قتلة و مجرمون

ساتوشي يوماتسو : سفاح ذوي الاحتياجات الخاصة

على مر السنوات ابتُليت البشرية بشخصيات غاية في السوء .. هذه الشخصيات تخلت عن إنسانيتها وتحولت إلى وحوش فاستحلت سفك الدماء وإزهاق الأرواح دون رحمة . وقد تفنن العديد منهم بارتكاب المآسي بمختلف أشكالها و أنواعها .. منها ما عهدناه ومنها مالم نشهد له مثيلا قط . واليوم سيكون حديثنا عن جريمة وحشية ومروعة هزت المجتمع الياباني بطلها شاب يدعى ساتوشي يوماتسو .

جنون أم مرض

تماماً وككل البدايات في هذا العالم ، أبصر ساتوشي يوماتسو الحياة في العشرين من يناير سنة ١٩٩٠ في طوكيو . كان الطفل الوحيد لأب يعمل كأستاذ فنون في مدرسة ابتدائية وأم تعمل في مجال رسم الكرتون ..

بعد مرور عام من ولادته انتقل وعائلته للعيش في مدينة ساغاميهارا ، وبعد مرور عدة سنوات التحق ساتوشي بالمدرسة الإبتدائية وقد عُرف عنه إجتهاده وتفوقه ومرحه بين أقرانه .

لكن كل هذا بدأ بالتلاشي عندما وصل للمرحلة الثانوية ، هناك اتخذ السرقة هواية جديدة مع أصدقائه .

blank
ساتوشي يوماتسو

كانوا يسرقون من مختلف المتاجر المحلية بانتظام ، وفي كل مرة يتم القبض عليهم وإطلاق سراحهم .. وسرعان ما يعاودون تكرار فعلتهم من جديد في مكان آخر . شيئاً فشيئاً بدأ ساتوشي يوماتسو يدمن شرب الكحول وتخريب ممتلكات الغير دون سبب وافتعال مشكلات عديدة مع أفراد من الشرطة ، كما اعتاد التنمر والسخرية من أحد الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة والتعدي عليه بالضرب .

لم ينل ساتوشي عقوبة جادة على أفعاله بل أكمل دراسته بشكل طبيعي حتى تخرج من الثانوية . ثم دخل جامعة خاصة قسم التعليم وتخصص بالتعليم الإبتدائي لأنه أراد أن يصبح أستاذ أطفال كوالده في المستقبل ! .

إقرأ أيضا : جون واين جاسي : ( المهرج السفاح )

عموماً بعد فترة تركه أبواه فجأة ليعيش بمفرده وانتقلا لمكان آخر غير معلوم ، ويُقال بأن السبب كانت كثرة المشاكل بينهم وعلى الأغلب سببها الوشوم العديدة التي قام ساتوشي يوماتسو برسمها على جسده مؤخراً .. حيث أن الوشوم تعتبر شيئا مخزيا في المجتمع الياباني . ولطالما تم استعمالها فقط من قبل المجرمين والخارجين عن القانون وعصابات شهيرة كعصابة الياكوزا .

blank
الوشوم التي رسمها ساتوشي يوماتسو على جسده

في سنة ٢٠١٢ تخرج ساتوشي من الجامعة ، ولكنه لم يعمل أستاذا بل عمل في مجال رسم الوشوم وزراعة الحشيش . ولكنه فشل في الأمرين بعد فترة قصيرة حيث لم تحقق النجاح والدخل الذي توقعه ، وبعد محاولات فاشلة قرر أن يعمل في قطاع الطب النفسي ، فبدأ بأخذ تدريبات عديدة في هذا المجال واجتهد حتى نجح بكل الإختبارات في النهاية . وبحلول ديسمبر من نفس العام تم قبوله للعمل في مركز يدعى ساكوياما يوريان لذوي الاحتياجات الخاصة بدوام جزئي .

blank
مركز ساكوياما يوريان لذوي الاحتياجات الخاصة والذي عمل فيه ساتوشي يوماتسو

تم إنشاء هذا المركز من قبل الحكومة المحلية ، وبحلول سنة ٢٠١٦ كان يأوي ١٤٩ مريضا من الرجال والنساء الذين تترواح أعمارهم ما بين ١٨ و ٧٥ عاماً وجميعهم يعانون من إعاقة ذهنية . لكن العديد منهم يعانون من إعاقات جسدية مختلفة ، كان البعض يخرج في الهواء الطلق والبعض طريح الفراش لا يقوى على الحركة .

في مقابلة العمل التي أجراها تحدث ساتوشي يوماتسو عن علاقته بذوي الاحتياجات الخاصة وكيف أنه يحبهم ويراهم أشخاص ظرفاء ، وتقريباً كان هذا السبب الرئيسي والوحيد لقبولهم إياه في العمل . وعلى عكس التوقعات ، عمل معهم بشكل ناجح للغاية ، عُرف عنه تفانيه الشديد واجتهاده وسعيه الدؤوب للتطور ، وفي سنة ٢٠١٣ حصل على ترقية بسبب عمله بدوام كامل .

إقرأ أيضا : أندرو بلايز: القاتل الذي اراد أن يصبح فتاة شبح!

لكن تلك السمعة الطيبة لم تدم طويلاً ، إذ في عامي ٢٠١٤ و ٢٠١٥ تم ضبطه أكثر من مرة وهو يعتدي ويضرب المرضى دون سبب واضح ! . والمشكلة أن الأمر بات متكرراً رغم محاولات أصحاب العمل الحثيثة ثنيه عن أفعاله . وقد تظنون أنه تم طرده في النهاية ولكن على العكس لسبب ما ، رفض أصحاب العمل التخلص منه ! . وانتهى عمله هناك باستقالته سنة ٢٠١٦ بعد مشاجرة افتعلها .

بعد أسبوعين من استقالته إنتقل ساتوشي يوماتسو لطوكيو ليقوم بأغرب فعل قد ترونه على الإطلاق ! .

قام ساتوشي بكتابة رسالة بنفسه وذهب لكي يسلمها لتاداموري أوشيما ، رئيس مجلس النواب الياباني في منزله ، لكن رجال الأمن منعوه من ذلك . عاد في اليوم التالي وهذه المرة سلم الرسالة مع الحراس وذهب ، كان فحواها طلب من الرئيس أن يمنحه الإذن لقتل ذوي الاحتياجات الخاصة !! ، وطلب من أوشيما مساعدته في إيصال رسالته لرئيس الوزراء الراحل شينزو آبي ، وبرر فعلته بأنه يريد تخليص هؤلاء البؤساء من معاناتهم في هذا العالم بقتلهم بالاتفاق مع أوصيائهم ، حيث أنهم لا يستطيعون العيش كأشخاص طبيعين في منازلهم ولن يساهموا بشيء في المجتمع .

كما كتب أن قتلهم سيكون من أجل اليابان و السلام والإقتصاد العالميين .. ومن أجل منع حدوث الحرب العالمية الثالثة ! .

(يجب علينا النهوض والقيام بثورة وإتخاذ قرار من أجل البشرية ) ..

هي إحدى الجمل التي كُتبت في رسالته .

إقرأ أيضا : كارل غروسمان: جزار برلين الرهيب

ولم يكتف بهذا وحسب ، بل قام بسرد تفاصيل عن الطريقة التي سيتخلص بها منهم . فأولاً سيستهدف منشأتين تأويان هؤلاء الأشخاص دون ذكر اسمهما و سيقوم بتقييد الموظفين فيها لمنعهم من التدخل ولن يقوم بإيذائهم . ومن ثَمَّ سيقتل المئات منهم بسرعة وسهولة وسيسلم نفسه بعدها . وفي النهاية وقع الرسالة باسمه ووضع رقم هاتفه وعنوان بيته واسم صاحب العمل .

في وقت لاحق تم تسليم الرسالة لشرطة طوكيو الذين قاموا بدورهم بتسليمها لسلطات ساغاميهارا مكان إقامة ساتوشي يوماتسو فتم إرجاعه لمدينته مرة أخرى وهناك اعتقلوه وقاموا بإرساله قسراً لمستشفى الأمراض النفسية لمدة أسبوعين . وفي يوم ٢ مارس من نفس العام تم الإفراج عنه لأن الأطباء وجدوا بأنه لم يعد يشكل خطورة على الغير .

بطريقة ما انتشرت قصة رسالة ساتوشي يوماتسو بين الناس حتى وصل الأمر للمركز الصحي الذي كان يعمل به مسبقاً .. فقام أصحاب العمل بتركيب العديد من كاميرات المراقبة حول المركز تحسباً لأي هجوم منه في المستقبل .

اليوم الموعود

مرت الأيام والشهور وكان قد نسي الجميع تقريباً موضوع ساتوشي يوماتسو وظنوا أنه انتهى للأبد . ولكن في يوم ٢٥ يوليو ٢٠١٦ قام ساتوشي بتجهيز العديد من السكاكين ومطرقة كان قد اشتراها مؤخراً تمهيداً لمخططه الدموي . بعدها ذهب لمنطقة تدعى شينجوكو واستأجر غرفة في فندق من ثمّ قام بصبغ شعره باللون الأشقر ، وتقابل مع فتاة في مطعم .. وهناك بدأ يسرد لها كيف سيقوم بقتل ذوي الاحتياجات الخاصة في المركز الذي كان يعمل به سابقاً ! . لكن الفتاة لم تأبه كثيراً لكلامه ولم تأخذه على محمل الجد .

إقرأ أيضا : كارل بانزرام : عندما يتجسد الشر المطلق!

وبعد ساعات يوم ٢٦ يوليو في الساعة الثانية عشر مساءاً استقل ساتوشي يوماتسو سيارته وذهب للمركز . نزل بهدوء ومعه سكاكينه ومطرقته وتسلل نحو الجهة الجنوبية من المبنى .. و قام بكسر نافذة هناك ودخل منها دون أن يشعر به أحد . ولم يكن اختيار هذه النافذة تحديداً عشوائياً ، فمسبقاً كان ساتوشي يعمل هناك فهو يعرف كل مكان فيه بالإضافة للمداخل والمخارج وأماكن تواجد الموظفين من عدمهم .

ظل ساتوشي مختبئاً في مكانه حتى الساعة الثانية صباحاً ثم شرع في تنفيذ كل ما خطه في الرسالة . قام أولاً بتهديد الموظفين الذين صادفهم في طريقه وعددهم ثمانية بالسلاح .. وقيدهم في أماكنهم وأخذ مفاتيحهم عنوة . بعدها دخل لغرف المرضى واحد تلو الأخر ووجه لكل واحد منهم العديد من الطعنات .. ولم يواجه صعوبة كبيرة في الانقضاض عليهم خاصة أن الكثير منهم كان يغط في نوم عميق حينها . وبعد أن انتهى أخيراً شق طريقه خارجاً بهدوء من باب خلفي في تمام الساعة 2:50 .

دخل سيارته وهو في حالة نشوة وسعادة كبيرتين ، التقط صورة لنفسه وهو مبتسم ونشرها على حسابه بالتويتر وكتب تحتها :

( من أجل السلام العالمي ، أيتها اليابان الجميلة !) ..

ثم غادر مبتعداً عن المكان .

إقرأ أيضا : أمارجيت سادا : سفاح بعمر الثامنة يقتل ضحاياه بدم بارد!

وفي تمام الساعة الثالثة صباحاً ، بعد عشر دقائق من الجريمة وصلت الشرطة للمركز .. وهنا تضاربت الأقوال ، مصادر ذكرت أن هناك شخصا غريبا يسكن قرب المكان شاهد ساتوشي يوماتسو يخرج من المبنى بشكل مثير للريبة فقام بإبلاغ الشرطة . ومصادر ذكرت أن أحد الموظفين تمكن من الإتصال بهم لاحقاً .

عموماً وصلت الشرطة واكتشفوا المذبحة المروعة في المكان .. حيث قُتل ١٩ شخص و جُرح حوالي ٢٦ آخرون .. ١٣ منهم أصيبوا بجروح خطيرة .

blank
blank
لحظات وصول قوات الأمن والإسعاف للمركز

العجيب أن ساتوشي لم يحاول حتى الهرب من الشرطة .. بل إنه بعد ساعتين من الجريمة قام بتسليم نفسه لهم وجلب معه حقيبته المليئة بأدوات الجريمة الملطخة بالدماء . وفي اليوم التالي عثرت الشرطة على سيارته ، ووجدوا دماء على عجلة القيادة وسكين ومناشف ملطخين بالدماء في إحدى المقاعد .

ساتوشي يوماتسو
سوماتشي أثناء القبض عليه

محاكمة ساتوشي يوماتسو

عند اعتقاله كان يصر على أنه بريء وبأنه قدم شيئا نافعا لليابان بتخلصه منهم .. فقد خفض تكاليف رعايتهم ، وطالب الشرطة بأن تتكفل بعملية تجميلية خاصة له لتغيير هويته كي لا يتعرف عليه أحد . ولأنه كان قد أخبرهم بخطته مسبقاً فالذنب ذنبهم لأنهم لم يصدقوه وعليهم الآن تنفيذ طلباته ، وعليهم بأن يحكموا عليه سنتين سجن فقط اعترافاً بالجميل الذي قدمه لهم !! .

ساتوشي يوماتسو
لم يحاول الهرب من الشرطة

لم يبدِ أي علامة ندم أو توتر ، وكانت الابتسامة والسعادة لا تفارق وجهه وكأنه بطل أنقذ البشرية من شر محتوم ! .

بعد كل هذا قُدم ساتوشي يوماتسو إلى مصحة نفسية للتأكد من قواه العقلية وجواز محاكمته لأشهر طويلة .

إقرأ أيضا : فرانكلين فلويد .. شيطان ام مجنون؟

أثارت هذه القضية ضجة واسعة وبدأ العديد من الناس بإلقاء اللوم على أفراد الشرطة والأطباء النفسيين لتحريرهم إياه منذ البداية . وأيضاً على المركز نفسه .. فمع أن أصحاب العمل قاموا بتركيب الكثير من كاميرات المراقبة إلا أنهم لم يتعاقدوا مع أحد لمشاهدتها ! . وبهذا تكون الشرطة والمركز فشلوا في منع كارثة كهذه من الوقوع رغم وجود فرصة من البداية .

لعل أكثر شيء مؤلم في هذه القضية هي أن الشرطة لم تتعامل مع الأمر كجريمة كراهية مثل غيرها من القضايا المماثلة . و لم يتم ذكر أسامي الضحايا ولا نشر صور لهم بسبب عائلاتهم . وكان هذا بسبب أنهم لا يريدون أن يعرف الناس أن أقرباءهم من ذوي الاحتياجات الخاصة . حيث يُنظر لهذه الفئة خاصة كوصمة عار في المجتمع ، ويتم التعامل معهم بسرية وتكتم شديدين بعيداً عن أعين العامة .

ساتوشي يوماتسو
كان سعيدا بالخدمة التي قدمها لليابان!!

وفي ٢٠ فبراير سنة ٢٠١٧ بعد ٧ أشهر من الهجوم أصبح ساتوشي يوماتسو مؤهلاً للمثول أمام المحكمة . وفي أثناء محاكمته دافع عنه محاميه بضراوة حيث قالوا بأنه لم يرتكب الجريمة عمداً كما زُعم بسبب تعاطيه الماريغوانا لفترة من الزمن . وبالفعل ، كانت قد عثرت الشرطة على هذا المخدر بكثرة في منزله سابقاً ، لكن مع ذلك حكم القاضي عليه بأنه مذنب بتهم عديدة منها قتل ١٩ شخص والدخول غير القانوني للمبنى وغيرها . وفي ١٦ مارس سنة ٢٠٢٠ حُكم عليه بالإعدام وأخيراً .

وحتى يومنا هذا لا يزال ساتوشي يوماتسو على قيد الحياة ينتظر إعدامه في زنزانة ذات إجراءات أمنية مشددة .

من المفارقات العجيبة في قصتنا أن تاريخ ٢٦ يوليو يوم إرتكاب المجزرة يعتبر مهم في تاريخ الإعاقة . حيث تم سن أول قانون تشريع وطني في العالم يحظر التمييز ضد ذوي الاحتياجات الخاصة .

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
dailystarasahiBBCWikipedia

كرمل

فلسطين
guest
40 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى