ألغاز تاريخية

لغز جرائم ضوء القمر

بقلم : عبدالرحمن العنزي – الكويت
للتواصل : [email protected]

لم يكن يقتل ضحاياه إلا عندما يكون القمر مكتملا
لم يكن يقتل ضحاياه إلا عندما يكون القمر مكتملا

بطل قصتنا اليوم يتميز بالغرابة والغموض وكذلك بالاسلوب الذي اتخذ نمطا خاصا ، فهو لم يكن يقتل ضحاياه إلا في الليل عندما يكون القمر مكتملا ، وكأنه مستذئب او مصاص دماء! ولهذا سميت جرائمه بأسم “جرائم ضوء القمر” ، ولم يكن يهاجم ضحية واحدة بل تخصص في مهاجمة الازواج والعشاق .. وقد نجح على مدى 10 أسابيع في بث الرعب في بلدة تكساركانا الواقعه في ولايه تكساس الى درجة ان الناس باتت تخشى الخروج من منازلها بعد حلول الظلام.

بدأت الجرائم في إحدى ليالي الربيع من عام 1946 ، كان جيمس ماك – 26 عاما – وصديقته ماري جين – 19 عاما – متوقفان بسيارتهما على جانب طريق يعرف باسم ممر العشاق وذلك بعد ان شاهدا فيلما معاً ..

في تمام الساعه 11:45 مساء ، وبينما كانا يقضيان وقتهما معاً داخل السيارة ، ظهر لهم من العدم رجل يرتدي قناعا مصنوع من القماش يشبه الملاءة وبه فتحات للأعين. الرجل اقترب من نافذة السيارة ووجه المصباح اليدوي الذي كان ممسكاً به الى الداخل فرفع جيمس رأسه متفاجئا وظن للوهلة الأولى أنها مزحه أو أن هذه الرجل يظنه شخصا اخر .. 

blank
رجل يرتدي قناعا مصنوع من القماش يشبه الملاءة

جيمس انزل النافذة وقال للرجل : “اظنك تبحث عن شخص آخر!” . لكن الرجل اجابه بكل برود : “لا تجبرني على قتلك ، نفذ كل ما اقوله لك”. ثم طلب منهما النزول من السيارة وان يخلعوا ثيابهم ، فنفذوا اوامره والخوف يتملكهم ، وعلى حين غرة قام الرجل المقنع بضرب جيمس على رأسه مرتين بعقب المسدس فسقط مغشيا عليه ، اما ماري جين فقد اصيبت بالذعر ولم تستطع تمالك نفسها ، فالتفت الرجل اليها وطلب منها الهرب بأسرع ما تستطيع ، فقامت المسكينه بالجري ولم تلتفت خلفها ..

لكنها لم تركض بعيدا حتى سمعت أصوات اقدام خلفها ، فإذا بالرجل المقنع يلحق بها ويركض بجانبها ويسألها : “لماذا تركضين!”.
فقالت أنه هو من طلب منها ذلك ، فنعتها بالكاذبه ثم طرحها ارضا واعتدى عليها جنسيا بواسطة ماسورة مسدسه ، ثم تركها مرة اخرى فهربت مجددا واخذت تجري بأسرع ما تستطيع حتى وصلت إلى منزل يقع على بعد نصف ميل من مكان الحادث وتمكنت من ايقاظ سكانه وابلاغ الشرطه.

في هذه الاثناء وعلى الرغم من الضرب المبرح الذي تلقاه جيمس على يد الرجل المقنع الا انه استعاد وعيه ونظر حوله فلم يجد اثرا للرجل وراح يمشي على طول الشارع واستطاع ايقاف احد المارين بسيارة والذي سارع بدوره الى ابلاغ الشرطة.

blank
جيمس ماك

وفي غضون ثلاثين دقيقة وصل مأمور المقاطعه ومعه حفنه من رجال الشرطة الى مكان الهجوم ولكن بعد فوات الاوان حيث لم يعثروا على اثر للرجل المقنع.

تم نقل جيمس وماري الى المستشفى للتداوي من اصاباتهما ، ولاحقا قدما افادتهما والتي كانت متضاربة .. حيث قال جيمس ان المهاجم كان رجلا ابيض يبلغ من العمر حوالي 30 عاما لكنه لم يستطع تمييز شكله لأنه ، اي المهاجم ، كان يمسك مصباح يدوي يوجهه نحو وجه جيمس مما اصابه بالعمى.
اما ماري فقد قالت ان المهاجم كان يرتدي كيسا ابيض على رأسه يشبه الوسادة مع فتحات للعينين والفم وانها استطاعت تمييز لون بشرة القاتل من تحت القناع حيث تظن انه امريكي من أصل افريقي.

هذه الشهادة المتضاربة لم تفد الشرطة بشيء ، بل بالعكس جعلتهم اكثر تشوشا حول هوية المهاجم.

الهجوم الثاني

blank
ريتشارد غريفين و بولي آن مور

في صباح يوم 24 مارس تم العثور على جثه ريتشارد غريفين – 29 عاما – ومعه الآنسه بولي آن مور – 17 عاما – ، كان غريفين قد خدم في البحرية الامريكيه حتى تم تسريحه في نوفمبر 1945
تم العثور على الجثتين بواسطة سائق دراجة نارية عابر ارتاب بشأن السيارة المتوقفة الى جانب احد الطرق التي يتوقف عندها العشاق ، داخل السياره كانت جثة غريفين في المقعد الامامي وقد اسند رأسه على المقود ، بينما جثة بولي في المقعد الخلفي وراسها للاسفل. وكلاهما تلقيا رصاصة في الرأس.
وتبين من خلال التحقيقات أن الجريمة وقعت خلال الليلة السابقة وأن بولي قتلت خارجا وتم وضعها لاحقا في السيارة بعد اغتصابها على يد القاتل.

الضحية الثالثة

blank
بول مارتن و بيتي جو بوكر

فجر يوم 14 ابريل عام 1946 تم العثور على جثة بول مارتن – 17 عاما – مرمية على جانب طريق ريفي بالقرب من حديقه سبرينغ ليك في تكساس وقد اصيب باربعة اطلاقات نارية. بعدها بساعات ، عند حوالي الظهيرة تم العثور على جثة صديقته بيتي جو بوكر – 15 عاما – ملقاة خلف شجرة على بعد حوالي ميلين من جثة بول. وتم العثور على سيارة بول على بعد حوالي ميل ونصف ومفتاحها فيها.

كان كل من بول و بيتي جو قد درسا في نفس المدرسة ، وكانت بيتي جو تعزف على آلة الساكسفون مع فرقة محلية واتى بول بسيارته قرابة الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل وعرض عليها الذهاب الى حفلة رقص ، وقال اصدقاؤهما انهما كانا مجرد اصدقاء فقط ولا يفهمون سبب ذهابهما إلى ذلك الطريق المنعزل.

خلال التحقيق لم يتم العثور على الساكسفون الذي كان بحوزة بيتي مما قاد الشرطه للتفكير ان القاتل ربما اخذه معه كتذكار او شيء من هذا القبيل ، وكانت الشرطه تضع آمالا على العثور على الساكسفون المفقود ، وبعد عدة اسابيع تم القاء القبض على رجل في كوربوس كريستي تكساس كان قد ذهب الى احد متاجر الموسيقى واستفسر عن امكانيه بيع ساكسفون لهم ، وادعى صاحب المتجر ان الرجل بدا متوترا وخائفا وفي النهايه فر من المتجر ، وتم تعقب الرجل حيث كان نزيلا في احدى الفنادق القريبة وتم احتجازه ولكن الساكسفون لم يكن موجودا معه ، غير أن الشرطة عثرت على كيس به بعض الملابس التي تحتوي على بقع دماء ادعى المشتبه انه كان يرتدي هذه الثياب في احدى الحانات وانها تلطخت بالدم بعد شجار مع احد الاشخاص ، في النهايه تم اطلاق سراحه لعدم كفايه الادله ضده.

بعد 6 اشهر من الجريمة تم العثور على الساكسفون المفقود بين الاحراش بالقرب من المكان الذي عثروا فيه على جثة بيتي.

وبعد جريمه بول مارتن وبيتي تم استدعاء محقق تكساس الشهير النقيب مانويل الملقب لون وولف جونزاليس وذلك للمساعده في التحقيق.

اخر ضحية

blank
هاجم القاتل مزرعة هذه المرة

في ليلة 3 مايو 1946 في منزل مزرعه فيرجيل ستاركس الرجل البالغ من العمر 38 عاما
والذي تقع مزرعته على الطريق السريع على بعد 12 ميلا شمال شرق المدينه في مقاطعه ميلر اركنساس.
كان السيد ستاركس جالسا في غرفه المعيشه بالقرب من احدى نوافذ منزله يستمع الى الراديو حين اصيب فجأة برصاصتين قادمتين من النافذة وسقط على الارض ، وحين سمعت زوجته السيده كيت ستاركس التي كانت في غرفه النوم المجاورة صوت تحطم زجاج النافذه هرعت الى غرفه المعيشة لتكتشف ان زوجها واقع على الأرض ينزف ، فهرعت الى الهاتف لابلاغ الشرطة ، لكنها ما كادت ترفع السماعة حتى بوغتت برصاصتين اصابتها في الرأس واسقطتها أرضا ، وفيما هي تنزف على الأرض سمعت صوت تمزيق الحاجز المعدني للباب فعلمت ان القاتل بصدد اقتحام المنزل ، فاستجمعت قوتها وركضت الى غرفة النوم لتأخذ مسدس زوجها لكن الدماء على وجهها اعمتها فسقطت ارضا ، في هذه الاثناء كان القاتل قد دخل المنزل وسمعت خطواته وهو يرتقي الدرج الى الطابق العلوي بحثا عنها ، فاستجمعت قوتها مرة اخرى وركضت الى خارج المنزل.

رغم النزيف الشديد من وجهها استطاعت السيدة ستاركس ان تركض الى بيت الجيران في المزرعة المجاورة حيث تم نقلها الى مستشفى مايكل ميجر ، أما زوجها فقد توفي متأثرا بجراحه. وللأسف لم تستطع السيدة ستاركس رؤية وجه القاتل خلال الجريمة.

الادلة

blank
المصباح اليدوي الذي تركه القاتل ورائه

المحققون في البداية كانوا محتارين بشأن ما اذا كان قاتل السيد ستاركس هو نفسه قاتل الضحايا الاخرين ، فالضحايا هنا في منزلهم في مزرعة وليسوا في سيارة على جانب الطريق ، كما ان الرصاصتين التي عثر عليها المحققون في مسرح الجريمة كانت من عيار 22 بينما الرصاصات المستخدمة في الجرائم السابقة كانت عيار 32.

تم العثور على بعض الادلة في مسرح الجريمة ، كانت هناك خطوات حذاء ملطخة بالدم ، كما عثر رجال الشرطه على مصباح كهربائي يدوي تركه القاتل خلفه.

تم جلب كلاب خاصة مدربة على تتبع الروائح ، وبالفعل تتبعت الكلاب رائحة القاتل لكنها الرائحة اختفت عند الطريق السريع.

تم ارسال عشرات رجال الشرطة الى جميع طرق العشاق لمنع التوقف فيها للحيلولة دون وقوع جريمة جديدة.

تم ارسال المصباح الكهربائي الى شعبة التحقيقات الجنائية ، وفي يوم الخميس 9 مايو اعلن المحققين انهم لم يعثروا على بصمة يد على المصباح اليدوي.

انتشار الرعب

blank
انتشرت الشرطة على طول الطرق

بمجرد ان اصبح لدى الناس علم بوجود قاتل طليق في المدينه حتى دب القلق والهلع وانتشرت اشاعات كثيرة، وقام البعض بتسليح أنفسهم والقيام بدوريات حراسة مشتركة.
وتم تحذير الاطفال المراهقين من قبل ابائهم من مغبة البقاء خارجا في الليل بعد سلسله الجرائم الاخيرة.
وساد جو الرعب اكثر بعد الجريمه الاخيره للسيد ستاركس واعتقد السكان ان لا احد آمن من رصاص القاتل فبدأوا في تأمين ابواب منازلهم بشكل مبالغ فيه واصابهم هوس شراء المسامير والاقفال والسلاسل وستائر النوافذ والاسلحة واي جهاز حمايه تستطيع التفكير فيه.
وصار السكان يترددون في الخروج من المنزل بعد حلول الظلام الا للضرورة القصوى.
واصبحت المطاعم والمقاهي والمسارح والحانات شبه خاليه من الزبائن وتضاءلت حركه المرور في شوارع المدينه ببطء الى العدم مع اندفاع الناس لمنازلهم بعد العمل مباشرة وعدم الخروج ثانية.
وكان رجال الشرطه يوقفون اي شخص مشتبه به في الليل ولديهم اوامر باطلاق النار على اي شخص لا ينصاع لاوامرهم.
لكن وسط كل هذا الخوف ظهرت بعض المواقف الشجاعة ، حيث أن بعض العشاق تعمدوا ركن سيارتهم على جانب الطرق والانتظار فيها متسلحين على امل اصطياد القاتل ، حتى ان مأمور المدينة في احدى الليالي لمح سيارة واقفة على جانب الطريق فاوقف سيارته وتقدم نحوها وهو يقول : “أنا المأمور .. لماذا انتم متوقفون هنا” .. فردت عليه فتاة قائلة : “حسنا انك اخبرتنا انك المأمور لاني في هذه اللحظة ممسكة ببندقية وموجهة اياها نحو صدرك”.

المشتبه بهم

blank
يويل لي سويني المشتبه به الرئيسي في القضية

لم تكن تحقيقات الشرطه يسيره وسهلة وكان هناك العديد من الفرضيات والمشتبه بهم ، لكن
المشتبه الرئيسي في هذه القضية كان يدعى يويل لي سويني ولد في عام 1917 ونشأ في ريف مقاطعه كيلفلاند اركنساس.
سويني كان معروف وله تاريخ طويل في التزوير والسرقه وتم ربطه بالجرائم الاخيره بناء على اوصاف تفصيليه لجرائم القتل من زوجته بيغي لكنها رفضت لاحقا الشهاده في المحكمه.

يويل سويني تم اتهامه بسرقه احدى السيارات في عام 1946 وبقي في السجن حتى تم اطلاق سراحه 1973 ، والمفارقة أنه في نفس العام الذي تم حبس يويل سويني في السجن توقفت جرائم القتل بعدها.
وكان اثنان من المحققين الرئيسين في القضيه وهما ماكس تاكيت وتيلمان جونسون شبه متأكدين ان يويل سويني هو المجرم.

هناك من يعتقد ايضا ان سويني ليس القاتل وان الجرائم توقفت ببساطة بسبب الحملة الكبيرة للشرطة والسكان بعد حادثة القتل في مزرعة ستاركس وان القاتل ربما استشعر خطر قرب القاء القبض عليه ففر هاربا من المدينة.

بالنهاية .. وعلى الرغم من تحقيقات الشرطة الواسعة ظلت جرائم القتل هذه بدون حل الى يومنا هذا ولم يتم ابدا القبض على القاتل الذي اطلق الناس عليه اسماء عديدة منها القاتل الشبح .. والقاتل المهووس بالجنس ..

كلمات مفتاحية :

– Texarkana Moonlight Murders

تاريخ النشر : 2021-06-27

guest
40 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى