منوعات

قصر بيرديكاريس: قصة حب مجنونة بطعم السياسة

بقلم : مغربي اندلسي – المغرب

ما حكاية القصر الذي تسبب بأزمة دولية

في غابة الرميلات المحاذية لمدينة طنجة يستقر قصر فخم ومهجور يشبه الى حد ما قصور القرون الوسطى تحيط به الاشجار والازهار من كل جانب. اول احساس ينتابك وانت تقترب من القصر هو رهبة المكان وجمال الطبيعة من مياه وخضرة وفي ذات الوقت لا يقطع استمتاعك بجمال القصر والمكان الا الحكايات التي يرويها الناس عن الاشباح التي تظهر ليلا وتختفي خلف الاشجار. وهناك روايات تقول عن وجود اشباح من الماضي تظهر فجاة في ايام الشتاء الباردة .

الزائر لغابة الرميلات اول مايثير انتباهه هو لافتة قريبة من القصرمكتوب عليها : ”إختار بيرديكاريس أن يبني لزوجته هذا القصر بهذا المكان ليساعدها على أن تشفى من مرض السّل”.
اما ان تجاوزت اللافتة ووطات قدماك ارضية القصر الى الداخل فاكيد ستدرك ببصرك انه لازال يحتفظ ببعض معالمه كالمطبخ وغرف النوم وبيت المؤونة رغم ان عمر القصر تجاوز المئة سنة.

لكن ماقصة هذا القصرالمهجور ؟ ومن هو بيرديكاريس؟.

بيرديكاريس الاب .. الديبلوماسي الملياردير

قصر بيرديكاريس: قصة حب مجنونة بطعم السياسة
ايون في شيخوخته .. للاسف لم اعثر على صورة له في صباه وشبابه

هاجر غريغوري بيرديكاريس من اليونان موطنه الاصلي الى الولايات المتحدة الامريكية ، تحديدا الى ولاية كارولاينا الجنوبية ، وهناك توسعت اعماله و كون ثروة طائلة حصل بعدها على الجنسية الامريكية وخاض المجال السياسي ونجح فيه ، ليرجع الى بلده اليونان بصفته قنصلا عاما للولايات المتحدة الامريكية.
هناك ولد له سنة 1840 ابن اسماه ايون . وبعد ست سنوات من ولادة إيون ، عادت عائلته من جديد الى امريكا، وفيها جمعت المزيد من الثروة وسار ايون على نفس خطى والده في عالم المال والاعمال، لكن رياح الضرائب الثقيلة هبت على غريغوري الأب، ففر بماله وثروته إلى اليونان من جديد، وأصبح مهددا بفقدان الجنسية الأمريكية بسبب تهربه من الضرائب.

ايون بيرديكاريس العاشق الولهان

تزوج ايون الابن حبيبته التي جمعت بينهما علاقة حب عنيفة فقرر ان يشيد لها قصرا فخما في اجمل مكان يزوره ولم يكن ذلك المكان الا مدينة طنجة ، في غابة لم يكن أحد يجرؤ على دخولها، بناه على هضبة مرتفعة تطل على أوروبا عبر مضيق جبل طارق، وجلب اليه انواع الاشجار المستوردة من مختلف القارات ، وصنع ملاجئ للحيوانات والطيور المختلفة كهدية لزوجته التي أعياها مرض السل.

قصر بيرديكاريس: قصة حب مجنونة بطعم السياسة
صورة لخرائب قصر او فيلا ببرديكاس التي شيدها ايون لزوجته في غابة الرميلات

ظن ايون لوهلة ان قصر الاحلام هذا سيكون اللبنة الاولى في بناء صرح قصة حب جارفة جمعته بزوجته الحسناء ، ذلك الحب الذي لم يكن يخفيه حتى على وسائل الاعلام انذاك ، فغابة الرميلات بطنجة – بنظر ايون – كانت اجمل مكان في العالم يستحق ان يبني فيه قصر زوجته الموعود.

شغل ايون منصب القنصل العام لامريكا بطنجة نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 وعاش مع زوجته في قصره اجمل الايام واسعدها الى ان تحولت حياتهما بين ليلة وضحاها الى كابوس اسود كاد من خلاله ايون ان يفقد عقله . فغير بعيد من مدينة طنجة كانت ترابض قوات الزعيم القبلي احمد الريسوني زعيم قبائل جبالة الشمالية. احمد الريسوني هذا المعروف في المصادر الاجنبية باسم بريسول كان ثائرا وزعيما مناوئا للسلطة المركزية في البلاد وكذلك خصما لدودا للوجود الاسباني في المغرب، كانت قبائل الشمال معظمها خاضعة لحكمه ، في الوقت الذي كان فيه المغرب يمر من مرحلة ضعف كبيرة ظهرت على اثرها ثورات وزعامات جديدة في كل انحاء البلاد.

قصر بيرديكاريس: قصة حب مجنونة بطعم السياسة
صورة الريسوني برفقة السيدة ببرديكارس المختطفة لديه

كانت ثورة الريسوني في حاجة إلى الدعم والمال، وكان قصر بيرديكاريس في بطن غابة موحشة صيدا مثاليا. وفرصة ذهبية لن تكرر ثانية.
وفي أحد أيام شهر ماي من سنة 1904، أغار الريسوني ومقاتلوه على غابة الرميلات، وفي لمح البصر اختطفوا زوجة بيرديكاريس (في بعض الروايات اختطفوا حتى ابنه كرومويل) ، ثم اختفوا تاركين ورائهم السيد ايون بيرديكاريس مصدوما يكاد عقله يخرج من راسه .
كان ”الريسوني” يعلم جيدا ثراء وغنى ”ببرديكاريس” عندما أقدم على خطف الزوجة والابن ، فطالب بفدية قيمتها آنداك 70 الف قطعة ذهبية ، كان في حاجة ماسة إليها.

في الحقيقة هذه ليست اول عملية اختطاف يقوم بها الزعيم الثائر الريسوني فسبق له ان قام باختطاف رهائن ، ولا يتم تحريرهم إلا مقابل مبالغ مالية خيالية ، منها عملية اختطافه الشهيرة لصحفي بريطاني يدعى وليام هاريس مراسل جريدة “تايمز” في طنجة وغيره كثير.

بالرجوع الى قصة اختطاف اسرة الملياردير الامريكي فالسيد بيرديكاريس طرق كل الابواب التي من شأنها تحرير حبيبته من قبضة الريسوني واتباعه .
فتقدم بطلب الحماية من ملك المغرب انذاك السلطان عبد العزيز ، وطلب الدعم ايضا من الولايات المتحدة الامريكية فأرسل الرئيس الامريكي تيودور رزفلت فرقاطة بحرية تحمل اسم نيوارك سي1 الى الساحل الشمالي للمغرب لترهب الريسوني وتجعله يتراجع عن خطفه للرهينتين ، لكن هذا الأخير أرسل إلى روزفلت جوابا فيه الكثير من التحدي، وطلب منه أن يصعد بفرطاقته إلى الجبال.

قصر بيرديكاريس: قصة حب مجنونة بطعم السياسة
روزفلت ارسل فرقاطة حربية قبالة سواحل المغرب

كادت ازمة اختطاف زوجة بيرديكاريس ان تفجر العلاقات بين المغرب وامريكا خاصة بعد ان حلت البوارج الحربية الامريكية على السواحل المغربية قبالة طنجة. لكن الضغوط الدولية لم تثن الريسوني على التراجع فكان له ما أراد وتمكن من أخد الفدية واجيبت شروطه الاخرى واطلق بالمقابل سراح الرهينتين.

الى هنا تنتهي قصة الاختطاف ، لكن الغريب هنا ان زوجة بيرديكاريس استحلت الاختطاف ولم تتذمر من قيام بريسول باختطافها ، بل لم تمانع ان تطول اكثر ايام الاختطاف تلك إلى حد أنها قالت إن هذا الرجل ليس زعيم عصابة ولا قاطع طريق، بلى هو مقاتل من أجل وطنه وكرامته، وأنه يدافع عن قومه ضد الجبروت والطغيان.
انها قصة اعجاب من نوع اخر .. اعجاب من المخطوفة اتجاه خاطفها. ربما اعجبت باخلاقه لانه كان فقط ملتزما بمبادئ الرجال النبلاء تجاه مخطوفيهم، وربما لشئ اخر نحن لا نعلمه .

مقطع الفيديو الترويجي لفيلم العاصة والاسد

قصة اختطاف زوجة بيرديكاريس وقصة الحب الاسطوري الذي جمعها بزوجها وكذلك تفاصيل يوم الاختطاف وما اعقبه من تعاطف كبير للزوجة مع خاطفها الريسوني كل ذلك تم تصويره من خلال فيلم تم انتاجه سنة 1975 تحت عنوان “”العاصفة والاسد”” Wind And The Lion)) بطولة الممثل الشهير شون كونري ,كانديس بورغن ,براين كيت. تم تصوير احداثه في اسبانيا.

ختاما

لازال لحد الان قصر بيرديكاريس يقف شامخا وسط غابة الرميلات بمدينة طنجة يجلب اليه الزوار من كل انحاء العالم لمعاينة قصر يؤرخ لقصة حب جارفة جمعت بين زوجين. احدى فصول هذا العشق ابتدا باختطاف كاد ان يشعل حربا بين دولتين من اجل امرأة.

مصادر :

1904: “Perdicaris alive or Raisuli dead!”
Un otage américain au Maroc : Perdicaris (1904)
– إيون بيرديكاريس .. عشق طنجة وعاش بها كابوسا مرعبا
قصر بيرديكاريس.. تسكنه أرواح الغابة وأشباح الماضي وأسرار التاريخ
Ion Perdicaris – Wikipedia

تاريخ النشر : 2018-11-23

guest
54 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى