تجارب ومواقف غريبة

تعال … إحكي لنا !

بقلم : زمن الطيبين – سلطنة عمان

دخلت السوق القديم حيث الصناعات الحرفية مرت عليها السنين

دخلت السوق القديم ، حيث الصناعات الحرفية مرت عليها السنين كما مرت على صانعيها .

تستغيث من يشتريني ؟ ، كما يستغيثون هم قائلين أين هو الزبون ؟ في هذا الزمان المجنون !

ألا يريد إبداعنا الباقي بدل الركض خلف الجديد الواهي

أشفقت لحال السوق وباعته ، وتعمدت ان أنسى الحداثة وتفاهتها الأخلاقية

لألتمس الأخلاق وعبق الزمن الجميل في وجوه الباعة وأخلاقهم وأحاديثهم وصناعاتهم الجميلة المتقنة

مشيت قليلا وناداني النساج قائلا : تعال يا بني

زمن الطيبين : نعم يا عمي ماذا تريد ؟

النساج : أريدك يا بني تتحدث معي قليلا فقد مللت من قلة الزائرين وكأنه ليس سوقا بل مقبرة !

زمن الطيبين : لا تخاف يا عمي فالفريد المتقن لا يسعى إليه إلا الفريدين مثله والذين يقدرون قيمة الشيء ، أما هؤلاء التافهون فدعهم يلهثون وراء الماركات المزيفة والأسواق الحديثة الإستهلاكية التي تشبه الحوت الجائع الذي يلتهم الأطنان في كل وجبة ، ثم يرجعون إليه ليلتهم أموالهم مرارا وتكرارا.

النساج : صدقت يا بني ، ولكن أريد أن تحكي لي شيئا يسليني في خلوتي

زمن الطيبين : ههههه ، المفروض أن تحكي لي أنت يا عمي ، ولكن لا بأس فقط سوف أحكي لك موقفا أرعبني قليلا من فترة قريبة .

بإختصار يا عمي كنا في القرية وقد لعب الاطفال في وقت العصر على الأرجوحات في مكان أشبه بالحديقة الصغيرة ، ثم ذهبوا للمدينة بعد صلاة المغرب مع آباءهم .

بقي بعد صلاة المغرب بعض كبار والشباب يتجاذبون أطراف الحديث قرب تلك الحديقة وحان موعد صلاة العشاء ، قمنا للصلاة ثم حان موعد وجبة العشاء فصعدوا للمنزل القريب ، أما أنا تأخرت عنهم قليلا في تلك الحديقة ،

ثم صعدت للمنزل لإحضار صحن العشاء لنفسي ونزلت لباحة المسجد لاتناوله هناك ، وفي الطريق القصير شعرت بقشعريرة وبوجود أحد ما قربي فألتفت ولم ارى شيئا ثم ذهبت للمسجد ، وأقسم لك يا عمي وبمجرد جلوسي في باحة المسجد سمعت من ناحية الحديقة حيث الأرجوحات صياح خفيف لأطفال كالذي يكون عندما يفرحون باللعب ثم أتبعهم صوت إمرأة أشد وضوحا تناديهم : ( هيا بنا ، هيا بنا )

إستغربت قليلا فقد رحل الأطفال والنساء من حوالي الساعة والنصف، ولا يوجد أحد غير الشباب والرجال الذين هم بعيدون داخل المنزل يتناولون وجبة العشاء ، ثم بدأت أخمن أشخاصا هم أصلا لم يكونوا موجودين هناك

ثم رفعت رأسي من فوق سور المسجد لأرى وفي نفس اللحظة خرج من المنزل قريب لي وقبل خروجه بثواني وقبل أن أرفع رأسي إنقطعت تلك الأصوات الغريبة ، فبقيت مدهوشا أنظر للحديقة وأطالع قريبي الذي جلس بعيدا لوحده

ثم أتى قريب آخر للمسجد وحكيت له القصة فضحك وقال لي من حوالي الأسبوع شخص آخر غيرك رأى طفلين غريبين جالسين في الحديقة بالليل وهو يعلم أنه لا يوجد أحد حينها بتلك المنطقة في ذلك الوقت ولما رآه الطفلان صاحا به يناديناه : تعال إلينا فتجمد الدم في عروقه وبسرعة أدار سيارته للخلف هاربا منهم ونجا بنفسه

وهذه هي النهاية وأنا متأكد أني كنت قريبا تلك الليلة من جنية وطفليها اللذان يلعبان اما الطفلان الآخران في القصة الثانية فأتوقع يا عم تظنهم كما أظن ( ليسوا بشرا )

النساج : شكرا يا بني ، فعلا إنها مرعبة وسلامات لك ولذلك الشخص

وأريدك أن تقبل هذه القطعة الفنية ( الوشاح ) مني ؟

زمن الطيبين : شكرا يا عمي ولكن دعها لرزقك فأنت أحوج لثمنها من شخص مثلي يقتنيها للزينة

والآن وداعا يا عمي وبالتوفيق لك في عملك وحياتك

النساج : مع السلامة يا بني وفي أمان الله

 

مررت بالخباز وسلمت عليه ودعاني للحديث

فسلمت عليه وجلست معه أحكي له القصة الثانية

زمن الطيبين : يا عمي كان مجموعة من الشباب في رحلة صيد بالليل ، وكانت ليلة حالكة الظلام وفجأة وبدون مقدمات خرجت لهم من البحر إمرأة سوداء عظيمة الجثة لا ترى ملامحها ، وبسرعة أداروا محرك القارب للنفاذ منها وبدأت هي بدورها بملاحقتهم ولكن ولله الحمد تمكنوا من الفرار منها فقد كانت سرعة القارب أسرع منها

وهذه المرأة لها مشاهدات كثيرة باليابسة ولها مسمى معين وبغيض معنا .

الخباز : شكرا يا ولدي وخذ هذا الرغيف مني

زمن الطيبين : شكرا يا عمي ، جئت هنا فقط لأرى وجوهكم السمحة الكادحة وصناعاتكم الجميلة

وتوادعنا مرة أخرى

ذهبت بضع خطوات وناداني الصائغ : هلم إليَ يا بني

فدخلت محله وسلمت عليه وسألنا بعضنا عن الأحوال ثم طلب مني قصة أسليه بها

( هههههه فقد أصبحت أنا كبير السن والجد والحكواتي وليسوا هم ! )

 

زمن الطيبين : إسمع يا عمي الصائغ

في إحدى المرات رجع صياد ليلا لبيته القروي بشباكه الكبير ليضعه في البيت ، وهو كان يعلم أن بيته كان خاليا ، وما إن فتح الباب حتى رأى إمرأة تهرول كالهاربة في ساحة المنزل ، فأنتفض إنتفاضة شديدة

وألقى شباكه وبسرعة وأدار محرك السيارة هربا وأقسم بعدها أن لا يدخل المنزل لوحده ليلا ، وكان عندما يحضر شباكه للبيت القروي يقوم برميه من الجدار أو السور الخارجي للبيت وهو صاعد على سيارته !! ، وأحيانا يكون معه آخرون ليؤنسوه في مهمته هذه

الصائغ : شكرا يا بني وأنا أيضا أفزعتني والحمد لله على نجاته منها

وطبعا لم يقدم لي الصائغ شيئا لأن ما لديه ثمين ، وكما أنني أيضا لست إمرأة أو بنتاً !!

وتوادعنا على أمل اللقاء القريب

 

مشيت قيلا وصاح بي الحداد : إلي يا بني ، فأنا أود الحديث معك

فتبادلنا السؤال عن الأسماء والأحوال كعادة من سبقه

ثم طلب مني حكاية تسليه أثناء عمله

زمن الطيبين : إسمع يا عمي ، فأغلب حكاياتي من البيئة البحرية لكوني أعيش هناك

تقول الحكاية يا عم ان مجموعة من الشباب ذهبوا ليصطادوا بالشباك الصغيرة من على الساحل

وكان طريقة الصيد تقتضي أن يظل أحدهم يتبعهم بالسيارة طوال مسيرهم على الساحل بحثا عن الأسماك

وكانت ليلة مظلمة ، وقد ترك السائق لوحده وهو يناظر أصحابه بعيدا من السيارة

وفي لحظة عندما كان ينتظرهم بالسيارة أدار وجهه للنافذة الأخرى للسيارة ، وصدم من هول ما رأى !!

حيث رأى شخصا غريبا يطالعه من النافذة واقفا ، وبسرعة ألقى بنفسه من باب السيارة

الواقفة متجها نحو أصحابه وهو يصيح ويصرخ من الفزع

وأقسم أن لا يرجع للسيارة لوحده

فهدأ أصحابه من روعه ورافقوه للسيارة وغادروا المكان سريعا

 

ولذلك المخلوق الغريب قصص عديدة وعديدة مع أناس آخرين

وله إسم معين وهو نوع من الجن يقوم بإفزاع الناس وبالذات من يقومون بالإصطياد

ليلا في المناطق المقفرة والبعيدة لوحدهم أو يكون احدهم معتزلاً الآخرين في رحلة الصياد تلك

 

ودعت الرجل الحداد

ثم أكملت المسير مغادرا السوق القديم بأكمله

تاركا ذكريات جميلة عن أناسه الطيبين وصناعاته الرائعة

 

ملاحظاتي على المقال :

* القصة الاولى تجربة شخصية مررت بها حديثا ، وأنا لا أخبركم من تجاربي إلا بالحقيقي

* القصص الأخرى حكيت لي من أناس ثقة وحددوا لي أسماء الأشخاص الذين عايشوها

* حقيقة لم أذهب إلى سوق قديم ولكن أختلقت سيناريو تواجدي في سوق لتعيشوا معي جو هذه القصص بطريقة جديدة أو أسلوب مختلف ، ولترأفوا بحال ما وصلت إليه صناعاتنا القديمة من نكران وجحود من الجيل الحالي.

تاريخ النشر : 2015-12-23

guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى