تيموثي جونز – والد أغتال الطفولة في مهدها
لقد كان الذنب الوحيد لتلك الزهور الجميلة أنها نبتت على أغصان شجرة جفت جذورها |
قام تيموثي بضرب أبنه ناثان دون رحمة |
شعر تيموثي بالقلق و نهض من مقعده محاولاً إيقاظه ، و لكن الصبي كان قد فارق الحياة ، فجسده النحيل لم يتحمل التعذيب ، احتضنه والده و هو يبكي بحسرة بعدما ندم على ما فعله ، في تلك اللحظة نظر إلى الباب فرأى أبنته ميراه ذات 8 سنوات و هي تنظر إليه بنظرات يملأها الرعب ، و بيده المرتعشة أشار إليها أن تقترب منه ، و بكل براءة سألته : أبي ماذا حدث لأخي ناثان ، لماذا لا يتحرك ؟ .
كانت ميراه ضحية والدها التالية فقد خنقها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة |
أما جونز الأب فقد كان يخشاها هو الأخر و كان ينام فاتحاً إحدى عينيه خوفاً من أن تبطش به زوجته على حين غرة ، و يقضي النهار بشرب الكحول ، و مع مرور الوقت زادت حالتها النفسية سواءً و كنت تغلق على نفسها الدولاب و تقوم بتمزيق الملابس ، و وصل بها الأمر إلى التسكع ليلاً في الحانات و الملاهي الليلية ، عندها قرر جونز الأب إرسالها إلى مصح عقلي و انتقل بصحبة أبنه تيموثي للسكن مع والدته في ولاية مسيسيبي ،
صورة قديمة لجونز الأب مع أبنه تيموثي |
و هناك تلقى تيموثي معاملة قاسية من والده السكير ، و في إحدى المرات قام جونز الأب بشراء جهاز كمبيوتر بألفي دولار ، و عندما أراد الأب تشغيله وجد أنه لا يعمل ، و لكن أبنه الصغير قد قام بتفكيك الجهاز ثم تجميعه مرة أخرى و قام بتشغيله بكل بسهولة ، أندهش الأب من براعة أبنه و أكتشف أن تيموثي يملك موهبة عظيمة ، و بالفعل فقد تفوق تيموثي على أقرانه في حل المعادلات الرياضية المعقدة في المدرسة ،
و في سن العاشرة تعرض الصبي الصغير لحادث سيارة أليم تسبب له بإصابة خطيرة في الرأس ، و منذ لك الوقت تبدل حال تيموثي و صار يشكو من سماعه أصوات في رأسه ، و كما يُقال أن الأبن سر أبيه ، لهذا أدمن تيموثي على شرب الدخان و الكحول منذ نعومة أظافره ، بعد إنهاءه الدراسة الثانوية أنضم تيموثي إلى الأكاديمية البحرية ليحقق حلمه في أن يصبح جندي في البحرية الأمريكية ، و كما توقع والده فأنه لم يصمد طويلاً فقد تم تسريحه بسبب عدم انضباطه ،
شعر تيموثي بمرارة الفشل و انغمس في إدمان الكحول و المخدرات لينسى إخفاقه ، و مما زاد الطين بلة أنه تعرفه على رفاق السوء الذين ورطوه في عمليات سطو مسلح و سرقة السيارات ، كما قام تيموثي بتزوير توقيع والده على الشيكات مما تسبب في اعتقاله و سجنه لمدة عامين ، و في عام 2003 م خرج تيموثي من السجن شاباً ناضجاً شديد التدين ،
و قد عمل في حديقة ملاهي للأطفال في شيكاغو و تعرف هناك على شريكة حياته الأنسة أمبر كايزر ، و قد أُعجب بجمالها و أناقتها ، أما هي فقد وجدت فيه الشاب الطموح الواثق من نفسه ، و على الفور أصطحبها تيموثي إلى الكنيسة و تزوجا في يونيو عام 2004 م ، كان عمره آنذاك 22 عام أما هي فكانت في 19 من عمرها ، و قد عاشا في منزل متواضع في ولاية شيكاغو ،
اكتشفت أمبر أنها وقعت بيد زوج قاسي حرمها من كل شيء |
و سرعان ما اكتشفت أمبر الحقيقة المُرة ، فقد تزوجت من رجل متطرف منعها من ارتداء ما ترغب به من ملابس عصرية ، و وضع قوانين صارمة تمنعها من قص شعرها أو التزين بالذهب و المجوهرات ، و أخبرها أنها يجب أن تطيع أوامره و أنه يؤمن أن المرأة مجرد آلة لإنتاج الأطفال ، و هذا بالفعل ما حدث فقد أنجبت له ميراه عام 2006 م و في العام التالي إلياس ، ثم ناثان ، ثم انتقل مع أسرته إلى ولاية مسيسيبي حيث ألتحق بالجامعة و عمل و كافح من أجل أن يوفر مصاريف الجامعة و أن يعيل أسرته في نفس الوقت ،
و ها هو تيموثي يجني ثمار كفاحه و مثابرته ، فقد تخرج من الجامعة و حصل على شهادة علوم هندسة الكمبيوتر مع مرتبة الشرف ، و التي ضمنت له وظيفة مرموقة في شركة انتل لصناعة الرقائق الإلكترونية في ضاحية بليثيوود في ولاية كارولاينا الجنوبية ، شعرت أمبر بالسعادة فقد أرتفع مرتب زوجها ليصل إلى 80 ألف دولار بالسنة ، مما جعل أمبر تحلم بالعيش حياة سعيدة في منزل فخم مع زوجها و أطفالهما الثلاثة ،
و لكن تيموثي حطّم أحلامها و طموحها عندما قرر شراء مقطورة متهالكة على طريق ترابي في منطقة ريد بنك ، و قام بشراء مجموعة من الماعز و الدواجن ، و أجبر زوجته على تعليم الأطفال في المنزل و رعاية المواشي و الدواجن ، و لكن أمبر خيّبت ظنه عندما عجزت عن تعليم الأطفال ، فهي لم تكمل تعليمها الابتدائي ،
و خلال تلك الفترة أنجبت أمبر طفلين أخرين ، كان تيموثي يتعامل بقسوة مع أطفاله و كلما تشاجر مع أمبر صرخ قائلاً : الضرب علاج الأجساد الضعيفة ، شعرت أمبر بالعزلة و تورطت بعلاقة غرامية مع جارها الشاب ذو 19 ربيع ، و قد أكتشف تيموثي خيانتها و قرر الانفصال عنها ، و في شهر أكتوبر عام 2013 م حصل تيموثي على حق حضانة الأطفال بعد طلاقه من أمبر ، كون ظروفه المادية جيدة ،
أطفال تيموثي الخمسة راحوا ضحية أب متطرف لا يعرف الرحمة |
و لكن حالته النفسية تدهورت و أسرف في شرب الكحول و تعاطي المخدرات و أصبح يعامل أطفاله الخمسة بقسوة ، و بالرغم من ذلك فقد أحبه الأطفال و وجدوا في نار قسوته دفئ الأمومة المفقودة ، و تحت ضغط من جمعية رعاية الأطفال و شكوى زوجته السابقة قرر تيموثي توظيف مربية أطفال لتقوم برعايتهم ،
و قد وقع اختياره على كريستال بالنتين ذات 17 ربيعاً ، و هي أم عزباء انتقلت للسكن في منزله مع طفلتها الرضيعة ، و سرعان ما أوقعها تيموثي في غرامه و وعدها بالزواج ، و لكنها شعرت بالصدمة من تسلطه عليها و تعنيفه لأطفاله المساكين ، و قررت ترك المنزل فوراً بعد أن حاول تيموثي ضرب طفلتها الرضيعة بسبب بكائها المستمر ،
مربية الأطفال كريستال بالنتين أثناء شهادتها في المحكمة |
كان المنزل في حالة فوضى مما أضطر تيموثي لتوظيف مربية أطفال أخرى تُدعى جوي لوريك ، و لم يمضي وقت طويل حتى شعرت لوريك بحجم المأساة التي يعيشها الأطفال من ضرب و تجويع ، فقد كان تيموثي يطعمهم حساء الشوفان فقط ، و في أحد الأيام جلبت لهم بعض الطعام و الحلوى فرأت الفرحة في أعين الأطفال المحرومين ، و لكنهم طلبوا منها ألا تخبر والدهم و إلا حرمهم من الطعام ،
لم تستطع لوريك تحمل ما رأته من ظلم و تجويع بحق الأطفال الأبرياء و قامت بتقديم بلاغ ضد تيموثي تتهمه بالإساءة لأطفاله الخمسة ، و تم أرسال لجنة من جمعية رعاية الأطفال ، و لكن تيموثي استطاع أن يظهر بمظهر الأب المثالي و أستغل تعلّق الأطفال به ، واعداً إياهم برحلة إلى مدينة ديزني للألعاب إن هم أطاعوا أوامره و لم يتحدثوا عنه بسوء أمام اللجنة ، و بهذا نجح تيموثي في تضليل اللجنة ،
أطفال تيموثي أثناء رحلتهم الأخيرة الى عالم ديزني |
و بعدها حقق تيموثي أخر أمنية لهم بالحياة و ذهب بهم إلى ديزني حيث لعبوا و التقطوا صور مع الشخصيات الكرتونية ، و في مساء 28 أغسطس عام 2014 م استشاط تيموثي غضباً و راح يضرب أبنه ناثان 6 سنوات و عاقبه بشدة بسبب تخريبه قابس الكهرباء ليلفظ أنفاسه الأخيرة ، أدرك تيموثي فداحة ما اقترفت يداه عندما رأى طفله جثة هامدة في حضنه ، في تلك اللحظة شعر تيموثي بصداع شديد و سمع أصوات تأمره بقتل أطفاله الأخرين ، عم الهدوء المكان و بدافع الفضول نهضت ميراه من سريرها لترى ما حل بأخيها و وقفت تراقب ما يحدث من خلف الباب ،
و لكن تيموثي لم يمهلها طويلاً حيث ألقى بها جثة هامدة بجانب أخيها ، لا زلت تلك الأصوات تتعالى مطالبة بمزيد من الدماء و الصداع يكاد يمزق رأسه ، وقف تيموثي و سار مترنحاً إلى غرفة الأطفال و هناك ألقى تيموثي نظرة الوداع على أطفاله النائمين ، و بسرعة أخمد أنفاس إلياس ذا 7 سنوات ثم توجه إلى طفلتيه جابريل البالغة عامين و ألينا ذات العام الواحد ، و استخدم حزامه لخنقهما بعد أن وجد صعوبة باستخدام يديه الغليظتان ،
قام تيموثي بازهاق ارواح أطفاله و تخلص من جثثهم |
ثم حمل جثث أطفاله الخمسة و وضعها في خانة سيارته الرياضية الفخمة من طراز كاديلاك اسكاليد و غطاها بقطعة قماش بالية ، و أنطلق بسيارته في رحلة طويلة هائماً على وجهه متجاوزاً ولايات عدة منها كارولاينا الشمالية و الجنوبية و جورجيا ، و قام بشراء بعض من مواد التنظيف و أكياس قمامة ، و تصفح على حاسوبه و بحث عن أماكن نائية للتخلص من القمامة ، و جمع معلومات عن أعراض الفصام و الجنون ، ربما لكي يجيد تقمص شخصية المختل عقلياً اذا تم اعتقاله ، و عند عبوره ولاية ألاباما انعطف بسيارته نحو طريق ترابي و دفن جثث أطفاله الخمسة في حفرة بعد أن وضعهم في أكياس قمامة سوداء ، ثم قرر زيارة والده المقيم في ولاية المسيسيبي ،
قاد تيموثي سيارته كاديلاك اسكاليد في عدة ولايات |
في 3 سبتمبر أبلغت إدارة المدرسة أمبر بتغيب أطفالها الثلاثة عن المدرسة لعدة أيام ، شعرت أمبر بالقلق و حاولت الاتصال بتيموثي و لكنه لم يجيبها ، مما دفعها لتقديم بلاغ ضد زوجها السابق في مركز الشرطة ، و في 6 سبتمبر تم إيقاف تيموثي من قِبل دورية للشرطة و هو يقود سيارته بسرعة جنونية ، و قد صادرت الشرطة كمية من المخدرات كانت بحوزته ، و لكن ما أثار الشكوك حول تيموثي هو عثورهم على أثار دماء و مواد منظفة في سياراته ، مما دفعهم لاعتقاله و التحقيق معه في أحد مراكز الشرطة في ولاية المسيسيبي ،
قامت الشرطة باعتقال تيموثي بسبب قيادته السيارة بسرعة جنونية |
في البداية أنكر تيموثي معرفته بما حدث لأطفاله ، و في يوم الثلاثاء 9 سبتمبر و تحت ضغط المحققين أعترف تيموثي بقتل أطفاله الخمسة و أخبر المحققين عن مكان دفن الجثث ، و على الفور أنطلق رجال الشرطة ليلاً إلى منطقة دفن الجثث في ضواحي ولاية ألاباما حيث عثروا هناك على خمس جثث ملفوفة في أكياس قمامة سوداء ، و لم يتمكن الطب الجنائي من تحديد سبب الوفاة بشكل دقيق بسبب عبث الحيوانات البرية بالجثث ، و بعد انتهاء التحقيق تم إرسال تيموثي جونز للمثول أمام المحكمة في مقاطعة ليكسينغتون بولاية كارولاينا الجنوبية.
عثرت الشرطة على جثث الأطفال الخمسة بعد دفنهم في أكياس القمامة |
محاكمة عائلية :
تيموثي جونز أثاء محاكمته |
و عندما جاء دور تيموثي للحديث ، ذرف من عينيه بعضاً من دموع التماسيح و أدعى أنه لم يقصد أن يقتل ناثان و أنما أراد أن يعاقبه فقط ، و شعر بالرعب عندما رأى جثته بين يديه و سمع أصوات تطالبه بقتل بقية الأطفال و هو لا يتذكر ما حدث بعد ذلك ، و ألقى باللوم على زوجته الخائنة ، و هنا وقف محامي الدفاع و تحدث أن تيموثي مُصاب بمرض نفسي كان قد ورثه من أمه التي قضت أخر أيامها في مصحة عقلية ، هذا بالإضافة إلى معاملتها السيئة له في طفولته ، و أصابته بجرح بالغ في رأسه مما تسبب بتغيير جذري في سلوكه ، و هذا ما ظهر بوضوح في صورة الأشعة المقطعية لدماغ تيموثي ،
صورة بالاشعة المقطعية لدماغ تيموثي توضح حجم الضرر الذي لحق به |
و قد استمعت هيئة المحكمة إلى والد و زوجة تيموثي السابقة و مربيات الأطفال كشهود في القضية ، وقف السيد جونز يسرد قصة طفولة تيموثي الحزينة ثم خلع قميصه ليظهر للجميع و قد وشم صورة أحفاده على ظهره طالباً من المحكمة العفو عن أبنه ،
السيد جونز الأب يقف في المحكمة و يكشف عن وشم صورة احفاده على ظهره |
أما أمبر كايزر فقد صدمت الجميع عندما طلبت العفو عن تيموثي و تحدثت و الدموع تنهمر من عينيها قائلة : لقد قتلهم بدون رحمة ، لكن أطفالي يحبونه و أنا على يقين أنهم لو عادوا إلى الحياة فسوف يسامحونه .
أمبر كيزر أم الأطفال الخمسة أثناء الادلاء بشهادتها في المحكمة |
عودة دمية ناثان للعمل رغم تحطمها صدم الجميع في قاعة المحكمة |
كل ذلك شكّل ضغط شديد على هيئة المحلفين المكوّنة من 12 عضو و كان عليهم اتخاذ القرار خلال 24 ساعة ، و في عام 2019 م أصدرت المحكمة حكم بإعدام تيموثي جونز ذا 37 عام ، و تم نقله إلى سجن الولاية المركزي لينضم إلى طابور الإعدام الطويل.
قضية للنقاش :
رسم يوضع انتقال عدوى الغضب و العنف من الكبير الى الصغير |
تاريخ النشر : 2021-02-27