أدب الرعب والعام

بنات الماء

بقلم : عطعوط – اليمن

للتواصل :
[email protected]

رعى الله من قرأ، واثاب من علق،
واحسن الى من نشر ودقق.
وسلم من سلم الناس لسانه، ويده،
وغفر لمن سمى، واستسمى، وعلى النبي صلى…

في عهد الاغريق،
حدثت قصة الغريق.

اسرعوا..
غيروا اتجاه الشراع
شدو السواري
الحبال تتمزق
اوشك المركب ان يغرق
-نبذل قصارى جهدنا.
الرياح متقلبة،
والامواج عاتية.

-هيا؛ سدوا الثقب الذي يتدفق منه الماء.
-ليس بمقدورناء ايها القبطان!،
اقتلعت الرياح مقصورة القيادة،
اضحيناء مسلوبي الارادة.

-المركب تغرق انزلوا القوارب،
-اي قوارب؟
لقد اجتاح الموج المراكب،
فكيف بالقوارب؟
-هاقد انفلق المركب.
يا إله السماء؛اجرناء من الهلاك،
ليس لناء ملجاء سواك.
هيا الى القوارب؛ اقفزوا،
المركب تغرق لاتتاخروا.
-كن اول القافزين  وسوف نلحقك في الحين.
-كلا ، القبطان الماهر يكن آخر من يغادر.
يا إلاهي! تغوص القوارب في الامواج،
لم يكن هناك ناج.
بسم الله لحقت بكم…

لفحته حرارة الشمس فأفاق،
وجد نفسه واقع،
على كوم صدف وقواقع،
في ساحل،قاحل.

نهض متثاقل واقفاً على قدماه،
لايعلم كم من الوقت قضاه،
فعادت به ذكراه،
الى المركب إياه،
فقال في ذاته: اناء الربان، لا اعلم اين اناء الان؟.
اين المركب؟،
اين ركاب المركب؟،

سأجوب الساحل
عل وعسى
اجد قارب او راكب.

مشيت،
فوجدتها جزيرة،
مهجورة،
تكسوها الخضرة،

كثيفة الغابات،
غزيرة الشلالات.
أشجارها باسقة،
ثمارها ناضجة.

أشرفت على واحة خضراء.
يتخللها لسان بحري،
استمتع بمنظرها السحري،
حل المساء،
فاستندت الى جذع شجرة،
وكان القمر في ليلة تمامه.

شاهدت عدد من الفتيات،
سابحات،
نحوي قادمات.

وضعن اقدامهن على البر،
تهلل وجهي واستبشر،
ها قد عثرت على بشر.

توجهن إلى الواحة،
خلعن ثيابهن المبللة،
علقنها على فروع الاشجار،
و ارتدن فساتين براقة،
تخطف الابصار.

ثم شرعن في اللعب، والرقص،
على الطبل، والمزمار،

بيض رقاق،
وسمر دقاق.

غريبات الاشكال،
فائقات الجمال.

استرقت السمع،
فلم افقه لهن مقال.

تسللت خفية،
اخذت بعض الثياب المعلقة.
ثم قبعت غير بعيد،

كان نصف الليل قد ذهب،
فتوقف الغناء والطرب.

تفرقن بأدب و وقار،
التقطن ثيابهن من فروع الاشجار.

نحو البحر،
أنتظمن ماشيات،في صفوف،
تهف الرياح ثيابهن هفوف.

غاصين، فتوارين.

بقت احداهن،
تذهب، وتعود، مسرعة،
باحثة عن ثيابها المفقودة.

وبعد ان يأست؛
جلست،
مطبقة كفيها على الجبين،
مطاطئة رأسها بشكل حزين.

غشتني الرأفة،
شعرت بإثم ما اقترفته.

فتسللت خلسة،
وضعت الثياب
تحت شجرة.

بقيت متخفي،
الاحظ ما يجري.

رفعت رأسها،
فشاهدت ثيابها.

انطلقت مسرعة،
اخذتها، فضمتها،
ثم شممتها،
فافلتتها من يدها.
ثم عادة فالتقطتاه،
فكررت شمها.

دارت في كل الاتجاهات،
وكانها تستشعر ذبذبات.

فجأة توقفت،
وصوبي انطلقت.

لم يكن لي مفر،
فتسلقت احد الشجر.

أقتربت،
وبجذع الشجرة امسكت،
وإليّ نظرة.

كياني تصلب،
فصرت خشب على خشب.

جسدي إليها انجذب،
والخوف عني ذهب.

فهويت، وامامها حطيت.

فقهقهت،
وباحد الثياب اليٌ القت.

اتخذت منه سترة،
بين الركبة والسرة.

تتفحصني بحذر،
كأنها لم تر قبلي بشر.

جمالها مريع،
وكلامها سريع.

إنها درة من الدرر؛
إذا تكلمت:
تنبعث من ثناياها شرر.

وقفت امامها،
صامت، خجول،
لا افهم ماتقول.

هناء كانت المعظلة،
في اختلاف اللغة.

اخذت بيدي،
فخف وزني.

وكاني اطير في الهواء،
او امشي على الماء.

بدأ النسيم يهُب،
لمحت كائن يهرب،

اطلقت الفتاة، صفارة إنذار،
فتوقف عن الفرار، وإليناء دار،

فوجدناه انسان؛
له من الرؤس إثنان،
ومن الارجل ثمان؛
اربع الى الاعلى، وبينهن رأس.
و مثلهن الى الاسفل، وبينهن رأس.

فكان اذا مشى و تعب،
انقلب رأسا على عقب.

فيمش على التي كانت الى الاعلى،
فكان مهما مشى لاينتابه عناء.

تكلم مع الفتاة، بلغة لم افهمها،

فاقتادناء،
الى مسكن، في جوف صخرة، صماء.

دخلناء فوجدناء فيه:
قدر يغلي من غير لهب،
وتنور يشوي من غير وقيد،
ونار تستعر من غير حطب.

وسكين على الباب، تنصب ذاتها،
اذا راتها بهيمة اقبلت،
وذبحت نفسها بها.

اعطاني من ثيابه ما ارتديه،

رمشت الفتاة بالعينين،
ثم اشارة، بسبابتي كفيها،
ملتصقتين،
نحو سرير، مفروش حرير، وديباج،
ففهمت انها تعرض عليّ الزواج.

هزيت رأسي بالإيجاب،
فتولى ذو الرأسين؛
العقد، و كتب الكتاب.

ثم خرج؛
ساحبا الباب خلفه،
بسهوله وخفه،
رغم انه جزء من الصخرة.

بقينا نتبادل النظرات، والابتسامات،
إلا انناء غير قادرين على فهم اللغات.

كان اثاث المسكن حرير مرصع،
يشع النور فيه  من كل موضع.

تداخلت الاطياف،
والتوت الاطراف.

غادرت الروح الجسد،
لم يعد احد يشعر باحد.

حل الصباح ولاح،
 

فُتح الباب من ذاته،
وكان ذو الرأسين منتصب امامه.

نطق ببعض الكلام لم افهمه،
وكانت لاتزال نائمه.

القى بسمك الى التنور،
ثم ايقظها فتناولناء الفطور.

لم يأكل معاناء ولم يشرب،
وكان حاله عجب.

مضى عام،
لم اشعر بمرور الايام.

وفي احد الليال،
استيقظت من المنام،

إثر طائف طاف بي،
بقصد التنبيه.
فسألت نفسي:
ماهذا الذي اناء فيه؟.
 
حورية من الحور،
وقدر يغلي، و تنور،
نسيت ما كان وكان،
واحداث الزمان.

لم يعد يخطر لي ببال،
لازوجة ولا عيال،
لا لا لن اعود لنكد الحال.

كان يصطحبناء ذو الرأسين للنزههة.
يقف على الساحل فتاتيه الاسماك
مسرعة،
باشكال واحجام مختلفة،
قتف امامه، منتصبه،
فيختار منها ما يناسبه.

خلال
هذه الفترة،
استطعناء التأقلم،
لغة و تكلم.

فكناء في شهر عسل دائم
اناديها بإسمها يا، سفاري!
فتناديني يا، ساري!

حملت؛
فولدت ولد،
لايشبهه احد.
على تسميته،
اختلفناء.
هي تقول…
واناء اقول…
فكان لذو الرأسين الاختيار،
فاسماه شنكار.

شب شنكار؛
ولِه، شغوف،
دائم الحركة،
نادر الوقوف.

ذات ليلة من الليالي،
ذهبناء نحو الواحة،
تلبية لرغبة سفاري.

بمجرد ان وصلناء؛
شاهدناء الفتيات،
في الرقص والغناء صاخبات.

فانتفظة سفاري جواري.
انطلقة مسرعة،
وفي بؤرة الرقص استقامة.

ساد الصمت التام،
وكثر حولها الزحام.

ثم حملينها على الرؤس،
صائحات بصوت عالِ،
اين كنتِ ياسفاري؟.

كانت تشير نحوي،
وكنت اناء متواري.

حملينها ومشين،
وفي البحر غاصين.

لم اكن اتوقع ذلك ان يحصل،
لحقتهن فوقفت على الساحل منذهل.

حسيت بروحي تغادر جسدي،
لم تعد تتسع الجزيرة المي و حزني.

عدت الى المسكن،
كي اخبر ذو الرأسين،
ربما، واساني، وبها اتاني.

فكان حزني الثاني؛
لم اجد المسكن في مكانه،
وكلما وجدته صخرة،
لاباب لها ولا فتحة.

تلفت مبحلق النظر،
لم اعثر لذو الرأسين على اثر.

جثيت مطاطئ محتار،
سمعت صوت شنكار.

رفعت رأسي محاولآ الابصار،
فإذا بيده ترتفع من خلال كوم احجار.
اسرعت اليه،
انتشلته،
فسألته:
عم جرى وصار؟
رد: اثناء نومي حسيت بهزة غربال،
وعندما استيقظت وجدت نفسي على هذا الحال.

اخذت شنكار بحضني.

اركض وانبطح،
انحت الصخر بيدي؛
عله ان ينفتح.
حتى الثياب التي كنت ارتدي؛
اختفت من على جسدي.

بت جوار الصخرة مع ابني،
اندب حظي.

ومع الشروق
عدت إلى الواحة،
باحثا عنها.
تسلقت جذع الشجرة ذاتها،
فلمحت شراع مركب قادم،
قلت في ذاتي:
إنها عليه راكبة،
فقد استنجدت،
وهي من به اتت.

صعدت قمة،
مرتفعة.
استمريت بالتلويح،
وكنت اصيح! سفاري!
ابشري؛
ها هوا المركب اتِ.

هبطت مسرع،
حملت شنكار،
وخضت البحر،
بعزيمة واصرار.

فالقوا اليّ بقارب،
انتشلوني مع شنكار،
لم اجد سفاري بالانتظار.

جبت المركب عرضا وطول،
لم ادع متاع الافتشته،
ولا قناع الا كشفته.

ظل الركاب والقبطان،
مذهولين اليّ ناظرين،
ثم انهالوا عليّ سائلين:
من تكون؟
ما سبب تواجدك في هذا المكان المسكون؟
كان كياني قد استقر،
فاوضحت لهم مجمل الخبر.
فقالوا:
هل انت من ركاب مركب الاغريق،
الذي تاه الطريق؟.
قبل بضع سنين،
ويتناقل الناس خبره،
من حين لحين؟.

-نعم؛ انه هوا واناء قبطانه.
هل هناك ناج غيري من ركابه؟
-نهشتهم الاسماك؛
لم ينج احد سواك.
انت محظوظ؛
رحلتناء الى بلدك سنصلك باهلك.
-اريد البقاء، سأنتظرها.
القى بنفسه من على المركب،
القبطان لحقه، اصعده، فكبله، و وثقه.
ثم وعضه، و ارشده.
فقال:
ان من تتكلم عنها ليست
من بنات حواء،
فمن وجدتها،
بنت من بنات الماء.
الساكنات بحر الروم،
عد لأهلك،
لم يعد لبقاك لزوم.

اليس لك زوجة واولاد؟
-بلا! فتحي، و بسمة، و عماد.
-اذا لماذا؟ كل هذا العناد.
عليك ان تفيق ايها الغريق.
بعد جهد جهيد اوشك ان يقتنع،
ناظرا نحو الجزيرة نظرة مودع.

ذات ليلة، في تلك الرحلة؛
كان ناظرا الى وجه الماء،
فظهرت له ملوحة بيدها،
كانت تلك آخر رؤيته لها.

انتفظ محاولا الهبوط،
الا انه كان مايزال مربوط.

قفز ابنها وغاص لاحقا بإمه،
لم يستطيعوا الامساك به.

حار ركاب المركب،
وتعجبوا اشد العجب.

فتجمعوا حول الغريق ساري،

واسوه،
بغرق ابنه و عزوه،
وإلى بلده اوصلوه.

احتفل بعودته اهله، بعد ان كانوا قد جزموا بموته.
اخبرهم بماجرى له،
لم يصدق احد مقاله،
اضحى في نظرهم فاقدا لعقله.

ظلت سفاري لاتغادر خيال ساري،
صال وجال فجمع المال،
اشترى مركب،
نحو الجزيرة شد الرحال.

وصل المكان فعثر على صرة ذهب،
جوار الصخرة،
اخذها وعاد.
وهكذا كان في كل رحلة،
من رحلاته.
حتى لحظة و فاته.

فتناقل الخلف عن السلف
قصته وسيرت حياته.
انتهى و من يحب النبي صلى…

الفهد

اليمن . للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
41 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى