اين هو ؟!
اخبريني صدقاً .. هل سأتزوج يوماً ما ؟ |
انظري اليّ …. بدأت اشيخ !
كانت (ايفي) لا تزال أمام المرآة تصففّ شعرها الطويل , لأكثر من ساعة .. فدخلت امها و رأتها , فقالت بعصبية :
– ايفي !! أمازلت كما انت ! هيا تحركي !! افعلي ايّ شيٍ ينفعك , بدل هذه السخافات !!
– و ماذا عسايّ ان افعل ؟ فسلمى نائمة طوال اليوم .. و انا احاول تضيع الوقت
– اذاً حاولي ايقاظها !!
– انت تعلمين كم نومها ثقيل .. و اظنها تحاول تضيع حياتها بالنوم .. و يبدو ان حياتي ايضاً ستضيع بسببها .. آه يا امي , اكاد اموت من المللّ !
– كان حظك سيء في اختيار هذه البليدة المنحوسة
– أمتأكدة يا امي , بأنها غير مسحورة
– لا ايفي .. سلمى بخير .. فلقد سألت ام البلابل عنها , و قد اكدت لي ذلك..
فنظرت ايفي في المرآة , و سألت امها بحزن :
– امي …. هل انا جميلة ؟
– ما هذا الهراء ؟! أمازلت تهتمين لهذه الأمور .. لقد اصبحت كبيرة
– بالفعل !! كبيرةٌ جداً .. انظري اليّ …. بدأت اشيخ !
– اوووف يا ايفي .. ما بك كئيبةٌ هكذا ؟
– اخبريني صدقاً .. هل سأتزوج يوماً ما ؟
– و الله , هذا يتوقف على مجهود سلمى
– ايّ مجهود امي !! انظري اليها … تظلّ قابعة في البيت .. لا تعمل .. لا تزور احداً .. لا تحضر الحفلات و لا المناسبات الإجتماعية , لكي يراها الناس .. و بسببها سأعنّس انا ايضاً !!
– ماذا نفعل ؟ قدرك ان يكون نصيبك مُرتبطاً بنصيبها
– لكني لم اعد احتمل !! ….. اتدرين ….لقد قرّرت أخذ اجازة !!
– لا يمكنك فعل ذلك !! فعملك هو مرافقتها مدى الحياة .. و الاّ ستلقين العقاب من الرئيس
– و ما يُدري الرئيس بما افعل ؟!
– اخفضي صوتك !! الا تدرين ان له اعين و آذان في كل مكان
– اذاً عليك ان تساعديني .. هيا !! اسمحي لي بالذهاب .. و حاولي ان تُخفي غيابي عن الجميع
– هذا مستحيل !! هكذا سأنال العقاب معك
– فقط لبضعة ايام .. ارجوك !!
– و مالذي تنوين فعله ؟
– سأحاول ان اجد نصيبي !!
– أجننت ! أبهذه المدة البسيطة ستجدين ما عجزت عنه سلمى طوال تلك السنين !
– سلمى .. سلمى .. اللعنة عليها !! لا اريد ان اصبح مثلها .. فأنا اريد ان اتزوج , يا امي .. لقد كبرت كثيراً !! الا تريدين رؤية احفادك ؟
– و كيف لا !
– اذاً !!
– ……..حسناً .. لكن معك اسبوعٌ واحد فقط .. و الاّ و الله !! انا من سأسلمك بنفسي الى الرئيس , لتنالي عقابك
– انت اجمل ام في الدنيا .. شكراً لك !! و اعدك بأنني سأعود قريباً مع زوجي الذي ….
– بل قولي خطيبي !!
– بصراحة …..هذا لا يتوقف , لا عليّ و لا عليك .. بل على قبول سلمى به
– هذا صحيح .. طيب .. هل تريدين ايّ مساعدة مني ؟
– لا شكراً .. فأنا في بالي خطة , و اتمنى ان تنجح .. لكن عديني ان تراقبي سلمى طوال فترة غيابي
– حسناً سأفعل … و بالتوفيق يا عزيزتي
و في اقل من ساعة .. كانت ايفي في بلدةٍ بعيدة , لم تذهب اليها من قبل .. (لا هي و لا حتى سلمى) ..
و كانت تمشي بالطرقات , و كلّها تصميم
– سأجدك يا نصيبي .. فحدسي يُشعرني بأنك في مكانٍ ما هنا .. لكن اين ؟ كل ما اذكره .. ان سلمى الغبية رفضت تعينها كمُعيدة في جامعة موجودة بهذه المنطقة .. و ربما لو قبلت الوظيفة , لوجدنا نصيبنا منذ زمن .. من يدري ؟ .. حسناً يا ايفي .. لنبدأ من هناك !!
و في دقائقٍ معدودة .. كانت ايفي تتنقل بحماس بين غرف الأساتذة (في تلك الجامعة) لكن معظمهم كانوا من كبار السن .. و هي و ان كانت كبيرة في العمر , الا انها تريد شاباً بعد طول انتظار ..
و بنهاية ذلك النهار , شعرت ايفي ببعض الخوف .. و صارت تفكّر :
– فكري يا ايفي .. اين يمكنني ان اجده ؟ …كل ما اعرفه .. ان هذا هو المكان الذي كان مُقدّراً لسلمى العمل فيه … و ان لم اجد عريسها هنا .. فأين يمكنني ان اجده في هذا العالم الواسع , و بأقل من اسبوع ؟!
و قبل ان تخرج ايفي من الجامعة , سمعت حواراً بين طالبين جامعيين :
– هل فعلاً الأستاذ سعيد , اعطاك علامةً متدنية ؟!
– هذا صحيح …. آخ , كم اكرهه !! ماذا يظن نفسه .. هو مجرد شاب لا يكبرني بكثير ..
– و لوّ كان .. هو مُعيدٌ متفوق .. و الجميع يحترمه
– لا تكلّمني عن هذا المغرور .. جيد ان رِجلُه انكسرت البارحة .. و اتمنى ان يبقى في المشفى !!
– حرامٌ عليك يا رجل ! …كما اني رأيته اليوم صباحاً , عائداً لغرفته في سكن الطلاب
– طيب بما ان حضرته , صار استاذاً جامعي ..فلما لا يترك غرفته القديمة , و يستأجر خارج الجامعة .. ياله من بخيل !
و ابتعدت ايفي عنهما , و هي تفكّر بكلامهم
– سعيد .. معيدٌ شاب .. و سلمى كانت ايضاً ستعمل كمعيدة هنا …. اظنه هو.. يبدو انني اخيراً وجدت نصيبي !! عليّ فقط ان ابحث في شقق الطلاب (التابعة للجامعة) عن شخصٍ مكسور القدم .. و لن يكون صعباً ايجاده مع هذه العلامة الفارقة
و بالفعل صارت ايفي تدخل من غرفة الى اخرى , و هي تحاول ان تجده .. و في بالها شكلٌ معين .. فهي تظن انها تعرفه جيداً .. لأنها شاهدته مراراً في احلام سلمى ..
و كانت على وشك ان تنتهي من تفتيش كل الغرف .. الى ان انتبهت بالصدفة لشخص يسير في الممرّ , و هو يستند على عكازه .. و بجانبه صديقه.. لكن كان عليها ان تقترب منه , لأنها لا ترى سوى ظهره
و صارت ايفي على مقربة منهما .. حين انتبه عليها صديقه , فابتعد قليلاً عن الأستاذ المصاب (الذي كان مشغولاً بجواله) ..و اقترب منها
– انا لم ارك هنا من قبل ؟!
فقالت ايفي بخجل , و بإرتباك
– يعني …كنت امرّ من هنا بالصدفة …
– و يالها من صدفةٍ رائعة .. انا سكيم .. و انتي ؟
– ايفي
– اراك وحدك يا ايفي .. اين صديقتك ؟
– اسمها سلمى ..لكن للأسف , هي فقدت الأمل .. ففكرت ان اقدّم لها المساعدة , و اتكفّل انا بالبحث عن نصيبها
– نصيبها هي فقط …. آه آسف , آسف .. لم اقصد احراجك .. فأنا ايضاً كنت انتظرك بفارغ الصبر .. اتدرين .. انت اجمل بكثير مما تخيلت
– انت تعرف بأنه غير مسموح لنا بترك اصدقائنا مدة طويلة ..
– فهمت قصدك .. سأحاول مع هذا العنيد , ان يزور منزل صديقتك سلمى بأقرب وقت .. اهو قريبٌ من هنا ؟
– لا للأسف .. عليكما السفر للقائها
– السفر ! اووه ..هذه مشكلة .. فكما ترين هو مصابٌ الآن .. كما انه مشغول بتحضير الإمتحانات لطلابه
– فهمت .. حسناً ..سأحاول مع سلمى .. مع انه من سابع المستحيلات ان تأتي الى هنا .. فهي بليدةٌ جداً , و بالكاد تخرج من منزلها
– عليك يا ايفي ان تجدي حلاً .. لأنه عندما يتزوجان , استطيع حينها ان اتزوجك
فابتسمت ايفي بخجل..
– فهمت .. سأحاول جهدي يا سكيم
و في نفس اليوم , مساءً .. عادت ايفي لمنزلها
فقالت امها بإستغراب
– ايفي ! اعدتي بهذه السرعة ؟!
فقالت ايفي بفرحٍ عارم
– لأني وجدته يا امي !! وجدت نصيبي , و نصيب البلهاء ايضاً
– ممتاز !! الف مبروك يا حبيتي !! طيب …اين هو العريس ؟
– على رسلك يا امي .. عليّ اولاً ان اقنع صديقتي بالسفر , لأن عريسها مقيد بالإلتزامات .. لهذا سفرها سيكون اسهل
– و كيف ستقنعينها .. و هي ما ان تستيقظ , حتى تعود للنوم مجدداً ؟!
– اذاً !! ليس امامي سوى المنامات .. دعيني فقط افكر , كيف سأرسم تلك الأحلام في عقلها الباطن
– حسناً .. سأدعك تخططين بهدوء
و ظلّت ايفي طوال شهرٍ كامل , تدخل الى عقل سلمى .. و تجعلها تحلم بذلك العريس , و هو يُدرّس في نفس الجامعة التي رفضت العمل بها .. و كانت تحاول بذلك (ايفي) ان تُفهمها : بأن نصيبها هناك .. لكن سلمى لم تُحرِّك ساكناً .. حتى كادت ايفي ان تفقد الأمل ..
الى ان اتى يوم .. رأت فيه سلمى , تكتب شيئاً على حاسوبها .. فأتت من خلف ظهرها , لتقرأ رسالتها (التي كانت تطبعها) و كان فيها :
(( الى سعادة مدير الجامعة الموقّر :
كنتم قد طلبتم مني الإلتحاق للعمل بجامعتكم , كمُعيدة في قسم الآداب .. و اعلم انه مرّ على طلبكم , خمس سنين .. لكن اردت ان اعرف : ان كان عرضكم مازال قائماً .
منتظرة الردّ ))
و ما ان ارسلت الرسالة .. حتى عادت ايفي بسرعة الى غرفتها , لتُحضّر نفسها للسفر .. فدخلت عليها امها
– اهذه انت ؟! لقد ارعبتني بدخولك كالمجنونة الى البيت !
– امي !! فعلتها اخيراً .. لقد ارسلت طلباً للإلتحاق بتلك الجامعة !
– ممتاز !! لكن الى اين انت ذاهبة ؟
– عليّ السفر بسرعة , لأجبر ذلك المدير على الموافقة الفورية لطلبها .. فهي عليها ان تُسافر الى هناك بأسرع وقتٍ ممكن , لتلتقي بنصيبها … الحمد الله , و اخيراً !!
– و هل كل هذا الحماس من اجل سلمى , ام من اجل سكيم العزيز ؟
– امي رجاءً , لا تحرجيني .. المهم ان تُغطي على غيابي .. فأنا لا اريد ان يصل الخبر للرئيس , و يحرقني !
– فهمت .. فهمت .. لكن لا تتأخري
و بعد يومين فقط .. تفاجأت سلمى بردّ المدير السريع بالموافقة.. حتى انه اخبرها : بأن غرفتها جاهزة في سكن الطالبات .
و بعد اسبوع ..كانت سلمى (في أواخر الثلاثينات من عمرها) تجلس في الطائرة و هي تشعر بالحماس , فهذه اول وظيفة لها بعد التخرّج … لكن حماسها لم يكن بمقدار حماس ايفي , التي كانت تجلس بجانبها .
و بأقل من شهر عمل .. و مع الكثير من التخطيط و المؤامرات من ايفي و سكيم .. حدث اخيراً اللقاء المنتظر في اجتماع المدير بالأساتذة .. و من اول نظرة , حصل الإعجاب بينهما .. تماماً كما حصل بين ايفي و سكيم
و بنهاية السنة الدراسية , كان عرس الأستاذان (سلمى و سعيد) بحضور العائلة و الأصحاب .. و في نفس الوقت … كان عرس قرينتها ايفي , و قرينه سكيم
تاريخ النشر : 2015-09-12