أدب الرعب والعام

الأسطورة !!

بقلم : انابيل – فلسطين
صبيّة قويّة هزمت فرسان البلاط الملكي
في مملكةٍ بعيدة و قديمة , و في قصرٍ جميل … عاش ملكٌ بسعادة مع عائلته : (رافع) الإبن البكر , و وريث عرش والده .. و كان فارساً وسيماً شجاعاً , هامت به فتيات المملكة عشقاً …

و الأختان ليلى و ليَان ..
ليان : فتاةٌ شقراء , متورّدة البشرة , لطيفة و رقيقة ..
و ليلى : الصبيّة القويّة الشجاعة التي هزمت فرسان البلاط الملكي ! و تميّزت بشعرها الأحمر الطويل , و عيناها الخضراوان …

اما الملكة : فكانت شديدة الفخر بأولادها الثلاثة .

***

و ذات يوم ..اصيب الملك بمرضٍ ما , و اكد طبيبه : بأنه عارضٌ سيزول بعد ايام ..
لكن الملكة لم ترتح لكلامه , و استعانت بإحدى السحرة المتميزين ..

و بعد ان حضرت الساحرة , قالت للملكة :
-قبل ان ارى الملك , اتريديني ان انبّئكِ بمستقبل اولادك ؟

فوافقت الملكة و اخذتها الى الشرفة .. حيث كان الأمراء الثلاثة متواجدون في الحديقة .. فصارت المشعوذة تنظر اليهم بتمعّن (من فوق).. ثم تخبر الوالدة بمستقبلهم ..
فقالت الساحرة : الأمير الشاب رافع .. قويٌّ و نبيل , و سيرثّ عرش والده بحزم.. و سيتزوج من اميرة من المملكة المجاورة .

ثم نظرت الساحرة الى ليلى و قالت : ابنتك هذه …اميرةً قوية , و ستصبح يوماً رمزاً للقوّة , بل اسطورة في الشجاعة !! و سيخلّد اسمها بالتاريخ ..
فسعدت الأم بهذا الخبر السعيد , و سألتها عن الصغيرة ليان ..

فنظرت الساحرة الى الأميرة , بوجهٍ مُتجهّم و حزين , و قالت :
-ابنتك ليان جميلة , و ستتزوج رجلاً نبيلاً و تعيش معه بهناء ..
قالتها بسرعة و كأنها لا تعني ما قالته !

فرغبت الأم ان تستفسر اكثر , لكن الساحرة ارادت تغير الموضوع , فسألتها :
-الن ارى الملك الآن ؟

***

في الداخل .. كان الملك ينام محّموماً , و كان طبيبه مايزال يحاول انزال حرارته .. و ما ان رأت الساحرة الملك بهذه الحالة , حتى خرجت مسرعة من الغرفة .. فلحقتها الملكة !

الزوجة بقلق : لقد اخبرنا الطبيب : بأنها حمّى بسيطة و ستزول.. اليس كذلك ؟!
لكن الساحرة اقتربت منها و همست في اذنها :
-جسد الملك مُنهكاً تماماً .. لذا من الأفضل ان تهيّؤوا الأمير لإستلام الحكم قريباً ..
فأومأت الملكة برأسها موافقة بحزن ..

و من بعدها ..رافقت الخادمة الساحرة للخارج , بعد ان اُعطيت مبلغاً مُجّزياً ..
لكن الساحرة غافلت الخادمة و ذهبت الى حديقة القصر , حيث يجلس الأمراء الثلاثة ..
و استرقت النظر الى ليان ..ثم تمّتمت بكلماتٍ غير مفهومة .. قبل ان تخرج من القصر !

***

و بعد الأيام , مات الملك بالفعل ! و حزن الجميع عليه , و اقيمت ايام العزاء للملك الراحل ..

و بعد انتهاء مراسم استلام الأمير للملك .. بدأ رعايا القصر يلاحظون تصرفاتٍ غريبة من الأميرة الصغيرة ليان .. حيث بدا عليها التوتّر و القلق .. كما صراخها من كوابيس الليل المتكرّرة ! .. و تجنّبها النظر الى المرآة .. و خوفها من البقاء لوحدها في غرفتها ! ..

و رغم ان الملكة احضرت لها افضل الأطبّة , الى انهم لم يعرفوا سبب توتّرها الدائم !

***

و في احد الأيام ..دخلت الخادمة الصغيرة لتنظيف غرفة ليان ..فوجدت فستان الأميرة الجديد , فلبسته رغم طوله ..وصارت تتخيّل نفسها اميرة , ببراءة الأطفال ..

لكنها عندما سمعت احدهم قادماً نحو الغرفة .. ارتبكت و اختبأت (بذاك الفستان) بسرعة لداخل الخزانة .. ثم استرقت النظر , لترى الاميرة و هي تنظر نحو مرآتها برعبٍ شديد !.. فنظرت الخادمة (من بعيد) الى ما كانت تنظر اليه الأميرة , لتتفاجأ بوجود وجهٍ احمرٍ كبير , بعينين صفراوين دائريتين كالصحن , و انيابٍ و قرونٍ طويلة تشبه قرون الشيطان !..و بصعوبة بالغة استطاعت الخادمة الصغيرة كتم صرختها المرتعبة !

ثم ظهر صوتٌ مخيف من داخل المرآة , قائلاً :
-ايتها الأميرة !! لما رفضتي الذهاب مع مساعدي ؟! فلقد قضي الأمر ..انت زوجتي الآن !! و لن تستطيعي تغيير ذلك .
فبكت الأميرة و أصرّت على رفض طلبه .. بينما الخادمة الصغيرة ترتجف بصمت خلف ابواب الخزانة !

فيكمل الوحش تهديده :
-انا الشيطان العظيم كونار بايرك !! زعيم الأراضي الجنوبية من البلاد المنسيّة …انا اقوى ملوك الشياطين !! فلما تصرّين على رفضي ؟!
الأميرة بفزع و حزن : لأنك شيطانٌ شرير و مخيف

و تعود و تبكي بحسرة .. فيقول لها بلؤم :
-انت لن تستطيعي رفضي على ايّة حال !!

و صرخ صرخةً جبّارة , ثم اختفى !.. ليغمى على الأميرة .. بينما بقيت الخادمة بمكانها , تبكي برعب !

***

في اليوم التالي .. اسرعت ليان نحو مكتبة القصر ..و حاولت العثور على كتابٍ قرأته سابقاً , و يحوي معلومات قد تخلّصها ممّا هي فيه … و عندما دخلت اختها ليلى الى هناك , وجدت اختها تنقّب بين الكتب كالمجنونة !..
فسألتها بقلق , ان كانت تريد المساعدة ..

فقالت ليان بنظراتٍ متوتّرة :
-طالما انك تصرّين على مساعدتي .. فأبحثي معي عن كتابٍ احمر , عليه نقشٍ ذهبي بشكل قرون ….و رجاءً !! لا تساليني عن ايّ شيء

ففضّلت ليلى ان تساعد اختها بصمت ..

و تعاونت الأختان على ايجاد ذلك الكتاب ..

و بعد فترة .. كانتا اخرجتا معظم الكتب من الرفوف و وضعوها على الأرض , حتى تكوّمت كالتلال ..و بينما كانت ليلى تنظر للمكتبة , تعثّرت بإحدَ الكتب الموجود على الأرض , لتصطدمّ بالرفوف .. و تقع عليها كتب قسم التاريخ تباعاً ..

فقالت و هي تفرك رأسها بألم ..
-آآآخ !! حقاً تاريخنا مُؤلم !

و ضحكت الأختان .. و عندما اقتربت ليان منها لتساعدها على الوقوف , انتبهت الى الكتاب المطلوب واقعاً بجانب اختها .. فرفعته و صارت تفتح صفحاته بسرعة , و كأنها تبحث عن موضوعٍ معين !..

فسحبت ليلى الكتاب من اختها , و هي تقول بدهشة و قلق :
-اهذا ما كنت تبحثين عنه ؟! .. انه كتاب سحر يا ليان ! الم يحذّرنا معلّم القصر من قراءته .. فهذه التعويذات من الممّكن ان تُؤذيك و ان ..

لكن ليان سحبت الكتاب منها بغضب :
-لما تصرّون على التدخل بشؤوني ؟!! .. اصلاً انا لم اطلب منك المساعدة .. هيا اذهبي و اتركيني اقرأ بهدوء .. قلت اذهبي !!!

فخرجت ليلى و هي مُتفاجئة من عصبية اختها ! .. لكنها وقفت عند الباب و استرقت النظر , لترى اختها و قد وجدت اخيراً الصفحة التي كانت تبحث عنها ..

و صارت تقرأها بصوتٍ مسموع :
-نعم هذا هو !! قلعة يعيش بها الكهنة .. تمام !! انه المكان الأمثل لمساعدتي في ..

ثم عادت لتقرأ بصمت .. فذهبت ليلى الى غرفتها , و هي تشعر بالقلق للحالة السيئة التي وصلت اليها اختها

***

في الصباح اليوم التالي .. استيقظ الجميع على خبر اختفاء الأميرة ليان من القصر .. و اعلنت حالة استنفار بالبلاد للبحث عن الأميرة الضائعة ..

***

و في احد الأيام .. جلست ليلى في غرفة اختها مهمومة , بعد ان فقد الجميع الأمل في العثور على ليان ..
و كانت امها الملكة قد غدرها المرض , فبقيت في الفراش على اثر تلك الصدمة ..

و اثناء عبث ليلى اليائس في اغراض اختها , عثرت على ذلك الكتاب .. فنظرت اليه بتمعّن , ثم القته بكل قوتها على الحائط و هي تقول بغضب :
-بسببك انت , ايها الكتاب اللعين !! فقدتُ اختي .. اكيد التعويذات التي تملأ صفحاتك , هي من جعلت ليان تتصرّف بتلك الغرابة

ثم جلست ليلى تبكي و هي تعانق ملابس اختها ..و بينما كانت تمسح دموعها , القت بنظرة ثانية على الكتاب , لتلاحظ طرفاً ابيض يخرج من بين طيّاته .. و كانت رسالة !

فقرأتها ليلى لتجد فيها :

(عائلتي العزيزة ..لقد عانيت كثيراً و لم اخبر احداً بألمي , لأني لم اكن اريد ان ازيد حزنكم بعد وفاة والدي .. لكني اصبت بالعديد من الغرائب المرعبة ! .. و لهذا قرّرت الذهاب الى المكان الوحيد الذي سيساعدني في حلّ هذه المشكلة .. رجاءً لا تقلقوا عليّ , سأكون هناك بخير .. مع حبي : ليان)

و اثناء سرحان ليلى بمعنى تلك الرسالة , دخلت الخادمة الصغيرة الى الغرفة , لترى الأميرة و هي تتمعّن في الرسالة و كأنها تمثال ! .. فلم تهتم , و ذهبت لترتّب الغرفة ..

و بعد قليل , قالت الخادمة :
-مسكينة الأميرة ليان .. لقد كان بالفعل !! شيطاناً مخيفاً جداً !

فانتبهت عليها ليلى و سألتها :
-عن ماذا تتكلمين ؟! ..ايّ شيطان ؟!

فأخبرتها الصغيرة بالقصة كاملة ..

فأسرعت ليلى لتخبر امها و اخوها الملك بما حدث .. و رغم ان اخوها في البداية لم يصدق كلام الخادمة , الاّ ان الأم اسرعت بطلبها من الوزير : ان يجمع لها كل الدّجالين و السحرة و الشيوخ , و يحضرهم الى البلاط الملكي .. كما ان يتمّ تشكيل فرقة للبحث عن الأميرة في المناطق البعيدة عن المملكة

***

و بعد ايام و اسابيع طويلة , لم يفلح البحث عن شيء !..

و هنا !! قرّرت ليلى الذهاب بنفسها للبحث عن اختها الضائعة .. فوافق اخوها بشرط : ان تذهب برفقة اقوى ثلاثة محاربين في المملكة..

اولهم : كان القائد العسكري الشخصي للملك : و اسمه جون .. رجلٌ قوي و ضخم الجثة , و البارع بأمور الحرب

الثاني : اليكس , كان شاباً جديداً في الفرقة العسكرية الملكية , الاّ انه معروف بذكائه الحادّ و قوّة حيلته

الثالث : ملّاحٌ مشهور بخبرته في السفريّات البحرية .. و هو من كان قبطان السفينة , التي اقلّت هذه الفرقة العسكرية بقيادة الأميرة ليلى الى الوجهة المنشودة

***

و بعد ايام في عرض البحر .. استيقظت ليلى لتجد ان سفينتهم رست عند احد الشواطىء , فسألت القبطان :
-هل وصلنا بهذه السرعة ؟!

-لا , سمو الأميرة .. لكنني في سفرياتي الكثيرة , كنت امرّ على هذه المدينة .. و يقال ان فيها مشعوذاً يهابه الجميع .. فارتأيت ان نسأله عن ذلك الشيطان , فربما يساعدنا

فوافقت الأميرة ..و انطلقوا يجوبون المدينة , التي اذهلتهم بجمال شوارعها و قصورها الفخمة , و انهارها العذبة التي تمرّ من بين المنازل !..

و بعد ان نزل الجيش في احد الفنادق .. ذهبت الأميرة مع القائدين الى مكان المشعوذ (الذي دلّهم عليه صاحب الفندق)
..و عندما وصلوا الى المكان المنشود , المتواجد في طرف المدينة..

فتح لهم الباب : رجلٌ اصلع مخيف المنظر , بلحيته الشائِكة و طقم اسنانه القذر , و قامته المُنحنية …
و عندما دخلوا , قالت ليلى :
-انا اميرة مملكة الشمال .. و اريدك ان تساعدنا في انقاذ اختي من احد الشياطين

فسألها المشعوذ العجوز باهتمام : و من هو ذاك الشيطان ؟
فأخبرته ليلى عن ما رأته الخادمة الصغيرة .. فانتفض الساحر برعب و قال :
-لا !! لا استطيع .. فالشيطان كونار قويٌ جداً !

لكن ليلى ظلّت تترجّاه , الى ان وافق اخيراً بشرط : الا يذكروا اسمه امام ذلك الوحش .

فوافق الجميع … و طلب منهم ان ينتظروا خبراً منه .. فأعطوه اسم الفندق الذي ينزلون فيه , ثم ذهبوا

***

و بعد اسبوعٍ كامل .. جاء الى الفندق صبيٌ صغير , و اخبرهم بأن الساحر يطلبهم …
فتتبّعوا الصبي , حتى وصلوا الى كوخ الساحر ..

فقال له جون :اذهب و نادي معلمك .. هيّا بسرعة يا ولد !!
فقال الصبي بلؤم : اخرس !! و ايّاك ان تحدثني هكذا ثانيةً

ثم فجأة !! انقلب الصبي الى العجوز الساحر , وسط اندهاش الجميع !
و اقترب من ليلى و قال : اتبعيني مع رجالك ..

ثم دخلوا الى غرفة اخرى , فوجدوا سيوفاً مُبهرة بانتظارهم ..
فقال الساحر :
-لقد وضعت عليها لعنةً قوية , تعطيكم القوة لطعن و قتل الشياطين .. هذا ان كانت لديكم الجرأة لمواجهتها !

و بهكذا حصل جيش ليلى على سيوف المعركة .. و بعد ان كافأت ليلى الساحر .. عاد الجميع الى السفينة , ليكملوا رحلتهم نحو المجهول !

***

و بعد ايام في البحر .. رست السفينة عند مدينة , فيها جبلٌ عالٍ .. و عرفوا لاحقاً ان في قمّته : معبدٌ قديم مقدّس , لا يمكن للشياطين دخوله .. و يشرف عليه رهبانٌ كثيرون .. و يسمى ذلك المكان : بمعبد الرهبان السبعة , نسبة الى اسطورة تتحدّث عن : سبعة رهبان قاتلوا شيطاناً قوياً , و غلبوه..

-نعم !! اختك هناك .
هكذا قال ساحر المنطقة , للأميرة ليلى .. و قد ارسلهم مع شخصٍ يدلّهم على طريق المعبد .. فانطلقت مع قائديها و القبطان و الجنود في طريقٍ جبليٍ وعرٍّ , نحو قمّة الجبل

الا انه حلّ الليل , و هم مازالو في منتصف الطريق .. فأخبرهم الدليل المحلّي : بأنه تفاجأ بوجود كوخٍ خشبي قريبٌ منهم , رغم انه لم يكن موجوداً الشهر الفائت !

فطلبت ليلى من جنودها التخييم في الجبل .. بينما ذهبت هي و الدليل و القبطان و قائديها الى ذلك الكوخ , التي كانت تسكنه امراة عجوز لوحدها .. و التي رحّبت بهم , و قامت بتجهيز غرفتين لهم..

و في الليل ..استيقظ الملاّح على صوتٍ يُشبه الحشرجات .. و عندما ذهب الى المطبخ .. رأى العجوز و قد ذبحت دليلهم ! ..فأسرع و ايقظ الجميع .. و توجهوا مع الأميرة الى المطبخ , ليتفاجأوا بها و قد تحوّلت الى شيطانة قبيحة شمطاء , حمراء الوجه مع خطوطٍ سوداء و خضراء , و انيابٍ طويلة , و لها ضفيرتين كثّتين !

فصرخ عليها جون : من تكونين ايتها العجوز الشمطاء ؟!!
فقالت : انا يكوري بادلو !! عفريتة الجبل الأسطورية .. و حارسة الملك كونار !! …و سآكلكم جميعاً !!

فرفعوا سيوفهم في وجهها ..فضحكت بسخرية :
-سيوفكم هذه تنفع مع الشياطين الضعيفة , و ليست معي انا !!

ثم صارت تلوّح بضفيرتيها السميكتين بسرعةٍ مخيفة , اسقطت بها السيوف من ايديهم .. و اصيب جون في وجهه , فأفقدته الوعي ..

و هنا تذكّرت ليلى اختها ليان ..فعادت و حملت سيفها , ثم اخفضت رأسها تفادياً لتلك الضفيرتين ..ثم انطلقت بسرعة لتغرز نصلها في قلب العجوز , التي اطلقت صرخة مدوية ..قبل ان تتبخّر في الهواء !

و بعد ان هدأ المكان .. لمّلموا اغراضهم مع تباشير الصباح , ليذهبوا الى مكان موقع الجنود ..ليكملوا جميعاً طريقهم الى الأعلى ..
بعد ان تأكّدوا : بأن سفح جبل لم يعد حِكراً على رهبان المعبد , بعد ان شاركهم قمّته : الشيطان كونار

***

في اليوم التالي .. وصلت اخيراً ليلى و جنودها الى قمّة الجبل , حيث اندهشوا بما رأوه هناك ! فكل شيءٍ اخضر و رائع الجمال !.. و لا يكاد احد يصدّق بأن شيطاناً يسكن في الجوار …

اما الطريق الآخر : فكان يقبع حصنٌ ضخم , مكتوباً على بوابته بالخط العريض : معبد الرهبان السبعة .

ففرحت ليلى بأنها قريباً سترى اختها في الداخل .. و قبل خطوات من وصولهم للحصن ..تحرّكت الأرض من تحت اقدامهم في حركة اهتزازية عنيفة !..ثم سمعوا دويّ صراخٍ كالرعد , كاد يخرق طبلة اذنهم !

و عندما التفتوا لمصدر الصوت , وجدوا كتلةً حمراء كبيرة , تخرج من تحت الأرض ..فإذا هو الشيطان كونار ! يبرز لهم بشكله المخيف , و ضخامته التي تكاد تفوق الحصن !.. ثم صرخ عليهم بغضب :
-اين هي عروستي ؟!! اعطوني ايّاها , و الاّ نسفت الحصن فوق رؤوسكم !!!

هنا !! اسلم الجميع سيقانهم للريح .. و قبل ان يلّحقهم الشيطان .. فُتحت بوابة المعبد امامهم .. فدخلوها مُسرعين , لتعود و تغلق من خلفهم…

و بعد ان هدأوا .. اوصل احد الرهبان ليلى و القائدين و القبطان الى رئيسهم في المعبد ..

و هناك ..شرحت ليلى له كل الحكاية ..

فحرّك الرئيس رأسه مُتفهّماً و قال :
-طبعاً نرحب بكم معنا .. اما اختك , فهي موجودة في قسم الراهبات .. و انا مازلت ابحث لها عن حلّ لمشكلتها ..لأنه يبدو ان هناك سحراً قوياً عليها , من الصعب فكّه .. حيث قام احد السحرة بتقديمها كزوجة للشيطان , مقابل اعطائه العمر المديد , و الشباب الدائم !

ثم طلب الرئيس من احد الكهنة , إحضار ليان ..

و ما ان رأت اختها ليلى , حتى تعانقا في مشهدٍ اثّر بالجميع ..

ثم جلست ليان تخبر اختها بما مرّ عليها :

-سامحيني يا ليلى .. فأنا لا ادري من الذي القى عليّ تلك اللعنة ! .. لكن الشيطان صار يهدّد بقتلي , ان لم اصبح زوجته ..فلم يعدّ امامي حلّ , سوى التوجّه الى هنا ..فهو المكان الوحيد الذي لا يستطيع الإقتراب منه .. و لحسن حظي ..فقد قابلت على شواطىء مدينتنا : راهباً مسافراً , فأوصلني معه الى هنا .. و عشت بأمان مع الراهبات .. فكنت اغسل و انظف و اساعدهم في صنع الطعام و كل شيء , و كان الجميع يعاملني بلطف .. لكني حقاً اشتقت اليكم .. و كنت اطلب من الله ان يجمعني بكم ذات يوم .

و في ذلك المساء .. عقدت ليلى العزم على قتل الشيطان مهما كلف الأمر .. و قد اخبرت القائد جون : بأنها ستواجهه بمفردها , و بأنها لا تريد ايّ اعتراض

***

في الصباح .. تفاجأت ليلى بجيشها و هم على اهبّة الإستعداد لهذه المعركة , بعد ان اقسموا امامها : بأنهم لن يتركوها مهما حصل …

فأسعدها شجاعتهم و اخلاصهم لها , ثم نادت قائلة :
-اذاً هيا يا رجال !! فلنصنع نصرنا بأنفسنا , و ننتصر جميعنا على هذا الشيطان الشرير !!

و بعد ان ودّعت اختها ليان .. فُتحت بوابة المعبد و انطلقت ليلى مع جنودها نحو المعركة , و هم يتأمّلون ان يكون النصر حليفهم

***

و بعد ان ابتعدوا عن المعبد .. وقفوا هناك ينتظرون ظهور الشيطان .. لكن المكان كان هادىء بشكل يثير الرعب !

و ظلّوا ينتظرون الى ان فقدت ليلى صوابها , و صاحت بأعلى صوتها :
-كونار ايها الجبان !! اظهر نفسك , لأقتلك !!

و فجأة ! ارتجّت الأرض من تحت اقدامهم ..و ظهر كونار بجسده الضخم امام اعينهم بمنظره المهيب , صارخاً :
-من هذا الذي يجرؤ على اهانتي ؟!!!

ثم هجم الجنود عليه بسيوفهم , و صاروا يطعنون جسده .. الاّ انه لم يتأثّر بكل تلك الطعنات ! بل كان يمسك بهم واحداً تلوّ الآخر و يرميهم بعيداً , ليسقطوا بقوّة على الأرض ..

و رغم الكسور و الرضوض المؤلمة التي عانى منها الجيش , الاّ انهم يصرّون على العودة لقتاله .. فهم اقسموا ان يدافعوا عن اميرتهم بأرواحهم ..

ثم اطلق القائد اليكس سهمه الى عين الشيطان , فأصابها ..و استغلّ جون تألّمه , لينطلق اليه ببلطته الضخمة و يقطع يده ..

و في نفس الوقت انطلق الملاّح برمحه , ليسقط الشيطان ارضاً ..

و انطلق الشجعان الثلاثة مع الجنود ينهالون بالطعنات عليه تباعاً.. لكنه فاجأ الجميع بمحاولته الوقوف مجدّداً !

لكن ليلى لم تمهله , و هجمت عليه بسرعة و سيفها يلمع في يدها , لتهوي به بقوّة على رأسه , الذي لا يلبث ان ينشقّ تحت وطأة سيفها ..

و قبل ان يسقط الشيطان صريعاً , باغتها بضربةٍ عنيفة , رمتها بعيداً …

و انتهت المهمّة .. و عاد الجند الى المعبد , جرحى و مُرهقين .. بينما حمل القادة الثلاثة على اكتافهم , الأميرة المصابة ..

و هناك .. انشغل الرهبان في مداوة الجنود ..

و سهرت ليان الحزينة طوال الليل امام اختها ليلى , علّها تفيق من غيبوبتها.. الاّ انها اسلمت الروح مع تباشير الصباح ..

و عادت ليان مع جثمان اختها و الجنود الى بلدتها , دون ان يشعروا بفرحة النصر بسبب هذه الفاجعة .

***

و عندما وصلوا .. عمّ الحزن العائلة و رعايا القصر , و انتشر خبر وفاة الأميرة في ارجاء المملكة ..
ثم شُيّعت للبطلة ليلى جنازةً ضخمة , حضرها الجميع .. و دُفنت بجوار قبر والدها ..

***

الأميرة ليلى .. تلك الفتاة الجميلة الشجاعة التي ضحّت بحياتها من اجل غايةٍ سامية …
ظلّت حيّة الى يومنا هذا , بعد ان تحوّلت على مرّ العصور ذكراها الى اسطورة !

تاريخ النشر : 2016-01-15

انابيل

فلسطين
guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى