منوعات

فتيات الغايشا في اليابان : ماذا تعرف عنهن؟

يظن البعض انهن مجرد غانيات ، لكنها فكرة مغلوطة تماما

عندما كنا صغارا شاهدنا الكثير من الرسوم المتحركة اليابانية والتي احببناها وامتعتنا كثيرا ، وكنا من خلال هذا الكرتون نتعرف على تقاليد وازياء المجتمع الياباني وحتى طعامهم والمناظر الطبيعية لجبل فوجي وازهار شجرة الكرز ، ولعل من المشاهد التي استوقفتنا كثيرا هي تلك الفتيات المرتديات ثوب الكيمونو الياباني التقليدي ويضعن مكياجا غريبا وصارخا وشعرا مصفف بطريقة غريبة ويمشين وكأنهن يقفزن .. لقد شد فضولي ان اعرف من هن وما هو عملهن وطبيعتهن في المجتمع الياباني؟ والحقيقة انني عرفت قصتهن من خلال احد كتب الرحلات للكاتب المصري الكبير انيس منصور الذي زار اليابان وتعرف الى هؤلاء الفتيات واللواتي يسمين بفتيات الغايشا وكتب مقالة طويلة عنهن وبقيت الفكرة في رأسي الى ان قررت ان اعرفكم بقصتهن من خلال موقع كابوس .. فماهي قصتهن؟

نبذة موجزة

blank

الغايشا هن فتيات عملهن الترفيه عن الناس وهن يمارسن دور المضيفات فيقدمن الشاي للضيوف ويرقصن ويغنين ويعزفن على الآلات الموسيقية التقليدية ويلعبن ايضا العابا مسلية كما انهن يتميزن بحسن الحديث وتسلية الضيوف والجمال والرشاقة وحسن اختيار الكيمونو المناسب لكل جلسة او حفلة لجذب انظار الضيوف.

فتيات الغايشا يعشن وفق نظام معين ولا يعملن بمفردهن بل يعملن في بيوت الشاي وهي بيوت موجودة بكثرة في البابان وتعتبر اماكن ترفيه حيث تنتمي فتيات الغايشا الى سيد او سيدة من الاغنياء تكون بمثابة وكيل أعمالها حيث يوفر لها ما تحتاج من ملابس فاخرة ومكياج وعطور ومأوى ومأكل مقابل جزء من ارباح فتاة الغايشا من عملها في الترفيه عن الناس.

ورغم ان نظام الغايشا في اليابان اصبح محدودا جدا في عصرنا الحالي مع تطور الحياة وتغير اساليب الترفيه الا ان مكانتهن مازالت محفوظة كجزء من تراث اليابان الثقافي وبتناقص عدد فتيات الغايشا زاد وارتفع سعر الجلوس معهن فالسائح يدفع مبلغا كبيرا مقابل الجلوس معهن والحديث معهم فهن يعتبرن احدى اهم تقاليد اليابان واكثرها عراقة والتي يهوى السياح رؤيتها.ن

حياة فتيات الغايشا

blank

تتميز فتاة الغايشا بمنظرها الملفت فهي تعتمد على مكياج ابيض ناصع في وجهها ورقبتها وبلون احمر في شفتيها وعدة الوان على عينيها كما تصفف شعرها بشكل مرتفع ومعقد ومنظم فلن ترى شعرة في غير مكانها وتزين شعرها باكسسوارات جميلة ولامعة كما ترتدي كيمونو بنقوش ورسومات مستوحاة من الطبيعة والتقاليد اليابانية ولكل مناسبة كيمونو خاص بها ويكون مصنوع من الحرير الصافي والغالي الثمن كما ترتدي قبقابا خشبيا صغيرا وعاليا وجوارب قطنية ناعمة وقد تبقى تسريحة الشعر لعدة ايام دون ان تتغير فتضطر الفتاة الى النوم على وسادة خشبية صغيرة وصلبة تضعها تحت رقبتها لكي لا تفسد تسريحة شعرها فالتسريحة غالية الثمن وصعبة التصفيف.

ولكي تصبح الفتاة العادية غايشا لابد لها من ان تتدرب جيدا بحيث تبدأ تعليمها في سن الخامسة عشر ، وقديما كانت تبدأ تعليمها في الثالثة او الرابعة من العمر بحيث يرسلها اهلها الى احدى بيوت الغايشا الكبيرات في السن واللواتي توقفن عن العمل وفتحن بيوت لتعليم الفتيات هذه المهنة وكل فتاة يعلمنها ويدربنها تصبح ملكا للدار وترد لهم من خلال عملها ما تم صرفه عليها طيلة مدة تدريبها.

تبدا الفتيات الصغيرات بتعلم الرقص والغناء والقيام ببعض الالعاب المسلية كما تتعلمن اصول تقديم الشاي الاخضر والقيام ببعض حركات الغنج والدلال الجاذبة للزبون كما تتعلم حسن الحديث واختيار المواضيع المرغوبة والشيقة وكذا تتعلم الاناقة وحسن اختيار اجمل انواع الكيمونو لكل مناسبة يتم دعوتها اليها وتتعلم وضع المكياج وتصفيف الشعر كما لابد من تعلم المشي بطريقة مغرية وخطوات صغيرة ومثيرة.

في مرحلة التدريب تتغير اسماء فتيات الغايشا حسب المرحلة التي هي فيها ، ففي بداية تعليمها تسمى شيكومي وتعني الخادمة ثم تصبح مينار وتعني المتدربة وتبقى تتدرج في المناصب الى ان تصبح فتاة غايشا حقيقية والفتاة الناجحة هي التي يكثر زبائنها والذين يطلبونها لتزين مجالسهم وتسلية ضيوفهم. كما يوجد عدة تصنيفات للغايشا ويحدد كل صنف مستوى معين فمثلا كاما شيتكن هي اغلى مرتبة في نظام الغايشا وذات كلفة عالية ويتردد عليها رجال الاعمال والسياسيين اما اقل مرتبة فهن فتيات الينابيع الحارة وهن يقدمن الطعام وبعض الترفيه فقط واجورهم منخفضة.

يعتبر نظام الغايشا في اليابان من اكثر الفنون في العالم اصالة فهو متواجد منذ مئات السنين وهو موجود في اليابان فقط ولن تجد له مثيل في اي مكان ، وتعتبر فتيات الغايشا في اليابان من اكثر النساء نجاحا من الجانب المادي والعاطفي كما يعتبرن نساءا قويات بسبب نفوذهن عند بعض الشخصيات عكس بقية النساء ففي المجتمع الياباني يفضل الرجل المرأة الخجولة والتي تعتني بالمنزل وتربي الاطفال وتكون مسؤولة كليا عن عائلتها وليس لها طلبات او مدخول مادي، اما الغايشا فهي يمكنها الدخول والخروج وتتمتع بالاستقلال المادي.

في قوانين الغايشا لا يسمح للفتاة بالزواج او اقامة علاقة مع الرجال فعملها هو الترفيه عن الرجال وليس اقامة العلاقات لكن يمكن للغايشا ان تتقاعد من عملها وتتزوج بعد ذلك كما يمكنها ان تفتتح بيتا خاصا بها للغايشا ولتدريب الفتيات الصغيرات وبالتالي يمكنها ان تستقل ماديا في مجتمع مازال يقلل من شأن المرأة.

كيف ظهر نظام الغايشا؟

blank

في اواخر عام 600م كان المجتمع الياباني مجتمعا زراعيا فقيرا وقائما على الطبقية الاجتماعية فكانت العائلات الفقيرة تسمح لبناتها بالعمل في الخدمة الترفيهية كالرقص والغناء للحصول على قوت يومهن حتى ان بعض العائلات المشردة كن يسمحن لبناتهن ببيع انفسهن من اجل المال اما الفتيات اللواتي تلقين بعض التعليم فكن يلجأن الى العمل في الترفيه للأسر الغنية خلال المناسبات الاجتماعية.

بعد نقل العاصمة الى مدينة كيوتو عام 794م بدأت تظهر وتزدهر الثقافة اليابانية في جميع المجالات بعد التطور الذي عرفته اليابان خلال هذه الفترة وظهر الهوس بالجمال والترفيه عند الطبقة الغنية وهنا ظهرت فتبات الغايشا للترفيه فالفتيات اللواتي كن يعملن سابقا في مجال الترفيه اقمن نظاما خاصا له قوانين تحكمه وتحكم العاملات فيه وسمي هذا النظام بنظام الغايشا .

ازدهر هذا النظام كثيرا خاصة ان تلك الفترة تميزت بتقديم فتيات الغايشا لخدمات جنسية ضمن عملهن ففي ديانة الشينتو المتبعة في اليابان ذلك الوقت لم تكن هذه الخدمات الجنسية محرمة كما كان الرجال في المجتمع الياباني غير ملزمين بالوفاء لزوجاتهم فقد كان المجتمع الياباني مجتمعا ذكوريا خالصا تلك الفترة.

استمرت هذه التقاليد في الترفيه في اليابان الى غاية 1617حيث تم تصميم بيوت خاصة للترفيه تسمى شوغنتي بحيث لم يكن مسموح للفتيات العمل خارج هذه البيوت وتم تنظيم العمل داخل هذه البيوت فقط وتعتبر هذه البيوت هي النواة الاساسية لنظام الغايشا والذي كان نظاما نسائيا صارما وطبقيا فكل فتاة ترغب بالوصول الى المجد في هذه المهنة والحصول على المال والنفوذ من خلال زبائنها عليها ان ترتبط بغايشا كبيرة في السن ومتقاعدة والتي تسمى دونسان في اللغة اليابانية لتعلم الفتاة اصول المهنة باصطحابها الى جلسات الترفيه لتشاهد وتتعلم المهنة جيدا ولتتدرج في التعليم والتدريب حتى تصبح غايشا حقيقية كما تقوم الغايشا المتقاعدة بحماية الفتيات التابعات لها.

خلال القرن 18 ازدهرت بيوت الترفيه واصبحت توفر اكثر من الخدمات الجنسية بل الرقص والغناء والرسم والشعر وحسن الحديث وتقديم الشاي واصبحت هؤلاء الفتيات اكثر شهرة ورغم ان هناك فرق تتكون من الرجال للترفيه مثل فتيات الغايشا الا ان شهرتهم قليلة عكس فتيات الغايشا اللواتي اصبحن مميزات في المجتمع كما اصبحت مهنة الغايشا معترف بها قانونيا وما زاد شهرتها هو العمل في بيوت الساموراي وهم نخبة المجتمع الياباني.

كانت الفتاة كيوكي هي اول من اطلقت على نفسها اسم غايشا عام 1750 فقد كانت مغنية وراقصة وعازفة وقد كانت سببا في اشتهار الفتيات الاخريات الذي اطلق عليهن اسم غايشا ايضا وكانت الفترة بين 1760- 1770فترة ذهبية لفتيات الغايشا.

مع ازدياد شهرة فتيات الغايشا كرمز ثقافي لليابان اثير الجدل في الغرب كالعادة حول مهنة فتيات الغايشا وتم ربطهم بالجنس فقط واعتبرهم الغرب مومسات رغم القوانين التي وضعتها اليابان والتي اعادت تنظيم المهنة ومنعت ممارسة اي علاقة بين فتيات الغايشا والزبائن بل حددت وظيفة الغايشا بتقديم الترفيه فقط للضيوف وفي بيوت الشاي فقط.

رغم المكانة التي حظيت بها فتيات الغايشا الا ان بعضهن اجبرن على الجنس بالإكراه وتمت المتاجرة بهن من قبل بيوت الشاي التي يعملن لها لكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية وخسارة اليابان شهدت ثقافة الغايشا تدهورا كبيرا وفوضى بسبب اضطرار النساء للعمل في كل المهن بسبب نقص الرجال كما ان الكثير من المومسات جعل انفسهن غايشا لكسب المال من طرف الجنود الامريكيين الذين كانوا يرغبون في قضاء الوقت مع فتيات الغايشا، وفي عام 1944 تم اغلاق جميع بيوت الشاي والترفيه عنوة بسبب الحرب وبعد اعادة فتحها لم تتقبل فتيات الغايشا الحقيقيات التقاليد الغربية التي حاول الغرب فرضها على التقاليد اليابانية فرفضت الكثيرات العمل في هذا المجال.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية واستقرار اليابان اعيد تنظيم الغايشا ولم تعد الفتيات تجبرن على شيء ولا يتم بيعهن كما ان طفرة اليابان الاقتصادية بعد الحرب وفرض التعليم الاجباري جعل اختيار هذه المهنة صعبا وقليلا كما ان تغير الاوضاع وخروج الكثير من النساء للعمل لنهضة اليابان قلل من عدد فتيات الغايشا كثيرا.

blank

اليوم في عصرنا الحالي مازال عدد قليل من الغايشا يمارسون هذه المهنة وهن متمركزات خصوصا في مدينة كيوتو المهد الاولي لظهور هذه المهنة الغريبة والعاصمة السابقة للبلاد ومعظم زبائنهن من السياح او الطبقة الغنية وقد تناقص عددهن كثيرا كما ان الحياة الغربية التي طغت على كل شيء قلصت رغبة الفتيات في مثل هذه المهن.

اليوم كل السياح الزائرين لليابان يرغبون برؤية فتيات الغايشا والحديث معهن رغم الاسعار الغالية لهن لكن كل شخص يريد ان يرى اغرب تقاليد اليابان واكثرها عراقة واصالة وهي فتاة الغايشا .

كما تم انتاج فيلم بعنوان مذكرات غايشا منذ سنوات تناول الفيلم حياة الغايشا وتقاليد اليابان والفيلم من انتاج امريكي وقد رفضت اليابان الفيلم وقالت انه يشوه تاريخ اليابان فهو لم ينقل الحقائق كما هي خاصة ان البطلة لم تكن يابانية بل صينة واكدوا ان البطلة لم تكن بمستوى الجمال الياباني! (مع اني في الحقيقة الا افرق ببن اليابانية ولا الصينية ولا الكورية ولا الفيتنامية فكلهم تعبير واحد واعتقد انكم مثلي تماما).

تبقى اليابان وتقاليدها وثقافتها من اكثر الدول غرابة وسحرا .. فهل ستزورها عزيزي القارئ لو سنحت لك الفرصة وهل ستقابل فتيات الغايشا ، عن نفسي انا لا ابدا لا افكر ولا ارغب بزيارتها بسبب الزلازل والاكل الغريب والنيء.

المصدر
Geisha
guest
40 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى