اساطير وخرافات
الأخوة والصندوق – قصة من التراث القديم
قام الشيخ بوضع الأشياء بداخل الصناديق ثم كتب أسم كل واحد من أبناءه على كل صندوق |
يُقال أنه في قديم الزمان كان هناك شيخ من مشايخ القبائل رزقه الله بأربعة أبناء جميعهم ذكور ، و حين شعر الشيخ أن أجله قريب أمر خادماً من خدمه أن يأتي بأربع صناديق و لها أقفال ، و من دون أن يراه أحد قام الشيخ بوضع الأشياء بداخل الصناديق ثم كتب أسم كل واحد من أبناءه على كل صندوق ، و بعد أن انتهى جمع أبناءه اليه و ابتدأ حديثه قائلاً :
” يا أبنائي ، كل ما في هذه الدنيا زائل و لا يدوم ، و قد قسمت بينكم بالعدل ، وها هي القسمة أمامكم في الصندوق ، فإذا توفّاني الله فلتفتحوه و ليستقبل كلاً منكم ما قسمته له بالرضى ، فإن حصل بينكم اختلاف فعليكم الرجوع إلى الحاكم الفلاني – و ذكر لهم رجل من قضاة العرف و هو مشهور بحكمته – وأسأل الله لكم الهداية والسداد ، انتهى كلامه .
ولم يمضي سوى بضعة أيام حتى أسلم الشيخ روحه إلى بارئها ، فأجتمع الأخوة الأربعة وقال أكبرهم : هلمّ بنا نفتح الصناديق المقفلة و لنرضى جميعنا بما قسمه لنا من النصيب .
فحين فتحوها وجد كبيرهم في صندوقه ” السيف وخاتم الرئاسة والراية ” ، أما أخوه الثاني فكان من نصيبه ” الرمل والحجارة ” ، أما الثالث فكان له ” العظام” ، أما الرابع وهو أصغرهم فقد وجد “الذهب والفضة”.
فطمع الأخوة الثلاثة في نصيب أصغرهم و اختلفوا فيما بينهم ، لكنهم تذكروا ما أوصاهم به والدهم ، و هو الرجوع إلى الحاكم المنشود ليحكم بينهم ، و لأنه كان يقيم في مكان بعيد عنهم أعدوا عدتهم من أجل السفر إليه و خرجوا من قريتهم .
و بعد أن قطعوا ربع المسافة فإذا بثعبان صغير الحجم يعترض طريقهم فجأة ، فحاول الأخ الأصغر أن يصيبه فأخطئ الضربة ، ففتح الثعبان فمه و من شدة هيجانه كاد يسد الطريق عليهم ، فما كان من الأربعة سوى الهرب من الثعبان وقد أنجاهم الله منه ، أكملوا طريقهم و قطعوا ربعاً أخر من المسافة ، فإذا بهم يصادفون جملاً يعيش على أرض قاحلة ، و كان الجمل سميناً ولا تنعكس عليه حالة الأرض ،
و بعد مسافة قصيرة رأوا جملاً أخر يقبع في روضة خضراء تسر الناظرين ، لكن الجمل كان هزيلاً ، فاستنكروا أمره ! و حين أقترب الإخوة الأربعة من الوصول شاهدوا طيراً يحلق حول السدرتين ، فإذا وقف على واحدة منها أخضرت فتيبس الأخرى ، وإذا تحول إلى السدرة اليابسة تصبح خضراء فتيبس الأخرى ، فامتلأت وجوههم بالدهشة وأكملوا طريقهم و هم من أمره حائرون !.
وأخيراً وصلوا إلى القرية المنشودة والتي يقيم بها القاضي ، فسألوا عن مكان بيته ؟ فدلّوهم عليه ، توجهوا نحوه وطرقوا الباب ، ففتح لهم شيخاً هرماً ذو بصر ضعيف ، فسألوه : إن كان القاضي موجود ؟
أجاب : نعم ، إنه أخي الأكبر ، و تجدون بيته هناك ، فأشار بسبابته نحو البيت المجاور ، فتركوه و توجهوا نحو القاضي مندهشون ، و كانوا في داخلهم يتساءلون : كيف سيقضي بيننا وهو شيخُ كبير و فان ، فإذا كان هذا حال أخوه فكيف به هو ، فهل يستطيع القضاء بيننا؟.
طرقوا الباب ففتحت لهم امرأة حيِيّة ، سألوها عن القاضي فأجابت : نعم ، هو موجود ، تفضلوا بالدخول و انتظروه بالمجلس .
فدخلوا الدار وأخذوا يحتسون فنجان من القهوة ، وحين انتهوا دخل الشيخ عليهم وألقى السلام ، الرجل كان قوياً ، قليل الشيب ، كامل النشاط و صحته جيدة ، فأكرمهم وأحسن إكرامهم .
فقال الأخ الأكبر : يا شيخنا القاضي ، لقد أتيناك لحاجة ما ، ولكن أثناء سفرنا صادفنا على الطريق أربعة أشياء جعلتنا مندهشين حائرين.
فقال لهم : أعرضوا علي ما صادفتموه من الأمور الأربعة ، ثم أخبروني بالحاجة التي أتيتموني من أجلها ؟ لعل الله يوفقني وإياكم في حلها .
فقال الأكبر : في بداية سفرنا أعترض طريقنا ثعبان صغير ، فلما هجم عليه أخي فتح فمه حتى أنه كان سيغلق الطريق ، ولم نكن لننجح في النجاة منه لو أننا لم نستطع التسلل .
فأجاب القاضي : إن هذا الثعبان يمثل الشر يا أبنائي ، أوله بسيط و يستطيع المرء اجتنابه ، ولكن إن سعى في الدخول فيه فإنه يكبر و يعظم .
أعطوني الثانية ؟.
فقال أحدهم : لقد وجدنا أيضاً في طريقنا جملين ، الأول يعيش في ارض قاحلة لا حياة فيها لكنه سمين ، والثاني يعيش في روضة خضراء لكنه هزيل ، فأحترنا بشأنهما ، فهل حدثتنا عنهما ؟.
أجاب القاضي : إن الجمل السمين يمثل الرجل الذي يرضى ويقتنع بما أعطاه الله ، فينتفع بما عنده فيجد راحته في دنياه .
أما الهزيل فهو يمثل الرجل الذي أنعم الله عليه بالخيرات والعطايا وعنده من المال والبنون ، لكنه لا يشكر الله على ما أنعم عليه فلا تنفعه بشيء أبداً .
أعطوني الثالثة ؟.
قال أحدهم : وجدنا طائراً يحلق حول سدرتان ، فإذا وقف على أحدها تخضر فتيبس الأخرى و حين يتحول إلى اليابسة تخضر فتيبس الأخرى ..
فأجاب : نعم يا أبنائي ، فإن هذا الطائر يمثّل رجلاً عنده زوجتين ، إذا أتى الأولى ترضى فتغضب الأخرى ، وإذا أتى الأخرى تصبح راضية فتغضب الأولى ، و هكذا هو الحال معه.
فقال أحدهم : والأمر الرابع هو أننا حين وصلنا إلى القرية و سألنا عنك ، دلونا على بيت أخيك الأصغر فوجدناه شيخاً هرماً ، فدلنا على بيتك و حين أتيناك دُهشنا بحالك ! فقد أمدك الله بالعافية والصحة ، فما هو سر صحتك رغم أنك تكبره سناً في حين هو أضعف منك بكثير؟.
أجاب القاضي : إن السبب في حالة أخي و ضعفه هو وجود زوجة ذات لسان سليط و بذيء ، فلا يمر يوم إلا و تنغص عليه عيشته ، عسى الله أن يفرج عنه همه و يصلح حاله .
أما أنا فالحمد لله ، فأنا أعيش حياة كلها رغد وهناء ، أسأل الله أن يديمها علي ، و قد رُزقت بزوجة صالحة ذات خُلق ودين ، و قد كنت نائماً حين وصلتم فلم تشئ أن توقظني ، فحضرت لكم القهوة وما أنتم بحاجة إليه و حين انتهت أيقظتني ، فدخلت عليكم وأنا بكامل نشاطي و بالي مرتاح ، فهذا هو سر سعادتي و الحمد لله على ذلك.
قال أحدهم : بقي الأمر الخامس وهي حاجتنا ، فنحن أبناء شيخ قبيلتنا – و ذكروا له أسم القبيلة – قبل أن يُسلم أبي روحه إلى الباري أعطى لكل واحد منا نصيبه من المال و وضعها في صناديق ذات أقفال و لا يجب فتحها إلا بعد موته ، و حين وافته المنيّة فتحناها و قد كُتب على كل صندوق أسم كل واحد منا .
و في الصندوق الأول وجدنا السيف و خاتم الرئاسة والراية ، و في الثاني الرمل والحجارة ، و في الثالث وجدنا العظام ، أما في الرابع فكان الذهب والفضة ، فحصل بيننا اختلاف وأوصانا أبي بالرجوع إليك لتحكم بيننا بما قدّر الله لك أن تراه مناسب ، فها نحن أمامك موجودون و نسأل الله لك التوفيق في العدل والإنصاف ، ونحن جاهزون وسنرضى بما ستحكمه بينما بإذن الله .
فأجاب القاضي : والدكم كان رجلاً حكيماً و قد أعطى لكل واحد منكم ما هو جديرٌ به و أهلٌ له ، فمن كان له السيف والخاتم والراية فهو شيخ القبيلة من بعد والده ، وإليه مرجعكم في كل ما يتعلق بكم من شؤون حياتكم وعليكم السمع والطاعة لأوامره ، و من كان له الرمل والحجارة فإن له إدارة العقار والأراضي والبيوت ، و من كان له العظام فإنه المسؤول عن رعية المواشي من بقر وغنم وإبل وخيل ، أما من كان من نصيبه الذهب والفضة فهو الحلقة الأضعف بينكم ، فلا تنسوه حين ينفذ ما بين يديه من المال ، و وصيتي لكم هي الاتفاق فيما بينكم و توحيد كلمتكم و أسأل الله أن يديمكم في حفظه و رعايته.
أنتهى كلامه و تولوا من عنده راضين بما حكمه الشيخ بينهم و بما فرضه عليهم والدهم و أخذوا يدعون له بالرضوان والرحمة والمغفرة.
النهاية …..
ما أجمل أن يعامل الأب أبناءه بالعدل والمساواة ولا يميز أحدهم عن الأخر ، عندها لن تكون مشاحنة و قطيعة و بغضاء.
ملاحظة :
القصة من التراث القديم ، و هذا النوع من القصص قد تجدها عزيزي القارئ في أكثر من موقع و لكن بصيغة و أسلوب مختلف .
مصادر :
الأخوة والصندوق قصة من التراث القديم – عمانيات
تاريخ النشر : 2020-12-27