أدب الرعب والعام

الأمل

بقلم : أحمد ابراهيم سليم – مصر
[email protected]

ستفني البشرية اليوم….
بكل تاريخها وإنجازاتها صراعاتها وسلامها أشرارها وطيبيها لن يبقي لها أثر وكأنها لم توجد يوما في تاريخ الكون
هكذا هوي الخبر كالصاعقة علي رأس العالم مثل الكويكبات والأقمار الصناعية التي أمطرتها السماء منذ شهرين منذرة بالخطر الأكبر القادم مؤكدة الشائعات التي لم يوجد دليل عليها من قبل
نيزك أكبر حجما من الأرض نفسها في طريقه للإصطدام بها واليوم هو الموعد
في الحقيقة ما حدث خلال الشهريين الماضيين منذ إنتشار الخبر أسوء من الخبر نفسه مما جعلني أتسأل
هل يجب أن يعرف البشر أنهم سيموتون قريبا أم من الأفضل أن يكون الأمر مفاجيء لهم؟
سؤال لا أعتقد أنها قد فكرت فيه رئيسة وكالة الفضاء تلك الشابة ذات الملامح العربية الساحرة وهي تعلن الخبر للعالم الذي أصابه الجنون بعدها

ذعر ديني
إفشاء أسرار علانية وتوبة وطلب عفو
الكثيرين من جميع المستويات تركوا وظائفهم وأعمالهم إما للإنتحار أو فقدا للآمال والانعزال أو ليكونوا مع عائلاتهم في اللحظات الأخيرة
الكثيرين هجروا أموالهم وممتلكاتهم
إنهيارات حادة في الاقتصاد العالمي وإفلاس شركات ومستثمرين ودول
مجاعات عالمية وإنتشار أوبئة وأمراض لم يسمع بها أحد من قبل كانت محفوظة في مراكز أبحاث الأمراض والحرب البيولوجية
توقف الكثير من الوكالات الأعلانية وإختفاء الكثير من الوجوه المعروفة
ظهور الكثير من المتنبأين ورجال الدين والوعاظ والمبشرين بأديان لم يسمع بها أحد من قبل مما أدي إلي الكثير من الخلافات والتشاحن والصراعات الدينية
فضائح إعلامية ومحاكمات لشخصيات مشهورة وتسريب أسرار مخابراتية وعسكرية وصناعية وعلمية
هروب للمساجين وتكون جماعات مسلحة وفوضي عارمة وخروج عن القانون وشغب وارتفاع معدلات الجريمة
تغيرات سريعة في موازين القوي العالمية بسبب إنحلال المنظمات الدولية وأنهيار الكثير من الحكومات وقيام الحروب الأهلية والإنقلابات العسكرية والإغتيالات والتمردات المسلحة بالإضافة إلي الكثير من الهجمات العسكرية من الدول علي بعضها البعض واشتعال الحرائق الكبري والكثير والكثير من الأحداث والفظائع الأخري التي تسبب بها بشكل رئيسي إنقسام البشر بعد سماع الخبر إلي عدة أقسام :

قسم مصدق وقسم مكذب

المصدق منهم من قرر التوقف عن السعي ومنهم من واصل السعي لأخر رمق ومنهم من قرر الاستمتاع بأخر لحظاته علي قيد الحياة أيا كانت الوسيلة

والمكذب منهم من أستمر في عمله والشك ينخر قلبه ومنهم من قرر إستغلال الفرص الثمينة التي وفرها ترك المصدقين لعملهم
مما تسبب في ظهور الكثير من الأشخاص المجهولين الذين صاروا أصحاب ثروات بين عشية وضحاها وقامت دول وأنفصلت مناطق وأنتشر المجون والفحش علانية

ومنهم من عارض بإصرار شديد وطالب الآخرين بعدم التصديق لكن لم يستمع إليه أحد فقرر إستغلال الفرص بدوره لكي يُسمع صوته
لذلك ظهرت الكثير من نظريات المؤامرة ومناصريها وقامت المظاهرات المناهضة والعمليات التخريبية والعصيانات المدنية والحكومية

الغريب في الأمر أن كل هذا وأكثر منه قد ذكر في واحدة من تلك القصص الرديئة التي يدعي مؤلفوها التنبؤ بالمستقبل والتي اشتهرت أيضا في الفترة الماضية بشكل لم يكن يتخيله مؤلفها ذلك المصري أحمد إبراهيم
والذي قال فيها جملة عبقرية أتذكرها جيدا الان :
البشرية تهدف إلي فناء نفسها بنفسها هي فقط تتحين الفرصة

– “لا أعرف لماذا أخبرك بهذا يا صديقي فلقد رأيته بنفسك ربما لأنك الوحيد الذي يستمع لي”.. أنهي كلماته وكلبه الأسود يلعق قدميه أثناء ما كان ينهي هو ربط فرع الضوء في عامود البار المعدني ويعقد طرفه الآخر بشكل مشابه لحبل الإعدام ثم صعد أعلي أحد الكراسي الخشبية معلقا السلك إلي جوار اللمبة المرتعشة التي تلقي بدائرة الضوء الوحيدة في المكان الواسع المظلم حوله والتي كانت معلقة في سقف الحانة التي كان يعمل فيها وأتخذها مقرا لسكنه منذ فترة
أطلق تنهيدة خرجت محملة برائحة الخمر وهو يحك شعره الطويل الملبد وينظر إلي كلبه ويقول

– “أعرف انك مندهش لأقدامي علي الإنتحار بالرغم من أن البشرية كلها تعتقد أنها ستموت بعد ساعات.. ربما لأن العلامة التي أنتظرها من الله لتجدد أمالي لم تظهر بعد أو ربما هي ظهرت وأنا خائف من تأكيدها لم أعد أعرف ببساطة مشاعري متضاربة كل ما أعرفه أن هذا ما يخبرني به قلبي الذي أتبعه كما أفعل دائما بالرغم من أن هذا جعل حياتي مجموعة كبيرة من التناقضات أؤمن بالله وأعمل في حانة… توقفت عن حب عائلتي وقت حاجتهم للحب بل حتي إنني قد تركتهم في أشد أوقات إحتياجهم لي…أنا وغد حقا لكن فات أوان الإعتذار”
صمت للحظات وسرح بعينيه الحمراء الناعسة المكتئبة في الفراغ المظلم أمامه ثم أطلق تنهيدة أخري وهو يمسك فرع الضوء ويلفه حول رقبته وينظر للكلب ويقول

– “وداعا يا صديقي أراك في الآخرة”

هم بالقفز من فوق الكرسي لكن إستوقفته إصطدامة قوية بباب الحانة الخشبي زمجر علي إثرها الكلب فحاول الرجل إختراق الظلام أمامه ليلمح شبح جسد قوي البنية أخذ بالتقدم بحذر ناحيته ممسكا شيئا في يده اليسري تبين أنه مسدس عندما أخترق الشبح بيده دائرة الضوء بينما أحتفظ بباقي جسده واقفا في الظلام وهو يقول بصوت أجش

– “ماذا تفعل؟”

لم يجب الرجل المعلق في نفس اللحظة التي أندفع الكلب بشراسة نحو ذلك الرجل الغامض الذي أطلق رصاصة تحذيرية بين قدمي الكلب الذي توقف بغتة وهو ينبح ويتفحص الرجل بحذر الذي أعاد تساؤله فأجابه الرجل المعلق هذه المرة قائلا بسخرية

– “أحاول أن أفوز في سباق الموت الجماعي”

لم ينبس الرجل الغامض ببنت شفة وهو يتطلع إلي الرجل المعلق لثوان من خلف ستار الظلام الذي غشيه ثم قال :

– “صوتك عميق ويبث الراحة في النفوس بالرغم من أنك لا تبتسم علي عكس هيئتك الرثة لذلك يسعدني أن أجري معك حوار يثنيك عن ما تفعل”

قضم الرجل المعلق أحد أظافرة الطويلة في غيظ وهو يقول

– “أنت علي العكس مني تمام فنبرة صوتك تدل علي أنك مبتسم ومتفائل دائما وهذا رائع في وقتنا الحالي أستأذنك سأنهي عملي”

تقدم الرجل الغامض أكثر لدائرة الضوء فتبين الرجل المعلق تمزق أجزاء من ثياب هذا الأول الذي قال:

– “لن أسمح لك”

هز الرجل المعلق رأسه في سخرية وهو يقول:

– “وماذا ستفعل؟ ستقتلني لتمنعني عن الانتحار؟”

هز الرجل الغامض رأسه نافيا وهو يقول بإصرار:

– “سأطلق النار علي فرع الضوء هذا والأن أنزل إلي هنا”

ضم الرجل المعلق قبضته في غضب وجذب لحيته الطويلة وجز علي أسنانه وهو يحرر رقبته من السلك وينزل من فوق الكرسي ليجلس فوقه بينما تحرك الرجل الغامض خلف البار ووضع فوقه حقيبة سوداء كان يحملها في يده اليمني التي أخرج بها شيء بلاستيكي من أحد جيوب بنطاله وأنحني علي قابس الكهرباء وضربه بكعب المسدس وجذب أحد الأسلاك من خلفه ثم نظر إلي الرجل الذي كان معلقا منذ لحظات وهو يقول:

– “هذا المكان يعمل بغاز البروبان صحيح؟”

هز الرجل الجالس رأسه بصمت فألتفت الغامض الي قابس الكهرباء مرة أخري وأخذ بإيصال الأسلاك الكهربائية بالشيء البلاستيكي الذي وضعه أرضا ثم ألتفت إلي الرجل الجالس وسحب هو الآخر كرسي من المبعثرين أرضا ودخل إلي دائرة الضوء ليجلس في المواجهه

تبين صاحب الكلب الملامح الوسيمة للرجل الغامض للمرة الأولي وتلك الجروح المتفرقة حول الأحزمة التكتيكة المحيطة بجسده والتي يرتديها رجال القوات الخاصة والتي أعاد إليها المسدس الذي كان يحمله في نفس اللحظة التي أبتسم فيها وهو يقول:

– ما هي تلك الاشارة التي تنتظرها ياصديقي؟

– بما أنك كنت تستمع إلي قبل دخولك إلي هنا فمن المؤكد أنك قد سمعتني أقول أنه توجد مشاكل بيني وبين عائلتي ومن الطبيعي في هذا الوقت أن أحاول حلها حتي ولو لم أكن أصدق خبر نهاية العالم هذا لكن جميع محاولاتي للوصول لهم فقط قد فشلت حتي فقدت الأمل تماما وتأكدت أن الله يعاقبني

– ألم تحاول الذهاب إليهم أو الاتصال بهم؟

داعب صاحب الكلب ولاعته الموضوعة علي البار إلي جوار علبة سجائره وهو يقول:

– هم يقطنون بعيدا جدا والطيران متوقف وشبكات الهواتف والانترنت مقطوعة

– نظرا لهذا العدد الضخم من بقايا الطعام وزجاجات الخمر الفارغة ورائحة البول والغائط التي تمليء المكان يبدو أنك هنا منذ فترة طويلة

– نظرا لهيئتك الحالية والإرهاق الواضح عليك يبدو انك ناجي من معركة منذ وقت قريب

– ما نوع تلك المشاكل؟

– لماذا تشحن هاتف القمر الاصطناعي هذا؟

– كيف عرفت أن….؟

لمعت عينا صاحب الكلب بشكل غريب وكأن كل همومه قد إنزاحت دفعة واحدة وقال:

– إذا هو هاتف قمر اصطناعي لم أكن أعرف قبل ثانية

– يعجبني ذكائك الشديد ولذلك سأخبرك….هذا الهاتف يجب أن أجري به مكالمة صدق أو لا تصدق متوقف عليها نجاة الجنس البشري ولا تسألني عن الكيفية فلن أخبرك حتي تحكي لي عن عائلتك

بدا الأمر وكأنه مبادلة عادلة فأطل الحزن من عيني صاحب الكلب وهو يسرح في الفراغ مرة أخري ويقول:

– “لدي أم فقيرة لكنها لم تبخل علي بما في يدها وزوجة مصابة بالسرطان لكنها صابرة ولم تبخل علي بالرعاية وطفلة عمياء لم تبخل علي بالحب لكنني تركتهم بعد أن حاولت كثيرا الصبر علي العيش معهم لكن في النهاية سئمتهم فأبتعدت وتركتهم”

تبدلت ملامح الجندي إلي الاشمئزاز وهو يقول:

– يا لك من حقير أنت لا تحتاج إلي الانتحار فأنت ميت بالفعل فالأنسان يموت يوم أن لا يبقي له أثر طيب في قلوب الناس أذهب لهم الأن ضمهم وأعتذر

– لن أنجح في الوصول سيرا

– علي الأقل ستموت وأنت تحاول

– لن أحاول بل سأنجح فلكل واحد منهم جملة تثبت حبي له توقفت عنها بالتدريج عندما أصابني الضيق يمكنني إستخدام هذا الهاتف للإتصال بهم وقولها

– لا أستطيع مساعدتك الوقت يمر وبطارية الهاتف ستكفي لمكالمة واحدة وبالرغم من نبل مسعاك إلا أن إنقاذ البشرية هو الأهم

– أخبرني كيف ستنقذ هذه المكالمة البشرية وما سر هذه الحقيبة المغطاة بالدماء التي لا يمكن أن تنتج عن جروحك السطحية تلك

– هذه الحقيبة تحوي أكواد تشغيلية هامة وتلك الدماء هي للعالم الذي سرق تلك الأكواد وهرب ليمنعنا من إنقاذ البشرية ظنا منه انه بهذا يخالف قضاء الله الذي أمر بفنائها فتم تكليفي أنا وفريقي بإستعادتها بأي ثمن وإيصالها إلي أحد القواعد العسكرية أو الإتصال بالدعم الجوي لنقلها أو إبلاغها هاتفيا والخطط الأخري قد فشلت وفريقي قد قتل ولم يبقي سوي إبلاغها هاتفيا

– ما لذي تفعله هذه الأكواد وكيف ستنقذ البشرية؟

– لن أخبرك لكن كن واثق من الشخص الذي كلفني بالمهمه أنت تعرفها بالمناسبة هي أشهر شخص في العالم حاليا

– رئيسة وكالة الفضاء تلك العاهرة التي قلبت العالم رأسا علي عقب

– لن أسمح لك بسبها

– أنت عاشق إذا وأنطلت عليك الخدعة الكبري كما أنطلت علي العالم كله

– ولماذا لا تقول أنك ذو وساوس زائدة عن الحد فقط

– ربما لكنني لا اصدق أخبرني أنت لماذا تصدق

– ألم تري الكوكيبات التي هبطت من السماء؟

– من الممكن أن تكون صواريخا باليستية

– ألم تري تسريبات الرحلات الفضائية التي تم تجهيزها والمحملة بعبوات البويضات المخصبة ألم تشاهد فيلم Interstellar الذي عرض حل مناسب للوضع الحالي قبل أعوام

داعب صاحب الكلب طرف فرع الضوء المربوط في عامود البار المعدني وهو يقول:

– لن أتجادل معك أكثر من هذا ، لقد أرسل الله لي الإشارة التي كنت أطلبها ولن أضيعها من يدي

– أنت من الأغبياء المؤمنين بوجود الله كيف تكون بهذه الأنانية

– لا يهمني….الآن يمكنني التضحية بالبشرية كلها مقابل ابتسامة واحدة من عائلتي ولهذا سأحصل علي هذا الهاتف

أنهي صاحب الكلب كلماته وسحب فرع الضوء من السقف في سرعة وأنقلب بالكرسي الي الظلام خلفه وهو يأمر الكلب بالهجوم علي الجندي الذي سحب مسدسه في سرعة وأردي الكلب في رأسه ليسقط صريعا ثم بدأ بإطلاق النار في الظلام المحيط به أملا في إصابة صاحب الكلب الذي أختفي فجأة وكأن الأرض قد أبتلعته مما دفع الجندي الي إطراق السمع والتلفت حوله في حذر وفي نفس اللحظة التي أرتعشت فيها اللمبة أنشق الهواء عن زجاجة خمر طائرة أصابت الجندي في رأسه وجعلت الأرض تميد به فأندفع صاحب الكلب نحوه في سرعه وركلة في بطنه ليلقيه أرضا وأنتزع المسدس من يده ودسه في ملابسه ثم قيده بفرع الضوء في إحكام وأتجه ناحية الهاتف وأنتزعه وأخذ يداعب أزراره ليفاجأ بوجود كلمة مرور يجب إدخالها
إتجه صاحب الكلب إلي الجندي وجذبه من ذقنه وهو يقول:

– ” ما هي كلمة المرور؟”

لم يجبه الجندي ورمقه بنظرة تحدي جعلت صاحب الكلب يبتسم للمرة الأولي ويقول:

– “أعرف جيدا الطريقة التي ستجعلك تتحدث”

ثم أتجه ناحية الحقيبة السوداء الموضوعة علي البار وفتحها مخرجا منها عددا من الأوراق الممتلئة بالأرقام ثم سحب الولاعة الموضوعة علي البار وأشعلها والتفت إلي الجندي وقال:

– “أنت تعرف أن هذه الأوراق لا تعني لي شيء لكنها تعني لك كل شيء”

تبدلت نظرة الجندي من التحدي إلي القلق وهو يرمق الأوراق في تردد وحسرة لعدة ثواني ثم حسم أمره في أسي وقال:

“7679”

إبتسم صاحب الكلب في تشفي وهو يدير ظهره إلي الجندي ويدخل الأرقام

– “ما الذي يجعلك متأكد أنها أرقام فتح الجهاز وليس تدميره؟”

قالها الجندي فأصاب صاحب الكلب بالقلق فعقد حاجبيه وألتفت له ليفاجأ بالأول وقد حل وثاقه بإستخدام سكين كان يخفيه في ملابسه والآن أخفاه في قلب الثاني الذي دفع الجندي بقدمه وهو يشهق والهاتف يطير من يده فأخرج المسدس من ملابسه وأطلق النار علي رأس الجندي فألقاه صريعا ووقع هو أيضا أرضا وبينما أنفاسه تتباطأ جاهد في الوصول للهاتف مرة أخري لكن الدنيا أظلمت أمام عينيه
وهو يتسأل هل الخبر حقيقي أم لا؟…والأهم من هذا هل سامحته عائلته أم لا؟

guest
5 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى