الذئب عند البدو بين المدح و الذم
الذئب حيوان ارتبط بحياة البدو |
الذئب حيوان مفترس لكن تراوح وصفه بين المدح و الذم |
إن الذئب كما هو معروف من الحيوانات المفترسة والخطيرة على البشر ومواشيهم ، وبطبيعة الحال لا يشكل الذئب خطراً مباشراً على حياة الإنسان إلا إذا كان الإنسان وحيداً و أعزلاً ، بمعنى أنه إذا وجد الذئب إنساناً وحيداً في الصحراء وكان بلا سلاح أو عتاد ربما يقوم بافتراسه والقضاء عليه ، ويستطيع الذئب معرفة إذا كان الإنسان مسلحاً أم لا ، ويستطيع أيضاً تمييز الذكر من الأنثى ، وعلى ضوء هذه المعطيات يقرر الهجوم من عدمه !!
لماذا يمدح البدو الذئب :
عندما يمتدح البدوي شخصا يشبهه بالذئب |
حين يريد البدوي أن يمدح أحداً فإنه يقول : (فلان ذيب)… لماذا يا ترى يصر البدو على استعمال كلمة “ذيب” ؟!
القصة ليست مرتبطة بشراسة الذئب وقوته و لا بجمال وجهه ولا بحدة مخالبه ، وليست مرتبطة أيضاً بالأنياب الحادة ، هي ترتبط بشيء واحد وهو أنه المفترس الوحيد بين كل مخلوقات الله الذي لا يروض ، فالأسد في لحظة ما قد يصبح مهرجاً في السيرك ، والأفعى تخلع انيابها وتصبح طائعة تستجدي طعامها ، وحتى الفهد إذا ضربت سياط المدرب في السيرك فإنه يركع ، والأغرب من ذلك كله أن العقل البشري استطاع ترويض الفيلة أيضاً في السيرك فهي تقدم عروضاً وتنصاع لطلب المدرب ، لهذا يوصف الفارس بالذئب ، ليس تشبها بشراسته ولكن تشبها بسلوكه وطبعه ، وللآن لم يفهم العقل البشري سبب رفض الذئب للترويض ، وقد جرت محاولات عسيرة انتهت بموت الذئاب في أقفاصها ، كانت تختار الموت على أن تنصاع لأحد !!
كما أن الذئب حيوان شجاع وعزيز نفس ، لا يأكل إلا أكلاً طازجاً ولا يأكل من الجيف الميتة ، وقد تأثر بشجاعته وعزة نفسه أبناء البادية تأثراً بالغاً ، فوُصف به الرجل الشجاع والمحارب الذي لا يهاب الموت ، و وُصف به أيضاً من فيه صفات الغدر ، فهم يأخذون صفاته التي تشدهم كأبناء صحراء ، فالحذر والاحتراس والترصد والإغارة كلها من صفات الذئب التي تعجب البدوي ، وجاء ذكر الذئب في كثير من قصائد الشعراء سواء كانت الفخر والحماس أو الرثاء أو غيرها بشكل يعكس ما لهذا الضاري من صفات ميزته عن سائر وحوش الصحراء والبراري ، وقد ارتبط الذئب بحياة البدوي ارتباطاً وثيقاً .
هناك قصص غريبة عن مصادقة الإنسان للذئب ! |
وهناك الكثير من القصص التي تناولت علاقة البدو بالذئب ، واشتهرت قصة من غرائب قصص البادية للشاعر (مخاوي الذيب) وسمي بهذا الاسم امتداحاً له لأن الذئب ليس من الحيوانات التي تتآلف مع الإنسان ، وقصته أنه خرج ذات يوم و مشى في الصحراء ، فشاهد ذئباً أخذ يقترب منه بهدوء ، استغرب صاحبنا و ربما دب الرعب في قلبه لكن اتضح له فيما بعد أن هذا الذئب لا يريد به سوءاً ، بل أخذ يسير بجانبه و أصبح رفيقه في هذه الرحلة !!
أطعمه و صب له الماء و صارا يسيران جنباً إلى جنب ، و عند المرتفعات يتقدمه الذئب و يطل على الطريق ، فإن لمح شيئاً غريباً عاد بسرعة إلى صاحبه كإشارة منه أن هنالك شيء ، و هكذا حتى وصل الشاعر إلى ديار أهله ، فتوقف الذئب عندما عرف أن الرحلة انتهت و أصدر عواءً حزيناً كدليل على لحظة الفراق ..
عاد البدوي إلى أهله و أخبرهم بقصة الذئب و طلب منهم عدم التعرض له بسوء .
ذم الذئب عند البدو:
في الحقيقة لا يذم البدو الذئب إلا في حالات قليلة ، عندما يفترس إنساناً قريباً ، أو عندما يقوم بالهجوم على الماشية وقتلها ، وتجدر الإشارة إلى أن الذئب ينتقي من بين الماشية أكبرها وأكثرها لحماً لتشكل عنده وجبة دسمة ، وهناك بعض الحالات النادرة التي يفترس فيها الذئب إنساناً ، أما في ما يخص الماشية فحدث كثيراً أن دارت معارك طاحنة بين الراعي والذئب انتهت بقتل الذئب أو هروبه.
لا يذم البدوي الذئب إلا إن افترس إنسانا أو قتل الماشية |
و في الختام ، يبقى التناقض في شخصية الذئب في التراث البدوي أمراً عجيباً ، فتارة يكون صديقهم ويمدحونه ، وتارةً يقتبسون من صفاته و يتشبهون به ، وتارةً يناشدونه في أشعارهم و قصائدهم ، وتارةً يكون العدو اللدود لهم ولماشيتهم ، ويبقى الذئب من الحيوانات المحيرة في صفاته وأفعاله ، وهو كما ذكرنا سابقاً غير قابل للترويض مثل باقي الحيوانات المفترسة ، فما سر عشقه للحرية وعدم الانقياد ، كالبدو قديماً .
مصادر :
– ويكيبيديا
– بعض مواقع الشعر النبطي
تاريخ النشر : 2017-10-24