اساطير وخرافات

للا ماما ..من التراث اليهودي المغربي

بقلم : مغربي أندلسي – المغرب

قصة عشق تغنى بها الشعراء وصدحت بها حناجر المطربين

نظر إليها طويلا حتى كاد أن يأكلها بعينيه، فأحمر وجهها خجلا ثم أشاحت بوجهها عنه وأدارت ظهرها وكلها أمل أن يكف عن النظر إليها بتلك الطريقة أو يدخل إلى غرفة الضيوف فقد طال مقامه في فناء الرياض منذ أكثر من ساعة وهو يراقبها. بقيت كذلك برهة من الزمن وساد صمت مطبق في فناء الرياض لم يكسر سكونه إلا أصوات المارة في الزقاق القريب من المنزل . وضعُ شجعها على الالتفات لترى ما يحصل. وما هي إلا ثواني حتى وجدته خلفها مباشرة. امسك يدها بحنان وازداد وجهها احمرارا ثم دنا من أذنها وقال لها هامسا : ” ماما أنا احبك ولا استطيع العيش بدونك .. أنت حبيبتي وروح قلبي وكل شيء في حياتي” .. سحبت يدها منه بسرعة وهي لا تدري ما تفعل أو تقول . لكن المحب الولهان لم يأبه ليدها لأنه سرعان ما وضع يده حول خصرها وجرها إليه ثم وضع وجهها بين كفيه وركز نظره في عينيها وأردف قائلا : “أعشقك وأنا مستعد أن افعل أي شيء من اجل حبك يا ماما .صدقيني سأحارب العالم كله من أجلك” .

تسمرت المسكينة في مكانها وعجز لسانها عن الكلام وسحبت وجهها من يديه بصعوبة ثم ركضت بسرعة إلى غرفتها ونبضات قلبها تتسارع حتى كاد قلبها أن يتوقف عن النبض. وما هذه إلا البداية لان قصة حبهما العاصفة تداولها الناس في شتى بلاد المغرب في القرون السابقة .. لهيب حبهما الصادق نسجت حوله الحكايات ونظمت حوله الاشعار والقوافي وغنى كلماته مطربي المغرب في البوادي والمدن فأصبحت قصة حبهما جزءا من التراث الشفهي اليهودي المغربي الذي يحفظه جيل بعد جيل.

قد تتساءل عزيزي القارئ ما دخل “ماما” في الموضوع ؟ .. أيعقل أن يبوح بحبه بتلك الطريقة المفعمة بالأحاسيس لوالدته؟ .. سأجيبك بكل بساطة إنها ليست أمه بل حبيبته اسمها “ماما” ، و كلمة ” ماما ” هي لقب كانت توصف و تدلع به الحسناوات العذراوات في حواضر المغرب الأقصى قديما. والحقيقة أن هذه العادة لازالت موجودة لحد الآن وإن قلت . فابنة جيراننا الحسناء ذات العيون الزرق والشعر الأسود لقبها في حينا هو ” ماما”.

والقصة التي أنا بصدد سردها الآن هي قصة حقيقية حدثت منذ زمن بعيد لشاب أمازيغي مغربي يهودي من احواز مدينة مراكش كان شابا وسيما وجذابا تهيم به النساء من أول نظرة وكان يعمل في التجارة وبالضبط تجارة الأثواب. وشاءت الاقدار انه عندما تزوج لم يكن باستطاعته أفتضاض بكارة زوجته بسبب سحر وضعته له ابنة خالته (خالته اسمها حليمة) التي هامت به عشقا وحاولت بكل الطرق أن تحول دون زواجه بأي امرأة أخرى غيرها ، ورغم إدراكه لحقيقة ابنة خالته وسحرها القوي إلا انه رفض أن يرتبط بها وهكذا توالت زيجاته وفشلت الواحدة بعد الأخرى وعنوان فشله في كل مرة كان هو عجزه عن معاشرة زوجته ، بل انه كان يعجز حتى عن افتضاض بكارتها فأصبح حديث الناس في البلدة ومحط استهزاء من طرف النساء والرجال على حد سواء، فتأزمت نفسيته واختار أن يتوارى عن الناس ويختلي في غرفته معظم النهار وكل الليل، وكانت تزوره ابنة خالته التي كانت تقطن في مدينة أخرى اسمها حاليا قلعة السراغنة.

كانت في كل زيارة له تحاول أن تغريه بالزواج منها وأنها الوحيدة القادرة على علاجه ، وكانت تحاول إقناعه أن زواجه منها سيغلق أفواه الناس التي تتكلم عنه بمناسبة وبغير مناسبة ، إلا أن الشاب الوسيم كان يرفضها في كل مرة ويزداد كرهه لها أكثر عندما تعرض عليه الزواج وتخبره إنها هي السبب في ما هو عليه ، بل ازدادت جرأتها عليه يوما حين أخبرته صراحة انها هي من وضعت له السحر في قطعة من الخبز عجنته بنفسها.

لم يستسلم الشاب لمكائد ابنة خالته ، فبالنسبة له البقاء عازبا طول حياته افضل الف مرة من الزواج بامرأة لا يحبها وفوق هذا يكرهها فهي سبب كل المشاكل في حياته. وهكذا عزم الشاب الحزين ان يطلق الزواج بالثلاث ويتفرغ لعمله وتجارته.

سافر الشاب يوما الى مدينة مراكش لشراء بعض الاقمشة كي يتاجر بها و قصد اشهر واغنى تاجر في المدينة لينتقي من عنده آخر الاثواب واجود انواع القماش ، فاشترى من عنده كمية معتبره ، لكن علاقته بالتاجر الغني لم تقتصر على التجارة فقط إذ سرعان ما أعجب التاجر بأخلاق الشاب وجماله أيضا فطلب منه أخد ما يريد من الأقمشة بالمجان ، وتطورت علاقة الصداقة بينهما الى ان دعاه يوما الى تناول العشاء معه في الرياض ، والرياض في المغرب هو منزل فخم ذو هندسة معمارية مغربية عريقة يتميز بوجود فناء مربع أو مستطيل داخل المنزل بدون سقف فيه نافورة وأشجار.

وفي المساء قصد الرياض وعند دخوله تعثر وسقط على رجله وصرخ “اه ا ماما”.

وكانت هناك فتاة (عذراء) بالفناء اعتقدت أنه نداها و أجابته “نعم” ، و عند مشاهدته لها انبهر بجمالها و عيونها وطلتها الأخاذة … ساعدته على النهوض ومسحت جرحه و رافقته طيلة مرضه ، حيث كان قد أصيب بكسر ، و مكث عند التاجر أكثر من شهرين وهنا حدثت قصة حب عاصفة بينه وبين العذراء الجميلة “لالا ماما”..

أحبها حبا كبيرا جعلته يراجع قراره بعدم الدخول بتجربة حب أو زواج جديدة ، وواقع الحال يقول انه ليس باستطاعته مضاجعة اي امرأة فحتى ان احبها وهام بها عشقا فما فائدة الحب والعذاب ان لم ينتهي بزواج!! فهو الزوج الفاشل الذي اصبحت سيرته على كل لسان. هنا بالضبط يظهر الحب الحقيقي الذي يكنه هذا الشاب المغربي لمحبوبته “ماما” .فحبه لها أقوى من السحر بل هو السحر نفسه !!!.. وارتباطه بها وعشقه لها غيرا الكثير من قناعاته وقراراته فتفرغ العاشق للبحث عن حل لعجزه الجنسي بكل الطرق وبشتى الوسائل ، فقصد الشاب ضريح “مولاي ابراهيم” المعروف بكراماته و قدراته الروحية و العلاجية ، في مدّه يد العون و التيسير في حياته ، ليعقد القران بمحبوبته و يتقي من خلال دعواته شر الحاسدين و الحاقدين ، وهذا الضريح يقصده اليهود من كل حدب و صوب .

قصة العاشقين نظمت في شكل قصيدة شعرية تغنى بها كبار المطربين المغاربة أمثال زهرة الفاسية التي أدتها سنة 1905 وحاييم بوطبول وغيرهما وآخرهم المطرب المغربي “فيصل العزيزي”” الذي أبدع فيها .

تختزن كلمات الأغنية حكاية عشقهما و ما رافقها من تجاذبات و قيود و براءة و حب أفلاطوني جمع بين أثنين ، و أرغمه على البقاء في المدينة مكافحاً من أجل حبه الذي أصطدم بواقع مذهبي و قبائلي و كيدي معقد.

يقول مقطع القصيدة الشهيرة :

 

آ للا ماما، اذا عصينا حنا لله تايبين

الزين الزين ما نفوتو واخا و نموت بالحديد

و تكون السنسلة عليا و يكون رسامها جديد

و يكون رسامها جديد

دڭ الخلالة

خراص كبار و نبالة و ميات ريالة

باش نكافي حسان ماما

هاك آ ماما

 

فيديو الأغنية الشهيرة “هاك اماما” بصوت المطرب فيصل العزيزي :

تاريخ النشر : 2016-01-17

guest
57 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى