تجارب ومواقف غريبة

قصتي مع الغصن

بقلم : الشمالي – سوريا

قصتي مع الغصن
علاقة صداقة حميمة جمعتني مع غصن شجرة ..

سأحدثكم عن قصة عشت أحداثها وكانت بحق أغرب حادثة مرت في حياتي ، بل أكبر لغز محير مر في حياتي ولم أجد له تفسيرا إلى هذا اليوم ، وعلى الرغم من مرور سنين طويلة تجاوزت الثلاثين عاما إلا أني ما زلت أفكر فيه وأبحث عن الإجابة ، من أجل ذلك سأحكيها لكم وكلي أمل أن يوفق أحدكم في إعطائي تحليلا منطقيا لما حدث معي ، ويهمني أن أخذ رأيكم فيها .

الحكاية ترجع إلى أيام طفولتي المبكرة وبالتحديد عندما فتحت عيناي على الدنيا وبدأت أستكشف العالم الذي يحيط بي ، كنت وقتها أحب الوقوف في شرفة بيتنا (أقصد بيت أهلي) وأتأمل كل شيء لأكتشف هذا العالم الجديد الذي جئت إليه بعد إقامة طويلة في عالم البرزخ ، ولأن الطفل من عادته أن يخاطب أي شيء يعجبه ويعتقد أن هذا الشيء يسمعه ويدركه حتى لو كان نباتاً أو جماد أو حيوان ، فإن علاقة صداقة حميمة جمعتني مع غصن شجرة ، نعم مع غصن شجرة ، أرجوك لا تسخر مني ولا تعتقد أني أمزح .

في يوم كنت أقف في الشرفة فلاحظت أن غصناً يشبه إلى حد بعيد لعبة مفضلة عندي أنذاك ، وهذه اللعبة عبارة عن قرد يمد ذراعيه ، اعتقدت وقتها أن هذا الغصن هو نفسه لعبتي ولكن بشكل أكبر ، رحت أكلمه وأعتقدت أنه يسمعني ويجيبني ، تخيلت إجابته وكلامه وفجأة صار بيني وبين هذا القرد (أقصد الغصن) صداقة عجيبة ، فكنت أقضي الساعات في الشرفة أحدثه وأخبره عن أحلامي (أحلام الطفولة) كنت إذا أغضبني أحد أهرول إليه مسرعاً لأشكو له من أغضبني ، وإذا فرحت ركضت إليه ليشاركني فرحتي ، باختصار وكما أخبرتكم لقد صار هذا الغصن أعز أصدقائي وأقرب شيء إلى قلبي .

وما أن بلغت سن السادسة من عمري حتى شاء الله تعالى أن أترك بلدي وأسافر مع والدي إلى بلاد الحرمين في غربة استمرت أربع سنوات ، عانيت من هذه الغربة الشيء الكثير ، فمن الصعب على طفل صغير أن يرى نفسه بين ليلة وضحاها بعيدا عن مرتع الصبا حيث وطئت قدماه أول مرة في حياته ، كنت في غربتي أحن إلى كل شيء، أحن إلى أهلي وأصدقائي ، أحن إلى مدرستي ، أحن إلى ألعابي ، وبالطبع كنت أحن لذلك الغصن .

وعندما كنا نرجع إجازة كنت أول شيء أفعله إن أهرول إلى الشرفة لأطمئن على صديقي العزيز (الغصن الذي يشبه القرد) ، ولكني في تلك السن كنت بدأت أعرف أن هذا عبارة عن غصن لايمكنه أن يسمعني ولا يشعر بي ولكني في تلك المرحلة من عمري ومع إعتقادي بذلك إلا أني كنت أشتاق إليه ، صحيح أني ما عدت أكلمه ولكني كنت أحبه حباً جما !!!

ثم أن السنوات مرت وبدأت أتخطى مرحلة الطفولة وبدأت أطل على مرحلة المراهقة ، وفي تلك المرحلة صرت عندما أنظر إلى هذا الغصن أضحك وأسخر من نفسي وأستغرب من سذاجة الأطفال وكيف يفكرون ، طبعاً في تلك المرحلة طلقت صداقتي مع هذا الغصن وأعلنت انتهاء مرحلة الطفولة الساذجة وكنت أنظر إليه بسخرية وأسأل نفسي : كيف كنت أشبه هذا الغصن للقرد ، إنه لايشبهه بالمرة !

المهم أني تخطيت مرحلة المراهقة وبدأت أنسى هذا الغصن بالمرة وأنسى تلك اللحظات السعيدة التي ضمتنا والصداقة الحميمة التي جمعتنا، بل أني ما عدت حتى أنظر إليه ، فما هو إلا غصن كبقية الأغصان ، بل أني نسيت مكانه بالضبط في زحمة الأغصان ، ومرت الأيام ومرت السنة تلو السنة وتتالى السنوات كلمح البصر وأصبحت شاباً ناضجاً .

وفي يوم كنت نائماً فرأيت في نومي وكأن أشخاصاً كثر لا أدري رجال هم أم نساء جاؤوني وهم يبكون بشدة فسألتهم ما الخبر لم تبكون بهذه الشدة ؟ فقالوا لي : ألم تدري؟؟ لقد مات صاحبك الغصن .

استيقظت على هذا المنام مندهشا وفي لمح البصر عادت بي مخيلتي إلى أيام طفولتي المبكرة ، إلى ضحكاتي الرنانة مع الغصن ، إلى بكائي ونحيبي أمامه وأنا أشكو إليه اي شيء أزعجني أو أحد ضربني ، إلى أحلامي التي كنت أبثها له ، إلى أسراري التي لم يعرفها أحد سواه .

كل هذا لمع في ذهني وصحت : الغصن .. نعم الغصن .. ماذا جرى له ؟ ، ركضت نحو الشرفة ونظرت منها إلى الشارع فرأيت الغصن مقطوع وملقى على قارعة الطريق وكان هذا بسبب المطر الغزير الذي سقط .

أقول لكم ولاتسخروا مني ، لقد حزنت عليه .

أقول لكم ولاتسخروا مني لقد أحزنني فراقه بل وأحزنني تنكري له بعد صداقة طويلة .

أقول لكم ولا تسخروا مني ، لو كان يصح الترحم على نبات لترحمت على ذلك الغصن .

والأن أيها الأخوة ، أرجوكم ساعدوني وحلوا هذا اللغز ، من هؤلاء الذين أتوني في المنام ، من هؤلاء الذين لم ينسوا حكايتي مع الغصن مع أني أنا نفسي نسيتها ، من هؤلاء الذين ذكروني بالغصن وكانوا يبكون عليه في الوقت الذي تنكرت له فيه ، وما الذي يستدعي البكاء على مجرد غصن ، من هو هذا الغصن ، وما السر فيه ، ومن هؤلاء بالضبط ؟

تاريخ النشر : 2015-07-15

guest
49 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى