الفتاة التى تحترق
![]() |
جميعنا نتظاهر و نُمثل |
هذا هو مُلخص رواية الفتاة التى تحترق لـ كلير مسعود . إن وجهت هذا السؤال لغريب لكان عادياً ، فإما أن تعرفه و تكون قد إلتقيته من قبل بصورة سطحية ، أو أنك لا تعرفه ببساطة .
لكن ماذا إن كان هذا الشخص يعيش معك في منزل واحد ، عشتما ردحا من السنين كعائلة ، إن سألت شقيقك أو أبوك هكذا سؤال . سيظن بأنك سخيف أو تمزح مزاح ثقيل أو أنك ناقم عليه و لن يتخيل أبداً بأنك جاد!
لكن ماذا إن كنت لا تعرفه بالفعل ، ماذا إن كان هذا الشخص الذي ظننت أنك تعرفه كنفسك . كان يتظاهر أمامك طيلة الوقت خلف قناع صلد من معدن رخيص .
يكذب الإنسان في حالة الضغط و النجاة و البعض يلقي الأكاذيب فقط للا شيء . الكل يريد أن يكون مثالي لذلك يكذب . كي يكون في أعينهم صفحة ناصعة البياض لذلك نكذب و ننافق لنرضيهم . لأننا نريد أن نكون كما يريدون .
و على من يقع الخطأ ؟ علينا نحن الكاذبون أم على من ضغط علينا و يريد لنا المثالية في حين أنه بعيد كل البعد عن المثالية .
في خطين متوازيين لحياة مراهقتين كانت قصة الفتاة التى تحترق تسير في نهايات تنحرف و تستقيم في تناغم عاطفي مُشوق ، جوليا حياتها مثالية . عائلة ودودة ، مال في المتناول و دراسة أكاديمية علمية لمُستقبل مُشرق . لكنها كانت تكذب ؟ كانت تنظر في عين والديها و تُلقي الأكاذيب .
ولو قابلت أنت أمها ذات يوم لأقسمت أن إبنتها لا تخطئ و لن تقرب الخطأ . لأنها ظنت أنها أدت واجباتها على أكمل وجه و ليست مثل باقي الأمهات . ليبقى السؤال هل أدت تلك الأم واجبها بالفعل ؟
– و إن قامت بكل ما يجب تجاه ذلك الطفل كأم مثالية ما الذي جعل إبنتها تكذب ؟
– لماذا يكذب الأبناء على الآباء أو العكس ؟
في خط موازٍ آخر و على النقيض تماماً لحياة الفتاة الأولى جوليا تتكشف حياة صديقتها الثانية كايسي كإنعكاس شرس و مُظلم على صفحة نهر هادئ و صاف ، لقد كانت الفتاة الثانية إنعكاس للأولى ، لربما قصدت الكاتبة كلير مسعود أن كايسي كانت عبارة عن الأكاذيب التى ألقتها جوليا على مسامع والديها . لكنها أكاذيب بلحم و دم لها حياة خاصة بها و أحلام أُحرقت و ذهبت للأبد ، لكايسي أُم كاذبة و غامضة .. أب مجهول .. مستقبل غير واضح المعالم . لقد كانت كايسي تُمثل الخطأ – الأسرار المُخجلة و الجوانب المظلمة التى نحرص على إخفائها .
كانت كايسي القيود التى كسرناها دون علم والدينا . و كانت أيضاً الحلم الجميل الذي بات رماداً . كانت هذه الفتاة إنعكاس لكل من دُمرت أحلامه – سيجد نفسه بداخل حكايتها .
كانت كِلاهما تعكس الأخرى و كانت الرواية كما إختزلتها كلير مسعود بلفتة جميلة متمثلة في مقطع من أغنية لريهانا و أمينيم في قلب القصة ” قف هناك و أنظر إليّ أحترق ” .
.. في نهاية مؤسفة للأكاذيب . أقصد كايسي – في مدرسة مهجورة إنتهت و كادت تموت الفتاة الصغيرة . كثير من الأشياء المتراكمة جعلت كايسي تصل لهذه النهاية المأساوية أرادت أن تموت كالأكاذيب و الأسرار التى ندفنها لكيلا يعلمها أحد . أرادت الموت و لم تحصل عليه .
والد كايسي الذي نسجت حوله الكثير من الهالات البرّاقة . كان مُنقذها و ضوءها في الظلام ، كان المرشد لها . لقد كان والد كايسي الذي لم تره مطلقاً يمثل الأمل و النور . كان كالحلم الصافي الذي تتمنى أن يستمر للأبد . كان ببساطة الحقيقة الوحيدة التى آمنت بها تلك الطفلة لسنوات .
في لقاء درامي و عاطفي – مثير . صورته الكاتبة بدقة و إحترافية تلتقي بهذا الوالد المجهول و تلمس الهالة المُنيرة بيدها . في هذه اللحظة تتحد الحقيقة مع الأكاذيب لتكونا شيء واحد و لن تخبرك كلير مسعود أبداً بالحقيقة حتى تغلق كتابها – تترُكك هكذا و لن تكون ناقماً عليها .
تتكسر كايسي بعد لقائها العاصف بوالدها و تهرب بعيداً عن كل الأكاذيب . و في ترابط عاطفي و غير عادي بين الصديقتين ، تبحث عنها جوليا من أجل إنقاذها .
ما لفت إنتباهي بعد أن أغلقت الكتاب أن جوليا لم تكن تنوي إنقاذ كايسي و حسب و إنما كانت تنوي أن تُنقذ الأكاذيب كي لا تُكتشف . كي لا تتشوه صورتها و تبقي مثالية في أعين من أجبروها على المثالية .
و تبرع جوليا في إنقاذ الأكاذيب لآخر لحظة دون أن يُكتشف أمرها أو تتشوه صورتها .
و إن نظرت للقصة من جانب فلسفي ستجدها تجيب على بعض الأسئلة و تُهطِل عليك مطراً من أسئلة أخرى .
هل أبنائنا ملائكة و أبناء غيرنا شياطين ؟
أم جميعهم شياطين و نحن بحبنا العميق و اللانهائي لهم رفعناهم لمراتب عالية و قلنا بفخر هؤلاء أبنائنا ؟
لقد إختصرت عليك أيها القارئ تعب التفكير في مجريات القصة بعد أن تغلق الكتاب أتيت لك بالقضايا المهمة التى تطرحها الرواية . و كان للكاتبة عدة إسقاطات ذكية أثناء سير القصة و هذا ما جعل لها نكهة خاصة .
لن أعدُگ برواية سريعة و متلاحقة الأحداث ، إنما أضمن لك أنك ستتسائل بشأن حياتك و تُشكك فيمن حولك و أضمن لك أيضاً رتم لا بأس به من التشويق البطيء ، ما يدفعك لتنهي القصة و أنت راض .
ثم بعد إنتهائك ستطرح على نفسك أسئلة هامة و مُلحة . في كلمة أخيرة و صادمة قالتها الكاتبة كلير مسعود صراحة في نهاية الرواية ” جميعنا نتظاهر و نُمثل ” .
مصادر :
تاريخ النشر : 2021-01-30