قتلة و مجرمون

مهما طال الزمن

جريمة ضاعت تفاصيلها في برميل قديم منسي حتى قرر أحدهم أن يرفع الغطاء

في 2 سبتمبر 1999 وفي إحدى ضواحي مدينة نيويورك كان هناك رجل يدعى رونالد مشغول بتنظيف بيته وتوضيب أغراضه ، لقد قرر بيع منزله وهو يجهزه لتسليمه لمالكه الجديد ، وعندما نزل رونالد الى القبو الذي كان مهملا ولا يدخله الا نادرا لفت نظره برميل معدني كبير، هذا البرميل كان موجودا منذ ان اشترى المنزل قبل 30 عاما لكنه لم يأبه لأمره يوما، لكن بما أن المالك الجديد أشترط استلام المنزل خاليا تماما فقد كان لزاما على رونالد أن يتخلص من البرميل ، فحاول حمله ونقله الى الخارج ، ورغم كونه ثقيلا جدا إلا أنه تمكن بشق الأنفس من أن يوصله إلى حاوية القمامة أمام المنزل ، لكن لسوء حظه لم يأخذه عمال النظافة بل تركو له ورقة كتبوا عليها ان البرميل ثقيل وقد يحتوي على مواد كيماوية سامة.

قرر رونالد ان يفرغ البرميل من بعض محتوياته لتخفيف وزنه فيسهل حمله ونقله ، فأخذ مطرقة وبدأ بفتح البرميل ببطء ، وما أن أزاح الغطاء قليلا حتى خرجت رائحة كريهة جدا ، لكن مع ذلك واصل رونالد فتح البرميل واستكشاف ما بداخله بدافع الفضول ، وعندما تمكن أخيرا من رفع الغطاء وجد البرميل ممتلئ بسائل اخضر غريب تسبح فيه فردة حذاء نسائي ، وحين دقق النظر جيدا أستطاع تمييز ذراع بشرية مغمورة داخل السائل الاخضر .. وهنا اسرع بالاتصال بالشرطة.

blank
المنزل حيث تم اكتشاف البرميل

حضرت الشرطة بسرعة ، وبعد أخذ أقوال رونالد تم نقل البرميل الى معمل التحليل الجنائي لمعرفة ماهية السائل الاخضر وكذا الجثة الموجودة بداخله ، وبعد الفحص تبين ان الجثة تعود الى امرأة في اواخر العشرينات من اصول لاتينية ذات شعر داكن وترتدي ثيابا يعود طرازها الى حقبة الستينات من القرن الماضي ، يعني ان الجريمة حدثت منذ زمن طويل ، كما تم تحديد سبب الوفاة بضربة قوية على الرأس ، وكذلك بينت الاشعة ان المرأة كانت حاملا في شهرها التاسع من الحمل وعلى وشك الولادة ساعة موتها.

واحتوى البرميل أيضا على مفكرة صغيرة فيها تواريخ وأرقام هواتف محيت تقريبا بفعل السائل الاخضر ، كما وجدوا خاتمين ومحفظة وقلادة وورقة بلاستيكية من أوراق الأشجار صناعية.

فورا شرعت الشرطة في محاولة تحديد هوية المرأة ، حاولوا أولا معالجة المفكرة وتمكنوا من ترميم واستعادة بعض الارقام لكنها كانت لا تعمل او تعود لأشخاص غيروا مكان اقامتهم منذ مدة الطويلة.

قامت الشرطة أيضا بالتواصل مع جميع جيران المنزل ، لكن للأسف لا احد يعرف شيئا او بالأحرى يتذكر شيئا فالجريمة مضى عليها زمن طويل.

blank
البرميل حيث تم اكتشاف الجثة

ورغم أن كل أبواب الحقيقة بدت موصده للوهلة الأولى إلا أن الشرطة واصلت البحث والتحري على أمل الامساك برأس خيط ، فأخذوا يفحصون البرميل ووجدوا أنه مصنوع عام 1965 وقد كان يستعمل لنقل الاصباغ ، وان السائل الاخضر عبارة عن مادة تستخدم لصناعة الاشجار البلاستيكية وهذا السائل توقف انتاجه عام 1971 . وقد كان مكتوب على البرميل أنه مرسل الى شركة “ميلي روز بلاستيك” وبعد البحث وجدوا انها شركة مغلقة منذ عام 1971 ، وان صاحب الشركة يدعى هوارد ب. إلكينز، وأنه هو المالك الاول والاصلي للمنزل الذي وجدت فيه الجثة وان رونالد اشترى منه المنزل منذ اكثر من 30 سنة.

الآن بدأت الصورة تتضح قليلا ، وأنهمك المحققون بمحاولة ربط الأمور مع بعضها ، فالبرميل والسائل الاخضر وشركة النباتات البلاستيكية والسيد هوارد كلهم خيوط رئيسية في القضية لكن الحلقة المفقودة هي المرأة صاحبة الجثة والتي مازالت مجهولة الهوية ، بالتأكيد السيد هوارد على علاقة بموتها الغامض الا انه ليس هناك دليل لإدانته.

الاتصال الغامض

blank
هوارد ب. إلكينز

مع انتشار خبر الجريمة عبر التلفاز وحديث الناس عنها تلقت الشرطة اتصالا هاتفيا غامضا من شخص مجهول قال ان السيد هوارد كان على علاقة مع امرأة لاتينية تعمل عنده خلال فترة الستينات ، وان البرميل الذي نشروا صورته على التلفاز هو نفس البرميل الذي كان موجودا في المصنع خلال تلك الفترة.

رغم غموض الاتصال الا انه أكد شكوك الشرطة في هوارد ، فقررت استجوابه ..

وبعد البحث توصلت الشرطة إلى ان هوارد مازال على قيد الحياة ، يبلغ من العمر 71 عاما ، وهو يعيش الآن في ولاية فلوريدا ، فانتقلت الشرطة الى منزله وبدأت استجوابه ، وعند سؤاله عن علاقته بالمرأة اللاتينية اعترف بمعرفته بها لكنه نسي شكلها وأسمها ولا يعرف مصيرها ، وهنا طلبت منه الشرطة مساعدتها وتقديم عينة من دمه لمطابقة حمضه النووي مع الجنين الذي وجد في بطن الضحية لكنه رفض بشده وطلب منهم مغادرة منزله فورا قبل عودة زوجته.

بعد رحيل الشرطة قام هوارد بمغادرة منزله والتوجه مباشرة إلى متجر للأسلحة حيث أشترى بندقية ، ولاحقا تم العثور على جثته منتحرا بطلقة في الرأس وهو جالس في سيارته.

بعد انتحار هوارد قامت الشرطة بأخذ عينة من دمه ومقارنتها مع الحمض النووي للجنين وقد كان التطابق تاما .. اذن هوارد هو والد الطفل التي كانت القتيلة حاملا به. لكن بقي على الشرطة معرفة هوية المرأة وسبب قتلها ، وقد عجزت عن ذلك فالشخص الوحيد الذي كان يعرف المرأة جيدا قد انتحر ..

اضطرت الشرطة للعودة الى مفكرة الهواتف الذي وجدتها داخل البرميل ومعاودة المحاولة من جديد مع الارقام الموجودة فيها ..

وبعد محاولات عديدة يبدو أن الحظ أبتسم للمحققين أخيرا ، فقد تمكنوا من الاتصال برقم هاتف كان مازال يعمل ولم تغير صاحبته وأسمها كاسي مسكنها او رقم هاتفها منذ زمن طويل ، ومع استجوابها حكت لهم كل ما تعرفه عن صاحبة المفكرة.

العودة 30 عاما إلى الوراء ..

blank
رينا ماروكين

ولدت رينا ماروكين عام 1941 في السلفادور في وقت كان تعاني البلاد من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة وكل الناس كانت تحلم بالهجرة لتحسين أوضاعهم. رينا عاشت مع عائلتها رغم فقرهم وعندما كبرت تعرفت على رجل واحبته وتزوجا ، لكن عام 1966 اكتشفت رينا خيانة زوجها فقررت تركه والهجرة الى الولايات المتحدة ، لم يعد لديها اي أمل في وطنها ، واستقرت في نيويورك وبدأت العمل كمربية اطفال لتسديد نفقات معيشتها ، لكنها سرعان ما تركت هذا العمل ، فطموحها كان دائما ان تعمل في مجال الموضة والازياء ، وبدأت تتعلم الانجليزية عند سيدة تدعى كاسي وهي ايضا من السلفادور وسرعان ما اصبحتا صديقتين حميمتين.

ساعدت كاسي رينا في ايجاد عمل جديد في مصنع للبلاستيك فاصبح لرينا عمل جديد وصديقة جديدة وحبيب جديد ايضا ، وكانت رينا تحكي لكاسي كل شيء مما يحدث معها في العمل او خارجه واخبرتها عن حبيبها الجديد وبأنه متزوج وله ثلاثة اطفال لكنها لم تخبرها بأسمه.

مع مرور الوقت حملت رينا بطفل من صديقها الذي وعدها بالزواج ولكنه لم يفي بوعده وكان يتهرب ويماطل دوما .. وحتما حزرتم أن حبيب رينا لم يكن سوى السيد هوارد مالك الشركة.

عرفت رينا انها يجب ان تجد حلا فهي على وشك الولادة فقررت الاتصال بزوجة هوارد واخبارها بكل شيء ، وعندما عرف هوارد بذلك جن جنونه واتصل برينا وهددها بالقتل ، خافت رينا جدا خاصة انها بلا سند او عائلة فاتصلت على الفور بصديقتها كاسي وحكت لها ما حدث وانها خائفة ولا تشعر بالأمان.

شعرت كاسي بالقلق على رينا بعد هذا الاتصال فذهبت الى شقتها لتطمئن عليها ولكنها لم تجدها ، وانتظرتها هناك حتى حل الظلام .. لكنها لم تأتي تلك الليلة ولا في اي ليلة اخرى ..

توجهت كاسي إلى الشرطة وبلغت عن اختفاء صديقتها ، لكن الشرطة لم تهتم لأن رينا ليست امريكية بل مهاجرة ، ومن الممكن ان تكون قد عادت الى وطنها.

لكن كاسي بقيت قلقة خاصة ان والدة رينا قالت لها انها عند الاتصال بها ان أبنتها لم تكلمها منذ مدة .. لكن لم يكن بيد كاسي شيء لتفعله.

وهكذا اهملت القضية ولم يتم البحث عن رينا وطواها النسيان الى ان ظهرت قضية البرميل والجثة.

blank
صورة هوارد قبيل موته .. وصورة والدة رينا .. انتظرت ابنتها 30 عاما لتدفنها ثم تموت بعدها بفترة قصيرة وتنام الى جانبها .. فعلا جميع القلوب يمكن ان تنساك الا قلب امك..

بعد المعلومات التي قدمتها كاسي عن رينا قامت الشرطة بوضع سيناريو تخيلي لما وقع يوم الجريمة ، فقد اتصل هوارد برينا حتى يتقابلا في المصنع ليجدا حلا للمشكلة ، وبالتأكيد احتدم النقاش بينهما فقام هوارد بضرب رينا على رأسها فماتت وقام بنقلها الى قبو منزله ليتخلص من جثتها بوضعها داخل البرميل وسكب عليها السائل الاخضر المستخدم في صناعة الاشجار البلاستيكية واغلق البرميل بأحكام وقرر رميه في البحر لكنه عند محاولته تحريكه او نقله لم يستطع لأنه اصبح ثقيلا بوزن 165 كلغ فقرر تركه في القبو وفي باله انه لن يجده احد او يفكر بفتحه او نقله .. فعندما تكون مهاجرا أو غريبا من سيأبه لاختفائك؟ .. أليست البراري والبحار تبتلع آلاف سنويا من الباحثين عن الأمل والأمان .. من يأبه لمصيرهم؟ .. لا أحد!.

بعد نهاية التحقيقات واغلاق القضية تم ارسال جثة رينا الى السلفادور لتدفن في وطنها وبعد شهور قليلة توفيت امها التي انتظرتها طويلا ودفنت بجوار ابنتها.

المحير في القضية بالنسبة لي من هو المتصل الغامض .. برأيكم من يكون؟

المصدر
Murder of Reyna Marroquín
guest
48 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى