تجارب من واقع الحياة

أريد التخلّي عن كل ما بداخلي اليوم

بقلم : فتاة مجهولة

أريد التخلّي عن كل ما بداخلي اليوم
تخيّل أن تضع جهدا كبيرا في شيء ما و يسلب منك بكل ظلم، لقد تعوّدت ذلك منهم

رغم متابعتي لهذا الموقع منذ فترة طويلة جدّا، لم أفكّر يوما بمشاركة أيّ شيء من حياتي.
لكن عندما يكتفي المرء وليس لديه لمن يفضفض، يجب عليه التخلّص ممّا بداخله بأي طريقة .و قد اعجبت بروّاد موقع كابوس لنصحهم و حكمتهم (في أغلب الأحيان).أعتقد أنّ سبب كتابتي لهذا المقال هو أنّي أريد أن أبدأ بداية جديدة . تعبت من الكتمان والحزن الدّائم. كل ما أريده هو الفضفضة
 
أنا فتاة من الكويت. ولدت بعائلة ذات أربعة عشرة فردا . لطالما كانت الظروف صعبة . أمّي لا تعمل و أبي متقاعد. جلس فترة طويلة بلا عمل و عندما وجد عملا لم نهنأ بسبب الديون المتراكمة علينا. رغم أنّي عانيت في صغري من صعوبة الدراسة و درجاتي المتدنية، فلا أمّي و لا أبي يكترثان، أغلب اخوتي فاشلون دراسيّا. إلا انّني عاهدت نفسي أن أجتهد لعلّي أكون سببا في تحسين وضع هذه العائلة يوما ما. فأبي فاشل جدّا في إدارته للمال لذلك نحن دائما نعاني . و في صغره لم يكن مجتهدا في الدراسة على خلاف بقيّة إخوته، الشهادة الثانوية هي أعلى شهائده.

يقولون أنّ الوالدين يريدان لأبنائهما أن يكونوا أفضل منهم و أن يصلوا لأعلى المراتب. لكنني ولدت في عائلة تؤمن أنّ مكان الفتاة هو البيت و طموحها الوحيد يجب أن يكون الزواج. عندما تخرجت من الثانويّه و أردت دراسة الهندسة، حاولا منعي. رغم حصولي على العديد من المنح الدراسية و الفرص الثمينة أثناء دراستي، إلاّ أنّهم منعوني منها جميعها. منعوني من الجامعات الكبيرة في الدول المتقدمة و من أي جامعة خارج مدينتي و لكني لم أخضع لهم بل درست الهندسة في أقرب جامعة من منزلي بمنحة جامعيّة بفضل مستواي الدراسيّ.

لم يسألا عن تخرّجي في الثانوية و لم يباركا لي حتّى. حتّى فحص المستشفى لدخول الجامعة، لم يأخذاني اليه بل اضطررت أن أذهب مع إمرأة غريبة (سائقة حصلت على رقمها من الانترنت). رغم كل هذا و لغبائي، كنت أعطي أبي الأنانيّ من منحتي الدراسيّة (رغم انه في الواقع لايحتاجه حقا). فهو استغلالي لأبعد الحدود. بل و علاوة على ذلك، فحتّى الفرص الثمينه التي أحصل عليها خلال دراستي الاكاديمية، لا يسمح لي بها لانّها تتطلب السفر!. رغم أن الجامعة توفر جميع سبل الأمان من أجلنا!. فطفح بي الكيل و بدأت أحتفظ بالمال من المنحه الدراسيّة لنفسي فقط، فأنا أولى بها، أجتهد من أجلها و لم أجد حتى دعما معنويّا. بالطبع، سبّب هذا خلافا معهما فأصبحت علاقتنا سطحيّة أكثر.

ابتعدت عنهما و ركزت على دراستي و أخذت أجمع مبلغا لشراء سيّارة بعد حصولي على الرخصة. أعطيته إياه لكي يبحث لي عن سيّارة مستعملة لأعتمد فيها على نفسي. ففعل، و لكن هذه السيارة كانت لعنة. بعد فترة، أتى شخص ليخطبني و هو من أهل أمّي. أذكر أنّني كنت متردّدة كثيرا، فكنت فقط في الثامنة عشر و هو في السابعة و العشرون!. سمعت منهما كلاما كالسمّ. فهو يقول بما معناه “متى سأفتك من مسؤليتكنّ ؟” و عندما أعربت له عن هدفي لإكمال الدراسات العليا في الهندسة، إستهزاء بي و قال لي بما معناه أنني مهما حاولت لن أصل لتلك المرحلة. و أمّي من جهة أخرى، تقول لي أن أحمد ربي و أشكره لأنّ أمّه اختارتني من بين أخواتي و كأنّها فضيلة و شرف عظيم. و تزيد فوق ذلك و تقول أنّ المرأة مكانها المنزل فقط و تربية الأبناء.

ضغطا عليّ كثيرا و أخبراني أن أراه أوّلا و أستخير، ففعلت. لكنّي لم أرتح أبدا و أخبرتهم أنّي لا أريد الإكمال في هذا المشوار. حيث أنّ أهل الولد يريدون العقد في أقرب وقت ممكن. رفضت، فأخبروني ان الولد ليس بلعبة حتّى أراه ثمّ أرفضه (منذ البدايه و هم دائما في صفّه). و بقيت كذلك و قالوا لي أنت لم تتعرّفي على الولد، إعقدي عليه، تعرفّي عليه ثم “اختاري”. فرفضت،..

استيقظت يوما و لم أجد سيّارتي التي إنتظرت شهورا و شهورا لأوفّر ثمنها، جنّ جنوني و اتصلت بالشرطة لأبلغهم عن ذلك، لأنّ التي تدعي كونها “أمّي” لم تكن تجبني عندما أسالها عن السيارّة. تخيّل أن تضع جهدا كبيرا في شيء ما و يسلب منك بكل ظلم، لقد تعودت ذلك منهما. هدّداني أنني لن أحصل على سيّارتي إن لم أوافق، لا أعلم كيف و لماذا لكنني وافقت مكرهة. تمّ العقد اللعين . فتوجب على التعرّف على هذا “الرجل”.

لا أريد الكتابة عنه طويلا فهو لا يستحقّ ذلك أبدا. باختصار رغم انني في الثامنة عشر إلا أنني كنت أرجل منه لا و بل أكثر إعتمادا على نفسي منه، “إبن أمّه و أبيه”. ليس مهيّىء للمسؤليّة و يظنّ انّ الزواج مجرد حب و رومانسيّة. هو خبيث، نرجسي، نمّام، شكّاك و غيور، كلّ شيء بيني و بينه، عائلته تعلم به، لازال يعيش مع أمّه و أبيه، كسووول، يظنّ أنّه يمتلكني، فيريد تغيير شخصيتي و شكل جسدي منذ أن بدأنا الحديث معا. تفكيره شبيه بتفكير أمي و أبي، يظنّ أنّه فارس أحلامي الذي إنتظرته مطوّلا لأكون خادمته و آلة الإنجاب خاصّته.

المضحك المبكي أنّه يقول بأنّه سيسمح لي بإكمال دراستي ! و كأنني سأسمح له بالتدخّل بأي موضوع يخصّ مستقبلي.. هذا بالإضافة للكثير من الأسباب الأخرى التي جعلتني أعلم أنّه ليس هو الزوج الذي سيكون القدوة لأبنائي في المستقبل. قرّرت أنني لا أريد إكمال هذه العلاقة . أفضّل أن أكون مطلّقة، صدّقوني ! الذهاب من جحيم لجحيم أكبر لن يفيد بشيء. لم أحصل على طلاقي بعد و لكنّي هذه المرّة أقسم بربّ هذا الكون لو هددوني بكل ما أملك بل و بحياتي أيضا سأقول لهم و بكل جرأة: ” خذوها يا مختلّين!” 

أشعر بخيبة أمل كبيرة جدّا. “لماذا رغم أنني أردت تحسين مستواهم المعيشي يفعلون بي هذا؟ ما ذنبي؟”

قرّرت أن أفعل كلّ ما بوسعي لأصل لأهدافي و أن لا أتنازل لهم، ليسوا حافزي بعد اليوم، لا يحفّزني الآن إلاّ نفسي،طموحي و مستقبلي. أعترف أنني من مدّة طويلة لا أكلّمهم و لا أكلّم ذلك “الرجل” او أهله. و لا أشعر بالحاجة إليهم. فالشيء الوحيد و البسيط الذي كانوا يستطيعون اعطائي إيّاه هو الحنان، الرحمة و الدعم المعنوي.. لم أحظى بهم أبدا. فلا شيء يربطني بهم، لا أشعر بوجودهم (و هذا من فترة طويلة جدّا). لا أشعر بأنهم “أمّ” او “أب”. و كأنّهم غرباء عليّ.

بسبب المشاكل و الضغوطات النفسية، الفصل الجامعي الأخير لي كان أسوء فصل دراسي و لكنني سأعود و بقوّة

بالاضافة إلى بعدي عن عائلتي جمعاء (والدايّ و إخوتي)، منذ سنين طويله، و أنا أعيش بهمّ، حزن و كتمان. تخيل عزيزي القارىء، أن تعمل بجدّ و عندما تحصل على ثمرة جهدك، لتسلب هذه الثمرة من أقرب الناّس إليك. كل هذا ولّد إحساسا بالفشل داخلي، أشعر بحرقة و شعله، عندما أرى آباء و أمهات يدعمون أبنائهم بكلّ حب، بل و حتّى لو كانوا أفشل الفاشلين!!. تعبت…

رغم صغر سنّي، أعترف انّي أشعر أنّ سنين حياتي حتّى الآن ضاعت بالاكتئاب. أرى عمري يضيع أمامي و لا أستطيع فعل شيء. تعبت… بدأ هذا يؤثّر بي، فبدأت أشعر بالكسل و الفشل . هذه الأحاسيس تنمو أكثر و أكثر بداخلي بسبب هذه “العائلة”حتى أنني أصبحت أسأل نفسي ما الفائدة من كلّ هذا؟ متى سأموت؟ لماذا هذه هي عائلتي؟ لماذا هذا المصير؟

كلّ ما أفكّر به حاليّا هو أنّه يجب عليّ مسامحة نفسي و إعطائها الحب الذي تستحقّه و لم تحصل عليه. سأركّز على مستواي الاكاديمي. سأمارس الرياضة للتنفيس عن نفسي. الاستسلام ليس لي. المشوار سيكون أصعب من ما مضى. لكنّي ساقوّي نفسي و لن أنصاع لأي ظالم لو تطلّب ذلك حياتي. لم أولد بهذه الحياة عبدة حتّى يتحكم بحياتي الآخرون وأنصاع لأوامرهم. فانا حرّة، عبدة لربّي فقط. هذا غيض من فيض ما بقلبي و لكنني شعرت بالراحة على كل حال للتخلص منها.

تاريخ النشر : 2019-01-19

guest
20 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى