في الظلام
رأيت في الانعكاس على السراميك أمامي شيء أسود ينهض بلا ملامح فقط كتلة سوداء |
السلام عليكم يا أصدقاء ، تقبل الله منا و منكم الصيام و القيام و صالح الأعمال و كل عام و أنتم بخير .
حدثت معي أشياء غريبة على فترات متباعدة أردت مشاركتها و إياكم و أن أجد تفسير عند البعض .
أنا و عائلتي ننتقل كثيراً لعدة أسباب أحياناً تكون منطقية و أحياناً أخرى فقط يقول رب المنزل انتقلوا ، فننتقل ، حتى عندما امتلكنا منزلاً جيداً و أصبح ملكنا انتقلنا منه !.
وخلال عشرون عام انتقلنا لأكثر من عشرين منزل هل تصدقون ذلك ؟ ، أحياناً بمعدل مرتين في السنة ، كنت أستاء جداً من التغيير المفاجئ و لكن الآن أصبح الأمر مضحكاً و مسلياً ، أماكن جديدة و بداية جديدة و أشخاص جدد ، ثم أحداث غريبة .
في إحدى البيوت التي انتقلنا اليها قبل عامين كانت عبارة عن شقة جميلة بها غرفتين و هول ضخم ، نحن أسرة صغيرة و أبي مسافر دائماً ، جميعنا فتيات و نبقى في مكان واحد .
لذلك استغلينا غرفة واحدة و الصالة و من النادر ما نذهب إلى تلك الغرفة و لا يوجد أحد ينام فيها إطلاقاً ، نمت فيها ليلة واحدة أنا و والدتي و شقيقتي و لم أكررها مجدداً .
كانت نافذتها تطل على مبنى لم يكتمل بعد ، من ستة طوابق جميعها مظلمة و بلا أبواب و نوافذ .
نافذة المطبخ أيضاً تطل على ذلك المبنى ، كنت أتشاءم منه و أتحاشى النظر اليه ليلاً و لكن لأقطع الشك باليقين أحياناً كنت أحدق فيه فهي عادتي ، علني أرى شيء و لكن لم أرى .
ذات يوم كنت أتحدث عبر الهاتف ليلاً و عندما أنهيت مكالمتي سمعت صوت ضجيج و أشخاص يتحدثون قادم من الخارج من الصالة تقريباً ، فذهبت لأتحقق من الأمر ظننتها أختي فأحياناً تسهر في تلك الغرفة ، و عندما ذهبت لأراها وجدت الجميع نيام و المكان مظلم فتعجبت كثيراً .
أختي أيضاً شكت من نفس الأمر و قالت بأنها : تسمع دائماً أشخاص يتحدثون و عندما تذهب للتحقق تجد الجميع نيام .
ذات يوم ذهبت للحمام – أعزكم الله – بعد أن نام الجميع كنت أستيقظ كثيراً تلك الفترة و نومي مضطرب .
كانت جدران الحمام مصنوعة من السراميك المائل للون الأحمر الداكن ، رأيت في الانعكاس على السراميك أمامي شيء أسود ينهض بلا ملامح فقط كتلة سوداء من أعلى نحيف قليلاً و لكن لا يمكن تسميته برأس .
كأن ذلك الشيء كان جالس و نهض ، كنت أشعر بالنعاس أو لعلي أغمضت عيني لثانية فقط و لربما كانت غفوة أقول ذلك لأبرر ما رأيت بالمنطق .
و لكن في هذه اللحظة بالذات تنبهت و نظرت يساري إلى الجهة المفترض أن الانعكاس قادم منها و لم أرى شيئاً و كاد قلبي يتوقف رعباً لأن الشيء الأسود الذي رأيته من المفترض أن يكون يساري مباشرة و لا يفصلني عنه أي شيء .
في يوم آخر و في نفس الحمام هممت بغسل وجهي على المغسلة و رأيت في الثقب الذي يصرف المياه عين كبيرة مرعبة فجفلت متراجعة و لم أعد النظر مجدداً أبداً فقط خرجت من هناك و لم أخبر أحداً بما رأيت .
و لاحقاً أمعنت النظر جيداً في الثقب المظلم و لم أرى سوى تقاطعات داكنة لحديد يكون عادة في الداخل ، فسرت الأمر بأنني كنت أتخيل و هذه التقاطعات هيئت لي ذلك مع أنه تفسير سخيف كيف لتقاطعات مثلثة أن تشكل عين مستديرة تلمع في ظلام الأنبوب !.
سعيت جاهدة لأجد تفسير و أدحض ما رأيت فلا يمكن تصديق ذلك ، لذلك و ذات يوم رأيت أمي تدخل سلكاً لتزيل الانسداد ، و السلك خدش احدى المثلثات التي في الداخل و أزال الأوساخ السوداء فظهر بعض من لونها الأبيض و مع ظلام الأنبوب لا بد بأنه هيء لي عين كبيرة تنظر .
و لكن الرعب و الصدمة التي دخلت في نفسي تلك اللحظة كفيلة لجعلها عين محدبة ربما لخروف أو حمار هكذا رأيتها و أنا شبه متأكدة بأنها كانت عين.
حدثت لنا الكثير من المشاكل العائلية هناك و كدنا ندفع ثمنها غالياً .
و صاحب هذه الشقة كان يضع شيء ما مربوط في كيس بلاستيك معلق فوق بابه مباشرة عند مدخل البناية و كل ما دخلت المبنى عيني لا تفارقه مطلقاً حتى أنني فكرت أن آخذه و أشف فضولي ، و من شكله كان عبارة عن مجموعة حبات صغيرة مستديرة واضحة للناظر .
و أتذكر في يوم ما تعثرت على السلالم بعباءتي و سقطت بعنف على وجهي ، ألتوت قدمي بألم مبرح و تم لفها لي بشريط ضاغط لعدة أيام و بقيت أعرج لقرابة الشهر ، كنت أفقد التوازن أثناء سيري و لم تعد قدمي لطبيعتها إلا بعد شهور و كنت دائماً أتعثر على هذه القدم المصابة .
و أذكر بأنني كنت نائمة على الأرض ذات يوم فهي عادتي ، فتحت عيناي فرأيت شيء أسود يعبر من فوق رأسي ، تكرر الأمر ثلاث مرات .
و علما بأننا لم نبقى في هذه الشقة سوى ستة أشهر فقط .
* *
حكاية أخرى .
عندما امتلكنا منزلنا و انتقلنا إليه أيضاً كان كبيراً جداً فقمنا بتقسيمه لنصفين بغرض استئجار الآخر و لكنه ظل فارغاً لأشهر عديدة .
في هذا المنزل كنت دائماً ما أجد عقارب لو رفعت أي حجر أجد عقرب لونها واحد أصفر و ليست كبيرة ، الجميع يقول أن المنطقة جبلية فمن الطبيعي تواجدها ، و لكن لم يكن غيري في المنزل يجد تلك العقارب بهذه الكمية ، الجزء الأكبر كان من نصيبي و قد لاحظ الجميع ذلك ، و ذات يوم وجدت واحدة في حذاء الرياضة كنت قد غسلته ليلاً و أتذكر بأنه أتت رياح قوية تلك الليلة و في الصباح ارتديته على اطمئنان و بعد أن أدخلت قدمي شعرت بشيء ظننت أنه الرباط و أدخلت إصبعي لأجذبه و لكن تفاجأت بوخزها كانت صغيرة جداً تسببت لي بالقليل من الدوار .
و ذات يوم لدغتني العقرب في ثلاث مواضع ، كنت نائمة على الأرض مجدداً .
المهم مسافة أنهض و أشعل الضوء حصلت على اللدغة الثانية قريبة من الموضع الأول على صدري و الثالثة كانت عندما أمسكتها بيدي و رميتها ، كانت لحظة مرعبة أن تمسك عقرباً بيدك .
كانت اللدغة الثالثة من نصيب نفس اليد التي أدخلتها في الحذاء ، لا أريد أن أهول الأمر فلا أذكر جيداً ولكن أظنه نفس الأصبع في نفس الموضع السبابة تحت الظفر مباشرة ، و الفرق بينهما ربما عام ، تمت قراءة القرآن لي في ذلك الليل و كنت بخير جداً حتى الصباح أي لقرابة الستة ساعات ، و لكن في الصباح أصبت بحمى و تنميل في أطرافي و شعرت بالسم يسري في جسدي و كان مؤلماً للغاية ، ذهبنا للمشفى و أتت نتيجة الفحص نظيفة و لا يوجد بها أي شيء و بالمقابل لم يكتب لي الطبيب أي دواء .
لتعود الحمى مجدداً في اليوم الثاني و الثالث و أذهب لمشفى آخر فيتم إعطائي المصل أخيراً و دون فحوصات و تغير لون بشرتي للأسود بشكل ملحوظ .
* *
كما قلت سابقاً نصف المنزل خصصناه للإيجار و لكنه ظل خالياً لعدة أشهر فكنت أذهب لأدرس فيه وحدي كي لا يزعجني أحد ، أمكث طوال النهار حتى العاشرة ليلاً و لم أكن أخشى شيئاً مع أن الهدوء كان مريب ولكنه يشجع على القراءة و تلك الفترة كنت أملك من الإيمان ما يجعلني لا أهاب شيئاً .
و لكن ذات يوم جاءت قطتان إحداهما سوداء ذكر و الأخرى بنية أو شقراء أنثى ، تشاجرتا شجار عنيف خرجت و طردتهم ولكن فعلتا شيئاً رهيباً صدمت منه ، أمام عيني .
و خصوصا بأنني كنت صغيرة و عقلي أصغر مني و قد صدمني ما رأيت حقاً .
و طردتهم مجدداً لكنهما حدقتا في بجمود و لم يتحركا من وضعهما مطلقاً و كدت أقذفهم بشيء و لكنهما لم يتحركا أبداً ، فأغلقت الباب و النوافذ و كنت أسمع صوتهما و كان مرعباً صاخباً كأنهما تعمدتا إخافتي فصرخت لأمي و جاءت و أخذتني و أصبحت تأتي كل يوم معي تتلو سورة البقرة و أنا أدرس ، لأراهم في منامي بكل وضوح كانت نفس القطة البنية معلقة في سقف الغرفة و معها ثلاثة صغار يشبهونها و قالت لي ” أخرجي من هنا فهذا مكان صغاري و بيتنا ” .
و لم أستمع لها و واصلت دراستي كل يوم ، فالمكان كان يسعنا جميعاً و أنا لست مزعجة حتى أنه لا يخرج مني صوت عند قراءتي ، لا أدري لما انزعجوا من وجودي .
* *
قبل أشهر قليلة رأيت في منامي رجلاً يقف عند نافذة الغرفة في الخارج ، نفس غرفة القطط .
كان يرتدي ثياب بيضاء و جميل الملامح مستدير الوجه لديه لحية خفيفة و شارب أذكر شكله بوضوح جداً .
و لكن كان غريب ، فيه شيء غير طبيعي لم أرى في حلمي من قبل رجلاً بهذه الهيئة و هذا الوضوح قط و لا في الحقيقة لم أرى شخص مثله ، عينيه بها شيء غريب لا أدري ما هو ربما السبب بؤبؤ عينيه كان أسوداً جداً .
ثم كأنه حدث بيننا تواصل أو تخاطر بالنظرات فقط و لكن لم نتحدث و أدركت بأنه من الجن أنا من عرفت ذلك ، و هو عرف بأنني عرفته فابتسم لي ، لأستيقظ من النوم منتفضة جالسة و أنظر ناحية النافذة و قلبي يخفق بقوة و أتصبب عرقاً ، و قد كانت النافذة مغلقة.
* *
منذ أيام قرأت مقال هنا في الموقع يتحدث عن السحر ، لتطفو ذكرى قديمة إلى رأسي ، كان عمري حينها أربعة أو خمس سنوات شهدت أنا و شقيقتي ساحر كان من أقربائنا يفعل شيئاً ، فقلت لشقيقتي : هل تذكرين ذلك ؟ فقالت : نعم .
شغلت تلك الذكرى بالي كثيراً طيلة اليوم و أنا أقارن و أربط الأحداث بما في الموقع و لما فعل الرجل ذلك و هل كانت له مآرب أخرى غير التي أوهم بها من حوله ؟.
لاحقاً ليلاً و بعد أن تسحرت أنا و أمي أردت أن أغفو قليلاً حتى يؤذن الفجر و تركت والدتي مستيقظة قربي ، نحن في السودان ننام في الحوش ” الفناء ” أغلبية الشعب يفعل ذلك .
نومي خفيف جداً لو تحرك أحدهم أسمع أقدامه ، لا أدرى كم غفوت ربما دقيقة أو اثنتين رأيت في منامي شخص ما يشرح كيف فعل الساحر الأمر الذي يشغل بالي ، كان غير واضح الملامح و أمامه أشياء و شرع يشرح الأمر الذي شغل بالي و قال ” فعل كذا و كذا و استخدم كذا ” ثم أسمع صوت حجر يُقذف فوق رأسي مباشرة ، فرفعت رأسي و قلت لوالدتي : هل هذا حجر ؟ فقالت : نعم ، ربما أحد اللصوص يريد أن يرى إن كنا مستيقظين .
نسيت التفاصيل التي قالها الرجل في حلمي و أتذكر فقط بأنه كان يشرح لي شيئاً .
أكثر ما أثار حيرتي هو الحجر الذي قُذف فوق رأسي مباشرة !.
* *
نأتي للجزء المثير حقاً.
منذ انتقالنا في نوفمبر لنفس منزل القطط و العقارب لم أفرغ ثيابي من الحقائب عدة شهور فقط آخذ ما أحتاج لم أكن أشعر بالاستقرار بعد .
حسناً في بداية رمضان نظفت الدرف التي من المفترض أن أضع ثيابي فيها ، و أختي كانت تشاركني في الجزء الآخر و لا تعاني مما عانيت .
بعد أن رتبت ثيابي أتيت في الصباح و وجدت العنكبوت نسج بيته في الجزء العلوي للباب على امتداد الدرفتين خاصتي ليربطهما معاً .
في إحداهما النسيج يكون من الداخل و في الأخرى يكون في الخارج متصلان ببعضهما .
المرة الأولى تعجبت قليلاً ثم نظفت المكان جيداً ، لآتي في اليوم الثاني و أجده قد نسج مجدداً فأزلته متعجبة كذلك ، و اليوم الثالث تكرر مجدداً ، فهو ينسخ منزله بنفس الكيفية .
علماً بأن الثياب تكون نظيفة ولا تصلها الخيوط ، و الآن لي قرابة الأسبوعين و أنا أفعل ذلك ، كل صباح أستيقظ لآخذ أغراضي و أجد الخيوط منسوجة فأزيلها و لا أرى العنكبوت أبداً .
أنا لا أغلق الدولاب بالمفتاح و حتى أحيانا يكون مفتوح قليلاً لربما دخلت منه العنكبوت ، و لكن عندما نهدم منزل العنكبوت لا يبني في نفس المكان مجدداً على الأقل ليس في اليوم الثاني مباشرةً و للكثير من المرات و الأيام بنفس النسخة لبيته .
علماً بأنني لم أكلف نفسي عناء البحث عنه ، أجده شيء غبي و جنوني أن أبحث عن عنكبوت تنسج خيوطها كل ليلة حول ثيابي !.
تاريخ النشر : 2020-06-02