكون أسوأ فترات البشرية، مليئة بالاكتظاظ السكاني والمجاعة والصراعات الإقليمية والكوارث البيئية. وستتميز بسباقات تسلح نووية مريرة بين الدول، وقريباً لن يكون هناك ما يكفي من الغذاء للجميع في العالم للبقاء على قيد الحياة، حيث ستحول الحروب الأراضي الخصبة الى أراضي قاحلة مشعة.

سيتم استعمار المريخ بحلول عام 2100 م وسيقيم عدد كبير من السكان يبلغ عددهم حوالي 20 مليون نسمة ويكسبون لقمة العيش هناك. لسوء الحظ، في عام 2265م، ستقتل كارثة طبيعية كبيرة جميع المستعمرين ولن تكون هناك محاولة ثانية لمغادرة كوكبنا لفترة طويلة.

blank
سيستعمر البشر المريخ .. لكن ليس لفترة طويلة

على الرغم من المحاولات العديدة التي بذلها العديد من القادة لتهدئة الوضع العالمي البركاني، فإن العالم سيدخل عن غير قصد في حرب عالمية في عام 2309م. ستسود الفوضى على مدى السنوات الثمانين التالية، مما يؤدي إلى تدمير كبير للبشر في جميع أنحاء العالم.

سينجو البشر بشق الانفس من الكارثة وأخيرا في عام 2396 سوف تتحد جميع الدول لإنشاء حكومة عالمية. يتم انتخاب ممثلي هذه الحكومة عن طريق الانتخابات المباشرة ومعظمهم من العلماء أو المهندسين أو البشر الخيرين. لن تكون الأرض مكتظة بالسكان بعد الآن وسيبدأ عصر جديد أفضل.

يقول ديناخ إنه بعد عام 2600م، ستصل الأرض إلى فترة من السعادة والازدهار التي تستمر حتى 3906م يدخل الناس عصرا ذهبيا جديدا للحضارة العالمية. يتعلم الناس عن الشمس والغلاف الجوي وتاريخ الكون منذ مليارات السنين. سيتم بناء المدن أيضا عبر مجرات مختلفة ويحقق العلم تقدما مذهلا.

كل شخص لديه ملابس مجانية وطعام وسقف فوق رأسه ووسائل نقل مجانية وإمكانية الوصول إلى المعرفة العلمية والمنتجات بجميع أنواعها والترفيه. من حيث ساعات العمل، يتعين على الإنسان العادي قضاء عامين فقط خلال حياته في العمل، مما يسمح له بالحصول على الكثير من وقت الفراغ لمتابعة الأنشطة الإبداعية والعلوم الجديدة خلال بقية حياته. لا يتم ذبح الحيوانات أو تدجينها، حيث يصبح الغذاء النباتي الطبيعي هو القاعدة في جميع أنحاء العالم.

blank
يخبرنا ديناخ ان العالم سيجد طريقه في النهاية الى السلام والسعادة

يختبر الناس نهضة روحية في القرن الثالث من الألف الثالث حيث يمكنهم التواصل مباشرة مع أنفسهم الداخلية وخلق عالم متعاطف من خلال ضبط مستوياتهم الروحية الدقيقة. لم يعد النجاح يقاس بالممتلكات المادية، ولكن بكيفية تمكن المرء من خلق حياة أفضل للآخرين.

هل يمكن أن يكون هذا صحيحا؟

عزيزي القارئ بالنسبة لي القصة غير عادية. إنه أمر غريب ويصعب تصديقه، ومع ذلك فهو جميل ومقنع في نفس الوقت.

أوصاف ديناخ والملاحظات التفصيلية للمستقبل مجسدة للغاية بحيث لا يمكن رفضها على أنها هذيان لا معنى له لعقل مختل. خصوصا مع الحالة الراهنة للعالم فنحن فعلا نعيش الآن الواقع أو المستقبل الذي ذكره ديناخ في كتابه!.

في النهاية ..

بالنسبة لأولئك الذين قد يكونون متشككين بعض الشيء في هذا الأمر ، ذكرت الكاتبة الشهيرة كارولين ليفيت أيضًا أنها عاشت حياة شخص آخر أثناء دخولها في غيبوبة .
في الحقيقة لا تزال الأحلام شيئاً لا نعرف عنه الكثير لأنه مرتبط بوعينا. قد يكون هناك الكثير من الأشياء التي لا نعرفها عن إمكاناتنا كبشر..

السؤال متروك لك عزيزي القارئ ..
هل يمكن أن بول ديناخ قد رأى كل ذلك حقاً عندما كان في غيبوبة؟ أم أنها مجردة قصة خيالية مفبركة ، وما رأيك في المستقبل الذي رسمه للبشرية؟
أترك لك حرية الأجابة.

مصادر :

Chronicles From The Future: The amazing story of Paul Amadeus Dienach
Paul Amadeus Dienach: The Man Who Saw A.D. 3906?
Giambattista Vico – Italian philosopher
In a Coma, I Dreamed a Whole Other Life

guest
81 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى