أدب الرعب والعام

ميس إيجيبت ” لعنة الجمال”

بقلم : هيثم ممتاز – مصر


للتواصل:

 [email protected]

عندما أعلنوا إسمها (سارة فهيمي) و إنطلقت دائرة الضوء عليها وسط تصفيق الحضور و هذه الأوراق الملّونة الصغيرة تساقطت عليها, هنا إستوعبت ما يحدث.
إنها ميس إيجيبت أو ملكة جمال مصر لهذا العام.

بدأت الأضواء تتابع هذه الفاتنة المدهشة أينما ذهبت. كل الرجال والشباب قالوا إنهم لم يروا مثل جمالها من قبل, و النساء قالوا أنها عادية من الغيرة طبعاً.
بدأت الحكاية عندما تسرّبت صور لها على مواقع التواصل الإجتماعي. هذه الصور تمثل فتاة بنفس الملامح الرئيسية ولكنها أبشع بكثير. فتاة قبيحة, ولكنّها هي. إنتظر الجميع أن تقول أن هذه الصور هي فوتوشوب بفعل حاقدة ما. ولكنها صمتت ولم تردّ, لكن الإعلام التلفزيوني رفض فكرة بقاءها صامتة فتعاقدت معها إحدى البرامج لعمل حوار معها.
في الأستوديو جلسا هي و المذيع وبدأ البثّ المباشر بعرض الصور المسرّبة بضعة لحظات ثم بدأ الحوار.
المذيع : أهلاً وسهلاً بميس إيجيبت. سارة, كيف حالك ؟
سارة : أهلاً بك.
المذيع : في البدء قصدنا عرض هذه الصور كي نبدأ بهذا الحديث الأهم. هل هذه صورك ؟
سارة : نعم بكل تأكيد.
المذيع : إذن. كيف ؟
سارة : تقصد كيف تحولت من هذه القبيحة الى ما أنا عليه ؟
المذيع : لا أقصد. العفو! فقط نريد أن نفهم. نريد أن تحصل كل الفتيات على الإلهام منك. إنها نفس الملامح ولكن.. ما الذي حدث ؟
سارة : إن كنت تظن أنه المكياج و مستحضرات التجميل فأنت مخطيء.
وبدأت في مسح وجهها كي يعرف الجميع أن جمالها هو الجمال الطبيعي, وإنها لم تخبيء قبحها حتى يظهر كل هذا الجمال.
إبتسم المذيع و سألها.
المذيع : عمليات التجميل إذن ؟
صمتت و نظرت له نظرة نارية, فبلع ريقه و قال.
المذيع : حسناً حسناً. إشرحي لنا.
بدأت الكاميرا تتفحص وجهها حيث ظهرت إبتسامة خبيثة وقالت.
سارة : سأحكي لك وللمشاهدين. تذكروا فقط أنني ميس إيجيبت.
قاطعها قائلاً.
نعلم هذا و لن يُسحب منك اللقب إن كان هناك خداع في الأ…
قاطعته بدورها.
لالا لا يوجد خداع هاهنا.
المذيع : إليكِ الميكروفون كما يقولون.
سارة : كنتُ كما ترون. يحتقرني الجميع و الشباب على وجه الخصوص, فلم أكن أقترب ولو بنسبة 1% من الحد الادنى من الجمال. وقتها ….
وبدأت تحكي حكايتها.
أتعلمون معنى الألم من أن يرفضك الجميع, وتذهب حتى إلى دكتور التجميل و يقول لك.

-يا إبنتي. كل ادوات و تقنيات التجميل تعجز عن جعلك مقبولة حتى. إذهبي إلى حال سبيلك.
كان كلامه جارحاً. وقتها قلتُ له.

-إن عجز الطب. ماذا عن الأشياء الأخرى ؟


فهم أنني أقصد بالأشياء الأخرى هذه ، الأعشاب و الطب البديل, فقال :

-إنسي …


ولن أنسى, بل كنتُ غاضبة و قررت أن أنتقم من هذا المعتوه بشكل أو بأخر عندما يحين الوقت.
لجأتُ إلى السحر فهذا ما كنت أقصده من الأشياء الأخرى هذه الأعشاب و الطب البديل, فقال.

إنسي…

ولن أنسى .. بل كنتُ غاضبة و قررت أن أنتقم من هذا المعتوه بشكل أو بأخر عندما يحين الوقت.
لجأتُ إلى السحر فهذا ما كنت أقصده من الأشياء الأخرى بدون أن أذهب إلى أحد الدجالين بالطبع تجنباً لإحراج رفضي من هؤلاء الحثالة …

قاطعها المذيع :
-سحر ؟؟
سارة : دعني أكمل إن كنت تريد الحقيقة من فضلك.
المهم.. بحثتُ على الإنترنت حتى وجدتُ طريقة تقول أنني بمجرد أن أفكر في ما أريده سيحدث. بضعة طلاسم و بعض التعاويذ أتممتها, حتى وجدتُ القوة التي تؤهلني لأن أكون أجمل من أي جميلة على وجه الأرض.
ثم جاء إلهام كيفية حدوث ما أريده في أحد أحلامي حيث جاءتني فتاة جميلة قالت إنها من الجن و أرشدتني بما هو مطلوب مني. بعد أن أستيقظت تعجبت من هذا الأمر, وكنت أظن أنني سأكون جميلة بلمسة سحرية, أما أن أفعل هذا ؟
وقتها عادت لي فكرة الإنتقام من هذا الطبيب الأحمق. وجدتُ الأرض الخصبة التي أعمل عليها.
ذهبتُ و وقفتُ أسفل بناية العيادة و أخذتُ أراقب حتى ظهرت أول فتاة خارجة من عنده. كانت جميلة و مدهشة. ذهبتُ إليها و إبتسمتُ قائلة.
-أنتِ جميلة.
نظرت بعيداً لتتجنب أن يعديها قبحي و قالت.
-شكراً. الله يسهل لك.

-لا أتسوّل منكِ. ما هذا ؟
إرتبكت وهي تلاحظني ألمس وجهها فإبتعدت و على وجهها الإشمئزاز مني. إبتسمتُ لها و إعتذرتُ و تركتها ترحل و لكنني راقبتها. أخذتُ أراقبها حتى فجأة وقفت و بدأت تصرخ صرخة مفزعة بحق. أخذتُ أقترب منها حتى رأيتُ وجهها المشوه وقد تسرّب منه الجمال. و هي تصرخ نظرت لي و نظرت إلى وجهي الذي بدأ بعض الجمال يغزوا ملامحه.
عاودتُ إبتسامتي و أنا أراها تسقط على ركبتيها و قد تحوّل وجهها إلى وجه بلا جلد على الإطلاق. البشاعة في حد ذاتها.
تركتها تعاني و أخذتُ أجري و أنا في قمّة الفرحة.
كرّرتُ الأمر مع عشرة من الزبائن و بدأتُ أكون جميلة بحق, حتى تعجّب كل من حولي, و خصوصاً أهلي. قلتُ لهم أنني أمارس عادات صحية هي من جعلتني جميلة!
مبرّر تافه, ولكنهم إقتنعوا عندما رأوا تلك المستحضرات التي إشتريتها من أجل التبرير لا أكثر. حتى أن أختي الصغيرة إستخدمت المستحضرات من وراء ظهري لعل وعسى, وعموماً لم تكن قبيحة مثلي أبداً.
بدأتُ أوّسع نشاطي ليشمل جميع الفتيات التي كنت أعرفهن و كنّ يستحقرّنني. رأيتُ الإنبهار في عيونهن و لم يمانعن من لمسي لهنّ و بعدها أخذتُ أستمتع وأنا أسمع الصرخات تخرج من أفواههنّ و أشعر بذلك الجمال يتسرب في وجهي الرائع. الجمال الذي أضاف حلاوة على حلاوتي المُستجدّة.
كنتُ هنا مؤهلة بأن أنتقل إلى الشباب الوسيمين الذين كانوا يجرون ورائي بطبيعة الحال الجديد. قلتُ في نفسي.. أالآن حقاً تجرون ويسيل لعابكم أيها البلهاء ؟ سأخطف وسامتكم لتعطي لوجهي المدهش البريق الذي أريده.
و سمعتُ الصرخات الرجولة ورأيتُ الوجوه الممزقة و هم يتألمون تحت أقدامي كالعادة, وحصلتُ على البريق الذي أريده. بعدها شعرتُ بالمزيد من العطش الى المزيد من الجمال, والكثير من البريق.
عدتُ إلى مصدري السحري و التعاويذ والطلاسم و جاءتني نفس المرأة الفاتنة و قلتُ لها.

-الصور. أريد الجمال من الصور.
و حصلتُ على هذا أيضاً, فكانت كل صورة لفتاة جميلة أو ممثلة فاتنة, كنتُ ألمس الشاشة حتى أشعر بالجمال يزداد في وجهي و أشعر بمعاناة الممثلة الفلانية أو الفتاة الفلانية, وحرصتُ في هذا على البحث في الصور الأجنبية, فلم أكن أريد أن تظهر ممثلة مشهورة محلية في الإعلام وتصرخ بوجهها المشوّه الممزق و تتسلط عليها الأضواء التي أطمح إليها.
مع هذا ظهرت الأخبار العالمية, كما تعلمون عن تشوهات لملكات وممثلات الجمال حول العالم و لم تفهمون أنتم ولا هم السبب وراء هذا.
أصبحتُ آية من آيات الجمال, بل ربّة الجمال العصرية وهذا دفعني في حماس إلى المشاركة في المسابقة مع تحفظي من إجراء الممارسة مع أي شخص أثناء هذه الفترة كي لا يلاحظون أي جديد في وجهي, و فزتُ بسهولة بأصبع قدمي الصغير و خصوصاً أنني جمعتُ بين العقل و الثقافة التي كنتُ معروفة بها و الجمال.
كان المذيع وطاقم البرنامج يسمع كل هذا وهم في غاية الرعب. إعتدل المذيع وقال.
-ربّاه. أنتِ مجرمة.
سارة : لا بل ضحية تنّمر المجتمع الأحمق. لا تقل إنني خدعتُ اللجنة فأنا جمالي طبيعي كما رأيتم. و من يدريك ربما أكون كاذبة وحكيتُ حكاية مسليّة مخيفة.
المذيع : لكن …. الصور!
سارة : أها. الصور ؟ هل تظن أنني سأترك من سرّبوا الصور ينعمون الآن ؟ هل تظنّ أنني سأترككم جميعاً ؟
تنفست بعد نوبة الغضب هذه ثم قالت.
-دعني الآن أكمل.
عمّ الصمت و تعالت فقط دقات قلوب الجميع في الأستوديو.
-عندما حدث ما حدث من أمر هؤلاء الحمقى و لا أعلم كيف حصلوا على هذه الصوّر. ربما سرقوا بياناتي أو لا. شككتُ في عائلتي فأقسموا أمامي أنهم ليسوا لديهم أي دخل في ما حدث قبل أن ألمس وجه أختي و أبي الفرع الجميل في العائلة.
إذن من ؟ تذّكرت هذا الموقع القديم الذي وضعتُ فيه صورتي من أجل البحث عن عريس يقبلني كما أنا, وكان هذا الأمر منذ سنتين أعتقد. قد نسيتُ هذا, و أدركتُ بعدها أن الطغاة الملاعين توصلوا إلى صوري القديمة عبر هذا الموقع الخاص بالزواج! ولا أعرف كيف جاء في بالهم هذا.
قررتُ الصمت أمام إلحاح مواقع التواصل الإجتماعي و قمتُ بعملٍ صغير تحسّباً لظهوري مرة أخرى على شاشات التلفزيون.
نفس الطلاسم ونفس التعاويذ و نفس الفتاة في الحلم و تفكيري في كيفية إلقاء لعنة الجمال هذه على من يشاهدوني – فقط أصحاب الوجه الجميل والوسيم بالطبع – و همست بداخلي الفتاة بكلمة ” تيدورفا “. الكلمة التي عندما أقولها سأمصّ الجمال من كل من حولي و كل من يشاهدونني و أزداد جمالاً أكثر وبهاءً أكثر و أكثر.
نعم.. كل من يشاهدونني! فأنا حانقة على كل المجتمع الذي قد أوصلني إلى هذه اللحظة أمامكم, وهو المتسبب في كل شيء.
سكتت وإبتسمت عندما صرخ المذيع الوسيم وتعالت صرخات بعض الفتيات في الأستوديو و قد تحوّل وجوههم إلى وجوه ممزقة خالية من الحياة.
سقط المذيع و سقط الجميع, فاللعنة قد ظهرت عندما قالت الكلمة بعفوية مقصودة أثناء حديثها.
إنها تبتسم, و هي ترى في عقلها ماذا حدث لمن شاهدوا الحلقة من أصحاب الوجوه الجميلة والفاتنة. تبتسم عندما تلاحظ هذا الجمال و الإشراق و البهاء يتسلل إلى وجهها الجميل.

-تمت-

guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى