البؤساء
و عندما وصلت إلى مقعدي المفضل رأيت فتاةً جالسةً عليه |
إنه يوم مثل كل الأيام ، ممل و روتيني ، أنتظر بفارغ الصبر فترة غروب الشمس لأتمشى قليلاً على الشاطئ و أبتعد عن الضجيج و أتأمل مياه البحر و أفكر كيف سوف أسدد ديوني لذلك المتعجرف ستيف ، يقوم بتديين الناس بالفائدة و إن لم تدفع له باليوم المحدد يقتلك من دون رحمة .
ربما تسألون أنفسكم لمَ تورطت و استلفت منه النقود ؟؟ و لكن سأتكلم في الموضوع لاحقاً ..
و عندما وصلت إلى مقعدي المفضل هناك رأيت فتاةً جالسةً عليه و علامات الحزن و اليأس مسيطرة على وجهها الشاحب الذي يذوب مثل الجليد ، و شفتاها شديدتا الحمرة و جسدها كان نحيلاً و ضئيل و بالرغم من كل ذلك كانت جميلة ، على الأقل بالنسبة لي .. نظرت إلي و قالت سيدي هل تراني ؟ سؤالها هذا جعلني مندهش حقاً فأجبتها نعم بكل تأكيد سيدتي ، فابتمست ابتسامةً خفيفة و قالت هذا غريب لأنه لا أحد يراني أو يعيرني اهتمامه ، فقلت لها اتسمحين لي بالجلوس ؟ قالت نعم تفضل ..
و ما إن جلست حتى انفجرت بالبكاء و بدأت تكلمني عن مشاكلها و همومها كأني صديقها المفضل ، و أنا أكاد أعرفها منذ دقيقتين ، كلما كنت أريد التحدث تقاطعني و تتكلم كأنها لم تتكلم مع أحد منذ مدة !! لم تترك لي خياراً آخر سوى أن أصرخ و أقول توقفي ما بك ، و لكن ألم تتعبي من الكلام ؟ فسكتت و نظرت لي نظرة يملؤها القهر و الحزن فوقفت و قالت لي عذراً يا سيدي أنا آسفة على تصرفي هذا ، سوف أرحل .. وداعاً
و راحت تركض بعيداً عني فشعرت بالندم الشديد لأني كسرت قلبها ، كانت فقط تريد أن تتحدث عما يزعجها ، فرحت أركض باتجاهها و أقول أنتِ يا سيدتي .. انتظري لحظة ، لكنها كانت سريعة جداً لم أرَ فتاة بسرعتها ، ثم ابتعدت أكثر و اختفت ، فوقفت للحظة ألتقط أنفاسي من التعب ، لقد كانت معدتي تؤلمني
ثم رجعت إلى المنزل الذي أسكنه مع صديق الطفولة رولي ، أنا و هو متخاصمان منذ مدة لا نتكلم مع بعضنا ، يتصرف و كأني غير موجود و لكن المهم أنني كنت أفكر بها ترا من تكون ؟؟
أصبحت كل يوم أذهب لأجدها جالسة هناك و بدأنا نتحدث في الوقت التي كانت هي في قمة يأسها و تعاستها كنت أعطيها كل ما أملك من السعادة .. في الوقت الذي لا أحد يهتم بها كنت أنا أعيرها و أعطيها كافة اهتمامي ، ليست بحاجة للناس الفارغين أنا بجانبها ، ربما وقعت بغرامها ، و لكن فعلاً أنا كنت الوحيد الذي أراها في هذا العالم ..
و لكن لحظة واحدة ! أصبحت مثلها لا أحد يعيرني اهتمامه أبداً و لا يكلمني أحد ، لا أصدقائي و لا الناس و لكن هل أصابتني بالعدوى ؟؟ أصبحت منبوذ مثلها لا أحد ينظر إلي ، أكلمهم و لكن لا يجيبوني ذهبت إليها و جلست بجانبها أصبحت مثلها بلا هدف .. بلا نبض للعيش ، و لكن يكفيني وجودها معي ، أصبحت أنا من يتحدث معها عن أهدافي و طموحاتي الوهمية ، حان دوري لأتكلم عما يزعجني ، و عندما حل المساء ودعتها ..
و أنا عائد إلى المنزل رأيت رولي و صديقتي يلبسان ثياباً سوداء و يحملان الورود متجهين للمقبرة ، فهرولت مسرعاً إليهما .. توقفا من مات ؟ توقفا … و عاد ألم معدتي بشكل أكبر لكن لم يكلفوا أنفسهم عناء الالتفات !!
لا أخفي عليكم أصدقائي ، لقد كنت محبطاً و خائفاً ، متسائل ترا من مات ؟ هل هو صديقنا مايك لأنه كان مريضاً بالقلب ، أو الجشع توم لأنه كام يتلقى تهديدات كثيرة هذه الأيام بسبب طبيعة عمله تهريب الأسلحة ، كان يعمل سابقاً في صالون حلاقة لم أعد أذكر كم مرة جعلني أرتدي القبعة أنا و أصدقائي من سوء حلاقته ، و إذا دخلت إليه بغية حلاقة لحيتك عليك بجلب الضمادات و الشاش إن كنت تفهم ما أعنيه .
و بدأت أذكر كل الأشخاص الذين أعرفهم حتى وصلا إلى القبر المطلوب و وضعا الورود و بدأا البكاء .. و ما إن وصلت اليهم و نظرت إلى القبر لتصعقني تلك الصاعقة .. لقد كان الميت هو كارل شميد !!
أصدقائي إنه أنا من فارق الحياة ، لقد بدأ ألم معدتي يزداد أكثر ، نزعت القميص لأرى رصاصة اللعين ستيف مستقرة في معدتي ، تذكرت الحادثة كاملة.. لم أدفع له بالوقت المحدد فأطلق النار ليصيبني بمعدتي ، نظرت إليهم و بدأت بالصراخ .. أنا موجود ، رولي سيلينا .. لكن للأسف لقد فهمت لما كنا متخاصمان كل تلك المدة ، هل فهمتم أصدقائي ؟؟
ذهبت إلى الشاطئ لأجدها جالسة تنتظرني ، أصبحت مثلها تماماً شاحب الوجه ..
قالت : لي ما بك ؟
أجبتها : الآن لدي جواب لمَ لا أحدك يعيرك اهتمامه و لا أنا أيضا .. و سكتت لبرهة
قالت : ما بك ؟ ما السبب ؟
قلت لها : لأننا قد فارقنا الحياة !
توقعت أن تصدم بالحقيقة إلا أنها ابتسمت و قالت :
لا بأس طالما نحن معاً لا شيء سوف يحزننا من جديد ..
فأمسكت يدي و قالت :
هيا بنا ، بما أننا أشباح يمكننا الذهاب إلى أي مكان ، ما رأيك في روما ؟
ابتسمت و قلت لها :
و بعدها سوف نذهب إلى باريس ، متشوق لأرى برج إيفل ..
و طفنا في الهواء متحررين من أكبر سجن و قيد في هذا الكون .. و هي الحياة .
تاريخ النشر : 2017-03-29