انا افقد موهبتي !
بدأت البنت تطرح افكارها ليدمجها هو بذكاء داخل قصته الجديدة |
انا افقد موهبتي !
(( اريد ان اكتب شيئاً … ايّ شيء !! .. مرّت ثلاثة اشهر و لم اكتب ايّ حرف .. ما هذه المصيبة!))
و هنا تدخل الممرضة الى غرفته :
– استاذ مصطفى
– نعم
– عليك ان تنزل حالاً , فقد حان موعد الغداء
– الا تريني مشغولاً ؟!!
– انت تعرف القوانين جيداً , اذا لم تأكل الآن فعليك الإنتظار لوقت العشاء
– افّ , حسناً حسناً ..فهمت
– كما ان رئيس الدار يحضّر لكم مفاجأة
فتمّتم بقلق : خيرٌ ان شاء
ثم اتجه بكرسيه المتحرّك نحو المصعد الذي اوصله لقاعة الطعام الجماعية مع باقي المسنين في الدار
و هناك قالت صديقته العجوز (هدى) لأثنين آخرين يشاركونها المائدة :
-هآ قد اتى مصطفى
و بعد ان اقترب منهم ..
– كيف حالكم يا اصدقاء ؟
فقال مروان :
– ظنّنا انك لن تأتي يا رجل
– كنت اكتب شيئاً
بارتياح و الإبتسامة على وجهها :
هدى : أحقاً ؟!! .. أهذا يعني انه عاد الهامك ؟
فقال مصطفى بضيق : يعني .. قليلاً
فأراد الرجل الآخر (فؤاد) ممازحته :
– لا تحاول يا رجل , فقريباً سيصيبك الزهايمر كما اخونا احمد هناك
و اخذ يضحك .. فأجابه مصطفى بعصبية :
– ربما انتم !! لكنني كاتبٌ مشهور , و اُشغل عقلي دائماً بالقراءة و الكتابة , و لست مثلكم اقضي وقتي كلّه بلعب الطاولة و الورق و السخافات الأخرى !!
– كنت امزح ! يا الهي كم انت رجلٌ صعب
ثم رأى الممرضة وهي تصرخ على العجوز احمد (المصاب بالإلزهايمر) :
– لما ازلت حفاضتك ؟!! هآ قد اوسخت نفسك من جديد !!
فانتفض مصطفى غاضباً :
– لا تصرخي عليه , فهو في مقام والدك !!
لكنها جرّت كرسي احمد بعيداً لتنظفه و هي متضايقة
و قد ضايق هذا الحدث مصطفى كثيراً , فسحب كرسيّه المتحرك من خلف المائدة :
– سيدة هدى اعذريني , لكني سأتناول طعامي في الشرفة هذه المرّة
هدى بنبرة حنونة : كما تشاء
لكن قبل ان يذهب , اتى رئيس الدار مُعلناً خبراً مفاجئاً للجميع !
– اخواني !! لقد تقرّر منذ اليوم السماح بزياراتٍ متكرّرة لمجموعة من اطفال اليتامى للأنضمام الينا
فكان اثر الخبر على المسنين مختلف , فمعظم نساء العجائز كنّ فرحين بهذا القرار الجديد , بينما الرجال منهم كانوا مشتتي الذهن ! فمنهم من يراه قراراً متسرعاً و أحمقاً , و منهم من تقبّل الموضوع بغرابة
فحاول المدير تهدئة الموقف :
– اعرف ما تفكرون به , لكننا لن نحضر سوى الأطفال فوق سن الخامسة و تحت سن الثالثة عشر , ايّ السن الذي باستطاعتكم التحدّث معهم
فتقول هدى بفرح : هذا قرارٌ جميل !! كما ان الأولاد بهذا العمر يحبّون الأجداد , و نحن بهذا السن نحب ملاعبة الأطفال
المدير : و انا اتفق معك يا هدى , فالأيتام بحاجة الى شخصٍ كبير يعلّمهم خبرته بالحياة , و انتم ايضاً بحاجة للشعور بالمسؤولية من جديد
فقال مصطفى بعصبية :
– ليس جميعنا ! ثم الم يكن الأجدر بك ان تناقشنا بهذا القرار اولاً ؟
المدير بحزم : هذا ليس قراري سيد مصطفى , بل قرارٍ وزاري .. كما ان الغرض الأول منه هو الترفيه عنكم
مصطفى بعصبية : و الله ان كانت الوزارة حقاً تهتم بترفيهنا , فكان الأولى بها ان تمنحنا تدليكاً شهرياً ..
فقاطعه صديقه فؤاد ممازحاً : نعم تدليكاً من ممرضات آسيويات جميلات
فردّ مصطفى بحزم : كنت اقصد علاجاً فيزيائياً لمن هم في مثل حالتي
و آشار على كرسيه المتحرك
ثم اردف قائلاً للمدير : و في حال كانت الوزارة الزمتك بأن تحضر احداً الى هنا , فكان القرار الأفضل هو ان تسمح لمجموعة من الشباب الجامعي ان يزورونا كيّ نعطيهم خبرتنا بالحياة , لا ان تعطي الإذن لمجموعة من المشاغبين الصغار الذين حتماً سيقلقون راحتنا
ثم حرّك كرسيه نحو الشرفة متضايقاً
بينما تقدّمت احدى الممرضات من المدير , و سألته بتردّد :
– استاذ محمد .. هل هذا سيزيد من مسؤلياتنا ؟!
– لا تقلقي .. فالأطفال سيرافقهم مسؤولين من دار الأيتام
و هنا رنّ جواله :
المدير : ((نعم .. آه وصلوا .. ادخلوهم الى قاعة الطعام))
ثم اغلق هاتفه , و قال للمسنين :
– لقد وصل الأطفال الآن .. استمتعوا !!
و بخلال دقائق انتشر الأربعون ولداً بين المسنين .. و بأقل من ساعة كانوا اندمجوا فيما بينهم , حيث انفرد كل مسنّ بولدٍ او بنت على انفراد و هم يجرون معهم الأحاديث ليتعرّفوا عليهم اكثر .. بينما بقي العجوز مصطفى لوحده في الشرفة و هو يراقبهم من بعيد , ممسكاً بقلمه و دفتره و هو يحاول كتابة بعض الأفكار الأدبية .. و صار يتمّتمّ بضيق :
((اللعنة !! لم اكتب سوى سطرين من القصة .. اصلاً كيف سأكتب الآن مع هذا القرار الغبي و كل هذه الضوضاء المزعجة .. يبدو ان ايامي ككاتب انتهت هذا اليوم ))
– مرحباً !!
قالتها طفلة في الثامنة اطلّت من باب الشرفة
نظرة خاطفة من مصطفى , ثم اعاد نظره بغضب الى دفتره مشيراً اليها بيده , قائلاً بلا مبالاة :
– اذهبي يا فتاة عند غيري , فأنا مشغول
لكنها مع هذا دخلت , و اغلقت الباب الزجاحي خلفها..
– الا تفهمين يا بنت ؟!
لكنها لم تكترث بغضبه بل اقتربت نحوه و هي تنظر نحو دفتره , ثم سألته باهتمام : ماذا تكتب يا عمو ؟
– و ما دخلك انت ؟!!
– اتكتب قصة ؟
– و كيف عرفتي ؟!
– احقاً ؟! كنت اخمّن فقط .. طيب عن ماذا تدور القصة ؟
– عن فتاةٍ صغيرة
– آه جميل !! و هل هي في مثل عمري ؟
– و كم عمرك ؟
– ثماني سنوات
– اذاً نعم , هي في عمرك
– و ماذا تفعل هذه الفتاة , هل تطير ؟
– تطير ! انا لا اكتب هذه السخافات , بل اكتب قصصاً حقيقية
– اذاً ماذا فعلت هذه الصغيرة ؟
فتنهّد بغضب ثم سكت .. فألحّت عليه :
– هيا يا عمو اخبرني !!
و بتردّد و ضيق قال لها :
– كانت تهرب مع اهلها على متن السفينة
– و مما تهرب ؟ هل من التنين ؟
– تنين ! قلت قصصاً حقيقية !! (بسخرية) ..فهل رأيتِ تنيناً من قبل ؟
– نعم .. (بنبرة حزينة) ..العم خالد
– و من هو ؟!
– المسؤول عنّا في الدار
– و ماذا يفعل ؟
– يضربنا بقوة لننام .. انظر
و أرته يدها التي عليها آثار المسطرة
– لا يحق له ضربكم ! هل يعرف مديركم بالأمر ؟
– تقصد مديرتنا ؟
– نعم , هل تعرف بذلك ؟
– لا اظن , فهو يقول بأنه سيقتلنا ان اخبرنا احد !
– اذاً سأحاول ان احلّ الموضوع
– طيب لا تنسى ان تخبرهم عن لؤي .. فالعم خالد دائماً يعاقبه بالحبس في قبو الميتم لأنه مشاغب
– لا يجوز هذا ابداً , سأتصرّف بهذا الخصوص .. لا تقلقي
الطفلة بحماس : هذا جيد !! و الآن اخبرني البقيّة
– عن ماذا اخبرك ؟!
– ماذا فعلت الفتاة بالتنين ؟
– ايّ تنين !! .. أفّ يالهي ! .. لا يا عزيزتي , القصة التي اكتبها هي عن فتاةٍ لاجئة
– و ماذا يعني لاجئة ؟
– ايّ هربت مع اهلها من الحرب لبلدة اكثر أماناً
– و هل والدها هو القبطان ؟
– لا !
– (فقالت بحماس) اذاً هو القرصان !!
فيفكّر قليلاً ثم يبتسم :
– بل اظن انها ستكون قصة اجمل لو كانت تظن ان والدها هو قبطانٌ محترم , لكنها تتفاجىء و على محض الصدفة بأنه قرصان دنيء
– يا سلام !! تبدو قصة جميلة يا عمو ..
ثم بدأت البنت تطرح افكارها ليدمجها هو بذكاء داخل قصته الجديدة , و بعد ان فكّرت قليلاً تقول له :
– اذاً لنتخيل يا عمو انها قصة بنت تحب والدها كثيراً لكنها تعيش مع جدتها , لأن والدها يذهب كل اسبوع نحو البحر
– نعم عزيزتي , لكن الأفضل ان نجعله يغيب شهوراً طويلة بالبحر
– نعم هذا احسن .. و في يوم اختبأت داخل سفينة والدها
– ليتفاجىء بها و هو في وسط البحر
– نعم نعم !! ولم يقدر هو ان يعيدها لجدتها .. (ثم تفكّر قليلاً) ..و ذات يومٍ اقتربت منهم سفينةٌ اخرى
– و في تلك الأثناء , طلب من ابنته ان لا تخرج من غرفتها
– لكنها لحقته , و استطاعت ان تراه و هو يتحوّل لقرصان
– تقصدين يسرق السفينة الأخرى و يخطف ركابها
– وهل القرصان يخطف الركاب ؟!
– نعم و احياناً يقتلهم
– اذاً هي تمنعه من ذلك
– صحيح تنقذ الوضع باللحظة الأخيرة .. ربما لأنها رأت شيئاً
– اذاً لابد انها رأت ولداً في مثل عمرها بين ركّاب السفينة المختطفة
فأكمل مصطفى بابتسامة : نعم و استطاعت ليلتها ان تسرق مفاتيح والدها و تُفرج عن ركّاب السفينة المحتجزين في قبو السفينة , الذين قاموا لاحقاً بالهجوم عليه و على باقي العصابة .. خاصة ان القراصنة كانوا وقتها يحتفلون و هم سكارى
– ما معنى سكارى ؟!
– اي .. يعني نعاسى
– نعم .. ثم ماذا حصل بعدها ؟
و هنا قاطعتهم مسؤولة الأيتام حينما دخلت عليهم :
– آه ! انت هنا يا سارة , و نحن نبحث عنك
فيقول مصطفى للبنت :
– اسمك سارة اذاً ؟
– نعم و انت يا عمو ؟
– العم مصطفى
فتلتفت الطفلة نحو معلمتها :
– العم مصطفى كاتب يا آنستي , و انا اساعده بكتابة قصة .. اليس كذلك يا عمو ؟
فردّ بابتسامة : هذا صحيح
المعلمة : هذا جيد ..لكن علينا العودة الى الدار
– الا استطيع البقاء مع عمو قليلاً ؟
– غداً نأتي .. هيّا الى الحافلة
– حسناً عمو ..هل تستطيع اكمال القصة لوحدك ؟
فيبتسم قائلاً : سأحاول
– اذاً سآتي غداً لتخبرني بها كاملة
– ان شاء الله
– وداعاً عمو !!
ثم اسرعت الفتاة الى الداخل لكن قبل ان تلحقها معلمتها , اوقفها العجوز سائلاً :
– لحظة يا آنسة .. هل يوجد عامل عندكم اسمه خالد ؟
– نعم !
– لقد اخبرتني سارة انه يضربهم بقسوة كل يوم
– أحقاً ! لقد انتبهت للأمر هذا الصباح , عندما كنت انا و باقي المسؤولات نلبسهم ثياباً جديدة للحضور الى هنا , و كانت آثار الضرب موجودة على جلودهم , لكنهم جميعاً رفضوا الكلام
– ذلك لأنه يهدّدهم بالقتل ان فضحوه
– القتل ! .. حسناً لا تقلق , سأخبر المديرة بالأمر ..لكن اتدري يا سيد , انا سعيدة لأن سارة احبّتك .. يبدو انك ذكّرتها بجدّها المرحوم
– جدّها ! اليست يتيمة ؟!
– هو صحيح ان معظم من في الدار لقطاء للأسف , لكن والدا سارة توفيا في حادث سيارة , و قد ربّاها جدها حتى سن السادسة , لكنه توفي منذ سنتين فأحضروها الينا
– الآن فهمت لما هي طلقة اللسان
– اتدري انها اتت الينا و هي تعرف القراءة جيداً ! فقد كان جدّها يقرأ لها القصص منذ صغرها
– لهذا لديها خيالٌ خصب
– نعم كما ان جدّها رجلٌ غني , اعتقد انك سمعت بإسمه .. السيد محمد سعيد
– صاحب دار النشر الشهيرة ؟!
– نعم هو , و قد كتب دار النشر بإسمها , لكن عمها (الوصيّ عليها) استولى على ميراثها و رماها عندنا في دار الأيتام
– ما ابشع الظلم في هذه الدنيا !
– ماذا نفعل ؟ .. هذا نصيبها
لكن قبل ان تذهب المشرفة عاد و سألها العجوز :
– اريد ان اسألك سؤالاً .. ما مصير هؤلاء الأيتام ؟
فتجيب بحزن : الأولاد يعلمونهم صنعةً مهنية و يسرحوهم من الدار بعمر 18 و احياناً في 16.. اما الفتيات فيزوجوهنّ عادة بعد سن 18 , و العرسان يكونوا اما عجائز او معاقين او بخلاء .. اما من تبقى عزباء مثلي , فعليها ان تصبح مدرسة بنفس الدار
– آسف .. لم اكن اعلم انك يتيمةٌ ايضاً !
بنبرةٍ مكسورة : و لهذا احنّ عليهم , فقد عشت معاناتهم
و هنا ! ظهر صوتٌ قوي :
– آه ! هذا بوق الحافلة ..عليّ الذهاب .. لكني سأحضر سارة اليك غداً
– اذاً سأحاول ان انهي لها قصتها هذه الليلة
– هذا جميل
و بعد ان ذهبت و انطلقت حافلة الأيتام .. اقتربت السيدة هدى من زجاج الشرفة لترى صديقها مصطفى منهمكاً في الكتابة , فأطلّت من الباب قائلة بسعادة :
– لا اريد الهائك , لكني سعيدة انك عدّت للكتابة ثانية
– آه هدى ! تعالي .. اريد ان اخبرك عن الطفلة سارة
و بعد ان اخبرها مضمون القصة الصغيرة .. قالت له :
– و مالمشكلة يا مصطفى ؟! فالكاتب الجيد عليه ان يحاول الكتابة في جميع المجالات
– لكن قصص اطفال ! انا لم اتخيّل نفسي اكتب في هذا المجال ابداً
– و ما يدريك , ربما تنجح فيه اكثر من المجال الدرامي .. كما انها وريثة دار نشر , فربما يساعدك ذلك في نشر كتبك .. فأنت تعبت طوال حياتك من تعاملك مع دور نشر لصوص قاموا بنشر قصصك بثمنٍ زهد , فربما يتغير الأمر الآن
مصطفى بدهشة : و من اخبرك بهذا الموضوع ؟!
– الأخبار تنتشر هنا بسرعة ..هيا لا تحزن يا صديقي , فقد قرأت معظم كتبك و هي رائعة حقاً , لكننا بزمن لم يعد الشباب يقدّرون فيه الكتب الأدبية كما السابق , و لهذا ربما وضع الله هذه الفتاة في طريقك لتغير من طريقة كتابتك , و ربما ينشهر اسمك اخيراً في مجال قصص الأطفال الخيالية .. كما اظن ان الصغيرة ستساعدك بنشر قـ..
مقاطعاً و معاتباً : هدى !! انا لن استغلّ هذه الفتاة ..انا فقط احوّل افكارها لقصة كاملة , لكن بعد ان انهي قصتها كما وعدتها سأعود لكتاباتي الدرامية الأدبية
– حسناً فهمت .. طيب سأتركك الآن لتكمل عملك
***
و في اليوم التالي .. اتت سارة مع بقية الأيتام في نفس الوقت , ليتفاجىء بها مصطفى بعد ان اطلّت من باب الشرفة بينما هو منهمكٌ في الكتابة :
سارة بحماس : هآ عمو !! هل انهيت قصتي ؟
معاتباً برفق : قولي مرحباً اولاً
– مرحباً جدّو .. ام عليّ ان اناديك بعمّو ؟
فتذكّر انها كانت تعيش مع جدّها و ربما تحنّ اليه , فقال بابتسامة حنونة :
– لا جدّو اجمل ..هيا اجلسي لأخبرك القصة
– قبل ان تخبرني عنها , اريد ان اسألك سؤالاً اولاً
مبتسماً : خير , ماهو ؟
– اين هم اولادك يا جدو , هل يزورونك ؟
– انا لم اتزوج اصلاً , لأني كنت منهمكاً بشغلي
– ماذا يعني منهمك ؟!
– ايّ مشغول بالعمل طوال الوقت , حتى ضاعت سنوات عمري
– طيب لا بأس … (و تسكت قليلاً , ثم تقول بحماس) .. اذاً اخبرني الآن بالقصة !!
– لا اولاً دعينا نتغدّى سويّا , ثم نعود الى هنا .. هيّا بنا
و بعد الغداء عادا الى الشرفة , و هناك اخبرها بالقصة التي اعجبتها كثيراً
قالت الطفلة بحماس : بما ان هذه القصة انتهت , علينا اذاً التفكير بقصتنا التالية
– لا يا سارة ! عليّ ان انهي كتابي , فأنا ..
لكنها امسكت بيده و هي تقول بأصرار : لا ارجوك جدّو ..دعني أؤلّف قصة جديدة معك , فأنا فكرت بها طوال الليل
– أحقاً ؟ اذاً اخبريني بالفكرة اولاً
– الكوابيس
– ماذا بها ؟
– من يجعلنا نرى الكوابيس ؟
– اعتقد الشيطان
– و ماذا عن الأحلام الجميلة ؟
– اظن ملاكاً ما !
– اذاً لما لا نكتب عن وظيفة كلاّ منهما
– تقصدين تأثيرهما على نشاط الأنسان و حيويته اليومية
– لم افهم قصدك ! لكن دعنا نقول انهما يتعاركان معاً
– تقصدين يتنافسان فيما بينهم ..(ثم يفكّر قليلاً) .. اتدرين يا سارة اظنها فكرةٌ جيدة .. ربما نكتب قصة انسان و صراعه مع احلامه و كوابيسه
– لا بل قصة فتاةٌ صغيرة
– حسناً كما تشائين
– و سأجعل عمّي ينشرها لك
بابتسامة حزينة : ربما يا عزيزتي
فهو يشعر بالشفقة عليها , لأنه بالرغم من ان عمها رماها في دار الأيتام الا انها مازالت تثق به ! و هنا قطعت افكاره قائلة بارتياح :
– آه صحيح !! اتدري ان العم خالد لم يعد يعمل عندنا
– أهذا صحيح ؟! ماذا حصل ؟
– لا ادري ! لكنه كان يشتمنا جميعاً و هو خارجاً هذا الصباح من الدار .. لقد كان بالفعل غاضباً جداً !
– اظن على الأطفال ان يشكروكِ يا سارة على ذلك
– لماذا ؟! ماذا فعلت انا
فيقول مبتسماً : لا عليك , دعينا ننهي قصتك الثانية
***
و ذات يوم اتت سارة و هي حزينة , فسألها العم مصطفى :
– ما بكِ يا سارة ؟
– انا حزينة يا جدو , فقد اخذونا البارحة الى حفلةٍ مدرسية
– و ما الذي يحزن في الموضوع ؟!
– كان اهلهم متواجدون معهم , و كان عيد الأم .. و هذا ما احزن اصدقائي اليتامى , حتى ان هناك يتيماً في الخامسة سألني : ماذا يعني أم ؟! و قد ابكاني ذلك , فقد تذكّرت امي .. (و صارت تبكي)
مصطفى متضايق عليها : كانت فكرة دمجكم مع الطلاب العاديين خاطئة تماماً
سارة : هذه ليست المرة الأولى التي يحزنوننا فيها .. فالسنة الفائتة اخذونا الى مدينة الملاهي , و كان هناك مصورين و اعلام , و رجلٌ مهم يتصوّر معنا
– آه .. السنة الفائتة كانت فترة انتخابات نيابية , ربما احدهم اراد ان يستغلكم لكي ينجح بالإنتخابات .. المهم اكملي ما حصل
– اعطونا تذكرة واحدة , و قد كنت كما جميع الأطفال نريد اللعب بأكثر من لعبة , لكنهم رفضوا ذلك .. بل حتى انهم لم يطعمونا ايّ شيء , و لا حتى بوشار.. (و هي تمسح دموعها) ..كم كنت سعيدة برفقة اهلي .. لكن يبدو انهم غاضبون منّي !
– لا طبعاً ! هم فقط سبقوكِ الى الجنة و ..
مقاطعة بغضب : اذاً لما لم يأخذاني معهم الى هناك ؟!!
– لأن لكل انسانٍ قدر .. اقصد لكل منّا توقيتٌ معين للذهاب من هذه الدنيا , طبعاً بعد ان ينهي الهدف الذي خلقه الله لأجله
– و ما الهدف من بقائي حيّة ؟!
– هآ انت تقومين فعلاً بهدفك
– تقصد كتابة القصص !
– نعم .. و اتمنى ان تدعي الكتابة تأخذك الى عالم الخيال و تبعدك عن كل احزانك و همومك .. ايّ اجعليها هدفك الأعلى يا سارة ..
لكنه مازال يشعر بحزنها , فيقول لها و هو يفتح ذراعيه..
– تعالي حبيبتي
و يضمّها للمرّة الأولى مما اراحهما هما الأثنان
***
و مرّت الشهور بسرعة كتب فيها العم مصطفى و سارة عشرات قصص الأطفال سويّاً .. إلى أن آتى يوم لم تأتي فيه سارة مع بقيّة اصدقائها الى دار المسنين.. فاتجه العم مصطفى بكرسيه المتحرّك نحو المسؤولة عنهم و سألها بقلق :
– اين سارة ؟! لما لم ..
فقاطعته قائلة : عمها قدم الينا البارحة , و اعادها معه الى منزله
بخوف : لا !! اكيد عمها سيؤذيها
– لا اظن , فقد بدا مختلفاً تماماً ! ربما بسبب طلاقه الأخير كما اخبرنا بذلك ..
فذهب العم مصطفى بعدها الى غرفته و اغلق على نفسه الباب و هو يشعر بضيقٍ شديد و قلق على مصير صديقته الصغيرة
***
و بعد يومين .. قدِمَ عمّ سارة الى دار المسنين , و دلّته الممرضة على العجوز مصطفى الذي كان يجلس حزيناً لوحده على الشرفة , فأقترب منه قائلاً :
– هل انت الأستاذ مصطفى ؟
– نعم , من حضرتك ؟
– انا عمّ الطفلة سارة
فنظر اليه بإشمئزاز , ثم ادار له ظهره (بكرسيه المتحرّك) .. فاقترب الرجل منه قائلاً :
– اعرف بما تفكّر به , لكن يبدو ان الله عاقبني و بقوة على ظلمي لأبنة اخي .. فقد طلقتني زوجتي بعد ان علمت منذ ايام بأني عقيم و لا علاج لحالتي .. و لهذا قمت بأخذ سارة لبيتي و قمت بتدليلها و احضار الكثير من الهدايا لها , لكنها ظلّت تبكي و تقول بأنها مشتاقة الى جدّها .. في البداية ظننتها تتكلّم عن ابي , لكنها اخبرتني عنك و عن قصصك , و بصراحة اعجبتني افكارك كثيراً
– هذه افكارها هي , انا فقط اكتبتهم لها
– و هل ممكن ان تسلّمني نسخاً منها ؟ و انا اعدك اذا كانت جيدة كما وصفتها لي سارة فسأطبعهم لك بدار النشر , لأن اكثر مبيعاتنا من قصص الأطفال
و بعد تردّد و اخذ و ردّ , اعطى مصطفى جميع نسخ قصص الأطفال لعمّ سارة
***
و بالفعل صدرت الكتب بعد شهر..
و جلست هدى و صديقاه في الدار يقرأوا القصص بكتبها الملونة المليئة بالصور و هم يجلسون معه بالشرفة , فقال صديقه (فؤاد) ممازحاً :
– يعني اصبحت غنياً يا مصطفى ؟
– نعم لكن لا تقلقوا فأنا لن اترك الدار , فقد تعوّدت عليكم جميعاً
فيسأله صديقه الآخر (مروان) : و ماذا عن دار النشر ؟
– لقد تعاقدوا معي اليوم صباحاً على سلسلة من القصص , و لهذا طلبت من العم ان تزورني ابنة اخيه سارة لنكمل العمل سويّاً
هدى بابتسامة : ارأيت يا مصطفى , هآ قد نجحت اخيراً بالكتابة
– من كان يظن انني سأنجح في مجال قصص الأطفال , رغم انني لم انجب في حياتي !
ثم يضحك.. فتسأله صديقته باستغراب :
– ما بك ؟!
مصطفى : لقد أصبحت جدّاً قبل ان اصبح اباً يا هدى , اليس هذا غريباً ؟!
فتجيبه بفخر : و جدّاً رائعاً ايضاً
فيقول صديقه (مروان) : ما اعجبني حقاً هو الأهداء الموجود في الصفحات الأولى من القصص
و يقرأه بصوتٍ مسموع :
((اهداء الى حفيدتي سارة , التي غيّرت مسيرتي المهنية نحو الأفضل))
و عقّب قائلاً :
– اهداءٌ جميل يا مصطفى
و هنا ! دخلت عليهم سارة الصغيرة من باب الشرفة الزجاجي , و قالت بحماس :
– انا اتيت يا جدووو !!!
مصطفى متفاجىء : آه ! اهلاً و سهلاً بحفيدتي الحلوة .. تعالي لأعرّفك على اصدقائي ..هذه هي السيدة هدى , و هذان هما مروان و فؤاد
سارة : كيف حالكم جميعاً ؟
هدى بابتسامة : بخير يا صغيرة ..
ثم تقول السيدة لمروان و فؤاد : دعونا نتركهما ليكملا العمل
و بعد ان دخلوا العجائز الثلاثة الى الداخل ..
مصطفى : هآ يا سارة , كيف هي الحياة مع عمك ؟
– جيدة , لكني افضل ان ابقى معك هنا
– في دار المسنين !
و هنا تسمعهم المشرفة فتقول :
– سارة انت تعيشين الآن مع عمك , و يمكنك زيارة العم مصطفى متى تشائين
سارة بشفقة : انا افكر بأصدقائي اليتامى , و ارى انه من الأفضل ان يعيشوا معهم
و تشير الى العم مصطفى
فتقول المشرفة : هذا صعب يا سارة , فالأطفال سيضايقون كبار السن بأصواتهم
سارة : اذاً ليكن لكلاً منهما طابقه , لكنهم يتشاركون الملعب و قاعة الطعام سويّاً , ما رأيكما ؟
يبتسم مصطفى : اتدرين يا سارة .. انها فكرةً جميلة ! .. لما لا نكتب لاحقاً عن قصتنا انا و انت , و ربما يقرأها احد المسؤولين و يقبل بفكرة دمج الدارين
سارة بحماس : حسناً !! ..و هآ قد وجدنا يا جدو فكرة قصتنا الجديدة
يبتسم : نعم عزيزتي
و بعد ان ودّعته , نظر اليها من اعلى الشرفة و هي تستقلّ سيارة عمها .. فتمّتم مبتسماً :
((سارة سعيد .. ستكونين اسماً بارزاً في عالم الكتابة , يا منافستي الصغيرة))
ملاحظة :
شاهدوا هذا الفيديو الذي اوحى اليّ بفكرة القصة :
تاريخ النشر : 2017-03-23