مذابح و مجازر

قصاصات سوداء (1) .. المقصلة والرؤوس الحية !‏

بقلم : اياد العطار

الكتب المقدسة تخبرنا بأن قابيل قتل أخاه هابيل من أجل امرأة، ثم استمر مسلسل القتل البشري منذ تلك الجريمة ‏الأولى وحتى اليوم .. وفي أحيان كثيرة لم يكن الإنسان يكتفي بسلب الحياة من الآخرين، لكنه تفنن في اختراع ‏الأساليب التي تشبع ساديته ونوازع نفسه المريضة فقطع الرؤوس وأحرق الأجساد وسلخ الجلود وأدخل ‏الخوازيق في ألأدبار .. فظائع تشيب لها الرؤوس طويت وأخفيت بعناية بين صفحات التاريخ. ونحن في هذه ‏القصاصات سنغوص معا عزيزي القارئ في لجة ذلك المستنقع الآسن وسنكشف لك وجها أخر لتاريخ البشر .. ‏وجها قبيحا مشوها يختلف كليا عن تلك الصورة الجميلة البهية التي أروك إياها في مناهج الكتب المدرسية ‏ومسلسلات التلفزيون المحشوة بالكذب وتزوير التاريخ.‏

قصاصات سوداء (1) .. المقصلة والرؤوس الحية !‏
المقصلة .. أشهر آلة لقطف الرؤوس البشرية .. في الصورة رأسين مقطوعين حقيقيين

“إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لأنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى ..” .. هذه الكلمات الشهيرة قالها الحجاج بن يوسف الثقفي مخاطبا أهل الكوفة، وقد أثبت الرجل خلال أيام ولايته بأن كلماته تلك لم تكن مجرد تهديدات جوفاء .. فقد قطف فعلا الكثير من الرؤوس .. لكن على أية حال، وبعيدا عن الدخول في متاهات تلك الحقبة الحرجة والمتأججة .. فقد ذكرتني كلمات الحجاج بعهود دموية كان قطع رأس الإنسان فيها أمرا عاديا وروتينيا وكان السيف والنطع ملازما لقصور الخلفاء والملوك والسلاطين. والنطع هو بساط جلدي كان يوضع أسفل الشخص المراد إعدامه لكي لا يلوث دمه الأرض والأثاث،  خصوصا وان عمليات الإعدام هذه كانت تنفذ أحيانا داخل قصور الخلافة والسلطنة. وكانوا يحتفظون بالرؤوس المقطوعة تبعا لأهمية ومكانة صاحبها .. أحيانا كانت تعرض كالفاكهة على صواني ذهبية وفضية وتارة ترفع على أسنة الرماح أو تعلق فوق بوابات المدينة وميادينها العامة. وفي الحقيقة، كانت الغاية الرئيسية من الاحتفاظ بالرأس مرتبطة بالجانب الدعائي والنفسي، حيث استخدمت لإثبات موت الأعداء وكذلك لبث الخوف والرعب في نفوس من قد تحدثه نفسه بالعصيان أو الخروج عن الطاعة. أما أشهر الجلادين في تاريخنا العربي، فربما يكون “مسرور الكبير” خادم الخليفة العباسي هارون الرشيد أبعدهم صيتا، وهو شخصية حقيقية كانت مقربة من الخليفة ولعبت قصص وحكايات ألف ليلة وليلة دورا كبيرا في تخليد ذكرها.

العرب بالطبع لم يشذوا عن بقية الشعوب ولم يبتكروا شيئا جديدا، ففصل رأس الإنسان عن جسده، كان من أقدم أساليب القتل وأكثرها رواجا أيضا، عرفته جميع الأمم منذ فجر التاريخ، وأتخذ أحيانا طابعا ملحميا، فالأشوريون مثلا، والذين اشتهروا بكونهم محاربين أشداء قساة، كانوا يعلقون رؤوس أعدائهم على الأشجار .. بينما أستعملها الإغريق في عروضهم المسرحية .. وعلق الازتك المئات منها على منصات خشبية ضخمة شيدت إلى جوار معابدهم الحجرية .. أما النازيين فقد اخترعوا مقصلة آلية قطعوا بها أعناق الآلاف من أعداءهم السياسيين .. على العموم، الحديث في هذا المجال يطول .. لكن الغرض من هذه المقدمة القصيرة هو تهيئة القارئ العزيز للتعرف على أشهر آلة استخدمت لقطف الرؤوس البشرية.

المقصلة .. آلة القتل الرحيمة !!

قصاصات سوداء (1) .. المقصلة والرؤوس الحية !‏
كان السيف والفأس يستعملان لقطع الرأس

لقرون طويلة، وكما أسلفنا، كانت الرؤوس البشرية تقطع بواسطة سيف أو فأس كبيرة، وفي الحقيقة لم تكن العملية دوما تجري بسلاسة كما خطط لها، أحيانا كان الجلاد يخطأ في ضربته فيصيب الكتف أو الوجه بدلا عن الرقبة، وكان في ذلك ما فيه من الألم والعذاب بالنسبة للشخص المراد إعدامه، بل حتى عندما كان الجلاد يصيب الرقبة مباشرة، لم يكن هناك ما يضمن الموت من الضربة الأولى، لذا كانت العملية تستلزم أحيانا عدة ضربات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، استلزم قطع عنق ماري ملكة اسكتلندا ثلاثة ضربات، في حين استلزم الأمر إحدى عشر ضربة لقتل مارغريت بولي كونتيسة ساليسبري التي يقال أنها وثبت وفرت من حر الضربة الأولى التي أصابتها في كتفها فلحق بها الجلادون وعالجوها بعشرة ضربات أخرى ليقتلوها. وبسبب الخوف من أخطاء الإعدام هذه، كان المحكوم عليهم بالموت يضعون قطعة نقدية ذهبية في يد الجلاد قبل تنفيذ الحكم كـ “بقشيش”! وذلك لكي ينجز عمله بإتقان وينهي المهمة بضربة أو اثنتين.

قصاصات سوداء (1) .. المقصلة والرؤوس الحية !‏
صورة توضح آلية عمل المقصلة

فرنسا القرن الثامن عشر عرفت طرقا عدة للإعدام، فالنبلاء كانوا يعدمون بواسطة ضرب أعناقهم بالسيف أو الفأس، أما عامة الناس فكانوا يعدمون شنقا، وهي عملية مؤلمة قد تستغرق عدة دقائق حتى يفارق المشنوق الحياة. وكانت هناك طرق إعدام أخرى مخصصة لأنواع محددة من الجرائم، فكان المدانون بممارسة السحر والهرطقة والإلحاد والشذوذ الجنسي يحرقون أحياء، وكان عتاة المجرمين والمتآمرين على الملك يعذبون بواسطة الدولاب أو تنتزع أحشائهم ثم يقتلون، ومما لا شك فيه هو إن كل الطرق السالفة الذكر كانت في منتهى الوحشية وتسبب ألما وعذابا فضيعا، إضافة إلى ذلك، فقد رأت الجمعية الوطنية المنبثقة عن الثورة الفرنسية عام 1789 في طرق الإعدام المتبعة آنذاك مثالا صارخا لعدم المساواة والتمييز الطبقي بين المواطنين!، لذلك أوعزت لتشكيل لجنة لاختراع طريقة أو وسيلة جديدة للإعدام تكون رحيمة وأكثر إنسانية من الطرق القديمة كما يتساوى عندها الجميع .. الغني والفقير .. الرجل والمرأة .. والنبيل مع رجل الشارع العادي.

اللجنة التي شكلتها الجمعية الوطنية الفرنسية برئاسة الجراح أنطوان لويس توصلت إلى تصميم نموذج أولي للمقصلة الفرنسية (Guillotine ) بوحي من تصاميم أقدم وأبسط كانت مستخدمة في ألمانيا وانجلترا، وبالذات مقصلة انجليزية كانت تدعى (Halifax Gibbet ) استخدمها الانجليز للإعدام منذ القرن الثالث عشر.

قصاصات سوداء (1) .. المقصلة والرؤوس الحية !‏
لوحة تصور أعدام ملك فرنسا

المقصلة الجديدة تمت تجربتها أولا على الحيوانات وجثث الموتى قبل إجراء عملية الإعدام الحقيقية الأولى عام 1792 بحق قاطع طريق يدعى نيكولاس بليتاي والذي أصبح رأسه الأول من بين آلاف الرؤوس التي حصدتها المقصلة خلال تاريخها الطويل، وأشهر تلك الرؤوس بالطبع كانت لملك فرنسا لويس السادس عشر وزوجته الملكة ماري أنطوانيت.

المقصلة شهدت عصرها الذهبي خلال الفترة التي عرفت بأسم عهد الرعب (Reign of Terror ) حيث أرسل سفاح الثورة روبسبير ستة آلاف إنسان إلى المقصلة خلال ستة أسابيع فقط. ومن المفارقات العجيبة هو أن عهد الرعب ذاك انتهى بإلقاء القبض على روبسبير نفسه وبنفس التهمة التي طالما الصقها بالآخرين، أي خيانة الثورة، ليتدحرج رأسه في النهاية عند حافة المقصلة التي طالما تمتع بإرسال الناس إليها أفواجا أفواجا.

الإعدام بواسطة المقصلة الغي في فرنسا عام 1981 ، وكانت رأس التونسي حامد جندوبي، المتهم بتعذيب وقتل صديقته الفرنسية، هي أخر الرؤوس التي حصدتها تلك الآلة الرهيبة وذلك في عام 1977.

رغم أن الغاية الرئيسية من اختراع المقصلة كانت تتمثل في اختراع وسيلة إعدام أكثر رحمة وإنسانية من وسائل الإعدام البربرية التي كانت متبعة في العصور الوسطى، إلا إن معظم الناس لم يروا في المقصلة سوى آلة دموية مخيفة وبشعة .. صحيح أن عملية الإعدام كانت سريعة قد لا تستغرق سوى جزء من الثانية ونسبة الخطأ في التنفيذ قليلة أو معدومة، إلا أن سمعة الآلة الرهيبة كانت ولا تزال سيئة جدا، ربما بسبب مشهد الدماء المتدفقة بغزارة مع كل عملية إعدام، وكذلك بسبب العدد الكبير من الأبرياء الذين أطاحت شفرات المقصلة الحادة برؤوسهم أثناء الثورة الفرنسية.

المخترع الذي صار أضحوكة

قصاصات سوداء (1) .. المقصلة والرؤوس الحية !‏
تمثال من الشمع في متحف مدام توسو يجسد رأس روبسبير بعد أعدامه

هناك العديد من القصص الغريبة المتعلقة بالمقصلة، بعضها لا يعدو عن كونه خرافة أو أسطورة، فمثلا يعتقد العديد من الناس أن مخترع المقصلة، أو بالأحرى الرجل الذي حملت أسمه، الطبيب جوزيف غيلوتن (Dr. Guillotin ) قد تم إعدامه بالمقصلة، أي بنفس الآلة التي شارك هو باختراعها. وفي الحقيقة هذا الادعاء لا أساس له من الصحة .. فالصحيح هو أن هذا المخترع الجهبذ كان فعلا قاب قوسين أو أدنى من أن يفقد رأسه بواسطة المقصلة خلال “فترة الرعب”، وذلك حينما عثر أتباع روبسبير من رجال اللجان الثورية سيئة الصيت على رسالة كتبها احد المعدومين بالمقصلة أوصى خلالها بأن يتولى الطبيب غيلوتن رعاية زوجته وأطفاله، وهذا الأمر كان يعتبر في ذلك العهد المرعب تعاطفا مع أعداء الثورة، لذلك ألقي القبض على الطبيب وربما كان سيلقي حتفه بالمقصلة حقا لولا أن أنقذه القدر في اللحظة الأخيرة، إذ تم إعدام روبسبير قبل تنفيذ الحكم فيه، وبنهاية عهد الرعب أطلق سراحه من السجن.

في الحقيقة، برغم دموية الآلة التي ساهم في اختراعها، إلا أن الطبيب غيلوتن كان أنسانا طيبا ومناصرا عنيدا لإلغاء عقوبة الإعدام، وكان غرضه الرئيسي من اختراع المقصلة هو توفير وسيلة رحيمة لإنهاء حياة الناس بسرعة وبدون ألم، لكنه للأسف تحول إلى أضحوكة للباريسيين الظرفاء لفترة من الزمن، فالرجل رغم عبقريته لم يكن يخلو من حمق، أو هكذا بدا للناس، ففي إحدى المناسبات العامة تحدث الطبيب بحماس عن آلته واصفا محاسنها ومميزاتها “الرائعة” قائلا : “الآن، مع آلتي، أستطيع أن أقطع رأسك بطرفة عين، ولن تشعر بذلك حتى!” وقد تحولت جملته هذه بسرعة إلى مزحة ضحك الناس عليها وتندروا بها.

الطبيب غيلوتن مات في باريس عام 1814 ولأسباب طبيعية.

هل تبقى الرؤوس حية بعد قطعها !

اللجنة التي صممت المقصلة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر أكدت في تقريرها الذي رفعته إلى الجمعية الوطنية الفرنسية بأن الإنسان الذي يتم إعدامه بالمقصلة سيموت بسرعة ولن يشعر بأي ألم. وفي الحقيقة قد لا يختلف اثنان حول سرعة المقصلة في تنفيذ عملها، لكن هناك شكوكا حقيقية تشوب مسألة الموت الفوري للإنسان فور أن تقطع المقصلة رأسه. وهناك قصة طريفة في هذا المجال تتحدث عن عالم فرنسي صدر بحقه حكم بالإعدام في أواخر القرن الثامن عشر، وكان هذا العالم عاشقا كبيرا للتجارب والبحوث العلمية، فقرر أجراء أخر تجاربه خلال عملية إعدامه! حيث أوصى مساعده بأن يحدق جيدا إلى رأسه فور أن تقطعها المقصلة، وأخبره بأنه سيحاول تحريك جفونه قدر استطاعته وعلى المساعد احتساب عدد المرات التي طرفت بها عينه لمعرفة الزمن الذي بإمكان الرأس المقطوعة البقاء خلاله حية. ويقال بأن مساعد العالم، وبرغم حزنه على أستاذه، أستطاع إحصاء 15 – 20 طرفة عين قبل أن يفارق العالم الحياة نهائيا، وهكذا توصل إلى استنتاج في أن الرأس بإمكانها البقاء حية بين 15 – 20 ثانية بعد فصلها عن الجسد.

قصاصات سوداء (1) .. المقصلة والرؤوس الحية !‏
الأخوان بوليت .. ادينا بالسطو المسلح وقطعت رؤوسهم عام 1909

وبغض النظر عن حقيقة هذه الحكاية، التي يقال بأن بطلها الحقيقي هو العالم الفرنسي الشهير أنطوان لافوازييه، مكتشف الأوكسجين والهيدروجين والذي أطاحت المقصلة برأسه عام 1794. تداول الفرنسيون في زمن ثورتهم قصصا كثيرة عن رؤوس مقطوعة أظهرت بعض علامات الحياة بعد أن فصلتها المقصلة عن أجسادها .. كعيون تتحرك وتحدق في الجماهير .. أو ملامح وتعابير غاضبة وحزينة .. وحتى محاولة التفوه ببضع كلمات!.

وربما تكون أشهر تلك الحوادث العجيبة التي شاهدها جمهور غفير هي تلك المتعلقة بإعدام شارلوت كورداي التي أدينت بجريمة قتل أحد أعضاء نادي اليعاقبة – جماعة يسارية ثورية متطرفة – فبعد أن قطعت المقصلة رأسها قام أحد الجلادين برفع الرأس عاليا ثم صفعها بقوة على خدها، ولشدة تعجب الجميع فقد أحمرت خدودها وبدت على وجهها ملامح الغضب وعدم الرضا كأنها شعرت بالصفعة وفهمت مغزاها!.

هناك قصة أخرى عن عضوان في الجمعية الوطنية الفرنسية من حزبين متنافسين تم إعدامهما بالمقصلة سوية خلال فترة “عهد الرعب” وتم وضع رأسيهما في نفس السلة، ويقال أن احدهما قام بعض الأخر بقوة من أنفه إلى درجة انه لم يعد بالإمكان الفصل بينهما!. وهناك قصة أخرى تتحدث عن طبيب فرنسي في القرن التاسع عشر قام بضخ دم كلب إلى أحدى الرؤوس المقطوعة توا بواسطة المقصلة، ولشدة دهشته فقد فتحت الرأس عيناها وبدئت شفتاها ترتجفان كأنها تستعدان للكلام!.

وبعيدا عن القصص والحكايات الشعبية، فهناك حادثة موثقة سجل تفاصيلها طبيب فرنسي عام 1905 خلال عملية إعدام بالمقصلة لمدان يدعى هنري لينغويل. الطبيب الفرنسي كتب عن تلك التجربة العجيبة قائلا :

“هنا، وفيما يلي، أكتب ما استطعت ملاحظته مباشرة بعد عملية الإعدام .. جفون الرأس المقطوعة والشفاه استمرت ترتعش لمدة 5 – 6 ثواني بعد فصل الرأس. وهذه الظاهرة سبق وأن لوحظت من قبل جميع الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم في نفس موقعي كمراقبين لعمليات الإعدام.

انتظرت لعدة لحظات حتى توقف الارتعاش وهدئت الانقباضات ثم هتفت بصوت قوي وواضح مناديا أسم الرجل المعدوم : لينغويل!.

ولشدة دهشتي شاهدت الجفون ترتفع ببطء من دون رعشة وانقباض كما في المرة السابقة، انفرجت بشكل متوازي وبطريقة طبيعية كما يحدث في الحياة العادية عندما يستيقظ الناس من النوم أو ينتبهون فجأة من تفكير معين. عيون لينغويل نظرت مباشرة إلى عيوني، البؤبؤان كانا متمركزان في الوسط، لم أكن أتعامل مع نظرات مبهمة بليدة من دون أي معنى كتلك التي نلاحظها في عيون الموتى؛ لقد كنت أنظر في تلك اللحظة، ومن دون أدنى شك، إلى عينين حيتين كانتا تنظران إلي بتركيز. ثم بعد عدة ثواني، أغمضت الجفون مرة أخرى.

انتظرت قليلا ثم هتفت مرة أخرى مناديا أسم الرجل، ومرة أخرى، ومن دون أي تشنج وارتعاش، ببطء ارتفعت الجفون مرة أخرى وبدئت العيون الحية تحدق بثبات إلى عيني، بل ربما كانت نظراتها هذه المرة أكثر حدة ونفوذ من المرة الأولى. ثم كان هناك إغلاق آخر للجفون، لكن هذه المرة لم تغلق بشكل كامل.

بعدها حاولت إعادة الكرة وهتفت بأسم الرجل للمرة الثالثة؛ لكن هذه المرة لم تكن هناك أية استجابة وأصبحت العين جامدة كالزجاج كما هو الحال في عيون الموتى”.

أن هذه الوثيقة وغيرها من القصص في هذا المجال دفعت العديد من الناس إلى التساؤل حول حقيقة الموت السريع والرحيم للمقصلة، ماذا لو كانت الرؤوس تبقى حية لمدة بعد الإعدام ؟ ماذا لو كانت تدرك ما يجري حولها خلال تلك المدة ؟ هل سيكون من الرحمة أن ينظر الإنسان إلى جسده مرميا بعيدا عنه والدماء تتدفق منه بغزارة ؟ .. هذه الأسئلة قد لا تقتصر على المقصلة وحدها، فهناك أناس تعرضوا لحوادث أو كانوا في جبهات القتال ومروا بتجارب التعامل مع رأس مقطوعة توا لأحبائهم أو أصدقائهم، العديد من هؤلاء قالوا بأن الرأس المقطوعة أظهرت علامات على بقاءها على قيد الحياة لبرهة قصيرة من الزمن!.

ماذا يقول الطب ؟

قصاصات سوداء (1) .. المقصلة والرؤوس الحية !‏
رأس وجسد القاتل والمغتصب البرت فورنير بعد أعدامه عام 1920

في الحقيقة من وجهة النظر الطبية فأن المتفق عليه هو أن الدماغ لا يموت بسبب فصله عن الجسد، لكنه يموت بسبب نقص الأوكسجين والمواد الكيميائية التي يمده بها الدم المتدفق من الجسد. والمدة التي يستطيع الدماغ البقاء خلالها حيا بعد توقف إمداداته من الدماء تختلف من شخص لأخر حسب العمر والصحة والقوة، لكنها في أفضل الأحوال لا تتجاوز ثواني معدودات .. 13 ثانية كحد أعلى.

لكن هل يشعر الإنسان بما يجري حوله خلال تلك اللحظات القصيرة ؟.

في الحقيقة الأطباء يعتقدون بأنه حتى لو بقى الدماغ حيا لعدة ثواني بعد فصل الرأس عن الجسد فمن المستبعد أن يشعر الإنسان بما يجري حوله، فقوة الضربة التي فصلت الرأس ستفقد الشخص وعيه فورا على الأرجح، وحتى في أسوء الافتراضات فأن انخفاض ضغط الدم السريع سيفقده وعيه خلال ثواني معدودات فقط بعد انفصال الرأس عن الجسد.

لكن ماذا عن قصص الناس حول بقاء الرؤوس حية لبرهة زمنية بعد إعدامها ؟.

الأطباء يعتقدون بأن بعض الحركات والتعابير، كارتجاف الشفتين وحركة الجفون، والتي تظهر على وجوه الأشخاص الذين فصلت رؤوسهم عن أجسادهم، وأكد العديد من الناس مشاهدتها، ما هي في الحقيقة إلا انقباضات عضلية لا علاقة لها من قريب أو بعيد ببقاء الرأس على قيد الحياة أو شعورها بما يجري حولها، وهذه الانقباضات اللاإرادية شبيهة بما يشاهده طلبة الطب أحيانا أثناء دروس تشريح جثث الموتى.

هل تشيب الرؤوس خلال ليلة واحدة!

قصاصات سوداء (1) .. المقصلة والرؤوس الحية !‏
الملكة ماري انطوانيت تقاد الى المقصلة

قبل أن أختم هذا الموضوع، وبسبب عشقي للأمور الغريبة، أود التطرق إلى لغز أخر تحدث عنه الناس زاعمين أن بعض ضحايا المقصلة ابيض شعر رأسهم بالكامل خلال الليلة التي سبقت تنفيذ الحكم فيهم. أشهر هؤلاء كانت ملكة فرنسا ماري أنطوانيت التي تقول بعض الروايات أن شعرها الذهبي الجميل أشتعل شيبا حتى تحول إلى صفحة بيضاء خلال الليلة التي سبقت إعدامها.

الأطباء طبعا يوافقون على أن الخوف والقلق النفسي والشد العصبي يؤثر على سلامة الشعر بشكل عام ويسرع من وتيرة الصلع وظهور الشيب في الرأس، لكن هذه العملية قد تحدث على مدى أسابيع أو شهور أو سنين ولا يوجد أي دليل يثبت إمكانية تحول لون الشعر إلى الأبيض خلال ليلة واحدة.

يتبع .. قصاصات سوداء (2) .. فنون الحرق بالنار ..

المصادر :

– تاريخ الطبري / الجزء الثالث / ص 547
Guillotine/ Wikipedia, the free encyclopedia
The Guillotine
Does The Head Of A Guillotined Individual Remain Briefly Alive?
Does the head remain briefly conscious after decapitation ?
Can Hair Turn White from Fright?

هذه القصة نشرت بتاريخ 26 /10 /2010

guest
71 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى