أدب الرعب والعام

بين عالمين

بقلم : ايناس عادل مهنا – من دمشق مقيمة في اسطنبول
للتواصل : [email protected]

برقت عينا نرجس بلونٍ أحمر شديد وتغير صوتها بطريقة مخيفة
برقت عينا نرجس بلونٍ أحمر شديد وتغير صوتها بطريقة مخيفة

الساعة الثالثة فجراً

الريح تعوي خارجاً كذئبٍ جريح فتتراقص الستائر على أنغام الموت في هذا الظلام البارد الموحش
فتحت عيناها ونزلت من السرير أخذت محقنًا من درج الخزانة وخرجت من المنزل تمشي بخطى بطيئة بين الأشجار وقفزت من على السور لتصل إلى المنزل في الشارع المجاور.
كانت سمر مديرة الميتم الذي عاشت فيه سنواتٍ من طفولتها ترقد في سريرها وتغط في نومٍ عميق.
وقفت أمامها تتأمل هذا الوجه الشيطاني القبيح ذو الأنف الأعوج والجسد الذي أذاقها شتى أنواع العذاب والحرمان تلمست بطنها المحروق وتذكرت كيف قامت هذه المتوحشة برميها بإبريق الشاي المغلي لمجرد أنها تأخرت في الاستيقاظ ،سقطت دمعة منها ورفعت المحقن وهوت بكل قوتها تضغطه على ساعدها المترهل ، تأوهت سمر وفتحت عيناها من هول الصدمة قبل أن تشهق وتنام من جديد..

خدرتها وسحبتها إلى المطبخ وربطت أطرافها على الطاولة الخشبية بإحكام ثم أعدت قدحاً من الشاي وجلست تشربه بتلذذ حتى استيقظت سمر
فتحت عيناها ونظرت حولها مذعورة وحاولت التحرك ولكنها كانت مقيدة وكان الظلام شديداً إلا من ضوء القمر الذي كان يتسلل خلسةً من النافذة المفتوحة ليسقط نوره على تلك الفتاة الجالسة بهدوء
لحظاتُ صمتٍ مخيفةٍ مرت وكأنها الدهر كله وألمٌ لا يطاق يصاحبه لزوجة الدماء التي تسيل من ساعديها وتسقط أرضاً مصدرةً ذلك الصوت الرتيب توووء….توووء…..توووء
حتى تبنيت نرجس تقترب منها :
-تبدين كالملائكة وأنت نائمة آنسة سمر
-ن نرجس أنت نرجس ؟
يا ابنتي ماذا تفعلين !هيا فكي وثاقي ولا تعبثي معي بهذه الطريقة .
فأجابتها بسخرية: ومن قال أني امزح!

بدأت ترتجف بشدةٍ كورقة خريفية على وشك السقوط وهي تعرف أن نرجس لا تمزح ، أدركت أن وقت الحساب قد حان ولا مفر، تيقنت أن عذاب تسع سنواتٍ لتلك الفتاة سيظهر هذه الليلة .اقتربت نرجس وتأملتها قليلاً: صدقيني لن يطول الأمر لن تتعذبي كثيرًا أعدك.
وأردفت بخبث وبصوت شيطاني : لن تتعذبي كما عذبتني من قبل ”
وأمسكت إبريق الشاي الساخن الذي كان يغلي على الموقد ، توسعت عينا سمر رعباً وخوفاً وعندها برقت عينا نرجس بلونٍ أحمر شديد وتغير صوتها بطريقة مخيفة وابتسمت لها تلك الابتسامة الصفراء .

******

يقولون أن آثار حرق الشاي المغلي مع السكر أشد وأقوى أليس كذلك أم أنا مخطئة
كانت الشمس حارقة كعادتها في هذا الوقت من العام وأصوات الباعة تختلط بأصوات الأطفال الذين يتقافزون ويلعبون بكل حرية في هذا الشارع الجانبي المنفي من أحد أحياء الجيزة صرخ مأمون بأصدقائه: هذه المرة فريقي الرابح وسترون ” وقذف بالكرة بكل قوته حتى طارت من بين الأشجار وتموضعت بحديقة المنزل المجاور . تعالت ضحكات الأطفال عليه وبدأت الشتائم الصبيانية البذيئة تصدع حول رأسه …
صرخ أحدهم به : ياغبي هاقد حطت الكرةُ بعيدًا هيا اذهب وهاتها.
انصاع لأوامرهم وتسلق السور الحديدي للحديقة وهبط باحثاً عن الكرة حتى وجدها فركض باتجاهها،حملها بيديه الصغيرتين وهم بالمغادرة لولا أن استوقفته النافذة المفتوحة و ذلك الشيء الغريب المتدلي من داخل المنزل تقدم إلى الأمام ودقق النظر جيداً حتى اتسعت عيناه رعبًا وجمد في مكانه فاتحاً فمه ببلاهة ..

********

عاد الأطفال يتصارعون من جديد خارجاً حتى قفز بعضهم ليروا ما حل بصديقهم الذي كان جافلاً أمام النافذة ، شتموه لأنه تأخر ونظروا إلى ما كان ينظر إليه ولكن هذه المرة كان الصراخ مختلطاً بالخوف والفزع والبكاء.
لم تمض ساعة إلا وكان رجال المباحث والأمن الجنائي منتشرون في الحي ويطوقون المنزل والأهالي مجتمعون ليشهدوا هذه الجريمة البشعة الفريدة من نوعها في حيهم.

حسناً ..
لك أن تتخيل التالي
امرأةٌ معلقةٌ من يديها بحبالٍ مثبتةٍ على الحائط، العينان جاحظتان بطريقة مخيفة وغريبة وكأنها تعاركت مع شيطانٍ قبل موتها والاذن اليمنى بدورها عُِلق عليها مفتاحٌ نحاسيٌ مزخرف بشكلٍ ملفت ..والفم مفتوح يتدلى وكأنه قد خلع من مكانه، الشيء الأكثر غموضًا ورعباً بهذه القضية هو مفتاح الحياة الرمز الشهير الذي يرمز للحياة الأبدية عند الفراعنة محفورٌ بطريقة الحرق على جبهة الضحية بشكلٍ متقنٍ وواضح وكأنه ختم لأضحية قبل ذبحها !!.البطن مبقورٌ متهتك الأطراف بطريقة مروعة وكأن حيواناً مفترساً كان يتناول إفطاره الشهي هنا!
اختفت الأمعاء ليتموضع مكانها صندوق خشبي صغير
وأسفل الجثة وعاء كبير يبدو أنه كان مليئاً بالدماء ولكنه فارغ !وغير ذلك لا يوجد في المنزل ما يدل على مقاومة أو عراك فكل شيءٍ يبدو مرتباً وبمكانه إلا إبريق شاي وكأس فارغ يبدو أن الضحية كانت تشرب الشاي قبل مقتلها!

كل شيءٍ كان يدل وحشيةٍ غير مسبوقة ولا يمكن أن تكون من عمل إنسانٍ طبيعي وخاصة عندما فتح المحقق ذلك الصندوق الخشبي ليجد قطعة من ورق البردى ملفوفة ومختومة بشمعْ أحمر وعندما فضها قرأ عليها التالي:
لا أحدَ يستطيعُ أن يُطيلَ
حياتَه على الأرضِ
ولا أحدَ إلاّّ عليه الذّهابُ
إلى العالمِ الآخرِ .
زمنُ وجودِنا الأرضيِّ
ليسَ بأطولِ من حُلُمٍ .
فاجعلْ بيتَكَ في مدينةِ الأمواتِ رائعًا واهرع إليه “

ويوماً بعد يوم والتحقيق جار في القضية الفريدة ، كانت الأقاويل تزداد واللغز يزداد غموضاً حول مقتل السيدة سمر وبعض النسوة العجائز في الحي نسبن ذلك لعمل الجن وأخريات لاستحضار الأرواح حتى أن بعض الجارات أكدن صدور أصوات غريبة تخرج من منزلها ليلاً وقد أخطأت باستحضار روح ما فمسختها وهكذا
دار المحقق ورجال الأمن الجنائي بحلقة فارغة ولم يستطيعوا حل هذه القضية فبساطة أهل الحي ودماثتهم بالإضافة لطريقة القتل المروعة كلها كانت عقبات حالت دون معرفة الجاني وسجلت القضية ضد مجهول

*******

ملاحظة : مقطع صغير من روايتي(( بين عالمين )) المنشورة على موقع الواتباد .
انتظر تعليقاتكم وآرائكم.

تاريخ النشر : 2019-06-06

guest
11 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى