أسرار فجر الحضارة المصرية -2- : أبو الهول .. أحجية مغلفة بسر غامض

يحرس أهرامات مصر منذ ما يقارب ٤٦٠٠ عاماً ، له هيبة تثير القشعريرة لدى جميع الزوار . هو حارس ملوك مصر .. حارس المحطة الأخيرة . قيل أنه خفرع ابن خوفو العظيم ، و بات الظن لسنوات أننا نعرف الوجه الحقيقي لأبو الهول ، لكن …. هل هو خوفو حقاً ؟ جولة جديدة في مصر القديمة ، و لننطلق..
حقاً هو خفرع؟ لا ، بل هو خوفو نفسه ، أم ليس خوفو حتى؟ هل يُعقَل أن يكون ابن آخر لخوفو طواه النسيان منذ ذلك الحين؟ هل يكون هو من شيًّد الصرح العملاق و سُرق َ منه إنجازهُ ؟ إنها قصة أُسرية يصعب تصديقها و لكن لنخوض هذه المغامرة و نرى النتائج .

ينتصب بقامته الحجرية بثبات في مدخل القاهرة ، ذلك المنحوت الضخم القابع تحت سفح أهرامات الجيزة لم يزل متكتماً أشد التكتم على ماضيه . فما الهوية الحقيقة لهذا الأسد العجيب الجالس برأس فرعون؟ من أي ذهن نبع هذا العملاق الهجين؟ غياب البراهين التاريخية و استحالة الاستعانة بالتقنيات الحديثة الخاصة بضبط التواريخ ، تفسر لماذا لم نحصل على الأجوبة الكافية . منذ العام ١٩٨٠ م ترددت أطروحة لدى علماء المصريات : إن الفرعون خفرع هو الذي أعطى تقاسيم وجهه إلى أبو الهول ، و هذه النظرية و إن كانت مدعمّة بالحقائق فهي لا تخلو من بعض المناطق التي يكتنفها الغموض ، فعالم الآثار ( فاسيل دوبريف – Vassil Dobrev ) يقولها علناً : كفى إثارة ، إنه خوفو ، و لربما إنه ذلك الفرعون المنسي .
إقرأ أيضا: أبو الهول .. وحش من حجر يشهد على تاريخ مصر !
الفرعون المنسي

هذه ليست المرة الأولى التي يتم الربط فيها بين اسم خوفو ، أشهر بنائي الدولة القديمة ( ٢٧٠٠ – ٢٢٠٠ ق.م ) و لكن الغريب أن خوفو ذاته الذي اتخذ كنموذج لبناء أبو الهول لم تتح له الفرصة لمشاهده هذا الانجاز . و لكن الذي أمر حقاً ببناء هذا العملاق قد يكون الفرعون دجِدِف رَع .. الأخ الغير الشقيق لخفرع . و لكن ( ضربة المعلم ) لم تساعد على تخليده كما توقع ، بل من المفارقات أن هذا الفرعون سيتم نسيانه بعض أن تعرض للخزي و العار ، و التجاهل و العقاب كان نصيب هذا الفرعون المنسي .
لكن حكم النسيان هو من وضع العالم فاسيل دوبريف على طريق الكشف الصحيح لمخترع أبو الهول . والحقيقة فقد صُمم أبو الهول للإبهار ، فكل شيء به يتحدى الخيال في وقتنا هذا و في زمن فراعنة مصر ، طوله ٧٣ متراً ، ارتفاعه ٢٠ متراً ، و لم ينحت في مكان و نقل من مكان ، بل نُحِت من صميم الجزء الجيري من الهضبة و هو جزء لا يتجزأ من الصخرة الأم . هذا لوحده يُعتَبَر إنجازاً لحضارة قامت منذ ٤٦٠٠ عام .
الطريق الحقيقي
الحقيقة أن أبو الهول لا يتسق مع المحور المركزي لهرم خفرع ، فالطريق إلى المجمع الجنائزي ليس من الشرق كما نتجه نحن اليوم .. بل كان عن طريق الجنوب . قدوماً من ممفيس عاصمة الدولة القديمة ، و بنظرة خاطفة و نحن ننظر باتجاه الشمال ستلاحظ اتساق وتوازي العملاق الحجري مع هرم خوفو و ليس خفرع .. كما أن ( النيماس ) الذي يُغطي رأس التمثال يشابه إلى حد كبير النيماس ذو الطراز القديم في عهد خوفو ووالده زوسر و حتى إن وجدت لحية للاحتفالات مبتورة بالقرب من التمثال ( لم تكن هذه اللحية معروفة في عهد خوفو ) ، فهي ليست دليلا دامغاً . لربما أضيفت فيما بعد ، فكيف نجحت أطروحة خفرع أن تتغلب على أطروحة خوفو ؟ حسناً لنكمل ، قد لا يكون خوفو و لا حتى خفرع أصحاب الوجه الحقيقي .
هل أبو الهول هو دجِدِف رَع؟

قد يكون وجه خوفو ، و لكن ليس خوفو من أمر ببناء التمثال .. خاصة أن دجدف رع كان يدرج جميع أعماله تحت اسم ( أبو الهول ) .
إقرأ ايضا: لغز التحنيط عند قدماء المصرين
أبو الهول كان وثيق الصلة بعبادة الشمس و قد سُمّي ( شسيب عَنخَ آتوم – الصورة الحية ل آتوم ) إشارة لإله الشمس ( آتوم رع ) . و عندما تولى دجدف رع السلطة ، خلع على نفسه لقب ( سا رع – ابن الشمس ) ، إذاً أبو الهول يمثل إله الشمس . دجدف رع لقب نفسه بابن الشمس ، رفع منزلته كأبيه خوفو و وجده زوسر إلى مكانة الآلهة ، فلماذا كان يبدو و كأنه مرغم على إرساء حكمه و تعزيز شرعيته بهذه التكاليف ؟ و ما سبب اختياره لنفسه كإله في الحياة و اختيار فكرة تمثيل والده في ابو الهول و عكس كل المفاهيم السائدة أنذاك عن صورة الآلهة ( كانت تصور برأس حيوان و جسد إنسان ، أبو عكس هذه النظرية تماما ) ؟
خوفو السبب
نهاية عهد خوفو كانت سعيدة حرفيا لكل المصريين من صناع و عمال ، فقد أنهك الرجل المصريين ببناء هرمه وقبلها والده الذي شيد أربعة أهرامات ع الاقل ، تمثل حجما إجماليا ب ٤ ملايين متر مكعب .. وآلت هذه اللعنة إلى دجدف رع لإكمال بناء هرم والده خوفو ، فكيف سينجح هذا الفرعون باستعادة ثقة الشعب واحترامه ؟
دراما شكسبيرية ملفقة

كان دجدف رح يسعى لتشييد هرمه الخاص ، و لعله في ذلك الوقت كان يبحث في مخيلته عن تحفة لا مثيل لها لاستعادة احترام الشعب تجاه أسرته . وحيث أن الهدف كان ضمان سير الأمور في هذا الاتجاه ، فإن البناء الجديد قد تميز بأنه لا يتطلب نقل أحمال ثقيلة لأنه منحوت في الصخر . إذا دجدف رع كان ملكاً عظيما و هو يتعارض مع سمعته كمتورط في جريمة اغتيال و لم يحكم إلا ثمانية أعوام قليلة الأهمية ، إذا يقال انه قتل أخاه كواب ، و أنه شعر بالخزي من تشييد قبره على هضبة الجيزة و اختار موقعا آخر قبل أن يموت مقتولاً هو الآخر على يد أخيه خفرع ، و يقرر خفرع عدم إكمال مقبرة الملك الخائن ، و يعاقب أخيه بطي ذكراه للأبد .
و لكن دجدف رع حكم أكثر من ثمان سنوات و ليس كما قيل بأنه كان الفرعون المتعطش للدماء . والدليل بأن اسمه الملكي لم يمح كما هي عادة المصريين القدماء بمحو كل ذكرى و تدميرها في محال لحق الخزي بالشخص .
إقرأ أيضا: غرائب من التاريخ -1- : الحضارة الفرعونية
وفي النهاية ما زالت الأبحاث مستمرة حول هوية أبو الهول . و ما زاد الأبحاث غرابة ، نظرية وجود غرفة سرية داخل أبو الهول لم يكشف عنها حتى اللحظة . ولتنتهي قصة وجه أبو الهول شبه محسومة كالتالي : المخطط كان لدجدف رع و الوجه لخوفو و تم تحريفه فيما بعد لخفرع . الذي لم يكتفي بذلك ، بل اختار بناء هرمه الخاص في على هضبة الجيزة ليبدو الهرم أفخم من هرم والده خوفو و إن كان أقل حجماً و ( بأقل التكاليف ) .
عودة أبو الهول إلى الواجهة
يحكي حسب لوح من الغرانيت الأحمر موضوع بين أرجل العملاق الحجري ، بأن تحتمس الرابع حين كان لوياً للعهد . استراح في ظل أبو الهول أثناء رحله صيد . و شاهد أثناء نومه حلماً يعده بتاج مصر إن أنقذ أبو الهول من الغمر تحت الرمال .
و لا يزال أبو الهول ( أحجية مغلفة بسر غامض داخل لغز )
ملاحظات :
فاسيل دوبريف : صاحب النظرية الجديدة لأبو الهول .
تواريخ رئيسية الأسرة الرابعة ( ٢٥٠٠ – ٢٦٥٠ ق.م ) :
فترة حكم الفرعون سنفرو ( زوسر ) ٢٦٠٠ – ٢٦٥٠ أول ملك في هذه الأسرة .
و فترة حكم الفرعون خوفو ٢٥٧٠ – ٢٦٠٠ ، ابنه و باني الهرم الأكبر .
فترة حكم الفرعون دجدف رع ٢٥٤٥ – ٢٥٧٠ ، ابن خوفو وهو دون شك باني أبو الهول .
أما فترة حكم الفرعون خفرع ٢٥٢٠ – ٢٥٤٥ : أخ غير شقيق لدجدف رح ، ابن خوفو .
ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .