اساطير وخرافات

زقاق الجن: الحي الذي أرعب الدمشقيين.

قصة مسلسل زقاق الجن

هل مسلسل زقاق الجن فيه شيء من الحقيقة؟!. زقاق الجن، مكان بثَّ في يوم من الأيام جام الرعب في قلوب أهل دمشق. ويقال أن لعنته مستمرة حتى يومنا هذا. فما الحكاية!!

منذ أيام، كنت في جَمعة أصدقاء نتبادل ونتجاذب أطراف الحديث. ولا غرابة أو عجب أنَّ أحاديث هذه الأيام تدور وتتمحور حول الشهر الفضيل،الصيام وأحواله وأعماله..الخ. وبينما نحن في الودِّ بين صدٍّ وردٍّ وجزرٍّ ومد، إذ انتفى أحد الحاضرين منَّا ونأى بنفسه عنّا نحو زاوية الغرفة مختلياً بشاشة هاتفه. وبناءاً على ما جرى دعوناه مستنكرين ومغضبين تصرّفه ذاك للعودة إلينا، فما كان منه إلا أن رفض دعوتنا وتجاهل عرضنا مبرراً بأنه يتابع أحد المسلسلات التي وصفها -بالرائعة -لهذا العام ولا يريد تفويت الحلقة. على أي حال فأنا بطبيعتي لا أتابع أي أعمال درامية منذ زمن طويل جداً. ولكن ما شدّني وأثار اهتمامي هو عنوان المسلسل( زقاق الجن) وما أطلق العنان لذهني للبحث والتقصّي هي قصّته الغريبة والمرعبة.

فما هو زقاق الجن وما قصّته وهل الروايات المرعبة عنه حقيقية؟

الجن في دمشق: حكايات طويلة لا تنفذ ولا تنتهي.

في عصرنا الحديث ومع تطور البناء والعمران وتطور العلم وزيادة الناس المتعلمين والمثقفين ونبذ الماورائيات والخوارق، باتت حكايات الجن والعمّار من الغرائب والنوادر وقلّما تجد من يؤمن ويصدّق بها. لكن وبصفتي دمشقي ولدت وترعرت فيها وعلى مدار سنوات عديدة، كانت الحكايات التي سمعتها من والدي أو من جدي أو من أقرانهم حول الماورائيات العجيبة التي كان أبطالها هم الجن وخاصة أحاديث زقاق الجن محلَّ رعب حقيقي. ولطالما تساءلت في نفسي: هل هذه الأحاديث حقيقية فعلاً؟

زقاق الجن
دمشق القديمة.. هل استوطنها الجن قبل البشر؟

جواب هذا السؤال لا يمكن أن يكون “نعم” قطعاً ولا يمكن أن يكون “لا” قطعاً. فبطبيعة الحال إذا ما أردنا البحث في تاريخ مدينة تعدُّ من أقدم مدن العالم والعاصمة الأقدم فيه وإذا ما أردنا التفحيص والتمحيص بشكل تجردي ومسهب. سنجد أنَّ شيئاً من الغموض والكثير من أساطير الماورائيات يحفُّ ذلك التاريخ رغم ما كُتب فيه وعنه. ويكفي أن نسأل أنفسنا كيف استطاع الفينيقون مثلاً أن يكونوا ملوك البحر قاطعين طوله وعرضه رغم البدائية المفرطة في ذلك الزمن في الملاحة. وكيف استطاعوا بحسب عديد النظريات عبور مضيق((بهرنج)) ليستوطنوا أمريكا الشمالية وليعرفوا لاحقاً بالهنود الحمر. الربط لا يتوقف هنا، بل إن حضارة الهنود الحمر لوحدها عبارة عن لغز حيَّر علماء الأثار عبر الزمن. فهل كانت تلك الحضارة مرتبطة بالجن؟

يقال أن الدمشقيين القدماء -أو بعضهم- كانوا قد ألِفوا الجنَّ وتعايشوا معهم بصورة طبيعية وعاديّة. بل وصل ذلك التعايش والاعتياد إلى الحد الذي جعل الجن يقطنون ويتكاثرون بجوارهم. ويوماً بعد يوم أصبح للجن زقاق*1 خاص بهم وقد سُمِّي لاحقاً بزقاق الجن.

إقرأ أيضاً: بصمات القدماء: موريس جيسوب والغاز المايا

مسلسل زقاق الجن: هل هو خيالي حقاً؟

تتمحور قصَّة المسلسل في خمسينيات القرن المنصرم في إحدى حارات*2 مدينة دمشق. بحيث يقدم العمل قصّة بوليسية من نوع آخر. تبدأ القصة باختطاف أحد الأطفال ثم العثور على جثته مقتولاً. وبعدها تتوالى سلسلة الجرائم من قتل واختطاف للأطفال والكبار بحيث نلاحظ أنَّ سلسلة الجرائم المرتكبة مرتبطة ببعضها. أيضاً فإن المسلسل يظهر ترابطاً بين الجرائم المرتكبة إضافة لكونها تحدث بفعل شخص واحد وهو المجرم المجهول. وبالتالي يجد المشاهد نفسه في حالة فضول لمعرفة القاتل ودوافعه. على أية حال فإن مسلسل زقاق الجن يطرح فكرة وجود الجن كحقيقة ملموسة ومسلّم بأمرها. بل ويذهب إلى ماهو أبعد من ذلك. فيشير إلى قوى غير طبيعية موجودة لدى إحدى أفراد الحارة (ناجي أبو عين بيضاء) باعتبار والدته تعمل بالسحر والشعوذة، وبسبب شكله المبعثر الغير مريح. حيث تبدأ أصابع الإتهام ترفع نحوه على أنه يتعامل مع الجن ويقدّم ضحاياه لهم لقاء مساعدتهم له.

زقاق الجن
ناجي.. أحد شخصيات مسلسل زقاق الجن

اسطورة حي زقاق الجن الدمشقي:

تخيل يا عزيزي القارئ، أن تخرج مساءاً مع أبيك أو أخيك تحت جنح اليل وظلامه، لتعتليا أي علوة من جدار أو صخرة أو شجرةما. ومن ثم تسرحان في أصوات تنبلج من بين الأشجار الوارفة في أرض لم يعمرها إنسي يوماً ولم يفكر في أن يقترب منها. وتخيل أن يقترب منك والدك بحذر ويهمس في أذنك: هذه فرحة الجن يا بني إياك أن تفسد فرحهم.

برومو المسلسل

كما أسلفنا فقد قيل أن بعض الإنس والجن في دمشق قد شهدوا فترة من التعايش حتى باتت الأحياء المنازل مختلطة المقطن. فذا البيت لأبي فلان الإنسي ويشاركه فيه أبو علان الجني. وصدّق أو لا تصدّق أن الروايات تتكلم عن انَّ بعض الجن كانوا لطفاء جداً مع الدمشقيين. وأنهم كانوا يساعدونهم في أمور عديدة في المنزل.

إقرأ أيضاً: الجن : شركاؤنا في العـالم

في بساتين غوطة دمشق وحيث كانت الأشجار وارفة على مدِّ النظر اقتطع قسم من الجن جزءاً من تلك البساتين لهم، وبطبيعة الحال تحوّل ذلك الجزء إلى مستعمرة أطق عليها لاحقاً زقاق الجن. كان العمّار يسمحون فقط لأصحاب الأرض بالولوج إليها في موعد قطف الثمار، وكان لزاماً على أصحاب الأراضي ترك شيئ مما يقطفونه على سور ذلك البستان أو تلك الأراضي ليأخذه الفقراء الذين كانوا يتسللون ليلاً إلى الأشجار لأخذ شيء منها. وهذا ما كان بدوره يزعج الجن ويثير حنقهم. على أي حال هناك روايات عديدة تتحدث عن حجارة وأغصان كانت تُقذف على كل غريب يحاول الإقتراب من ذلك المكان.

يحكى أنَّ راعياً دخل بغنمه إلى البستان الذي استعمرته الجن فرأى غنمه يستطيل كأنه قماش يمتطط.

