لماذا ابرة ماكنة الخياطة مثقوبة من الاعلى وليس من الاسفل؟!
ماكنة الخياطة كما نعرفها اليوم ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر |
لكن أسمحوا لي أن اسألكم : لو لم تكونوا قد رأيتم ماكنة خياطة في حياتكم ، وأتى أحدهم بأبرة غير مثقوبة ، وسألكم من أين يجب أن يثقبونها ، فماذا سيكون ردكم ؟ .. حتما ستخبرونه بكل ثقة ، وربما بشيء من التهكم ، بأن الثقب يجب أن يكون اسفل الأبرة. هذا أمر بديهي ، فلآلاف السنين استعمل البشر الأبرة ، وكان الثقب دائما موجود في الأسفل.
وهذا هو بالضبط نمط التفكير الذي كان سائدا لدى جميع اولئك المخترعين الرواد الذين جربوا حظهم مع اختراع ماكنة للخياطة ، فالتصاميم الأولى التي ظهرت في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر كانت كلها تتضمن أبرة مثقوبة من الأسفل ، لأن هذا كان هو الشكل المعروف للأبر ، ولهذا السبب بالذات كانت تلك المكائن تواجه صعوبات ومشاكل فنية جمة ، ولم تلقى رواجا بين عامة الناس وأصحاب المصانع .. إلى أن أتى مخترع أمريكي يدعى إلياس هاو ، ليقف هو الآخر أمام نفس المعضلة ، أي مكان الثقب من الأبرة ، ومثله مثل غيره ، كانت تصاميمه الأولى ذوات أبر مثقوبة من الأسفل ، وكانت تفشل في كل مرة ، حتى وصل به الأمر ذات ليلة إلى درجة من اليأس والقنوط دفعته إلى تحطيم الماكنة وتمزيق تصاميمها ، ثم أوى إلى فراشه وهو في شدة الأسى والحزن.
في تلك الليلة النكدة ، راود السيد هاو حلم عجيب ، حيث رأى نفسه منهمكا بالعمل داخل ورشة ما ، في بلد غريب. وكان منكبا على صناعة ماكنة خياطة من أجل ملك تلك البلاد ، وكان ملكا شريرا قاسيا ، أمهله 24 ساعة لصناعة الماكنة ، وفي حال فشل في ذلك يكون مصيره الموت الزؤام .. لذا راح السيد هاو يعمل بكل جهده وطاقته على صناعة تلك الماكنة لينقذ حياته ، لكن الفشل كان نصيبه في كل مرة ، تماما كما حصل معه مرارا في واقع الحياة .. وعلى هذا الحال والمنوال أستمر السيد هاو من فشل لآخر حتى أنقضت الساعات الأربع والعشرون بتمامها وكمالها ، ليقتحم الورشة حراس غلاظ مدججون بالحديد ويطلبوا منه مرافقتهم إلى حيث سيجري إعدامه بعد أن فشل في تحقيق طلب مليكهم ، فأسقط في يده وتبعهم مرغما ، وبينما هو يسير بينهم مذهول ومتفكرا في مصيره الأسود ، إذ أنتبه فجأة إلى الرماح العوالي التي كان أولئك الحراس يحملونها ، حيث كانت مثقوبة من الأعلى ، أي في نصالها. وفي الحال برقت في ذهنه فكرة ، وهي أن يضع ثقب أبرة ماكنة الخياطة في الأعلى مثل رماح أولئك الحراس ، وليس في الأسفل كما أعتاد أن يفعل ، وكان واثقا من نجاح فكرته هذه المرة ، وطفق يتوسل أولئك الحراس بأن يمنحوه فرصة أخرى لصناعة الماكنة ، لكنه جوبه برفض قاطع ، وسرعان ما رفع اولئك الحراس رماحهم استعدادا لقتله ، بينما هو يبكي ويولول ويتوسل الرحمة .. لكن قبل أن تخترق تلك النصال الحادة جسده .. استيقظ السيد هاو من نومه فزعا ، ليجد نفسه وسط سريره ، فتنفس الصعداء ، وسكن روعه ، ثم نظر إلى الساعة ، فإذا هي الرابعة فجرا ، فقام من فوره راكضا إلى ورشته ، وشرع من حاله في صناعة الأبرة ذات الثقب العلوي حتى أنتهى منها حوالي الساعة التاسعة صباحا ، ثم شرع في جمع شتات ماكنته المحطمة ، وبحلول المساء كانت الماكنة تعمل بنجاح وكفاءة منقطعة النظير .. ومن هنا انطلقت ماكنة الخياطة كما نعرفها اليوم لتدخل إلى معظم المنازل والمصانع والورش ، وليخلد معها أسم السيد إلياس هاو على أنه مخترعها الأوحد.
الياس هاو .. حلم غريب الهمه صنع ماكنته |
طبعا أود أن اعتذر منكم على هذه القصة القصيرة المليئة بالثقوب والأبر ، والتي ما كنت لأكتب عنها لولا أن عيني وقعت صدفة على ماكنة خياطة المرحومة جدتي ، وهي ماكنة قديمة تدار باليد كانت مرمية في فناء المنزل حتى اكلها الغبار والصدأ .. وأنا واثق في أن داخل منزل كل واحد منكم هناك ماكنة خياطة ، سواء قديمة أو حديثة ، ربما أشتغلتم أنفسكم عليها سابقا ، ولعلكم تسائلتم يوما عن سبب وجود الثقب في أعلى أبرتها .. فالآن عرفتم عرفتم أصل الحكاية.
مصادر :
– The undeferred dreams of Elias Howe and Madame C. J. Walker
– Elias Howe – Wikipedia
تاريخ النشر : 2018-11-16