بقلم : معاذ أبو عوف – مصري أقيم في فرنسا
|
أشعر بالدمع الغزير يهرول من عيني ولا يسعني إلا أن أقول الحمد لله |
السلام عليكم ؛ أسمي معاذ أبو عوف ، أبلغ من العمر 24 عام ، طموح جداً و لا أسعى وراء الأهداف العادية بل القمم الشاهقة ، وُلدت في القاهرة و أنا الآن أقيم بفرنسا ، و خلال حياتي واجهت عدة مشاكل كانت كفيلة أن تهدم أي شخص و تعرقله عن مسيرته و سلسلة نجاحاته.
عائلتي أمية لا تهتم بشأن العلم كثيراً ؛ و كان أصدقائي يذهبون إلى أكثر من درس و يتلقون الاهتمام الكافي من قبل أهاليهم ، و أهلي كانوا يرفضون أن أذهب معهم بحجة أنه ليس لدينا من المال إلا ما نستطيع أن نوفر به قوت يومنا ، و أحيانا ما كنت أستطيع أن أشتري الكتب المدرسية فأقوم باقتنائها من أصحابي لمدة أيام أذاكر فيها ثم أردهم إليهم مرة ثانية ، و كانوا يشترطون علي أن لا ألوثها بمداد الأقلام وأن لا يزيد الاقتناء عن يومين ،
و إذا تعرض الكتاب للخدش أو البلل أو غيره بدون قصد مني فيستلزم علي دفع حقه كاملاً ، فكنت أحافظ عليهم محافظة شديدة وأمسكهم بقطعة قماش نظيفة في المنزل حتى لا يتعرقوا في يدي فيتكبد بذلك أهلي خسائر مادية بسببي و ينهروني ، و ربما منعوني من إكمال دراستي بحجة المصاريف والمال ، و من جانب آخر حتى لا أخسر صديقي الذي يعطف علي و يعطيني كتبه تفضلاً منه و بذلاً و كرماً و نبلاً.
لقد عانيت كثيراً يا إخوتي و لم يكن لدي حقيبة إذ لم يكن لدي كتب أصلاً ، و لم أكن أشتري أقلام و لا كراريس ، كانت مذاكرتي تعتمد بشكل تام على الحفظ و الذاكرة الحديدية لا غير ، فأنتهز مدة اقتناء الكتب حتى ألتهم ما فيها كمن لديه أطباقاً كثيرة على المائدة ، و بقي على الفجر القليل ليبدأ الصيام في اليوم الجديد فتراه يلتهم من كل طبق ويسرع في ملئ معدته قبل أن يؤذن المؤذن.
عانيت كثيراً في حياتي و دراستي ، و لكن كانت بارقة الأمل مع انتهاء الصف الثاني الثانوي ، فلقد حصلت على المركز الأول على المحافظة بنسبة تجاوزت 99.5٪ ، فكانت الأساتذة تسأل الطلبة الذين هم زملائي من معاذ هذا لا يحضر معكم في الدروس ولا نراه في المدرسة ؟ فأخبروهم القصة فلما علم أحد الأساتذة بذلك علم أنني رغم الظروف والعراقيل ثابرت حتى احتضنت أحلامي و صارت حقيقة ،
فوقف بجانبي و وفر لي في الصف الثالث الثانوي كافة المصاريف اللازمة التي أحتاجها والكتب و كل شيء ، حتى أنني لأول مرة في حياتي تخطو قدمي بي إلى درس به تجمع من الشباب والفتيات ، كنت في قمة الخجل والحياء وعانيت لفترة من الرهاب الاجتماعي و كانت الفتيات ينظرن لي بتركيز فلم أكن أستطيع التركيز وعانيت من ذلك لفترة الخجل الشديد كأنما فقئ في وجهي حب الرمان ، لأنني كنت منعزلاً تماماً عن كل هذا كما أخبرتكم.
حتى لا أطيل عليكم ، مر العام و أنتهى و حصلت على مجموع كلية الطب و اندهش أهلي وأقاربي ، و لقد كانوا يرسلون أولادهم لأكثر من ثمانية دروس بالإضافة إلى الدروس الخصوصية لكنهم في النهاية حصلوا على مجموع كلية التجارة ولم يكونوا يودوننا و يحسنون إلينا أو يقفون بجانبنا و يساعدوننا ، و لكن لما حصلت على مجموع كلية الطب صارت الأنظار موجهة إلي و أرادت والدة أحد أقاربنا تزويجي من ابنتها التي حصلت على مجموع كلية تجارة و قالوا أنهم سيتكفلون بالمنزل و كافة التكاليف ، وعملت لي عمل و لكن الله نجاني منه ، و لكنني لم أدخل كلية طب لأنني كنت أحب كلية العلوم ، فسرت وراء هدفي و لم أبالي بغير ذلك ، و تخصصت في قسم الفيزياء ،
و كنت أحصل في كل عام على تقدير ممتاز حتى تخرجت بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف أول دفعتي ، و كنت أعمل في عمل حتى أوفر مصاريفي ، كان يقتص من وقتي يومياً ثماني ساعات لأن أهلي مع ذلك لم يكلفوا أنفسهم قرشاً على تعليمي ، وحصلت بعد الانتهاء من الجامعة على منحة في فرنسا ، و لكن قبل السفر بعام عكفت على تعلم أكثر من لغة وإجادتها ، فتعلمت الفرنسية والإنجليزية والإسبانية أجيدهم إجادة تامة، و تعلمت القليل في الكورية و غيرها ، لكن ليس بالكثير.
ثم توكلت على الله وسافرت و تكفلت الدولة هناك بكل شيء من حيث السكن والنفقة وتكاليف الجامعة ، جامعة بيبر ، و قال لي بعض الأساتذة هنا أنني إن أنهيت دراستي البحثية هنا على مدار عامين فقط بنسبة عالية سيكون لي الحق الذهاب إلى أكسفورد أو كامبريدج و قد أعمل بإحداهما أستاذاً جامعياً إن شاء الله ، والآن أنا أعمل على بحث طويل وممل أرهقني في العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية ،
فارتأى لي أن أكتب لكم هذا المقال حتى أتذكر الأيام الخوالي وأقول الحمد لله ، سبحان مبدل الأحوال ، الدنيا ليست على وتيرة واحدة ، كنت قديماً أمسك الكتاب بقماشة حتى لا يتعرق وكنت في معاناة و لم أتمتع بطفولتي ، والآن أعمل هنا في فرنسا بجانب الجامعة و أقبض ما يعادل 12 ألف جنيه مصري شهرياً و اشتريت كتباً كثيرة بحيث ضاقت شقتي هنا علي ، أشعر بالدمع الغزير يهرول من عيني ولا يسعني إلا أن أقول الحمد لله لقد أعطاني وأجزل لي في العطية و ما كنت أستحق كل هذا الكرم الإلهي.
وأنا أرسل لأهلي مبلغا شهرياً ولا أنساهم وأتصل بوالدتي و والدتي بشكل دائم للاطمئنان عليهم ، حتى أنهم يريدون تزويجي فقد بلغت 24 عاماً ، لكن قلت لهم الاختيار سيكون اختياري ولم ألتقي بها بعد فليس لي علاقات نسائية ، لكنها حتماً في مكان ما وستأتي.
وأنصحكم يا إخوتي ثابروا على أهدافكم و ثقوا بكرم الله و فضله و عطائه ، و أنا خادم لكل أخ لي في هذا الموقع ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
أعتذر على الإطالة ، ألقاكم على خير.
تاريخ النشر : 2021-01-09