مشكلتي مع أختي الصغرى
كانت أختي كلما كبرت كلما زادت رغبتها في الاستيلاء على كل شيء |
لكن وقبل أن أبدأ بأي شيء سأعرفكم بنفسي ، أنا فتاة في السابعة عشرة من عمري ( في الصف الثالث الثانوي ) ، لست اجتماعية على الإطلاق ، وأخاف من الناس ، وليس لدي أصدقاء ، حتى أقاربي لست متصلة معهم بشكل دائم ولا أعرف عنهم الكثير ، هذا معناه أنني لا أملك سوى عائلتي ( أبي وأمي وإخوتي ) ، وأنا أيضاً أكبر إخوتي .
تلك المشكلة بدأت قبل 15 عاماً ، تحديداً عندما ولدت أمي أختي الثانية ، والتي تصغرني بعام ونصف العام ، وهنا بدأ تحول كبير في حياتي.
والداي دائماً ما كانا يدللان شقيقتي ، وبدأت أشعر مع مرور الأيام بنظرتها الغريبة نحوي ، وكانت كلما كبرت كلما زادت رغبتها في الاستيلاء على كل شيء ، سواء كان لها أم لا.
كانت تكسر ألعابها ثم تأخذ ألعابي ، وحين أشتكي إلى والداي كانا يوبخاني قائلين : كيف لا تستطيعين تحمل أختك ؟ ، إنها أصغر منك..
وبهذه الطريقة مضت الأيام والسنوات ، أختي تأخذ مني كل شيء ، وأنا اعتدت الصمت كما أخبرني والداي بأن هذا من حق أختي الصغيرة ، وأنني الكبرى ويجب أن أضحي ، لم أعلم أنني سأضحي بسعادتي وحياتي بينما أنا أراقب بصمت تام.
ظننت بأنه كلما كبرت أختي ستتخلى عن صفاتها تلك ، خاصة وأنه أصبح لنا ثلاثة إخوة من الذكور ، ونحن فقط أختان ليس لأي منا سوى الأخرى ، لكن ما حدث كان العكس تماماً.
كبرت أختي وكلما كبرت زادت المشاكل ، لقد أصبحت الآن تأخذ مني كل شيء و والداي يكتفيان بقول أنه يجب تحملها ، تأخذ كتبي وملابسي وأحذيتي وكل شيء ، وتحتفظ به للأبد بحيث يصبح ما تأخذه مني ملكاً لها ولا أستطيع استعادته ، بل إنها في كثير من الأحيان تأخذ ملابسي وتمزقها وترميها دون أن تستخدمها ، فلست أعرف ما الذي تستفيده ؟.
والداي أيضا يتضايقان منها ، فهي لا تسمع لهما ، بل تتحدث دوماً أنهما سيئان أمام الجميع ، و رغم ذلك لم يتحدثا إليها إلا قليلاً ، ليس لأنهما يريان أن ما تفعله صواباً ، بل لأنهما يعرفان تماماً بأنها مجنونة.
لطالما كانت علاقتي مع والداي قوية ولم أرغب يوماً بغير ذلك ، وكانا إذا احتاجا شيئاً طلباه مني ، وكنت أحياناً كثيرة أصاب بالتعب لكثرة ما أتحمل ، بينما لم تكن أختي تفعل شيئاً غير رفض أي طلبات لوالدي ، لكن أختي الفاضلة وعلى ما يبدو لم يعجبها الوضع فقررت إفساده بطريقتها .
العام الماضي امتنعت أختي تماماً عن تناول الطعام لمدة شهرين أو أكثر ، وأخذت تتحدث بأن معدتها تؤلمها إذا أكلت ، واكتفت بالشرب ، وأخذت تتحدث عن أعراض غريبة تصيبها وبأن لديها مرضاً خطيراً ، وبذلك كانت تمهد لإفساد فرحة العائلة .
لقد أحكمت خطتها يوم العيد ، فأخذت تتأوه وهي تمسك بطنها ، مما اضطرنا إلى قضاء العيد في العيادات والمستشفيات ، وفي النهاية أخبرنا الطبيب بأنها لا تعاني أي مرض ، وأنها بخير تماماً ، وطلب منها أن تأكل.
وعندما انقضى العيد أصبحت أختي طبيعية تماماً ولم تعد تتألم ، وأصبحت تأكل بشراهة ، وكأن شيئاً لم يكن ، ولكنها لم تكن تحب العائلة ، لذلك كان لا بد بأن تفكر في شيء آخر ، فقامت هذا العام أيضاً وفي نفس الوقت بالتظاهر بالمرض ، ويوم العيد أيضاً أخذها والدي إلى الطبيب الذي قال بأنها لا تعاني شيئاً على الإطلاق ، ولكي يطمئن والدي تماماً أجرى لها فحوصات أخرى وتبين أنها سليمة تماماً وليس بها مرض ، وحينها عادت أختي للمنزل وأخبرتني بأنها فعلت ذلك ليدفع أبي نقوداً كثيرة في فحصها حتى يندم ، يندم على ماذا ؟ حتى الآن لا أعرف.
وقبل عدة شهور سافر والداي وإخواني الذكور وتركوني أنا وأختي عند عمي في مدينة أخرى لمدة أسبوع ، وبسبب أختي لم أكن أنام إلا وسيل من الدموع يغرق وسادتي.
كانت أختي تتجاهلني تماماً ، وإذا تحدثت لا ترد علي ، تضحك مع الجميع بينما إذا بقيت معي عبست وتظاهرت بعدم وجودي ، كانت دوماً تحاول تعطيلي عن أعمالي ، تحدثت إلى زوجة عمي بأنني دائماً أكرهها وأتعمد إيذاءها ، وبأن والداي يعتمدان علي أنا في كل شيء ( مع العلم بأنهم إذا طلبوا منها شيئاً رفضته ) لم أكن أتحدث لأي أحد سوى لأمي ، أحكي لها ذلك فكانت تقول لي بأنه يجب أن أتحمل .
وعندما عدنا إلى مديتنا تصالحت أختي مع والداي ، لكنها تجاهلتني أنا ، وأنا أقسم بأنني لم أفعل لها شيئاً ، بل إنني كنت أفضلها علي رغم ما تفعل ، ومع بداية الدراسة لم أذهب أنا إلى المدرسة ، ولم أكن أذهب إلى دروس خصوصية أيضاً ، وذلك مما قوى علاقتي بأمي لأننا كنا نبقى معاً طوال النهار ، لكن أختي لم يعجبها الوضع فأصبحت تبقى في المنزل لأيام طويلة لا تذهب للمدرسة ، وتبقى ملتصقة بأمي طوال الوقت ، لا تساعدها لكنها فقط تسير معها أينما ذهبت لتقاطعني إذا ما بدأت الحديث مع أمي ، فكلما نطقت كلمة لأمي ، قاطعتني أختي وتحدثت معها بأي شيء ، المهم هو ألا تجعلني أتحدث مع أمي.
الآن هي تتجاهلني تماماً وتنظر نحوي باحتقار ، و والدي دوماً يقول لي تحدثي مع أختك وكوني قريبة منها ، حتى أمي تقول ذلك ، وأقاربي وجدي والجميع ، الكل يراها مريضة نفسية وأنا هو الطبيب الذي يجب علي معالجتها ، دائماً يقولون لي اهتمي بأختك ، فهي بالتأكيد تعاني مرضاً نفسياً.
ولكن ماذا عني أنا ؟ ، أقسم أنني حاولت ذلك بكل جهدي ، حاولت حقاً أن أتقرب منها بكل الطرق ، لكنني كنت أفقد كرامتي في كل مرة أحاول ، كانت تتعمد أن تهينني أمام أهلي والناس ، وتظهر أنني لا أفقه شيئاً ، تحتقر دوماً ما أحب وما أفعل ، و والداي يكرران : ابقي قريبة من أختك ، أختك الصغرى .
لم أعد أجد فائدة للحديث مع أمي عن أحزاني فهي لا تفيدني على أي حال ، تكتفي بأن تقول بحزن : ما الذي بوسعنا أن نفعله ؟ تحمليها وتقربي منها ، إنها أختك.
ربما لأن أحداً لم يعش تجربتي حقاً فهو لا يحكم عليها بشكل صحيح ، لكنني الآن وصلت لمرحلة أقترب فيها من الجنون ، أنا الآن أصبحت لا أتحدث مع أحد ، ولا آكل ، ولا أفعل أي شيء سوى الصمت ، ذلك الصمت القاتل.
أصبحت أشعر بأنني مجرد جسد يتحرك من تلقاء نفسه بلا روح تبث فيه تلك المشاعر التي كانت من قبل فيه ، لطالما عرفني الجميع فتاة مرحة ومتفائلة ، لديها أحلامها الكبيرة.
المشكلة أن والداي كلما لاحظا أنني حزينة ذات يوم صاحا بأنني متمردة ، وأنني سأكون عاقة كأختي وأنني أقلدها ، ويقولان لي بأنني يجب أن أتقرب منها لأصلحها لا لأقلدها ، لا يعلمان أن كل ما أعانيه بسبب هذا التقرب الذي يريدون .
إنهما لا يريدان أن يرياني حزينة لأنهما حسبما يريان لا مشاكل في حياتي تجعلني حزينة ، لا شيء على الإطلاق في نظرهما يجعلني أحزن أبداً.
أنا أحارب الاكتئاب ليس لأنني لا أريد ذلك ، بل لأن والداي يوبخانني دوماً عندما يرياني حزينة ويقولان : ما الذي يجعلك هكذا ؟ ، هل تتمردين علينا ولا تعجبك الحياة ؟ متى نرتاح منك ومن هذا القرف الذي نعيش فيه ؟ بينما عندما تحزن أختي العاقة ( حسب قول والداي ) يجلس والداي بحزن يفكران كيف يخرجانها من حزنها العميق ، بل ويطلبان مني التقرب منها وإخراجها من الحزن.
أصبحت لا أعرف من أين جاء الخطأ ؟ ، وماذا أفعل لأبقى على قيد الحياة ؟ فقد بدأت أشعر أنني سأموت ..
أعرف أن كلامي مبعثر و ربما غير مرتب ، لكنني حقاً أتألم وبشدة ، أبكي كل ليلة أنهاراً من الدموع دون أن يشعر أحد ، أخفي ألمي وحزني طوال الوقت أمام والداي حتى لا يغضبا مني ، لكنني ما عدت أحتمل ، أتساءل حقاً متى سينتهي كل ذلك ؟
أنا لم أكتب هنا لأنني أطلب مشورتكم بقدر ما أنا بحاجة لأن أتحدث مع أحد وإلا جُننت ، لقد أخذت أضرب رأسي في الجدار عدة مرات ذات مرة عندما لم أجد من أتحدث معه في وقت غضبي ، فأفرغت غضبي على نفسي ، لذا كتبت هنا لعلي أجد بكتابتي له بعض الهدوء ولو لوقت قصير ، رغم أن ما كتبته لا يعادل شيئاً مما أعانيه في الواقع.
أعتذر على الإطالة ، وكل الشكر لمن أكمل قراءة كلماتي للنهاية .
أتمنى ممن يقرأ أن يخبرني رأيه وبوضوح ، ماذا أفعل ؟.
تاريخ النشر : 2019-11-30