ألغاز تاريخية

وحش الخرائب الذي نجى بفعلته.

بعد قرن من الفوضى ، بدأت كولومبيا تنهض إقتصادياً وسياسياً . هذا البلد الذي كان بؤرةً للصراعات في أمريكا اللاتينية ، بات اليوم يعيش تقدماً ، ويشعر مواطنوه بالأمل الحذر . أملاً ينقذهم من وحش تلك الصراعات التي اعتقدوا انها قد لا تنتهي .

وبرغم أن كولومبيا ابتعدت عن صدارة دول العالم المصدرة للكوكايين ، أو الجماعات المسلحة المتصارعة منذ عقدين . إلا انها ما زالت تهيمن على قائمة أكثر القتلة المتسلسلين في العالم فتكاً وإجراماً . ( مثل لويس غرافيتو ) الذي اغتصب وقتل 193 فتى .
ينافسه في ذلك مواطنه الكولومبي ( بيدو لوبيز ) المشهور “بوحش الانديز” بــ 110 جريمة قتل للشبّان ايضاً . فيما يحل خامساً بالقائمة ، مواطنهما الكولومبي أيضاً ؛ (دانييل كمارغو باربوسا ) ، الذي اغتصب وقتل 72 إنساناً قبل اعتقاله .

هؤلاء القتلة المختلّون، استغلوا انفلات الوضع الأمني في كولومبيا ومحيطها من الدول الفقيرة، واستهدفوا ضحايا الحرب من الفقراء . وأصبحوا علامةً على بشاعة ما يمكن أن تنتجه الحروب وتسببه المخدرات والأسلحة .

لكن قصتنا اليوم من كولومبيا مختلفة قليلاً . اذ وبالرغم من أنَّ عدداً كبيراً من القتلة المتسلسلين في هذه الدولة تم اعتقالهم وسجنهم . لكن هناك من أفلت بفعلته ولم يتم الامساك به . بل أنَّ الفساد والفوضى هناك تسببا بضياع أثره أيضاً، فما هي حكاية وحش الخرائب الكولومبي؟ .

إقرأ أيضاً :وحش حولي ( مجرم أزهق براءة الطفولة )

حدث كل شيء بين عقدي الستينيات والسبعينيات . وتحديداً في مدينة ( فالي ديل كاوكا بكولومبيا) . وكانت البداية عند اكتشاف جثَّة لموزع صحف في 5 تشرين الثاني 1963 . بعد ذلك، بدأ ظهور المزيد من حالات قتل الأولاد الصغار، وألقيت الجثث في خرائب بعيدة عن مركز المدينة، ومن هنا جاءت تسمية القاتل.

في الرابع من كانون الأول من نفس العام ، تم العثور على طفل آخر في أرض عشبية في المنطقة الشمالية من المدينة، فيما يعتبر ثاني جريمة قتل تُسجل . بعد ثمانية أيام، تم اكتشاف جثة ثالثة، تفتقر إلى مقل العيون، على ضفاف نهر ‘Aguacatal’ . لاحقاً تم اكتشاف جثتين آخَرَتَيْن قبل نهاية العام متروكتين في الخرائب.

blank
كان يلقي الجثث في الاماكن المهجورة (الخرائب)

في نهاية العام، تم تسجيل خمس جرائم قتل بين تشرين الثاني وكانون الاول، جميعها متماثلة في وحشيتها. و في كانون الثاني 1964، عثرت شرطة ‘كالي’ على جثة متيبِّسة لطفل آخر . بعد يومين، تم اكتشاف رفات ‘ ألبرتو جارزون ‘ ، البالغ من العمر 12 عاماً. وعُثِر على ثلاث جثث أخرى في نفس الشهر في مناطق متفرقة من البلدة.
بين شباط ونيسان، وقعت ثلاث جرائم قتل إضافية في انحاء متفرقة من المدينة وتم رمي الجثث في الخرائب أيضاً.

بعد هذه الفورة، توقف اكتشاف الجثث قليلاً . لكن بلاغات اختفاء الأطفال الفقراء ممن يعملون في الشوارع لمساعدة أسرهم لم تتوقف. آنذاك كانت الدولة ضعيفة ومنشغلة بالعنف السياسي المستمر، لذلك لم تهتم كثيراً لهذه السلسلة من الجرائم المرعبة التي ستستمر. بل أنها أصدرت تنويهاً غريباً ، أشارت فيه إلى ما سيكون الأغرب بهذه القضية. حيث أكّدت مؤسسة التشريح في ‘بوغوتا’ العاصمة؛ أن الأطفال المكتشفة جثثهم بعد اختفائهم لفترات طويلة ، كانوا مدفونين قبل أن يتم نبش جثثهم . وسيكون هذا التنويه مصدراً لقصص كثيرة من الغرائب على مدى عقود لاحقة.
فلماذا يقوم القاتل بجريمته ويدفن الطفل ثم يستخرج جثته ويضعها في خرابة ما؟.

إقرأ أيضاً : وحش صفارة الإنذار!

الغرائب لا تنتهي في هذه القصة ، اذ أن تقارير الشرطة عن الجثث أوضحت تفاصيلاً لا يمكن لأحد تخيّل بشاعتها. منها أن الأطفال تعرضوا للإغتصاب قبل أن تخترق إبرة طويلة قلوبهم، والتي لم تسبب لهم الموت ، بل تشنّجات عنيفة في أماكن حسّاسة من جسدهم استهدفها المجرم بهذا التصرف لكي يرضي شهوته الشيطانية .
زيادة على ذلك فقد تم سحب كمية كبيرة من دم الأطفال عبر الحقن . وهو ما تمَّ اعتباره السبب الرئيس للموت .

في ذلك العام بدأ المواطنون يطلقون لخيالهم العنان عن المجرم الذي يقتل أطفالهم. وكانت الأسطورة الأولى تتحدث عن مجموعة من الأشخاص ، وتحت أوامر مفترضة لرجل أعمال كان يعاني من مرض في الدم. يرتدون ملابس سوداء ويركبون سيارة ليلاً تقترب من الأطفال في الشوارع، وتقدم لهم نقوداً أو هدية ما لاستدراجهم.
أيضاً كان هناك حديث عن طائفة لديها انحرافات وتمارس السادية. بطبيعة الحال ، لم يكن هناك أي اعتقالات ضد هذه المجموعة الغامضة. ثم جرى الحديث عن وجود مُعتَقَل في آذار 1967 . وصُنف على أنَّه “الوحش”، لكن الدولة لم تكشف عن اكثر من ذلك، والجرائم استمرت على كل حال.

blank
صور لبعض ضحايا وحش الخرائب ، معظم ضحاياها من الأطفال

عادت الجثث للظهور مجدداً في الخرائب. واستُئنف ظهورها بجثّة الصبي ‘فيليكس فانيغاس’ ، البالغ من العمر 8 سنوات . وتعرفت عليه عائلته من علامات كانت على يده اليمنى وقدمه اليسرى.
ساعد هذا الفتى الصغير والدته في الأعمال المنزلية التي كانت تقوم بها في مزرعة ضمن المنطقة الريفية من هذه المدينة، في جنوب فالي ديل كاوكا . المفارقة، أن والدته وفي فترة اختفائه تلقت مكالمات مجهولة عام 1964 تقول إن الطفل بخير، وتم ارشادها الى عنوان في المدينة وعندما وصلوا إلى المكان لم يكن هناك شيء.

تكررت المكالمات، وكانت آخر مكالمة تلقاها أقارب الفتى من امرأة قائلة إنهم لن يروه مرة أخرى، ثم أغلق الخط . مرت خمسة أيام قبل أن تكتشف السلطات جثة رضيع آخر. حيث لم يستغرق القتل العاشر لطفل وقتاً طويلاً. حدث ذلك في 27 كانون الثاني 1964. وحتى 1 نيسان من ذلك العام ، كان حوالي 13 قاصر قد لقوا حتفهم .

إقرأ أيضاً : الوحش ذو الواحد وعشرون وجهاً

عثرت السلطات على جثة فتى آخر اسمه ‘ألفيرو سانتانا’ ، وأيضاً على ‘ فابيو بالتا ميدينا ‘ كان عمره 10 سنوات عندما اختفى. وفي المرة الأخيرة التي شوهد فيها، كان يلمع حذاء رجل في حديقة عامة وسط كالي. كانت عائلته فقيرة جدّاً ودرس في مدرسة عامة، لكنه عمل في تلميع الأحذية للمساعدة في نفقات منزله.
تلا ذلك المزيد من حالات الاختفاء في السبعينيات، مثل اختفاء ‘أداغرييلا راميريز ‘ البالغ من العمر 10 سنوات. والذي كان يعاني من إعاقات في النطق والسمع، حيث اختفى في آيار 1974 عندما تم إرساله لجلب بعض الحاجيات.


بعد ذلك العام توقفت بلاغات الإختفاء والجثث عن الظهور في هذه المدينة. لكن الأسطورة المرعبة بقيت حاضرة بالنسبة للكولومبيين، وكانت حصيلة عقد من الجرائم؛ 38 جثة لفتيان صغار، تم اغتصابهم وتعذيبهم وسحب دمائهم.

ولم تخل ذائقة الشارع الكولومبي من تشويه سمعة لأحد أغنياء المدينة ، واسمه ‘دون أدولفو اريستيتابال’ . وهو صاحب فندق اسمه ‘اريستي’ ما زال قائما حتى اليوم. حيث اتَّهمه الشارع بناءاً على شحوبه وغموضه، و إصابته بمرض في الدم بالجرائم، لكن لم يكن هناك أي دليل . ومع وفاته في الستينيات واستمرار الجرائم بعد ذلك ثبت للناس خطأهم.

blank
‘دون أدولفو اريستيتابال’ : هل هو وحش الخرائب ؟


وربما لهذا السبب أصبح الثري ‘دون أدولفو اريستيتابال’ قدِّيساً لدى الفقراء، يزورون قبره ويقدِّمون له الهدايا حتى الآن ، من باب التكفير عن ذنب تشويه سمعته.

في عام 1982 تم إنتاج فيلم رعب كولومبي مستوحى من القصة، تحت عنوان “دم نقي” . من إخراج لويس أوسبينا .
وركّز الفيلم على فرضية إتهام رجل الأعمال أدولفو اريستيتابال، وكيف أنه جنّد مجموعة من القتلة الساديين لخطف الأطفال الفقراء وسحب دمائهم كي يعالج مرض سرطان الدم المصاب به.

في الختام ..

لا بد من تعريف متلازمة (رينفيلد ) ، والتي تعني الهوس بشرب الدم. هي حالة مرضية مشخَّصة يصطلح عليها بمصاص الدماء السريري . وظهرت في أدبيات الطب النفسي، حيث تم تشخيص أكثر من 50000 شخص مدمن على شرب الدم في أدبيات الطب النفسي على الأقل منذ عام 1892.
وقد تم توثيقهم في عمل الطبيب النفسي الشرعي النمساوي ‘ريتشارد فون كرافت إيبينج’ . ولطالما تم الإبلاغ عن السلوك غير العادي هذا باعتباره أحد الجوانب العديدة لجرائم العنف غير العادية.

ملاحظة :جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس ، لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي او المرئي للمقال المنشور دون اذن مكتوب من ادارة الموقع ، وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المصدر
wikipediaelpaisoccidenteutopicos

زاهر موسى

- كاتب من العراق - للتواصل : [email protected]
guest
32 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى