تجارب ومواقف غريبة

شرق الرعب ، شمال الخوف – الجزء الأول

بصفتي مراسلا صحفياً ، أتعرض للعديد من المواقف المحرجة و المرعبة نوعاً ما ، و لكنني كنتُ أعمل بشكل رسمي . فقد كانت وظيفتي نَقلُ الخبر ، لكني لم أُخاطر يوماً خارج حدود وظيفتي ، إلا منذُ بِضعةِ أيام عندما سافرت شرقا .

بداية الأمر كانت عند سماعي لأخبار صَعُبَ عليَّ تصديقها ، روايات مرعبة عن منطقة حدث فيها ما لم يروى يوماً . هنا لا أتكلمُ عن الحروب ، بل عن بقايا الحروب وقِصص لمشاهدات غريبة فرضت نفسها و أجبرتني على التوجه إلى منطقة أثريا* رغم الخوف الذي تملكني من هذه الروايات .

إقرأ أيضا : قصص قرية الخنافس شرق ليبيا

توجهتُ شرقاً لحوالي الخمس ساعاتٍ عن طريق البر . وعند وصولي كانَ الموقع هادئاً كالمعتاد ، إضافةً لوجود السكان المحليين الذين استضافوني . وأخذوا على عاتقهم المخاطرة معي و بدأت القصة عندَ ما يسمى :

١ – المدجنة : المدجنة هي مكان لتربية الدجاج ، و لكن هذه المدجنة أصبحت بعد الحرب مكاناً لسكن الأشباح . توجهنا قبيل منتصف الليل إلى مكان قريب من موقع المدجنة ، لكن لم أجرؤ على الإقتراب . وبعد دقائق أشار إليَّ مُضيفي للنظر نحو المكان ، المدجنة تعمل ، الكهرباء تعمل ، أصوات العُمّال واضحة ، و كذلك أزيز الرصاص .

هنا في هذا المكان المُطِلُ على تلالٍ كانت يوماً ما خطاً هجومياً . بقيَ محتفظاً بأرواح من قضوا بهِ ، و بقيت المدجنة بركامها و ما تحت الركام تعمل كما كانت ، موقعاً للدفاع . و بقيت الأرواح تقاتل كما كانت تفعل سابقاً ، ظناً منها أنَّ خطر الموت مازال قائماً .

٢ – التَّل : في صباح اليوم التالي ، بعد ليلة شيّقة مازلت أحاول تناسيها ، توجهنا إلى موقع جديد يدعى التَل .

كان التل عبارة عن هضبة جغرافية فارغة ، فوقه .. ذبح ما يقارب ال٤٠٠ شخص من سكان المنطقة و دُفنوا في مناطق موزعة حولَه . شخصياً كنت قد اقتربتُ بما فيه الكفاية ، و فضّلتُ العودة لمنزلِ مُضيفي بعد سماع ما حدث .

في الليل كانت هناك نسمات باردة ، باردة جداً ، و أصواتٌ تتألم بشدّة ، تلقائياً ستعرفُ من أصحاب هذهِ الأصوات .

٣ – طريق الموت : هذا الطريق عبارة عن تعريف حقيقي للموت . ذهبنا لسوء حظنا ليلاً نحو أحد الأكشاك المُقامة على الطريق لشراء بعض الحاجيات . و بدأتُ بالسؤال عن اسمِ الطريق و لماذا سُميَّ بهذا الإسم المخيف . بكل بساطة بعد تجاوزك للأكشاك ، ستتوقف سيارتك فجأة دون سبب ، أو قد تنقلب ، و قد تمضي دون حوادث . ولكنّكَ ستجد من يطلبُ توصيلة سريعة وسط طريق مظلم لا حياة بهِ . ستشاهد مركبات متفحمة و بقايا بشرية محاطة بألغام قد تنفجر بأي لحظة . نصيحة لا تسافر ليلاً ، أساساً بعد غياب الشمس تتوقف حركة السير و ينام المسافرون في إستراحات أثريا حتى الصباح .

إقرأ أيضا : حكايات شرقية مرعبة .. جني الحمام

٤ – إستراحة الباشا : مكان يبدو عليه الفخامة و الثراء سابقا ، و لأجل الصدفة لم يتعرض لأضرار إلا القليلُ منها . فقط يتجول صاحب الإستراحة باحثاً عن رأسه هنا و هناك بعد إعدامه في الإستراحة ذاتها . سمعتُ الرواية و اكتفيت بالإستماع فقط دونَ التوجه لذاك المكان . فأنا لم أمتلك القدرة على التصوير سابقا في تلك المواقع ، فكيف لو شاهدتُ رجلاً بلا رأس ؟ .

نهايةً ، في هذا الشمال الشرقي ، حدثَ الكثير و الكثير ، و لم أتخيل نفسي أروي قصصاً عن أرواح تائهة . هنا ، في هذا المكان ، سُفِكَ الدم ، و قُطِعَتْ رؤوس البعض ، و انتشرت أشلاء البعض الآخر . اليوم المكان هادئ ، به القليل من الحياة ، و معه الكثير من القصص والروايات . فرحلتي التي استمرت لمدة عشرةِ أيام ، ما زال بها العديد من القصص مثل حقول دبيسان و الكدير و خناصر و طريق الرقة و إلخ … سأرويها بتفاصيل أكثر في الجزء الثاني بإذن الله .

ملاحظات

هذا المقال أنا شاهدٌ على كُل ما فيه ، التصوير طبعا ممنوع للأسف ، قد يكون ما شهدتُ عليه أوهام أو حقيقة . لكن المكان موجود و القصص تروى كل يوم .

*أثريا : منطقة تابعة لريف محافظة حماه الشرقي . و بها حقول نفطية متعددة ، تقع على الطريق المؤدي إلى محافظة الرقة و محافظة حلب .

هذا المقال مخصص لموقع كابوس فقط و لا يسمح استخدامه إلا من قبل إدارة الموقع حصرياً .

التجربة بقلم : علاء الدين أمين الحاج حسين – سوريا

guest
21 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى