قصة حوار بين بيل و نبيل
استمر القط في صمته طويلًا فانزعجت بيل |
حان وقت النوم بالنسبة لبيل لكن ألم بطنها حال دون ذلك ؛ فدفعت سلتها الجميلة نحو الشرفة وجلست تتأمل المطر لعل الألم ينتهي ، وبينما هي كذلك شاهدت منظراً أشد إيلاماً ، فقد كان مجموعة من الأولاد يطاردون قطًاً مسكيناً متسببين له بالكثير من الجروح ، لكنه برشاقة استطاع القفز داخل حفرة بين أنقاض بناء مهدم كان يقع قرب قصر بيل وتحديداً مقابل شرفتها .
يئس الأولاد من العثور على القط فذهبوا ، لكن القط لم يخرج بعد ، فنادته بيل : يمكنك الخروج لقد ذهبوا ، فأخرج القط رأسه باحثاً عن محدثته فإذا هي بيل ، عندها دار حول نفسه مضطرباً و لم يعرف ماذا يقول ؛ فقد أهينت كرامته للتو أمام قطة جميلة .
لكن بيل استمرت في النظر إليه رغم أن ضوء الشارع الخافت و زخات المطر يشوشان الرؤية، رأته قطاً باللون الأسود والأبيض ، هزيل الجسم شاحب الوجه و مصاب بجروح ، لكن مايزال فيه أثر من الجمال الذي أودعه الله في متمثلاً بعينيه السوداوين القويتين كأنه في نظرها وردة ذات أشواك .
استمر القط في صمته طويلًا فانزعجت بيل ؛ فهي التي اعتادت أن يكلمها كل قط ويعاملها كملكة فقالت محاولة فتح حوار معه : عفوا أنا جديدة هنا وليس عندي الكثير من المعارف .
عندها نظر لها القط بفراسة الأعراب و مهارة المحقق كونان مستعيناً بأضواء شرفتها الساطعة (فرآها قطة بيضاء كالحليب ولها فرو كثيف أشبه ببطانية دافئة وعينان زرقاوان جميلتان كسماء الصيف) وأخيراً قال : الأخت من أوروبا ؟
تضايقت بيل من جوابه المقتضب وردت : نعم وتحديداً من فرنسا ، أنا أدعى بيل أنتمي لسلالة ملكية ، و جئت مع صاحبتي إيمي في رحلة سياحية .
فقال القط بمرح : تشرفنا سيدتي الملكة ، أنا نبيل من طبقة العامة و لا صاحبة لي ترعاني ، و أتمنى من كل قلبي أن تكونا أنتِ و صاحبتكِ قد استمتعتما بالرحلة السياحية .
أجابت بيل بحماس : نعم لقد استمتعنا كثيرا يا نبيل ، فالجو جميل ، والشوارع واسعة ، والأسواق جميلة ، والمطاعم فاخرة ، والحدائق والمتنزهات خلابة ممتعة ، ودور السينما بها كل جديد ، لقد أحببت مدينتكم .
فعقب نبيل على كلامها : صحيح لكن هناك أيضاً دورات المياه القذرة ، وتقلبات الجو المفاجئة ، والأزقة الضيقة ، والمطاعم المقرفة ، و أفلام الضرب التي يتحفك بها كل عديمي التربية والضمير .
فردت بيل مستنكرة : لكني لم أرَ ذلك ، هل تحاول إخافتي .
أجاب نبيل : لا ولكني أوقظك من غفلتك ؛ كي تحترسي عند حدوث مشكلة ما ، حالياً أنتِ لا تعانين من هذه المشاكل فصاحبتك تهتم بك جيداً ، إنها تقيك من البرد ببطانية ومدفأة ، ومن الحر بجهاز التكييف ، تطعمك أجود الطعام ، وتزور معك الأسواق والمتنزهات الخلابة ولا تسمح لأحد أن يؤذيكِ ، لكن لا يعلم الغيب إلا الله ، ونصيحتي لك ابقي مع صاحبتك و لا ترافقي الغرباء تسلمي .
أعجبت بيل بقدرة نبيل على تحليل حياتها بسرعة و أثَّرت نصيحته بها فقالت : خرجت للشرفة كي أنسى ألم بطني ، لكن بعد حديثي معك شفيت تماماً فشكراً لك .
فقال نبيل (وهو أيضاً يشعر بألم في بطنه) : عافاك الله ، هل أنت مريضة ؟
ردت بيل باستحياء : لا لكني أكثرت من تناول التونة ، رغم أن إيمي خبأت كمية منها خوفاً علي .
أراد نبيل إخبارها أن بطنه يؤلمه بسبب الجوع لكنه سيبدو أمامها شحاذاً ينتهز الفرصة ؛ فسكت .
أرادت بيل التعرف على نبيل أكثر فقالت : أتعرف لم سُميت بيل ؟ أنا باسم الحسناء بيل في قصة (الحسناء والوحش) وهي قصة شهيرة أحبتها صاحبتي ، و اسمي فرنسي معناه جميلة .
فرد نبيل مازحاً بلهجة العتاب : حسبي الله على إبليسك ، مادمتِ قد ذكرت ذلك فمعناه أنك الحسناء وأنا القبيح أعتبر الوحش ، ليت اسمك كان سندريلا حتى أكون الأمير الوسيم شارل .
أجابت بيل : لا أنا آسفة لم أقصد ، إنه اسمي فقط .
رد نبيل : اهدئي كنت أمزح هاهاها (لكنها نظرت له بغضب) فقال مغيراً الموضوع : انظري توقف المطر وظهر القمر ، انظري إليه أبيض كالحليب والجبن ، مستديراً كقرص الخبز ، مضيئاً كالفرن (ثم سال لعاب نبيل من الجوع)
فرحت بيل لمرأى القمر فقالت : بل هو أبيض كفرائي الملكي ، أو كعقد اللؤلؤ على جيد صاحبتي ، وهو مستدير ككرة الصوف التي ألعب بها أو كوجه صاحبتي الملائكي .
سكت نبيل حزناً على اختلاف حالهما رغم تشابه اسميهما ، وإشفاقاً منه عليها ؛ ففي حال لو باتت هذه المترفة مشردة فقيرة كيف ستعيش ، مع ذلك اكتفى بقول : أتمنى لك حياة سعيدة ، أنا ذاهب الآن ، لكن إذا احتجت لي سأكون بقربك مع السلامة (و ابتعد عنها بسرعة البرق)
صاحت بيل من خلفه : مع السلامة , ثم حدث أن انطفأت أنوار الشرفة فصار المكان مخيفاً حولها ففكرت (كيف يتمكن نبيل من تحمل الظلام وقسوة الحياة) ، لكنها بمجرد التفكير في ذلك خافت وارتمت في حضن إيمي النائمة على الكرسي تستمد منها الأمان والدفء .
تاريخ النشر : 2017-11-23