تجارب ومواقف غريبة

الهول في بيت العائلة

بقلم : ناصر – الصومال
للتواصل : [email protected]

كان يقف على أربع رافعاً رأسه الصغير الأصلع اتجاهي ..
كان يقف على أربع رافعاً رأسه الصغير الأصلع اتجاهي ..

المكان: بيت العائلة.
الزمان: ثاني أيام عيد الفطر ، عام ٢٠٠٦.

بعد واقعة السيدة العجوز وغرفة الموت ، كنت قد عدت إلى بيت العائلة بعد انتهاء عقد العمل .. حيث كنت سعيداً بالعودة ولقاء الأهل والأحبة ، خصوصاً أختي الصغيرة -رحمها الله- بعد غياب دام لأكثر من أربع سنوات ..

تفاجأت بعد أسبوعٍ من الراحة أن الجميع اتفقوا على إجراء إصلاحات جذرية في البيت الذي كان بالفعل في أمس الحاجة لها .. حسنا ، لا مشكلة! .. و بما أني المتبقي من إخوتي الذكور في العائلة ، إذاً من واجبي أن أشرف على سير العمل ، و كذلك أن أقضي الليل في الحراسة وحيداً من دون سلاحٍ يذكر .. حيث تم الاتفاق مع لجنة أمن الحارة على أن يتفقدوا الموقع كل ساعة .. وهكذا تم الأمر على بركة الله! ..

البيت يتألف من أربعة غرف في الطابق الأرضي ، وغرفة منعزلة فوق البيت ولها سلمٌ خاص ، حمام -أكرمكم الله- ، مطبخ .. وصالتان إحداهما في الجهة الخلفية للبيت حيث يوجد سلم الغرفة العلوية ..

طبعاً عند إجراء إصلاحات يجب نزع الأبواب ، النوافذ وما إلى ذلك .. نضيف هنا أن السقف كذلك يُنْزَع لأنه مصنوعٌ من صفائح حديدية ، حيث إني حرفياً نمت أول ليلة تحت سماءٍ صافية! .. طبعاً ليس نوماً بالمعنى الحرفي! ..

المهم مرت أول ثلاثة أيام بلياليهم بشكل روتيني و بلا مفاجآتٍ تذكر ، وفي نهار اليوم الرابع كان السقف ، الأبواب والنوافذ قد اكتملت .. أي أنه بإمكاني أن أستغني عن خدمات لجنة الأمن ..

أخبرت الرجال في مساء اليوم نفسه ، ودعت الوالد و ذهبت للعشاء في مطعمٍ قريب .. ثم عدت محملاً بالمياه و بعض الأطعمة الخفيفة ..

أقفلت الباب الرئيسي ثم اتجهت إلى الغرفة العلوية حيث كنت قد جهزت و نظفت موقعاً مع فراشٍ صغير ، خلدت للنوم بسرعةٍ كبيرة بعد عناء دام يوماً .. كذلك بسبب قلة النوم الأيام الماضية ..

أفقت على صوتٍ خافت كأنه لشخصٍ يتحرك في الجزء الأرضي من المنزل! .. أصخت السمع ، لا جدال .. هنالك من يتحرك بالتحديد في الصالة الواقعة مباشرةً تحت سلم غرفتي! ..

نظرت للساعة ، إنها الثانية وعشرون دقيقة صباحاً .. المشكلة أنني غير مستعد لمثل هذه المواجهات ، فلا يوجد معي أي نوعٍ من الأسلحة ..

هل هذا لص؟ ولكني أقفلت الباب الرئيسي بالمفتاح! ، ثم ماذا يريد أن يسرق من بيتٍ فارغ إلا من بعض متعلقات البناء؟! .. حيوان متسلل؟! ممكن جدا ، وقفت في الظلام متسلحاً و متشجعاً بالاحتمال الأخير .. أرهفت السمع من خلف الباب ، الصوت متقطع كأنه ينتقل في لحظة بين جنبات الدور الأرضي بشكلٍ عشوائي! هذا غريب! ..

فتحت الباب بسرعة وأحدثت جلبة وأصواتاً مرتفعة على أمل أن يهرب إن كان سارقاً ، أو ينتبه و يختبئ إن كان حيواناً .. نزلت السلم على مهل و معي كشاف يدوي صغير ، ثم وجهت الضوء إلى أرجاء الصالة .. لا شيء ولا حتى صوت .. ثم تحركت بحذرٍ متجهاً إلى داخل البيت ، حيث ضوء الكشاف يبدد قليلاً من الظلام و يلعب بالظلال أكثر ، و فيما الصمت جاء ليؤنسني إذا بي أسمع صوت أشياءٍ صغيرة تتحطم تحت أقدامي أثناء تقدمي .. صوت تنفسي الثقيل و دقات قلبي المتسارعة خوفاً من أن يهجم علي من أو ما في الداخل! ..

تأكدت من الباب الرئيسي ، إنه مقفل! .. الغرف ، الحمام -أكرمكم الله- ثم المطبخ ، لا شيء! .. غريبٌ جداً! ما كان ذاك الصوت؟! ..

أقنعت نفسي أني أحمق وأتهيأ ، ثم اتجهت عائداً إلى غرفتي ومعي عصا غليظة التقطتها كوسيلة للحماية .. هنا وقع مني الكشاف الصغير و انكسر ، حيث كنت قد تعثرت بقطعة خشب صغيرة لكنها مليئة بالمسامير! .. صرخت صرخةً مكتومة حين انغرس اثنان منها في قدمي دفعةً واحدة فتركت الكشاف كرد فعل تلقائي! ..

الآن قدمي تنزف على الأرض .. و أنا جالس على الأرض في الظلام أتألم وحيداً ، جلست قليلاً أتأوه و أمسك قدمي .. عيناي تدمعان و أنفي يسيل ثم خلعت قميص نومي و ربطته حول قدمي ، ثم وقفت متكئاً على العصا و تحركت ناحية الغرفة ببطء ..

هنا و بدون أي مقدمات وجدت أمامي على الجدار المواجه في الصالة الخلفية شيء جعلني أقف كالمسمار! .. كان جسداً -أستطيع تمييز الإطار الخارجي له بسبب الضوء القادم من الخارج ، بحكم أن الصالة مفتوحة من أعلى- أسود اللون ، بحجم جسد شخص بالغ ولكن رأسه صغير نسبياً بالنسبة لجسده! ..

كان واقفاً مقابل الجدار ، لا أعلم إن كان ينظر إلى ناحيتي أم لا .. لأنه لم يكن يتحرك! فقط يقف هناك! ..

في البداية أحسست بالصدمة ، الرهبة و كالعادة بطعم الحديد في الفم! ..

فجأة تحرك الجسد وكان له صوت بمعنى أني لم أكن واهماً ، حيث كان يتحرك بشكل عشوائي أمام الجدار .. فتارةً يرفع اليدين إلى أعلى ثم تسقط يدٌ على الأرض مع صوت السقوط المميز! ، والأدهى أنه يجلس على الأرض ليأكل من تلك اليد وصوت المضغ ، تحطم العظم والتمزيق واضح بشكلٍ لا جدال فيه! .. وتارةً أخرى يقف على رجلٍ واحدة كأنه يؤدي إحدى الرقصات الهندية ، مع ثلاثة أو أربعة أذرع تظهر و تختفي لتبقى إثنتان عندما يضعهما على جانبيه! ..

أذكر أني كنت واقفا في الظلام بلا حول ولا قوة ، لا أقدر على التقدم أو حتى التأخر إلى الخلف .. العرق البارد على جبيني ، قدمي تنزف ، الألم لا يطاق! .. أما الشيء الجديد فقد كان الإحساس بالطنين الشديد في الأذنين! ، كأنك تسير بين الجبال في الضغط الشديد كأن الهواء يفرغ من حولك! ..

ظل الشيء يتحرك يجلس ويقف ، وفي بعض الأحيان يقف ساكناً كأنه يتفحصني أو ينتظر رد فعلي! .. تخيل كمية الرعب والعجز في تلك اللحظة! ، وبعد مدةٍ بدت كالدهر ، تحرك و صعد السلم بخطواتٍ بطيئة مع صوت كصوت لهاث الكلب! ثم اختفى في الأعلى كأنه لم يكن ..

لم أجرؤ على الذهاب إلى غرفتي في الأعلى بعد كل هذا ، يجب أن أخرج أريد مساحة أوسع كي أتحرك! .. وبالفعل كان هذا ما حصل ، ففي لحظةٍ كنت خارج البيت أقف في الشارع المظلم البارد بدون قميص مع قدم ما زالت تنزف! .. الألم ، البرد ، والإرهاق كان لهم تأثيرٌ كبير حيث عدت للداخل أبحث عن أي شيءٍ أرتديه حتى لا أبدو كالمجنون .. ثم أذهب لطلب المساعدة من الجيران! ..

دخلت شاعراً أن هنالك من يتربص بي في الظلام ، وعند وصولي إلى الغرفة الداخلية رأيته بالفعل .. كان يقف على أربع رافعاً رأسه الصغير الأصلع اتجاهي ، كأنه كلبٌ ينظر إلى زائر غريب يدخل البيت لأول مرة! ..

وقفت كالمشلول و لعنت فكرة العودة البلهاء ، أذكر سماعي لصوت ماءٍ يقطر .. فجأة تحرك الشيء حركة جعلتني أثب للوراء مترين! ..

قفز فجأة على أربعة ثم انقض على شيءٍ على بعد متر على يميني .. كانت حركة مفاجئة حتى أني لم أستوعب أي شيء إلا بعد أن وجدته بجانبي ، و شممت والله رائحة بول قوية -أعزكم الله- هنا تذكرت صوت قطرات الماء! .. الضحية كان فأراً تعيس الحظ كان ماراً بجانبي ، عرفته من الصوت الصادر ..

قفزت في الهواء مترا و إلى الخلف مترين ، جريت بكل ما أملك من قوة و بقية تركيزي إلى الباب الرئيسي .. أحاول ألا أتعثر فتكون نهايتي! ..

الباب ، أين المفتاح؟ .. في الجيب أكيد ..

افتح الباب لأن الطنين عاد أقوى ، وأكاد لا أرى من بين دموعي! ..

أخيراً الحرية ، الهواء..
أنا في الخارج ..
الحمد لله ..

ما كان ذلك الشيء؟!
ولم اختار الظهور لي أنا بالذات؟!

ملحوظة :

شاركت بهذه الواقعة على موقع Wattpad تحت عنوان لم أكن مستعداً ..

تاريخ النشر : 2020-06-09

guest
24 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى