القسم : تجارب من واقع الحياة
لاجئ حبيس آلام الماضي

السلام عليكم قرّاء كابوس،
يطالبنا الجميع بنسيان الماضي، و البداية من جديد، في الكتب التّي نطالعها، في الأغاني التي نسمعها، في البرامج التي نشاهدها، و في أحاديثنا العابرة التي نفتحها مع غريب و نحن ننتظر دورنا في مقهى مزدحم.
و لكن ماذا لو أن ما ننساه لا ينسانا؟
ماذا لو أن الماضي الذّي نهرب منه، يركض وراءنا كحصان مجنون؟
ماذا لو أن ماضينا قضى على حاضرنا و مستقبلنا؟
سمحت لنفسي اليوم أن أتحدث على لسان رجل من بلد ما، قضى واحدا و عشرين سنة في دهاليز المعتقالات و أقبئة التعذيب. مرّت حياته بجانبه فلم يعشها، لأنه تجرأ و طلب أن يتنفس مع الهواء بعض الحرية.
لم يطالب بقلب نظام و لا بتولي الملوكية، فقط أن يعيش بإحترام و أن يأمن على نفسه نزوات أصحاب المقامات الرفيعة.
صحفيّ شاب، لم يتجاوز السابعة و العشرين من عمره، و لا السنة الثانية من زواجه. صدّق ما سمعه عن حريّة الأقلام و الإعلام و شعارات "لا لتكميم الأفواه"...
فسقط في الفخّ، و كان أوّل من رماه بالزندقة و الكفر، أولائك الذين شحذ قلمه دفاعا عن حقوقهم في الحياة.
ترك زوجة حاملا في أشهرها الأخيرة، طُلّقتْ منه بعد وقت قصير، حتى يحطموا رجولته كما حطموا حياته و قلمه. و أيّ وجع أقسى على رجل من إحساسه بأنّه عاجز عن الدفاع عن زوجته، عن ولده و عن مبادئه.
خرج بعد دهر، ذاق فيه من صنوف العذاب ألوانا، ففي النهاية..أليس سجين فكر؟
و من ألعن و أسوء و أخطر من سجين فكر في بلدان اللا عقل، و اللارأي و اللا مبدأ؟؟!!
خرج من سجن ليودع سجنا أعتى، الإقامة الجبرية، حيث يدفن الإنسان حياّ. فلا أحد سيقترب منه أو يمّر من أمام بيته، أو ينظر إليه.. فهو كموبوء يترقب موته الجميع، ليرتاح و خاصه يريح.
خرج من سجنه في الثامنة و الأربعين مثقلا بخيبات مائة عام، لم تعرفه إبنته التي لم تراه يوما واحدا في الواحد و العشرين سنة المنصرمة و بكته طليقته التي أدركت بأنّه الرجل الذي أحبته و تزوجته قد دفن هناك في إحدى الأقبئة العفنة، أما هذا الجسد المحمل بالأمراض، و بقايا روح معذبة تأبى النسيان فلا يعدو أن يكون درسا منهم لمن تسول له نفسه رفع الرأس..
لم يكن أمامه سوى الهرب، فهو لم يعد يجيد غيره، سافر لاجئا إلى بلدان الفكر الحرّ، حيث يضمن عيشا كريما لإبنته و موتا هادئا له.
و لكن هيهات، إندملت جراح جسده و صارت ندوبا تروي ما عاناه رجل أراد الحياة، فسقط فريسة الموت، رجل أراد الحرية فسجن، راد الكرامة فأهين، أراد القليل فإستكثروه عليه.
إلتأمت جراح الجسد و لكن جراح القلب تنزف بلا هوادة، يستيقظ كل ليلة صارخا، يوقظ أهله فزعين يتراكضون نحو غرفته يحتضنون قلبه المرتعش و يكففون بدموعهم دموعه.
يقضي يومه جالسا في الظلام صديق حبسه الوفي، صامتا يراقب نقطة وهمية في الجدار لا وجود لها.
يتحسس بين الفينة و الأخرى صدره بوجل و كأنه خائف أن يقتلعوا قلبه من بين أضلاعه، فقلبه كان عزاه الوحيد بعد أن فقد عقله.
هذه قصة رجل فقد كل شئ، حتى نفسه في سبيل كلمة حق في وجه الجائرين.
أرجو أن ترقد روحه في سلام
تاريخ النشر : 2015-12-16
تاريخ النشر: 2015-12-16
التعليقات (26)
كوثر:
شاء الله وقدر ما فعل
غريبة الاطوار:
فعلا احيانا الماضي بيحاصرنا مهما حاولنا نتخلص منو, ونحنا دائما بالوطن العربي عنا مشكلة التعبير
التعبير ممنوع ,واللي حب يعبر عن رأيو ب شوية حرية"راحت عليه"
بس يا ترى انو افضل؟
نعبر ونناضل ونكافح بس نخسر حياتنا؟
ولا نكسب حياتنا بس نضل متل الخرفان؟
Abdo:
كلماتك رائعة
واثارت في الكثير
شكراً لكي
ننننننننننن:
مبدعة
ابتسام:
حكيت عن أسوأ شي
مثل هاذي القصص تسبب لي المرض
امال:
ااااااااااااااااااامين
مُليكه:
--
من رفع راسه في زمن انحنت فيه كل الرؤس!!!
هو فارس فارس فارس..
..اتبع ياالله من بعده سببا وبدلا..ومكن بخطي قلبه المستنيره قلوب من سلكوا دربه..واعان من هم في نفس محنته الان..
--
اختي حنين لدي سؤال خارجي ما مهنتك؟..اظن اني خمنتها..
--
سوما:
أختي كوثر صاحبة التعليق رقم 1 أعتذر على التدخل في كلامك لكن أود أن اصحح لك عبارتك فقط .. الصحيح أن نقول : قدر الله وما شاء فعل
تقبلي تحياتي :)
عبدو عبد الرحيم العرائشي المغربي:
بدون تعليق
حنين عبد الإلاه إلى **مُليكه:
أنا طالبة جامعية عزيزتي مليكه و لا أعمل بعد
و بالرغم من ذلك فقد أثرت فضولي حقا، لأعرف تخمينك ههههههههه
و من يعرف قد يكون تخمينك هو بحق مهنة أحلامي
مُليكه:
--
بصراحه استطيع ان اعرف موهبه الشخص من طريقه وصفه للاشياء
مثلا..طبيب..ستجدينه باردا في وصف الماسي لان مهنته تقوي القلب..
اما المهندس فتجدينه يصف الاشياء بالمنطق فقط..اما الرسام او الفنان فتجدينه يصف الاشياء من جميع زواياها ويهتم بالتفاصيل الممله..اما ((الصحفي)) او الاديب بصفه عامه فستجدينه قد تفوق علي هؤلاء جميعا حيث يكون:واقعي ..حساس..بارع..متمكن..يعرف كيف يركز علي النقاط التي يرغب ان يلفت انظار القراء اليها..هادئ في سرده اي امر محزن بمعني اصح يكتب بحزن وبسيطره علي القلم بنفس الوقت بمعني لا مندفع ولا بارد بل ((متمكن))..
اذا هل تدرسين الصحافه؟..ان لم يكن فخساره :)
--
غامضة:
احسك مؤلفه القصه .........
ايش رايك هابي فيروس ؟ :)
حنين عبد الإلاه إلى **مُليكه:
شكرا يا عزيزتي على كلماتك الجميلة و لكني لا أدرس صحافة بل طبّ أسنان
فالصحافة للأسف صارت عقدة لديّ، و لا أريد التورط فيها
حنين عبد الإلاه إلى غامضة:
أحترم رأيك فلك كل الحرية في إحساسك
و لكن ما لا أفهمه في الحقيقة أن لا تصدقي هاته القصة في مثل هذه الظروف بالذات
ربما لا تستهويك نشرات الأخبار لأنك لو جلست لعشر دقائق أمام التلفاز لرأيت ما يشيب من هوله الرضع
و قد سمعتِ بالتأكيد ملايين القصص عن سجناء سياسيين مروا بأكثر مما مر به بطل تجربتنا هذه
فما رأيك غامضة؟
مُليكه:
--
امممم غريب اتمني تسعدين بمهنتك كطبيبه ..
عموما,,
قسم طب الاسنان ليس بالقساوه المعهوده لباقي اقسام الطب..
لذالك ستحتفظين بموهبتك:)
لا يشترط ان تصبحي صحفيه لتبرزي موهبتك او حتي ان تكوني موهوبه
لتزاولي مهنه ما.. الامر يتوقف فقط الامرعلي القدر والمزاوله..
فليس كل الناس يدركون قدراتهم..ومع هذا ينجحون باماكن اخري
قد تكون لا علاقه لها ابدا بميولهم..لان الاصرار هو اهم شئ..
شكرا اتمني الا يكون ازعجك فضولي ,,
--
a s r:
قصة مؤلمة
رحمة الله عليه
حنين عبد الإلاه إلى **مُليكه:
بالعكس يا مليكه لقد سررت بالحديث إليك :)
و أتمنى أن لا أفقد حبي للكتابة أو القراءة
و إن كنتُ لستُ متأكدة من تحقق أمنيتي هذه
هابي فايروس:
ارجو ان يرقد بسلام:)
أظن أن .....
جيهان:
اه يا بلاد القهر و الموت _ اه يا موطن الاحزان و الاشجان _ اه يا ارض الظلم و الاثم _ اللهم اني اسالك القوة و الصبر و القدرة على التحمل فلولاهم لا حياة لنا _ اشكر اختي الكاتبة على ابداعها لانها قد صورت واقعنا المرير بشكل ممتاز الله يحميها
ورد:
كم من رجل و امرأة يقبعون الآن في زنزانات الظلم
أخطتفوا أمام أعيننا و لم نحرك ساكنا خوفا من أن نعمر زنزانة مجاورة
ثورات العرب فتحت ملفات محرمة كثيرة منها قصص هؤلاء الذين سلبت أرواحهم في سجون
الإستبداد
كم أخجل عندما أرى أو أسمع قصص مشابهة كم أشعر بالضآلة أمام هامتهم العملاقه
كم أشعر بالجبن أمام شجاعتهم و كم أحترمهم
فهم وحدهم من عرفوا معنى الحياة
أحدهم:
العزيزة (حنين)
رائعة وجميلة قصتك .. وأسلوب قصصي ناضج ..
لو أن القصة فعلا حقيقية لكنت رشحت أن تكون من كتبت المقال هي إبنة الصحفي المسجون نفسه.. لا أدري لكن العبارات تهمس بذلك، أم لعله إبداع القلم..
حنين .. واصلي .. نطمح بقراءة المزيد منك عزيزتي :)
كرامة الشاهد:
يراودني إحساس غريب بأن من كتب هذا الموضوع هو الإبنة أو ربما هي من روت على الأقل القصة
و لك بالتأكيد علي أن أشيد بقلمك أخت حنين فقد كان مقالك قصيرا و لكن معبر جدا عن معاناة فئة من الناس
تجاهلناها في الماضي و همشناها في الحاضر و من يعلم ما سنفعله بها في المستقبل
إن كنت يا أخت حنين صاحبة التجربة فأنا أحييك على شجاعتك للتحدث و إن لم يكن فأرفع قبعتي لقلمك المتميز
عفاف الحاج علي/فلسطين:
رائع قلمك قهو يسرد بسلاسة ويسر اشد العذابات الفكرية والجسديةالتي عانى منها فعلا سجين الفكر الحر، فقد ترائت لي الصورة المحزنة القاسية امامي بكل البشاعة والالم وفي نفس الوقت وقفت شامخة بكل كبرياء وهي تنادي بابسط حقوق الانساني الا وهي الحرية والتي ولدت مع كل انسان حال تنفسه اول جرعة اكسجين- هنيئا له موقفه الثابت والحر والذي شرف كل نفس انسانية تتوق الى الحرية والعيش بكرامة على الرغم من انف الجلاد.
مريم:
قصة مؤلمة جدا خاصة تخلي الجميع عن الصحفي الذي وقف في وجه الجميع من أجلهم
نكران الجميل و النفاق هو الذي ضيع هذا الشاب المسكين
لكنه و مع كل ما مر به قد عاش حياة أفضل بمئات المرات من كل من سجنه
فهو كان حرا في سجنه بينما هم سجناء في حريتهم
أيوب الجزائري:
أخي حنين عبد الإلاه ماااااا أروع قلمك استمتعت بالقراءة حقيقة شكرا لك على مشاركتنا ان شاء الله يجد الراحة في قبره
شخصية مميزة الى حنين عبد:
انه واحد من بين الف مظلوم يمرون بمثل هذه الظروف القاخر ة والظالمة التي لاترحم احدا في هاذا الجزء من العلم فألرجو ان يرحمه الله ويسكنه فسيح جنانه ولهم اهله الصبر والسلوان وانتبقيى ذكراه قائمة في كل من قرا هذا المقال المؤثر