روايات دمشقية قديمة

ملامح انتقامية:عشق على طريقة الجان

يقال أنه عندما ذهب أحد شباب الجن ليخطب جنّية من عشيرته. رفضته تلك الأخيرة رفضاً قاطعاً، وبائت جميع محاولاته التالية معها بالفشل. فقرر أن يراقبها خلسة وعزم على ما نوى. فإذا به يكتشف بأن الجنيّة التي أراد، كانت تحبُّ أحد شباب الإنس. بل وكانت تؤذي أي من كان يتقرب منه. وكانت تحاول أن تتجسد له ليتزوجها وتنجب منه أطفالاً. وعلى إثر ذلك جنَّ جنونه وقرر أن ينتقم من البشر. فراح يختطف أطفالهم ويقتلهم. ولكن في أحد الأيام وجد هذا الجان الجنيّة التي أحبها ملقاة في أسوء حال، وكان قد أصابها شيء من الحرق في جسدها.

زقاق الجن
عشقت الجنية أحد شباب الإنس وأرادت الزواج به

ولمَّا هرع إليها ليساعدها علم أن الإنس استعانوا بشيخ ليخلصوا ابنهم منها وهذا الشيخ قام بحرقها كي تذهب عنه فاتّجه إليه مغضباً وقتله. لكن يبدوا أن حبَّ الجن ليس كحب البشر. فصاحبنا الجني لم يتخلى عن محبوبته أو يشمت بها بل أخذها وتزوجها وعاش معها في أقصى تلك الارض، حيث كانت تلجأ إليهم جميع الكائنات الأخرى التي تعرضت للظلم والقسوة من البشر.

وتستمر الحكاية فتقول: أنّه ولّما علم بعض البشر بما جرى أخذوا يقتلون من كانوا على عداء معه لاصقين الحادثة بظهر الجن وزقاق الجن. ولربما هذه الرواية كات الركيزة الاساسية التي استند عليها المسلسل.

هناك بالطبع من استنكر وفنّد هذا الكلام، واعتبره ضرب من ضروب الجنون. وأن القصّة وما فيها كانت مجرّد اختلاق من أصحاب البساتين ليخيفوا اللصوص ويمنعوهم من سرقة الثمار. وأما الحجارة وأغصان الأشجار فهذا بسبب موقع البساتين التي كانت مضرب رياح دائم ومن الطبيعي أن تحمل في طريقها بعض العيدان والكدر ومن المؤكد أصوات الصدى.

ختاماً

ربما قد تفكِّر مرَّتين قبل أن تدخل إلى حي زقاق الجن اليوم، كيف لا وقد نسب باسم الجان ومُلِّك لهم . لكن اطمئن فإن أردت زيارته الآن، كل ما ستراه هي الأبنية العالية والشوارع العريضة. سيزعجك الازدحام المروري والبشري فيه ومحال قطع صيانة السيارات الكثيفة. ولن تفكر ولو للحظة أن هذا المكان قيلت فيه الأقاويل وحيكت عنه الحكايات والقصص وأنتجت في فلكه وإلهامه المسلسلات. لذا سواء كانت هذه القصة صحيحة أم محض خرافات فستجد الآن في زقاق الجن جميع ما يخطر ببالك إلا الجن.

شكراً على القراءة.

– 1* الزقاق: الجمع: أَزِقَّة) طريق ضيق يسمح بمرور سيارة واحدة فقط. وقد يميزه البعض بأنه أكبر قليلًا من «الزنقة» وأصغر من الحارة.

-2* الحارة: محلّة متّصلة المنازل، مدخل ضيِّق لمجموعة من المنازل

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
رواية الجنة المفقودة-خيري الذهبيwikibidiasyria.newsesyriashaamtimesmarefaقصص شعبية متداولة

جمال

مهندس نظم قدرة كهربائية وكاتب ومعلق صوتي - للتواصل عبر البريد الالكتروني : [email protected] عبر تلغرام ؛ https://t.me/Jamsyr ايضاً من خلال صفحتي على فيسبوك أو انستغرام ادناه :
guest
40 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى