أدب الرعب والعام

مبدع

بقلم : أبو الحسن ماجد – العراق

مبدع
كان يصنع شيئا ما من الطين !

يوماً من شهر رمضان وفي أحد عصريات الأيام كنت أنتظر وقت الإفطار بترقب ، إنها الساعة الخامسة عصراً وما أثقل الساعات الأخيرة وكثرة بركتها .
كان الجو حاراً كالعادة والتيار الكهربائي منقطع ، و كان الهدوء يعم المنزل ، فالكل نائمين عدا أمي ؛ فهي الآن في المطبخ تعد الطعام .

خرجت من غرفتي وتوقفت في الصالة أطالع الساعة وأنا أتثاءب ، عندها سمعت أصوات أطفالٍ يعلبون بصخب وعربدة في الشارع ، فقررت أن أخرج و أجلس عند دكة البيت .
فتحت الباب الرئيسي واستقبلني ضوء الشمس الساطع الحارق فأوجع سقف عيناي .. جلست على دكة الباب ورأيت الأطفال يلعبون راكبين دراجاتهم الهوائية ويتسابقون بتخبط وعشوائية ، و لكن (حسن) كان ينظر إليهم بتمني وبنظرة حزينة ، لأنه لا يمتلك دراجةً مثلهم ، فكان يتشبث بهذه الدراجة وتلك ، و يلاقي من أصحابها الدفع وحتى الضرب .

كنت أراقبه وقد حز في نفسي منظره ، كان من عائلةٍ فقيرة ، فوالده عامل بناء و يعيل عشرة أبناء .. وبعد التعب من الجري وراء الدراجات والتشبت الغير مجدي وقف يطالع يميناً ويساراً والأولاد يحيطون به بدراجاتهم .
تمشى خطوات وجلس على التراب وبدأ يلعب ويرسم في التراب ، ثم التفت وراءه و وجد دلواً قديماً مرمياً أخذه وتوجه به نحو مياه المجاري ، غطسه بالمياه وملأه ثم رجع مكانه عند التراب ، وكان ذلك تحت أنظاري وأنظار الأولاد الذين بدؤوا يسيرون بدراجاتهم أمامه .

جلس على الأرض ووضع الدلو المليء بجانبه وبدأ يصنع بيديه تلَّاً من التراب ، وبعده حمل الدلو ووضع الماء فوق التراب وصنع الطين وبدأ يعجنه ، فتوقف الأطفال عن اللعب بدراجاتهم وظلوا يشاهدونه .. بيدو أن المنظر قد ألهمهم ،
ثم بدأ يصنع شيئاً من الطين لم يكن واضحاً بالنسبة لي ، فاقتربت أكثر و وجدته يصنع منزلاً من الطين ذا سقف مثلث ..

لقد أدهشني هذا الصنع ، إنه منزل صغير ولكنه شيء إبداعي بالنسبه لـ (حسن) ، فهو لم يبلغ العاشرة من عمره وهذا المنزل العالي الجميل يدل على قدرة مميزة ، وما زاد من دهشتي أن الأطفال نزلوا عن دراجاتهم الهوائية و راح كل طفل لبيته تاركينها في الشارع أمام (حسن) .
و بعد مدة خرج الأطفال من منازلهم و كلاً منهم يحمل دلواً مليئاً بالماء ، وجلسوا بجانب (حسن) الذي ارتسمت على وجهه ابتسامة لا أعرف تفسيرها .

عندها بدأ الأطفال يصنعون تلالاً من التراب ويرمون عليها الماء بعشوائية فلم يفلحوا بشيء ، عندها عدت و جلست على الدكة أناظرهم من بعيد ، فوجدت حسن يعلمهم كيف يصنعون المنزل ، كان يقف أمامهم وهم جالسين يستمعون إليه كمدرِّس يعلم تلاميذه .
فكان يعلم هذا ويذهب لذاك ولكن لا أحد استطاع بناء منزل مثل (حسن) ، وبعد ان تعبوا واتسخت أيديهم وملابسهم قاموا من أماكنهم وراحوا إلى منازلهم ، و أثناء ذلك سحق أحد الأطفال منزل (حسن) بأقدامه وحطمه ، عندها رجع حسن يصنع شيئاً من حطام منزله ، كان شيئاً صغيراً لم أستطع رؤيته .

لم يهدأ لي بال حتى أعرف ما هذا الشيء .. عندها سمعت صوت الأذان   لقد حان موعد الإفطار لكني لم أدخل المنزل حتى أرى ما صنع (حسن) .. عندها خرجت (أم حسن) ونادت عليه أن يدخل المنزل ، فراح (حسن) يركض داخلاً منزله ، و رحت أنا نحو الشيء الذي صنعه فوجدته (دراجه هوائية) !

عدت إلى منزلي وأنا أفكر بالشيء الذي حصل أمامي ، فاستخلصت أن المبدع مهما فعل فهناك من يريد تحطيمه بأي ثمن ، ولكنه يبقى يبدع حتى ولو بأبسط الأشياء .. و أن الحاجه فعلاً أم الاختراع .

 

تاريخ النشر : 2017-08-19

guest
15 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى