أدب الرعب والعام

قتل أباه وأكل أخاه و تزوج بأمه

بقلم : عطعوط – اليمن

قتلت زوجي وأكلت لحم أبني ، هل أنت أنسي أو أنت جني ؟
قتلت زوجي وأكلت لحم أبني ، هل أنت أنسي أو أنت جني ؟

 
إنهُ شنيع بن منيع بن شنقح ذيل الأسد ، و أمه بطحى ابنة نق ناق ساق الغزال ، كان منيع و بطحى يجوبا الفيافي والقفار ، لم يكن لهما دارِ معروف الإقامة ، كانا دائما الترحال بحثاً عن القوت ، تعرف منيع على بطحى في وادي عافر ، أثناء صيد الجراد ، أفاض كلاهما للأخر عن مكنون سيرته فتطابقت الظروف وتشابهت المعاناة ، فاتفقا على الزواج بعيداً عن أهليهما وعدم العودة و أن يسبح بحمده و يمشيا بارضة الواسعة فكانت هذه سيرتهما.

أرض يبيتان بها و أخرى يغدوان اليها ، يصارعان شظف العيش وطبيعة الأرض وتضاريسها وحرها وبردها ، يباتان في الكهوف وأكواخ الأشجار وخرائب الدار.

ذات مساء هجم عليهم الأسد في كهف من الكهوف ، فلاذت بطحى خلف منيع ، فزمجر الأسد و زأر و فتح فمه وكشر بأنيابه و أغمض عينيه من شدة فتح فمه متغطرس ، فألقى منيع كل ما يمتلك من التتن (التنباك) المطحون مخلوط بالرماد إلى داخل فم الأسد فلم يستطع الأسد أن يتنفس و أُصيب بالعطاس و سالت عيناه بالدموع ،

فكان يصرع رأسه بالصخور ، فتقدم منيع و أمسك بذيل الأسد وقطعه بالفأس وأخذه بيده ، بينما ترك الأسد يتخبط في الغابة و يعلم الله ماذا أصابه ، فكان يحمله في أسفاره و يعتده احدى بطولاته ، فلُقب بذيل الأسد ، بطحى فرت من الصوص وتسلقت حيد شاهق ، وقف اللصوص أسفله مذهولين ، فلقبوها بساق الغزال لسرعتها وتسلقها الجبال ، رُزقى بولد أسموه شنيع .

كانت تضع شنيع على ظهرها ملفوف بجلد محكم الأغلاق وتعبر الجداول وتتسلق الأشجار والجبال وشنيع في الجلد على ظهرها ، شاءت الأقدار أن تعبر بطحى ومنيع سيل جارف ، فأجتاز منيع السيل و وقفت بطحى على صخرة ، فوجدت سيل غزير يحيطها من كل الاتجاهات و يزداد ، فنطت و يا ليتها ما نطت ، فقد صادفتها شجرة كبيرة أقتلعها السيل بجذورها ، أصتدمت بها بطحى فاقتلعت أبنها من على ظهرها بمزباه و قذفت ببطحى جانب السيل فتلقاها منيع وانقذها ، بينما أبنهما شنيع الرضيع جرفه السيل وحل بهما الويل.
 
نزل بوادي فسيح الضياع ، كثير الغيول ، قليل السباع ، وجدا فيه مبتغاهم ، كانا قد ملا وكلا من الترحال ، ونزول الوديان وصعود الجبال ، فجمعا الأحجار وأخشاب الأشجار ، قاما ببنا بيت أمنا فيه من الأخطار ، واختارا ضيعة فاستصلحاها و زرعاها من كل صنوف الثمار ، فاستقر بهما الحال.

حملت بطحى فوضعت ولد ، فصار لهما أمل و فلذة كبد ، طاف بهم طائف يدعى رمال ، يضرب الودع و يقرأ الفال ، فقال : يأتيكم غائب غير تائب ، يقتل أباه و يأكل أخاه و يتزوج بإمه.
عجبا من كلامه و ثناه فأعطوه و أجزلاه.
أما ما كان من أمر شنيع فبعد أن جرفه السيل
جدفه في ليه من الليات على ثنية من ثنايا السيل ، فالتقطه راعي و إلى زوجته أتى به ساعي ، من بطنه عطلوا الماء و في أوردته جرت الدماء.

أرضعوه و أتخذوه ولد ، فأسموه ملقاط ، شب فاستسقى و رعى ، فزاد عليه الكد والعناء
فقرر الرحيل في الخفاء ، فوقف على باب منيع و بطحى مستسقى طاعم ، فأطعماه و أسقياه وما طلب أعطياه ، فعرضا عليه العمل حارس لمزعتهما ، فوافق على كل شروطهما ، فأعطاه منيع بندقية كان قد اقتناها لحراسة مزرعته.
 
فقال : يا ملقاط خذ السلاح و أحتاط.

أخذ ملقاط البندقية وحشاها بالطلقات وسكن في محراس المزرعة يتعهدها و يجمع المحصول و يجني الثمار ، و تأتيه بطحى بالأكل .

و ذات يوم جمع ملقاط بعض الثمار و أعطى بطحى وطلب منها أن تعرضها على منيع ليرى إن كانت قد نضجت ليقوم بجمعها وتسويقها.
عادت بطحى إلى البيت وعرضت على منيع الثمار.
فقال : لقد حان وقت قطف الثمر.
سأذهب في المساء واقطف مع ملقاط العنب.

ذهب منيع متفائل ، فدخل المزرعة من الباب المقابل للمحراس ، أحس ملقاط بالحركة
وخلف الأشجار أدركه و بدون إنذار صوب بندقه ، فاطلق طلقة وقعت في صدر منيع فخر صريع ، فصرخ ” قتلتني” القى ملقاط السلاح فأسرع إلى مكان الصياح ، فوجد منيع قد فارق الحياة غارقاً في دماه.

فندب وناح بماحل به من دبور و تشاءم بالويل والثبور ، فحمل منيع إلى المحراس و حاول جاهداً أن يعيد اليه الأنفاس ، فاشعل النار وقام بتضميد الجرح بأوراق الأشجار ، بات ليلة مرتبك محتار ، أتت بطحى صباحاً بالطعام فرأت بقع الدم.

فنادت : يا منيع ، يا ملقاط ، لمن هذا الدم ؟.
أجاب ملقاط : لقد أتيت فعل شنيع ، قتلت عمي منيع.
فعمر البندق بالطلقة ولاقى بطحى فأعطاها البندق و أنبطح أرضاً وقال : اقتليني ، هيا اقتليني عقاباً لجرمي بقتلي منيع.

 انهارت حواسها وخارت قواها ، فلم تعد تعي أرضها من سماها ، فمن جمعتهم صيد الجراد فرقتهم حراسة العباد .

أفاقت ونظرت إلى ملقاط بانحطاط ، فأخذت البندق و وضعت فوهتها في رأس ملقاط و حطت إصبعها على الزناد و قامت بالخيرة والاستشهاد و بلحظة فكرت و بسرعة قررت فرأت أن حياة ملقاط خيراً لها من قتله.
فهي إن قتلته انعدم سندها ومددها وعاشت بين العباد وحدها مع طفلها ، فمن يتعهدها ويرعى شؤونها ؟.

فقالت : أنهض يا ملقاط قد عفوت عنك فعلتك وغفرت لك زلتك.
احضر العتلة والمنجل نحفر قبر جوار المحراس ندفن منيع خفية عن الناس ، كُفن ودُفن و غُطى قبرة بالأشجار ، و أستمر ملقاط بعمله ، كان شاب مفتول العضلات يعمل في كل الأوقات ، فكان رجل البيت.

بدأت بطحى تنظر إليه بإعجاب ، فما كان يأكله منيع أصبح من نصيب ملقاط ، فتمنت أن يصير لها حبيب و أن يكتب لها به النصيب ، ذات يوم غابت بطحى بعد أن أوقدت التنور ، خرجت لبعض الأمور ، فصحى الطفل وبكى و إلى التنور دحى وحبى ، فوقع في النار فنجح و أشتوى ، تأخر عن ملقاط الغداء ، فترك المزرعة و إلى البيت أوى ، بحث عن أكل يسد به رمقه ، نظر إلى التنور فوجد بعض اللحم على الجمر قد نجح واستوى ، فدنا والتقط بعضه وأكل ثم شرب حتى أرتوى ، ثم عاد إلى المزرعة من حيث أتى.

عادت بطحى لترى طفلها بالتنور قد أشتوى ، كان قد تفحم ما تبقى منه ، فكادت أن تلقي بنفسها في النار ، استجمعت نفسها ولم لمت أجزاء الطفل المحروقة و وضعتها في خرقة.

أخذت الأكل و توجهت صوب ملقاط مسرعة ، فلم تتمالك أعصابها من هول الفاجعة ، فقد رأت في ملقاط ملاذها الأخير.

فقالت : ياملقاط إليك بطعام الغداء.
هيا أستعجل كي نحفر قبر لابني جوار أبيه ، لقد أحترق في التنور ، و قد جمعت ما تبقى منه داخل هذه الخرقة.
فقال : أما الغداء فقد تغديت و شبعت.
قالت: متى تغديت ومن أعطاك ؟.
قال : استأخرتك فذهبت إلى البيت في غيابك ، بحثت عن أكل في أدواتك وأطنابك ، فعثرت في التنور على لحم مشوي ، فأخرجت قطعة منه فأكلت ما طاب لي ، ثم شربت وعدت إلى مزرعتي.

صاحت بطحى يا ويلاة ! قتلت زوجي وأكلت لحم أبني ، هل أنت أنسي أو أنت جني ؟.
مباشرةً وضع ملقاط إصبعه في حلقة و أراد أن يخرج ما في جوفه ، حاول أن يتقيء دون جدوى.

دُفن الابن جوار أبيه ، و بطحى ترثي أبيه وتبكيه ، صارت وحيدة ، طريدة ، متبلدة ، حمل ملقاط على كاهله مسؤولية البيت والمزعة.

مرت الأيام و شعرت بطحى بالود يتنامى نحو ملقاط ، فاعتراها نحوه العشق والغرام ، فطلبت منه الزواج ، وأخبرته أنه مبتغاها والمرام ، وافق ملقاط و حضر الفقية
للعقد و وضع النقاط على الحروف.

أُقيم حفل الزواج و زُفت الزفوف و دُقت الدفوف ، فأتى الرمال و سأل عن الأحوال ؟.
فقيل له : هذا حفل زواج ملقاط بزوجة منيع.
فقال: يا بطحى هل أتى غائبكم
فقتل أباه و أكل أخاه و الأن يتزوج بأمه ؟.

نظرت بطحى إلى ملقاط و قالت : دعك من هذا الرمال سنعطيه المال فيقول إن هذا الزواج حلال.
قال الرمال : ألم يكن لكم غائب ؟.

قالت : بلى ، كان لنا أبن رضيع يُدعى شنيع جرفه السيل.
فقال ملقاط : سأذهب الأن إلى أبي و أمي وأتأكد من سر مكنوني.
ترك الزفاف ومشى الوديان والضفاف ، أحتارت بطحى في أمرها وندبت سوء حظها.
فوصل ملقاط إلى أمه و في كتفه بندقيته وعلى معصمه عطيفه ، فقال : هل خرجت من رحمك بعد تسعة سكنت في بطنك ، إن كذبتِ ببندقيتي قتلتك و بمعولي قطعتكِ.
قالت : حصحص ، لم تسكن بطني ولم تخرج من رحمي ، عثر عليك أباك في جول السيل
فالتقطناك و اتخذناك ولد.

عاد ملقاط مسرعاً فوجد الرمال على الباب فأدخله و كرمه وبجله وبالهدايا حمله.
و في أحضان بطحى أرتمى.
فقالت بعدما صالت و جالت :
أبني شنيع ! أنا من سمتك شنيع ، قتلت أباك فعفوت عنك ، أكلت أخاك فعشقتك.
من هذه الحياة خرجت بك.
فبحثت له عن عروس من ساعته وحينه و زوجته بأبنة الرمال ، كاملة الخصال.
وتمتعت بطحى بحب الأحفاد بعد أن مرت بأيام أشد من الشداد.

واختم بالصلاة على خير الأحباب والأصحاب طيب الأطياب.
 
* هذه القصة مستوحاة من التراث الشعبي اليمني. 

تاريخ النشر : 2020-08-02

الفهد

اليمن . للتواصل مع الكاتب : [email protected]
guest
30 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى