بقلم : سارة احمد – سوريا
|
تركت أبنتها تشتاق لها وترغب بشدة باحتضانها واشتمام رائحتها |
بدون مقدمات ، أنا فتاة في ١٦ من عمرها ، عندما كان عمري ٥ سنوات أصيبت أمي (بسرطان الدم) – ابعده الله عني وعنكم – و على إثر ذلك أصيبت بشلل نصفي فلم تعد قادرة على المشي ، عندما زرتها في المستشفى لم استطع تحمل الموقف فغبت عن الوعي ، عندما خرجت أمي من المستشفى لم تعد للمنزل بل ذهبت لمنزل أهلها لكي يعتنوا بها وباحتياجاتها فقد أصبحت مقعدة ! وهنا بدأت معاناتي.
أصبح أبي و أمي يتشاجران جداً و أمي أرادت أن تترك والدي فهي لا تريد أن تقيده ، و بعد معارك كثيرة أنتهى الأمر بطلاقهما مما أثر على نفسيتي ، فأصبحت عدوانية بشكل لا يُصدق ، إلى درجة أنني عندما علمت بالأمر أصبحت اضرب رأسي بالحائط ! نعم عزيزي القارئ ، فأمسكني خالي وخالتي وحاولا تهدئتي و أحضرت لي خالتي كوباً من الماء ،
فبدلاً من أن أشربه أصبحت اضغط عليه بكل ما أوتيت من قوة حتى انكسر بيدي و نجم عن ذلك أوجاع و دماء و جروح عميقة جداً ، أصبحت حالة أمي تسوء وأصبحت تتقيأ دائماً – أكرمكم الله – و في أخر أسبوع أصبحت في حالة يُرثى لها ، فقد قطعت الكلام و أصبحت لا تنطق ببنت شفه ، وكانت تنظر إلي وتتأملني فتسقط دمعة من عيونها .
أتى يوم الخميس الذي أذهب به دائماً إلى أبي ، و بعد يومان أعادني أبي إلى ديار جدي ، وهنا كانت المفاجأة ، ألا وهي أن أمي فارقت الحياة !.
أزالت جدتي أطال الله في عمرها الغطاء عن وجه أمي لكي أودعها ، ظهر وجه أمي الأبيض وعيناها اللتان تملكان جاذبية بالغة ، لقد بدت وكأنها تغط في نوم عميق ، ولكن نوم من نوع أخر (النوم الأبدي) اقتربت منها وقبلت جبهتها الباردة ، حضنتها وشممت رائحتها ، توسلت لها كي تستيقظ ، ولكن لم تجبني ،
أخبرتها بأنني لا استطيع العيش من دونها ، ولكن هيهات ، حدثتها عن حبي الشديد لها وعن مواقف حصلت لنا وعن أيام جميلة عشناها معاً ، قلت لها من : سيحكي لي قصة قبل النوم من بعدك ؟ ومن سيغني لي كي أنام ؟ من سيحتضنني عندما استيقظ في الليل أثر كابوس أو ما شابه ؟. حاولت مراراً أن أجعلها تستيقظ ، و لكن كل محاولاتي فشلت ، وحينها ادركت أنها ، ذهبت ، و ذهب معها كل شيء جميل.
ذهبت وذهبت معها كل آمالي و أحلامي ، ذهبت وذهب معها الحب والحنان ، ذهبت وذهبت الابتسامة التي لطالما جعلتني أراها على وجهها كي أنسى بعض آلامي و أحزاني التي لا تُنسى.
ذهبت وتركت ابنتها في هذا العالم القبيح الذي يملأه الشر والخبث ، ذهبت وتركت أبنتها تخوض مصاعب الحياة بمفردها ، ذهبت وتركت أبنتها تشتاق لها وترغب بشدة باحتضانها واشتمام رائحتها .
وها أنا اليوم قد أصبحت في سن السادسة عشر وقد مر ٥ سنوات على فراق أمي الغالية .
عذرا على الإطالة ، ولكنني أردت أن أشرح ما بداخلي.
تاريخ النشر : 2020-08-04