القسم : أدب الرعب والعام
عذاب الضمير

حكمت المحكمة حضوريا بإحالة أوراق المتهم حسام إبراهيم السيد إلى مستشفى الأمراض النفسية و العصبية و ذلك لبيان مدى قواه العقلية وقت ارتكاب الجريمة و مدى مسؤوليته عنها . ابتسم المحامى في ظفر و هو يزهو كالمنتصر و ألقى نظره على حسام بداخل قفص الاتهام و اتسعت ابتسامته أكثر فحسام يجيد تمثيل دوره المتفق عليه من الشرود و النظرة الخاوية المرتسمة في عينيه ، لكن الذي لم يعرفه المحامى هو أنه لم يكن يمثل في تلك اللحظة السيناريو الهابط الذي وضعه المحامي معدوم الضمير للهروب من جريمته النكراء ، فحسام ينظر ليديه من الحين و الآخر من أول الجلسة و يشخص بعينيه بعيدا و يبدو على قسمات وجهه علامات الخوف و الفزع و الندم أيضا .
وما أن وطئت قدمي حسام مستشفى الطب النفسي حتى صرخ بأعلى صوته و هو يقول : " أبعدوه عنى ! " .. و يضع يديه على أذنيه قائلا : " ابتعد عني " وهو يتصبب عرقا وينظر برعب و فزع صوب الباب محدقا في الفراغ و جثا على ركبتيه و هو يرفع يديه عاليا وهو يقول أنقذوني الدم يقطر من يدي ... الدماء تلوث يدي ....
أتى الطبيب بسرعة و أعطاه بعض العقاقير المهدئة ، وبين النوم و اليقظة ، والصحو و الهذيان ، تذكر حسام شريط حياته أمام عينيه ، فقد كان شابا مستهترا ماجنا يقضى جل وقته في تناول المخدرات و معاقرة الخمر و مرافقة السفلة و الأفاقين من البشر .
كان كالشاة الشاردة لا يراعى حرمه و لا ذمه و لا دين ، حتى عائلته الوقورة المحترمة تبرأت منه نظرا لأعماله التي يشيب لها الولدان و سجله الإجرامي الحافل بالمشاجرات و السرقات و الكثير من الأعمال التي يندى لها الجبين ، و لم يكن يحنو عليه إلا جده العجوز ذو الثمانين عاما ، كان يقدم له المال و المعونة ويدعو له بالهداية إلى طريق الصلاح . وفى إحدى الليالي عندما لعبت الخمر برأسه قرر حسام قتل جده و هو يحلم بالحصول على الكثير من الأموال و آلاف من النقود و لم يمهله شيطانه ليعيد التفكير بل قرر التنفيذ مباشره .
ذهب حسام إلى منزل جده و استقبله الرجل بجلبابه الأبيض الناصع و ابتسامته الطيبة التي تزين وجهه وهو لا يدرى بالشر الكامن الذي يضمره له هذا الحفيد الخائن ، وكالمعتاد طلب منه حسام بعض النقود ، فعاتبه الجد برقة على ما وصل إليه من حال ثم اتجه لخزينة ملابسه ليعطيه الأموال التي طلبها ، لكن الفتى عاجله بطعنه نافذة و غيب نصل السكين في صدره ...
نزفت الدماء بغزاره على جلباب الجد الأبيض و أغرقت يد حسام الذي نظر ليديه بفزع و هو كالمغيب و أخذ يصرخ بأعلى صوته ماذا فعلت ! ... ماذا فعلت ! ... و نظر إليه جده و هو غير مصدق ما تراه عيناه من الجحود و العقوق و قال له سامحك الله يا ولدي ستظل دمائي عالقة بيديك و ذنبي معلقا برقبتك ثم خبا نور عينيه و اسلم الروح لبارئها .
و قد حاول المحامى الذي احضره أصدقاء السوء الدفع بجنون حسام و اتفقا على تمثيل دور المريض النفسي حتى يحصل حسام على حكم مخفف ، لكن ما لم يكن في الحسبان هو عذاب الضمير . فعندما دخل إلى محبسه هوى قلبه بين قدميه و تصاعد التوتر في أعماقه و هو ينتفض بمنتهى العنف و هو يرى جده و ما زال نصل السكين مغروسا في قلبه و الدماء تسيل من جرحه النازف و تلوث جلبابه الأبيض ، و انهار كيان حسام و هو يسمع جده يقول له كلمه واحده "قاتل" .. "قاتل" .. "قاتل" .. و نظر حسام ليديه فوجدها غارقة بالدماء وكلما حاول غسل الدماء ازدادت وأغرقت يديه و ما زال يغسل يديه حتى التهب جلده من تأثير المنظفات و دماء جده ما زالت تغرقها .
لقد اختار حسام لنفسه اشد أنواع العذاب إلا و هو عذاب الضمير و الذي جعله نزيلا دائما بمستشفى الأمراض النفسية و العصبية .
لقد قالوا قديما انه لا ينام الليل إلا خالي البال مرتاح الضمير ، لكن صاحب الضمير المثقل بالهموم هل يستطيع النوم أو الحياة ؟؟ ..
تاريخ النشر: 2014-10-26
للمزيد من مقالات الكاتب : جيجى عادل
التعليقات (23)
زوزو:
شكرا على هذه القصة الرائعة
كوردستانيه:
القصه محتواها مهم جدا وانا اقول بدوري بانه لا يوجد عذاب اقوى من عذاب الوجدان الذي يقود الى الهلاك ...قتل الانسان الذي كان يساعده ويمد له يد العون وهذا كله بسبب اصدقاء السوء والطمع الاعمى شكرا على كتابه القصه قصيره ومعبره وفقك الله جيجي
كوردستانيه:
بالنسبه لسوالك الاخير اود ان اقول نعم هناك ناس تنام مرتاحه بعد ان تظلم وتعذب انسان اخر وخاصه في هذا الزمن الذي يمر في ازمه الوجدان والضمير في هذا الزمن لم نعد نستغرب شيء اصبح كل شيء ممكن للاسف واصبحنا نكره الاختلاط بالبشر لانهم بيخوفو ونحسب الف حساب ونحن نصاحب صديق خاصه وان كان دخيلا وامره مريب ونجهل ماضيه احذرو يا اخوتي لا تثقو يسرعه بالناس فكروا مليا وشكرا
ريان:
القصه جيده والسؤال الذي ترحطه إجابته تختلف من شخص إلى اخر نحن نعيش في ذمن يعج بالفساد
5:
قصه تجنن
ااااااااااااااه:
اغتصبو
بنت بحري:
عزيزتي / جيجي عادل ..دائما ما يعجبني أسلوبك في الطرح فهو بسيط سلس ناعم محبب للقلب..عزيزتي في اللحظة التي يخيل إلينا فيها أن ضميرنا قد رضي عنا لا يكون في الحقيقة قد رضي إنما يكون قد مات ووجب تقديم العزاء فيه..نحن بشر من الطبيعي أن نصيب و نخطئ لأننا غير معصومين..و في الوقت الذي نخطأ فيه يجب أن نمتلك الشجاعة و الضمير الحي لنعترف بذلك .. وعلي من يدعي أنه ما زال طاهرا نقيا كيوم ولدته أمه أن يصعد للسماوات السبع فهو من الملائكة و لا يمت لنا بصلة .تقبلي تحياتي يا بنت بلادي و دعواتي بدوام التألق.
الانسة انا:
حلو القصة للامام دوما
Al_Iraqia:
يا له من حقييير
تباً كم اكره شخص كهذا >_
مرزا:
شكراً جزيلاً القصة أكثر من رائعة
نجمه الصبح:
جميله جدا هدا القصه عاشت الايادي
صفاء الجميله:
القصه رائعه ولكن مستوحاه من قصه فيلم اجبني وخصوصا مشهد الدماء ع اليد التي يتم غسلها ولا تزول الدماء فقد رايتها في مشهد فيلم رعب لا اذكر اسمه لكثره افلام الرعب التي اتابعها فهي نوع افلامي المفضله
mohamed thrwat:
قصه رائعه جدا عزيزتي جيجي وطريقه السرد اكثر من رائعه سلمت يداك
اموله:
عزيزتي جيجي قصه جميله اتمنى منك ان تكتبي لنا قصص اخرى واكثر رعبا فاسلوبك مشوق ورائع
ريما:
اختي جيجي,,,,,تحياتي,,
اصبت بحق,,,
اشد و اقسى و اصعب انواع الوجع و الالم هو غذاب الضمير,,,
وقصتك عبرت عنه و وصفته بحذافيره,,,
أبدعت حقا,,,
أبرار:
قصه رائعه استمري دوما في تقديم الافضل و نحن دائما ندعمكي .
اماني:
اعجبني يا صديقتي جيجي
نبيلة:
قصة جميلة وواقعية اسلوبك متميز يا جيجي
فتاة الجيل ...:
قصة بمنتهى الروعة واسلوب الكتابه جميل جدا
سيرينيتي:
تشبه حكايه القلب الواشي او ذا تيل تال هارت من ناحيه العبره
استمري عزيزتي
المدريديه زينب المدريديه:
اصبتي ان اقسى واصعب انواع العذاب هو عذاب الضمير
ياسمينة :
كاتب القصة يوصل رسالة للأبناء العاق
اشرف نصر الشناوي:
القصص الفلسفية لا تأتي بالمباشرة
اقرأوا ش رواية شذئ في صدري لاحسان عبد القدوس